الإسلام في أوروبا أم إسلام أوروبا ؟ ..دراسة سوسيولوجية

بدء بواسطة ماهر سعيد متي, سبتمبر 24, 2014, 08:50:19 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

ماهر سعيد متي

الإسلام في أوروبا أم إسلام أوروبا ؟ ..دراسة سوسيولوجية عن أوروبيّي داعش

حميد ياسين ناصر *

تحدّث رؤساء و ساسة أوروبيون عن أرقام تكاد تكون كبيرة لمتطرفين أوروبيين كانوا قد التحقوا بما يسمى الدولة الإسلامية في العراق. رغم الجهد الاستخباري من مراقبة المطارات والموانئ  ،إلا أن الأرقام التي ذكرت لأوروبيي داعش تبقى كبيرة ناهيك عن التأييد الكبير لداعش في الأوساط الأوروبية من أصول مهاجرة. سنحاول إلقاء نظرة على بداية المهاجرين في فرنسا و بريطانيا و كيفية سقوطهم في هاوية الفكر المتطرف.
بدأ ظهور الدراسات عن الإسلام في أوروبا مع تزايد موجات الهجرة في العقد الستيني والسبعيني من القرن العشرين. فبدا هناك ظهور للجمعيات الإسلامية و ازدياد عدد الجوامع مما أثار مخاوف الأوروبيين خصوصا أن المهاجرين كانوا قد استقروا على شكل تجمعات Community و ليس على طراز الفردية الأوروبية Individualism. خرج لنا السوسيولوجي الفرنسي فرنسوا ديبة بدراسة عن المهاجرين في فرنسا. ميز ديبة بين مرحلتين عاشها المهاجرون : المرحلة الأولى هي مرحلة العصر الصناعي و المرحلة الثانية هي مرحلة ما بعد الصناعي.
تميزت المرحلة الأولى بشكل واضح بصراع طبقة العمال من الأغلبية المهاجرة مع أصحاب رؤوس الأموال في المدن الكبرى كباريس و لندن و بروكسل. سرعان ما تحول هذا الصراع في مرحلة ما بعد الصناعة إلى يومنا هذا إلى الإبعاد و الإقصاء و التهميش. فذهبت هذه الأغلبية العمالية من أصول مهاجرة لتترك المدن الكبرى لتسكن الضواحي التي أصبحت من المناطق الفقيرة في حين احتفظت أغلبية برجوازية و الطبقة الوسطى بهذه المدن .
في أعوام التسعينات ظهرت دراسات جديدة أهمها للأستاذ جيل كيبل حيث يصنف المهاجرين إلى ثلاثة أجيال : الجيل الأول أو ما يعرف بجيل إسلام الآباء وهو المقصود به الإسلام في أوروبا لأنه جيء به من الشرق أي من البلدان الأصلية للمهاجرين. أما الجيل الثاني فهو الجيل الذي تأثر بالإخوان المسلمين و الثالث هو إسلام الشباب. عاشت هذه الأجيال مرحلتين : الأولى تمتد من بداية الهجرة حتى عام 1980 حيث عرف هذا الإسلام بالإسلام في فرنسا. وما أن بدأ العقد التسعيني حتى بات إسلام فرنسا.
الجيل الأول: هو من العمال الذين أتوا إلى فرنسا لإعمارها جراء خراب الحرب العالمية الثانية الذي حل بها. عرف هذا الإسلام بالإسلام الشعبي أي إسلام البلد الأصلي .وبعبارة أخرى العبادة التقليدية الممزوجة بالثقافة والبساطة. تأثر الجيل الثاني وهم أغلبية طلابية بالإخوان المسلمين (الإسلام السياسي) و هو الجيل الذي ركز على بناء هوية إسلامية بحتة من خلال تركيزه على مسائل لبس الحجاب في المدارس والاهتمام بقضية اللحم الحلال. عملت هذه الحركة جاهدة على الاستقلال بفكرها دون التأثر بإسلام الجيل الأول. أما المرحلة الثالثة فبدأت مع جيل أبناء المهاجرين الذين ولدوا وتربوا في فرنسا و بريطانيا. نظم هذا الجيل نفسه على شكل جمعيات مناصرة للإسلام ، فلهم وجود على الإنترنت و مواقع التواصل الاجتماعي. ظهرت في هذه الأثناء حركة التبليغ و السلفية المتطرفة.
أفضل من كتب عن مسلمي أوروبا هو السوسيولجي الكبير أوليفر روي. يلقي روي باللائمة على السياسة التي تبنتها كل من إنكلترا و فرنسا إزاء المهاجرين. هناك نموذجان طبقا في أوروبا لانصهار المسلمين في المجتمع الفرنسي والمجتمع الإنكليزي. نموذج التشابهية Assimilationطبق في فرنسا في حين طبقت إنكلترا نموذج التعددية الثقافية Multiculturalism . يعني بالنموذج الأول هو وجوب انصهار المسلمين في ثقافة واحدة أي الفرنسية وهي من تقاليد الدولة اليعقوبية Jacobin Stat التي تركز على أحادية الثقافة للشعب لأن تعدد الثقافات في المجتمع الواحد بالنسبة لتقاليد المجتمع اليعقوبي في فرنسا يعد بمثابة تهديد لوحدة الأمة. أما النموذج الذي طبق في إنكلترا فيسمح بالتعددية الثقافية داخل المجتمع الإنكليزي من باب إثراء المجتمع من خلال التعدد الثقافي.
لم يحقق هاذان النموذجان النجاح المرجو بل وصل الأمر إلى فشلهما في سياسة الانسجام. لماذا هذا الفشل؟
اعتقد أصحاب التشابهية والتعددية الثقافية في كل من بريطانيا و فرنسا بأن الاحتفاظ بالدين هو احتفاظ بالثقافة والاحتفاظ بالثقافة هو احتفاظ بالدين. كما اعتقد انصار التعددية الثقافية انه حتى عندما يضعف الدين سيبقى ملاصقا للثقافة الأصلية للمهاجرين . و يرى أنصار التشابهية انه حتى في حال انسجام المسلمين في المجتمع الفرنسي و تلاشي الثقافة الأصلية سوف لا يبقى من هذه الثقافة إلا الإسلام. يوجد عدم إيمان بمثل هكذا أطروحة ،لأن سبب عودة الدين المتطرف هو الانفصال ما بين الدين والمرجعية الثقافية .ويعود سبب ازدهار الدين إلى المسخ الثقافي أي التخلي عن الثقافة الأم. بالنسبة للجيل الأول من المسلمين, كان الدين يتوارى خلف ثقافة بلدهم الأصلي. كان هؤلاء لا يمانعون من تسجيل أطفالهم في مطاعم المدارس و اختلاطهم مع الفرنسيين إلا ان الجيل الثاني امتنع من تسجيل أبنائهم في هذه المطاعم باعتبار الطعام ليس حلالا. لذلك نجد ان الجيل الثاني رفض ثقافة الآباء وخرجوا بالدين فقط ،وهذه المسألة المهمة لم تنتبه لها الدولة. من الظواهر الممكن ملاحظتها بخصوص ابتعاد الجيل الثاني عن ثقافة آبائهم هي تراجع أو اختفاء لغة البلد الأم و قوة لغة البلد الذي يعيشون فيه. زيادة جرائم الشرف دليل على التحرر النسوي في أوساط المهاجرين فضلا عن الملابس, الموسيقى و لحياة اليومية كل هذا ابعدهم عن الثقافة
الأم. فمن كان يريد اختيار طريق الإسلام فلا يرجع إلى إسلام الآباء بكل حال من الأحوال. فالانتماء غالبا ما يكون الى حركات إسلامية متطرفة. يجب الإشارة بل التركيز على أن إسلام الآباء يتميز بالتزاوج الثقافي أي انه إسلام نجد فيه التكامل الإثني و القرابي و القومي في حين ان الجيل الثاني يبحث عن علاقات اجتماعية عامة لا تكون بالضرورة قرابية أو إثنية. غالبا ما يكون إسلام الجيل الثاني إسلام سلفي يتعارض مع كل الثقافات القومية ، كما يدافع الإسلام السلفي عن إسلام بعيد عن كل تأثير ثقافي وعن كل خصوصية محلية (مكانية). أي بمعنى انه إسلام عابر للحدود بدون ثقافة بلد معين ، وبذلك يستطيع ان يتأقلم في ما بعد مع أي ثقافة يدخل عليها. يدعونا هذا الموضوع إلى دراسة جدلية الدين, الثقافة و المكان أو الحيز. يوجد في السياسة حاكم و محكوم تارة يطغي الحاكم على المحكوم و تارة العكس. هكذا هو الحال في جدلية الدين و الثقافة فعندما يطغى الدين على السياسة أو حتى يلغي وجودها يتجه الدين الى التطرف و في أحيان أخرى تطغى الثقافة على الدين. هناك مثالان في هذا الصدد: الأول يعزو انتشار البروتستانتية في العالم لتعبر حدود الولايات المتحدة الأميركية لتكسب مناصرين جددا يدخلون الى دينها. يفسر ذلك طغيان الثقافة الأميركية من جراء العولمة وانتشار الحياة الأميركية في العالم ،ففي هذه الحالة يكون انتشار الدين البروتستانتي بفضل الثقافة.
المثال الثاني يخص الإسلام السلفي الأوروبي ،ففي هذه الحالة يكون طغيان للدين على حساب الثقافة بل الأمر يذهب الى إلغاء الثقافة لبقاء الدين و تعرية الدين من أخلاقيات ثقافية كثيرة. فيصبح هذا الدين شاملا متطرفا يتجاوز مسألة الحدود والأرض ،لأنه بدون ثقافة مقيدة له.
في النهاية يجب ألا ننسى الإشارة الى مسألة الإقصاء و التهميش الاجتماعي و الاقتصادي والسياسي للفرنسيين من أصول مهاجرة ساعدت بشكل كبير على ابتعاد هؤلاء من المجتمع الفرنسي الأصلي و خلق العدائية و اتساع الهوة بين الطرفين و اعتبار احدهم للآخر عدواً. كما ان للتهميش السياسي للفرنسيين من أصول مهاجرة وعدم تمثيلهم بوزراء و نواب في المشهد السياسي الفرنسي أثار مسألة الظلم والحيف الواقع على هذه الفئة الاجتماعية المهمة و الكبيرة في المجتمعات الأوروبية بصورة عامة. فضلا عن ذلك, عدم الالتزام بالوعود التي قطعتها الحكومات الفرنسية و البريطانية المتعاقبة للقضاء على البطالة و تجارة المخدرات و السلاح ومعالجة الفشل الدراسي في مناطق الضواحي أدت الى فشل النموذج السياسي في معالجة انسجام المهاجرين في كلا المجتمعين الفرنسي والإنكليزي. كل هذه الأسباب دفعت بهذه الشريحة الكبيرة الى البحث عن هوية أخرى مناقضة للهوية الفرنسية أو البريطانية ليكونوا صيدا يسيرا لجماعات التطرف و العنف. ما يميز حياة مسلمي أوروبا بصورة عامة هو انهم يعيشون حياة اجتماعية على شكل تجمعات community لكن ليس تجمعات ثقافية قرابية إثنية وإنما إسلامية من خلال الجامع أو التجمعات الرمضانية ، وهذا ساعد التنظيمات المتطرفة وبضمنها الدولة الإسلامية على سرعة التعبئة. كما ان التنوع اللغوي و تنوع الاختصاصات داخل التنظيم و المهارة في استخدام الشبكة العنكبوتية و تجولهم في مواقع التواصل الاجتماعي ساهم بشكل كبير في نشر (بروبوكاندا ) الدولة الإسلامية الحلم. خصوصا و ان هذه الدولة تتمتع بأرض و بإسلام بعيد عن أي ثقافة تخفف من العنف و سفك الدماء. نعم, ان وضع (يوطبيا )موضع التنفيذ من خلال كسب الأرض و نظام سياسي قائم على أساس الخلافة الإسلامية والاستخدام المفرط للعنف هو ما ميز تنظيم الدولة الإسلامية عن باقي الحركات الإسلامية المتطرفة لا سيما القاعدة التي اقتصر عملها على ضرب العدو البعيد (الولايات المتحدة الأميركية و الغرب) بينما باتت( يوطبيا) في تحقيق دولة الخلافة الإسلامية على الرفوف. فبالمقارنة مع الدولة الإسلامية, أصبح تنظيم القاعدة جيلا قديما لأن أغلب قادته من الجيل الذي حارب في أفغانستان يحتكر لنفسه بمراكز القيادة من دون إعطاء فرصة للجيل الجديد ، وهذا ماركز عليه تنظيم الدولة الإسلامية حيث فتحت الطريق أمام الجيل الدموي الجديد مما جذب الكثير من الشباب الى التنظيم. فضلا عن ذلك, ان ضعف دول الشرق الأوسط خصوصا خلال الأزمة السورية المهملة و المتفاقمة دفع بالانشقاق عن تنظيم القاعدة الأم أولاً وثانياً التفكير بتغير أيدلوجيا ضرب العدو البعيد و التركيز على العدو القريب دول الشرق الأوسط. كل هذه العوامل خلقت جيلاً يدافع بضراوة عن عصبية الدين المتطرف المتعري من جراء سلب ثقافة غالبا ما اتصفت بالشجاعة والكرم و حماية الضعيف لا ثقافة جزّ الرقاب و العنف.
*باحث في مجموعة الأزمات الدولية بروكسل

http://www.almadapaper.net/ar/news/472168/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7-%D8%A3%D9%85-%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7--%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة