بين برطلي و نورشبينك ..اشتياقُ خد وبُعد ُ قبلة
بعد أن نضجت الفكرة في مدار عقلي وأصبحت جنينا ً تصرخ ُ طالبة ً أن تخرج إلى فضاءات الكتابة حتى سمع صراخها قلمي ليرتج هو الآخر فوق منضدتي وتصل ذبذبات ارتجاجه إلى أناملي التي سرعان ما التقطته لتحضنه كما في كل مرة ، بل هذه المرة كان احتضانها له أكثر حرارة ً ومن حرارة الاحتضان سَطَرَ قلمي عنوان وليدتي الجديدة ( بين برطلي و نورشبينك ..اشتياقُ خد وبُعد ُ قبلة ) فالاثنتين برطلي في العراق ونور شبينك في السويد احتفلتا بعيد الصليب المقدس ففي برطلي احتشد أهلنا في إحدى ساحاتها القريبة من كنيسة مار كوركيس القديمة ذات الطابع الإيماني الجميل كما هي باقي كنائسنا حيث استنشقنا رائحة المسك ينطلق من بين ثنايا مذبحها المقدس ليغيم َ فوق تلك الهامات البشرية المحتشدة ثم ما لبث َ.
أن اختلطت تلك الرائحة بألحان موسيقى كشافتي مار كوركيس القادمة من كنيسة مار كوركيس وكشافة مار متى القادمة من كنيسة مارت شموني لتلتحم الكشافتين بنسق جميل في ساحة الاحتفال .. ثم لتبدأ جوقة التراتيل بترتيل أجود وأحلى الترانيم الخاصة بالمناسبة تعقبها صلوات كهنتنا الأفاضل وشمامسنا الكرام لتحلق تلك الصلوات كالحمام في فضاء الاحتفال تشع ُ في النفس أملا ً بأن روح التوحد والإيمان والتمسك بتراب برطلي السريانية مازال قائما ً معافى نحو أمل قادم برغم فراق الأحبة وهجرتهم ، لتوقد أنفاس ذلك الأمل شعلة الاحتفال ( تاري ) فتستعر النار معلنة اكتشاف الصليب المقدس كما في حادثة الملكة هيلانة ..وتنطلق الزغاريد ويتسارع الأطفال بإطلاق ألعابهم النارية التي أطرت فضاء الاحتفال بشيء آخر من البهجة البصرية الملونة ، وبينما كانت نظراتي ترنو نحو الاحتفال وحشده ِكانت ذاكرتي تسحبني إلى سبعينات القرن الماضي وطرق الاحتفال بهذا العيد وكيف كنا نعمل نوافذ ًعلى شكل صلبان على جوانب علب كارتونية مختلفة الأحجام ونسد تلك النوافذ بورق ملون ونضع داخل العلبة مصباحا كهربائيا ليضيء المصباح وتظهر إضاءته ِ تلك الصلبان الملونة والتي أصبحت النشرات الضوئية المعلقة على أعواد الصليب بديلا لتلك العملية في وقتنا الحاضر ،وبالإضافة لإيقاد النار ( تاري ) كان هناك تلك الأقراص التي كانت تصنع من فضلات الأبقار( عذراً) بعد تجفيفها وكان أهلنا في السابق يشعلونها كوقود للتنانير في عملية الخبز ، كان يؤخذ القرص ويسكب فوقه مقدارا ً من النفط الأبيض ويوضع فوق أستر سطوح المنازل ويوقد بجانب عدد آخر من الأقراص وقد يؤخذ القرص أيضا وكما في الطريقة السابقة وكان يغرز فيه خشبة طويلة ويوقد حيث تتوهج ناره ويسير حاملوه في رتل في أزقة برطلي وكان هذا يزيد من جمال الاحتفال وبساطته ، وفي ذلك الوقت كان البعض منا يوقد شرارة من النار في حزمة من ما يسمى ب( سيم المواعين ) ويقوم موقده ُ بتدويره بحركة دائرية بحيث كانت تلك الحركة تعطي لاحتراق السيم منظرا جميلا ً واليوم أصبحت الألعاب النارية بديلا ً له إذا لم تنقرض تلك العملية كليا ً، ثم حملتني ذاكرتي إلى صور احتفال أهلنا في نور شبينك .
بعيد الصليب أيضا وما كانت تحمله عيون الحاضرين هناك من أمنية الاحتفال بالعيد في برطلي حيث أحضان الأهل والأحبة ..تركتني ذاكرتي لأعود حرا ً حيث أنا في الاحتفال أطالع وجوه المحتفلين فكانت عيون كل أم ، أب ،وكل من له أحبة في الغربة يمنون النفس بقبلة على خد كل واحد من أحبتهم متمنين النفس بملاقاتهم وهم عائدون لحضن برطلي .. وهكذا وفي كلا الاحتفالين كانت عيون المحتفلون تترجى اللقاء في اقرب وقت ليبقى بين برطلي ونور شبينك أشتياق خد ٍ وبعد ُ قبلة .....
ولكل من هناك في الغربة يحتفل الف سلام
أمير بولص إبراهيم
برطلة 15 ايلول 2012