منتديات برطلي

منتديات برطلي الثقافية.... => مقالات وكتابات........ => الموضوع حرر بواسطة: simon kossa في أبريل 21, 2011, 11:43:01 صباحاً

العنوان: سنابل لم تطلها يد المناجل
أرسل بواسطة: simon kossa في أبريل 21, 2011, 11:43:01 صباحاً
سنابل لم تََطـُلها يدُ المناجل
شمعون كوسا

يَخالُ لِمن يهوى الكتابة أحيانا بان شيطان الشعر قد هجره ، فيُمضي فترة جفاف لا تليق إلا بالصحارى القاحلة . إنها الفترة التي يتخلـّف فيها شيطان الشعرعن مواعيده وكأنه مصاب بعدوى حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها أجواؤنا هذه الايام ، حيث تقودُنا تقلباتها يوميا من مفاجأة الى مفاجأة.
  لم تعد مواعيد البرد على سابق عهدها ولا مواقيت الحرّ ضمن حدودها . هطول الامطار بغزارة بات يشكل خطرا والنار التي سَعُدَ الانسان باكتشافها أضحت تحرق ما لا يجب حرقه ، والهواء الذي ينعش الحياة اعتاد على الزمجرة وتدميركل ما يصادفه دون أية مراعاة او مجاملة ،  وخطوط الزلازل التي كانت تكتفي بهزّ الارض وما يعلوها انتقلت الان الى اعماق المحيطات لتفعل ما تفعل .
وأمسىشيطان الشعر ، الذي تمّ تكليفه مؤخرا بمهمة شيطان النثر ايضا !!، أمسى خاضعا لتقلبات الجو هذه ، نراه يحضر ليلا محمّلا بإلهام كنا نحتاجه في النهار ، يهجرنا في طريق الذهاب حيث كان حضوره مُلحّا ، كي يظهر في منتصف طريق العودة بجيوب خاوية ، نرقب لقاءَه نسراً يحلـّق بجوار غيوم بيضاء ، ونقول ها هو يدنو منـّا لإحلال بعض ألسنةِ وحيه علينا  ولكنه لا يأبه بنا فيستدير مراوغاً ، نحوغيوم سوداء في الزاوية البعيدة ،  نتوهّمه راقصا فوق مياه النهر بينما يكون قد اتخذ الافاق البعيدة اتجاها ، وهكذا ، تغدو بعض لحظاته ملائمة وكثير منها غير مناسبة .

أمام مزاجية مُلهم الشعر ومُوحي النثر هذا ، قلتُ في نفسي لماذا لا اترك الجبال والروابي والآكام والانهر وأضعُ حدّا لحالة توتر اُمضِيها في ترقـّب شيطان يلعب معي لعبة الاختباء ، ولِماذا لا أتجّه نحو السهول والاراضي المنبسطة ، لماذا لا اقصد البيادر ، حيث عالم السنابل .
فكرت بالسنابل لانها مصدر عيش الانسان الاساسي  ولان المراحل الصعبة التي تمر بها تلقّننا عبراً ودروساً .  إنّها تـُبذر حبّة ، لتموت تحت الارض فتحيا . تشق طريقها تحت التراب وتخرج  نبتة ضعيفة ، تنمو تحت العواصف والرياح العاتية والبرد الشديد ، وتنتهي سنبلة  تضمّ عشرة او عشرين تَوأماً من حبات متناظرة تعلن نضوجهما عبر شاربٍَ طويل مائل للسواد .
شحّة أمطارها تعالجها قطرات ندى تتزامن مع نسمات هواء عليل ، قادم من الجهات الاربع . يهبّ عليها على مدارالدقائق والساعات مستأنسا برؤياها  وهي تنحني تارة ، وتتمايل اخرى ، وتتراقص ايضا ، قبل ان تعود شاخصة مشرئبّة الاعناق . وهكذا تبقى بين كرّ وفرّ على هوى رياح يحلولها الاطالة في مغازلتها .
وعِبرهذه الحركات التي تتكرر لمئات المرّات ، تقوم الرياح بأتِمان السنابلِ  أسرارَ البشر ، فتترك لها الكثير مما تسمعه وتراه : من أحاديث  وكلمات ، افراح واحزان ، حالات غضب وحلم ، مآسي وفضائح ، وحتى الهمسات والتنهدات ولحظات الصمت ، توشوشها في كلّ هَبّة لها في اذن كل  حبة قبل أن تتبخر في الجو أو تنتهي في الكهوف والمغاور البعيدة .

كان موسمُ مقالي هذا ،(والذي اعتقد وايّاكم بانه لم يكن بحاجة الى هذه المقدمة الطويلة !!) ، كان موسمَ حصاد . توجهت اذن الى البيدر كي ألتقط  بعض السنابل التي تكون قد أخطأتها يد المناجل أو لم تطلها شفرات الحاصدات ، فالتقطتُ كمية كبيرة منها ، وقبل ان أربطـَها باقة ، شرعت في إمعان النظر مطوّلا  في كل سنبلة ، فرأيت بانها قد اختزنت الكثير الكثير ، غير أنّ كثيرها هذا لم يكن جديدا بالنسبة لي . لمست بانها تعيد ما  سبق وأن تطرقت اليه ، ولكني واصلت التمحيص بدقة فوجدت في بعض السنابل أسطراًً تثير الاهتمام .

كان موضوع السنبلة الاولى عن رجال الدين وابتعادهم عن الروحانيات. سبّب لي هذا الموضوع نوعا من عدم الارتياح لاني وجدت نفسي وكأني مرغم على انتقادهم من جديد . ولكني سخرت من نفسي لاني  بتفكيري هذا شبهت نفسي بما يشاع عن قوم بسطاء ، كان قد قال أحدُ أفرادهم عند وقوع نظره من بعيد على قشرة موز :  }يا لحظـّي التعيس سوف تنزلق قدماي مرة اخرى}!! . وهو كان يكفيه تجنبها فقط  لكي لا ينزلق !!  . فقلتُ،  لقد سبق وان قمت بتوجيه كثير من النقد البنـّاء لهم ، ولو أنّي أجد هذا العنوان بالذات مغريا وواقعيا ،  وبوسعي الكتابة عنه ، لكني استدركت حالي وقلت : أخشى التعرض للرّجم مِن قِبل مَن سوف لا يحلو لهم كلامي ، وإذا صحّ ذلك ، فمِن أين لي ان أجد المسيح هنا ، جالسا القرفصاء وهو يرسم على الارض ليقول لهم } :من منكم يجد في نفسه قابلية دحض ما يقوله الاخ ، فليرمِه بحجر{ ، فنراهم يرجعون القهقرى على شكل رتل طويل دون كلام ، لانهم واثقون بان مؤنـّبهم المقرفص يقرأ في قلوبهم ويعرف بان ما قيل عنهم كان صحيحا .   هنا اعتذرتُ لسنبلتي ووضعتها جانبا .

تناولت سنبلة ثانية مثقلة بحبوب منتفخة، سنبلة حملت عدة عناوين عن الصداقة . وهنا ايضا قلت ماذا بوسعي ان اضيف الى موضوع مهمّ حللته وأعدت تحليله واضفت اليه الالوان والخيوط التي كانت تنقصه ، غير ان ما استوقفني هو بعض أسطر أتت على شكل عناوين لثلاث قصص ، فاخترتها من بين مئات القصص مثيلاتها .
قصتها الاولى تناولت امر بعض اشخاص تركوا اصدقاءهم لرؤيتهم بانهم لم يعودوا بحاجة  اليهم ، فانتهت صداقتهم  بانتهاء مصلحتهم .
السطور الثانية تناولت أمر رجال هجروا الصداقة بسبب تحسّنٍ طرأ على حالتهم،  وكأنّ تطورهم خفض تلقائيا من مستوى اصدقائهم وأفقدهم قيمتهم، فهجروهم. والحديث الثالث يخص اصدقاء نبذوا اصحابهم لانهم غيّروا اتجاههم في الحياة ، فلم يعودوا مؤمنين بالمبادئ التي قامت عليها صداقتهم ، ورأوا بانها لا تتماشى وقناعاتهم الجديدة فنهجوا طريقا آخر.
أما السنبلة الثالثة ، فانها كانت اشبهَ بسنبلة شعير بالرغم من حنطاوية انتمائها . قـلـّبتـُها كثيرا فلم أقرأ  فيها غير الحقد والكراهية . هنا ايضا قلت باني لم اُفوّت مناسبة  دون إيلاج هذه الفقرة في كثير من المواضيع  .
إنّ ما كانت قد اسرّت به الرياحُ الىهذه السنبلة كان غزيرا ، بحيث كانت كل حبة تنطق  لوحدها بمجموعة قصص عن اناس خـُلقوا لممارسة الحقد وجُبلوا لبثّ الكراهية . تراهم لا يبارحون دور العبادة ، وأناملهم لا تترك حبات المسبحة في صلاة دائمة ، ولكنهم دائمو النظر من حولهم لتشخيص ضحاياهم ، فان لم يجدوا المجال للاهانة وبث السموم علناً ، يطلقون عليها  دعوات شر صامتة تتناول الصحة والفشل والحوادث وحتى الموت . يقلـّد البعض منهم ابتسامة الملاك بحيث يتشجع أول كاهن يصادفهم على مناولتهم القربان دون اعتراف !!  يتظاهرون بالحب ولكن قلبهم لا ينبض  الا للكراهية ، يمثلون التسامح ولكن سموم الحقد التي تملأهم لا تتمنى الا الشر .

كانت هناك سنابل كثيرة وكل واحدة كان لها موضوعها ، عن الحب والنفاق والفقر والمادة والتدين والى آخره . رأيت  بان الحديث سيطول وسوف لن يسامحني الناس لاني قد ادخلتهم مسالك وعرة ، فوعدتُ السنابل بعودة قريبة  .

ذهابي الى البيادر لم يأتِ بجديد ولكنه اضاف لمسات طفيفة جدا الى ما قيل من قبلُ . يجب ان نقرّ مرة اخرى بانه  لاجديد تحت الشمس ، فكل ما يتردّد هو اعادة باسلوب جديد او عبارات تثير اهتمام كثير من الناس. فالمواضيع وما يقال عنها تشبه قطعة قماش يتبارى الكثيرون على تطريز نفس الفكرة عليها ، فيأتيك احدهم بعمل جميل للغاية وآخر بعمل متوسط وآخر بعمل مقبول وآخر بعمل متواضع ،   والفكرة هي ذاتها ولقد قام الجميع بالتعبيرعنها . أمّا انا فقد ابتدأت من المستوى المتواضع ومُنايَ أن اتدرج صاعدا قليلا فقليلا الى ما يليه .

العنوان: رد: سنابل لم تطلها يد المناجل
أرسل بواسطة: sarmadaboosh في أبريل 21, 2011, 03:48:49 مسائاً
شكرا لك سيدي العزيز على مشاركتنا سنابلك الجميلة و التي نتمنى دائما ان تحدثنا عنها و عن ما تحويه بين ثناياها  و لتسلم يداك على ماخطته من مقال رائع يشد النفوس لمعرفة ما بداخله و ياليتنا نصل الى نصف مستواك في سرد حكاياتك التي لا يمكن ان تخلوا من عمق يحث الانسان على التفكير و اعادة حساباته مرارا
شكرا لك
العنوان: رد: سنابل لم تطلها يد المناجل
أرسل بواسطة: بهنام شابا شمني في أبريل 21, 2011, 07:30:48 مسائاً
يا سيدي ادعو شيطان النثر ان يزورك دائما كي تتحفنا بهكذا مقالات تعرف طريقها كيف تسرق القاريء بدون ان يدري حتى يتناول بالقراءة سطرا بعد سطر ولا يحس الا وقد انهى مقالا فيه من يالسرد القصصي ما يدفعه لقراءته اكثر من مرة .
العنوان: رد: سنابل لم تطلها يد المناجل
أرسل بواسطة: simon kossa في أبريل 22, 2011, 10:20:56 صباحاً
الى الاستاذين سرمد وبهنام

كلماتكما الرقيقة غمرتني ، ان مثل هذه الكلمات التشجيعية تحفزني على متابعة الكتابة بمعية شيطان النثر او بدونه ، ولعله سيندم على غيابه وعدم انتظام اوقاته ويأتي فيستقر في مناطقنا ، شكرا لمداخلتيكما