لماذا لم أرَ الخريف كما كنت أراه سابقاً / شمعون كوسا

بدء بواسطة matoka, ديسمبر 17, 2015, 05:24:30 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

لماذا لم أرَ الخريف كما كنت أراه سابقاً







برطلي . نت / بريد الموقع




قبل ايام عند نهوضي صباحاً جلست كعادتي استطلع الاجواء واستعرض جدول اعمال الطبيعة وخريطة الطريق التي رسمتها لي  لذلك اليوم . كان نهارا خريفيا في أواخر ايامه ، القبّة الزرقاء مشوبة ببعض الغيوم المتسارعة هربا من رياح قوية عاتية لا ترضى إلا بإخضاع كلّ ما يصادفها  وتطويعه . كنت اتابع من نافذتي حركة الرياح التي لم تتوقف، كانت بين كرّ وفرّ وبنفس الزخم ، وكأنها تقود حملة شاملة لتعرية الاشجار وحرمانها من كافة اوراقها التي كانت قد تبلّغت بالحملة ، لأنها كانت تودع أغصانها وتتهيأ للنزول قبل ان ترغم على ذلك مكبّلة اليدين ،مؤمنة بان هذا قدرها .
في هذه الحملة التي لم تهدأ ، كانت انظاري معلقة بشجرة قريبة .كنت ارى اوراقها تتساقط الواحدة تلو الاخرى ، باستثناء ثلاث منها،كانت تميل عند كل هبّةريح مطأطأة الرأس إجلالا للزائر الجبارأو إتقاء لشرّه .بقيت الاوراق صامدة في مكانها للحصول على مهلة ولو بسيطة من الحياة، لان السقوط كان يعني لها الموت ، هي التي كانت في التحام مصيري مع غصن قام بتغذيتها وادامة حياتها .بالرغم من جهودها المستميتة للصمود ، لم تتركها الرياح ، وعادت اليها عشرات المرات إلى أن أفلحت في انتزاعها من مكانها .التجأتِ الاوراق المتمردة الثلاث الى شجرة اخرى واصبحت تنتقل من غصن الى غصن.كانت تطرق باب كل شجرة الى ان استقرت على اغصان شجرة بعيدة.وقبل أن تهنأ بلحظة من السكينة، وجدت نفسها في قبضة الريح، التي طارت بها عاليا لتسقطها بعنف .
كنت مندمجا كليا بمشهد الاوراق التي تركت موقعها ، بكميات هائلة ، دون مقاومة ، وتابعت  بترقب واهتمام مسار الاوراق التي حاولت الصمود دون جدوى. تركتُ الاشجار وعُدت قليلا لنفسي ، فوجدت بان الظاهرة الطبيعية هذه قد حملتني حالا ، ودون ارادتي ،الى ما نعانيه هذه الايام ،من جراء ريح بشرية عاتية هبّت على حين غرّة ، وبطشت بمدن وقرى منطقتنا . انها ريح لم تأتمر بأوامر الطبيعة ولكنها وليدة شرّ يقوده عقل بشري .
رياح بشرية جديدة مرعبة افلحت بهزيمة كافة الناس الآمنين الذين سقطوا ، مثل الاوراق ، الواحد تلو الاخر؟
على شاكلة الاوراق الصامدة ، تخيلت البعض من هؤلاء الناس الامنين قرروا الصمود قليلا  بوجه هذه الرياح السوداء ليقولوا غاضبين:
لماذا ترغموننا على ترك أرضنا وأرض اجدادنا ، ألا تعلمون بانها جزء منّا ؟
   لما ذا ترغموننا على إنكار أعرافنا وعاداتنا وتراثنا وحتى معتقداتنا ؟
   لماذا انتزعتم الجمال والنور والتفاؤل من حياتنا ؟
لماذا تخيّرونا عنوة بين أن نكون مثلما ترغبون أو لا نكون ؟
لماذا تقضون على أحلامنا ومشاريعنا وآمالنا ؟
أولستم الان تقتلون نفسنا البشرية بإبعادنا عنوة عمّا كان يمثل حياتنا وسبب وجودنا ؟
انكم عازمون إعادتنا الى الخلف ، الى عصور مظلمة بعد ان اطمأنّت نفسنا ببلوغنا عصر الحرية للعيش بسعادة وأمان .
أولستم بذبحكم كائنات بشرية عاقلة، تقضون على الحياة برمتّها ، تقتلون العقل الذي يطوّر العالم ويحتويه ويسيطر عليه ، لأنه باختفائه يختفي العالم كله ؟
لقد خلق اللُه الانسانَ حرّا بحيث انه لا يتدخل في أعماله مهما كانت ولا يُخضعه لحساب في هذه الحياة ، فما بالكم  تقيمون الدينونة في هذه الحياة وتدينون الناس وتعاقبونهم على هواكم قبل يوم القيامة ، هل انكم مكلفون بالقيام بدور الله على الارض  ،هل اتيتم لتُنهوا دورَ الله ؟!!!
يجب أن تعرفوا جيدا: في هذه المرحلة من الحياة ،يحتاج الانسان الى أخلاق وليس الى شريعة ، لان الاخلاق الحميدة هي وليدة قوانين تؤمّن للإنسان حقوقه في هذا  العالم المتحضر ، انها ذات القوانين التي حافظت على حقوق الانسان واتاحت لكل دولة متحضرة الوصول الى درجة من الرفاهية والعيش بأمن وسلام وحرية .
وعندما رأت الاصوات الصارخة هذه ، بأن العاصفة السوداء سوف لن تهدأ ، سقطت كأوراق الخريف ، سكتت وغادرت ارضها باكية على حياة انتزعت منها.
اما أنا ، فإذا استمررتُ على هذا المنوال سوف لن تهدأ عاصفتي ، لذا اقول : انه غضب لم أقوَ على إخماده . كما اود ان اقول بانه منذ هبوب هذه الرياح الشريرة،لا استمتع بمنظر الخريف الجميل كماكنت استلذّ به سابقاً ..








Matty AL Mache