تحسين بيك أمير الإيزيدية: العلمانية تضمن حقنا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يناير 16, 2017, 03:10:07 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

تحسين بيك أمير الإيزيدية: العلمانية تضمن حقنا   


رئيس لدين عراقي قديم وحشية داعش سلطت عليه الضوء من جديد
      
برطلي . نت / متابعة
عنكاوا دوت كوم/العرب رشيد الخيون
الأمير تحسين بيك يؤكد أن الإيزيدية من ناحية القومية كرد، لكن بشرط الحفاظ على اللهجة الكرمانجية، فهي لهجة الإيزيديين الاجتماعية والدينية.


لندن - تعد الدِّيانة الإيزيدية إحدى الدِّيانات القديمة في العِراق، ومِن أكثر الدِّيانات المختلف في تاريخها، فلم يتأهل قديماً مَن يكتب تاريخها وفقهها، مِن قبل الإيزيديين أنفسهم، وأول ما واجهته هذه الدِّيانة إشكالية الاسم، وقد يقول قائل: الاسم مجرد شكل؟ نقول: لا، الاسم يعبر عن الجوهر وعن العقيدة، فقد دأب المؤرخون والكُتاب والمجتمع العراقي على تسميتها باليزيدية، وأول ما يذهب الفكر إلى ارتباطها بيزيد بن معاوية بن أبي سفيان، الخليفة الأموي الثَّاني، والمتوفى سنة 64 هجرية، لكن هذا لا أساس له مِن الصحة، فلو كان للإيزيديين علاقة ما بالأمويين، على أنهم أمويون نسبة إلى أصل الشيخ عدي بن مسافر، المقدس عندهم، والمعروف بأنه من الصوفية، التي أقامت بين الوديان والجبال، فالأجدر أن ينتسبوا لمعاوية نفسه فلماذا لابنه يزيد! أما هم فيرون اسمهم "إيزيدية" نسبة إلى اسم الله "يزدان"، فنحت منها الاسم الإيزيدية بمعنى "الإلهيين".

ينقسم المجتمع الإيزيدي إلى طبقات، منهم الأمراء والشيوخ، والقوالون، والفقراء، والاسم الأخير على ما يبدو من تأثيرات الصوفية المسلمين عليهم، فمكان معبد لالش، حيث المعبد الرئيسي للديانة الإيزيدية في العالم، يقع في واد ذي زرع، وشُيّد على عين ماء، تعرف بزمزم، والجبال المحيطة به تعرف بعرفات، وهذا كله من تأثيرات الصوفية مثلما ذكرنا.

وضعت حدود أو حواجز بين الطبقات الاجتماعية، أو التراتبية الاجتماعية، في الزواج مثلاً، أي كل طبقة يُحبذ أن تتزوج بناتها وأولادها مِن الطَّبقة نفسها، ولديهم صلة بالأديان المحيطة بما عُرف بالكريف، أي أخوة الدم، وهو عندما يُختن الطفل الإيزيدي يحتضنه مسلم أو مسيحي، من المحيط، فتتشكل أخوّة بينهما، وعلى ما يبدو أن هذا الطقس نشأ لحاجة التضامن الاجتماعي والسلم بين الأديان. كذلك للإيزيدية صوم وصلوات، تبدأ مع شروق الشمس، وأعياد من أهمها عيد الخليقة، ويصادف الأربعاء الأول من شهر أبريل من كل عام، أي مع الربيع، ومعلوم أن يوم الأربعاء هو اليوم المقدس لدى الإيزيدية شأنه شأن الجمعة عند المسلمين والأحد عند المسيحيين والصابئة المندائيين.

يعيش أغلب الإيزيدية في العراق، وهناك منطقتان رئيسيتان لوجودهم: الشيخان، وكانت تابعة لمحافظة الموصل، وهي الآن تابعة لمحافظة أربيل، وسنجار (شنكال بالكردية) وتابعة للموصل أيضاً، وقد شهدت اجتياحاً من أفظع اجتياحات التاريخ، وذلك في أغسطس 2014 عندما دخلتها عصابات داعش وسبت نساءهم وفتياتهم، وقد تعرضن للاغتصاب والزواج القسري بعد تبديل الديانة، والعرض للبيع كجوارٍ، وقد هرب بعضهن وقصصن للعالم ما مرَّ عليهن من اضطهاد ورعب.

تحتفظ الإيزيدية بتقاليد قاسية على المرأة في الزواج، وكذلك في أمر العلاقات الجنسية غير المشروعة، فإذا تزوجت الإيزيدية من خارج الديانة ترفض من قِبل ديانتها ولا تعود إليها مهما كان، أي لا تنفع توبة ولا براءة من خطيئة، لكن ماذا ستفعل المشيخة الدينية مع العدد الكبير من الأسيرات الإيزيديات عند داعش، وقد تزوجن وبدلن ديانتهن تحت القوة، واغتصبنَ؟ هناك، وهذا حسب ما ورد، أول قرار ديني إيزيدي يصدره بابا شيخ، مرجع الدين الإيزيدي في العالم الشيخ خرتو حاجي إسماعيل، وأصدر فتوى، إن صحت العبارة، إلى الإيزيديين كافة، أن يستقبلوا الأسيرات بعد تحريرهنَّ، ويعاملن معاملة كأن شيئاً لم يكن، لأن ما حدث كان رغماً عنهنّ، ولو تركن لإرادتهنَّ ما تزوجن مسلمين، ولا تركن ديانتهنَّ، وبالفعل استجاب المجتمع الإيزيدي لمثل تلك الفتوى، إلا البعض مَن سماهم بابا شيخ بالجاهلين.

يقول بابا شيخ في شأن الأسيرات الإيزيديات "لو كانت البنت الإيزيدية قررت لوحدها أن تتزوج من مسلم نعتبرها خرجت من الديانة، ولكن في حالة الإيزيديات اللواتي تم أسرهن وسبيهن من قبل داعش وإجبارهن على تغيير ديانتهن، فهذا لا يستقيم لأنهن لم يخترن ما حصل معهن. وقد اعتبرنا التعدي عليهن وعلى شرفهنَّ، تعدّيا على كامل الطائفة الإيزيدية. وعندما عدن كان يجب أن نتقبلهن ولا نحاسبهن على ما ليس لهن ذنب فيه. لقد تعرضت الطائفة الإيزيدية إلى 74 فرمانا (عملية إبادة). ولكن في السابق، لم يكن هناك وسائل اتصال حديثة حتى نتواصل مع الضحايا لنطلب منهم أن يرجعوا. أما الآن فقد اختلف الأمر. في أحد الفرمانات قبل 150 سنة، تم أسر أكثر 1200 بنت إيزيدية وتم توزيعهن على الأمراء العثمانيين وقادة الجيوش ولم يكن للمجتمع الإيزيدي أي اتصال بهن حتى يرجعهم" (من مقابلة أجرتها معه حنان زبيس).

    المجتمع الإيزيدي ينقسم إلى طبقات، فمنهم الأمراء والشيوخ، والقوالون، والفقراء، والاسم الأخير على ما يبدو من تأثيرات الصوفية المسلمين عليهم، فمكان معبد لالش، حيث المعبد الرئيسي للديانة الإيزيدية في العالم، يقع في واد ذي زرع، وشيد على عين ماء، تعرف بزمزم، والجبال المحيطات به تعرف بعرفات

تأتي طبقة الشيوخ بعد طبقة الأمراء، والشيخ يدير الجانب الديني والشرعي للإيزيديين، أما الأمير فهو المسؤول الدنيوي عن المجتمع الإيزيدي.

وللأمير الموجود حالياً قصة مثيرة، كيف وصل إلى الإمارة عن طريق جدته ميان خاتون، التي تولت أمر الوصاية بعد قتل زوجها علي بيك سنة 1913، فأصبحت وصية على ولدها سعيد علي بيك، ولهذه المرأة أيضاً قصة مثيرة، فهي من العراقيات القلائل اللاتي حكمن في مجتمعاتهن، وتصدّرن المجتمع، وكانت مهابة من قِبل الرجال، وتتصل بشيوخ القبائل العربية، والحكومة العراقية، وكانت تجالس الرجال وتأمر وتنهى، وتعطي وتمنع، وهناك مَن سمَّى وجودها على رأس الإمارة بعهد ميان خاتون (1913-1956)، أي حتى وفاتها، مع كل هذا كانت لا تقرأ ولا تكتب.

آباء تحسين بيك

ليس هناك، وعلى وجه الخصوص مِن العراقيين، مَن لا يعرف مضيق وشلال كلي علي بيك، الذي يقع في جبال راوندوز من كردستان العراق، حيث أُطلق اسم علي بيك، الجد الثالث للأمير تحسين، على هذا المكان، والمناسبة أنه قُتل هناك سنة 1846 وخلفه ولده حسين أميراً، ثم تولى الإمارة ولده علي بيك، ومن بعده سعيد بيك حتى وصلت إلى الأمير تحسين، فهو مِن أسرة أمراء، تعرضوا للاضطهاد العثماني.

كان القتل جارياً بالإيزيديين، والسبب أنهم على ديانة لم تعترف بها الدولة العثمانية، فلم تكن محسوبة على أهل الذمة، وثانياً لكثرة ما كُتب ضدهم، وأكثر مَن كتب كان جاهلاً في ديانتهم، أو متعصباً، فله حكم مسبق فيهم. والثالث وهو العامل المباشر، أنهم كانوا يرفضون التجنيد الإجباري، أو ما عُرف بالنفير العام (السفربرلك)، وذلك لخصوصية ديانتهم، وعدم جواز إطلاع الغرباء على ديانتهم، ويمكن اعتبار تحريم شيوخهم للقراءة والكتابة، لزمن طويل، يتعلق بحماية الدين من تأثيرات المحيط الدينية، التي يُطّلع عليها عبر قراءة كتب الآخرين.



عصر الأمير تحسين أفضل فترة للإيزيدية

عندما توفى الأمير سعيد بيك سنة 1944، كان عمر نجله تحسين لم يتجاوز الثالثة عشر عاماً، وهذا لا يؤهله أن يُعترف به أميراً على ملته، ولم يسمح له بدخول البرلمان العراقي، كممثل للإيزيديين. لكن سطوة جدته أم أبيه ميان خاتون لدى شيوخ الإيزيدية وبين طبقة الأمراء وكذلك لدى الحكومة العراقية، سهلت له الطريق. فبمقترح من وزير الداخلية العراقي آنذاك رُفع سنّ الأمير تحسين إلى السن المناسب، فأصبح أميراً وعضواً في البرلمان، وظلت الجدة ميان خاتون وصية عليه تُسهّل له الصعاب في مركزه، مع أنه الأصغر من بين عدة إخوة للأمير سعيد، إلا أن الجدة اختارته ودعمته بكل قوة، لأن أمه كانت من طبقة الأمراء، وهذا مهم بالنسبة إلى التراتبية الاجتماعية لدى الإيزيديين.

كانت الجدة على اتصال مع حركة البارزانيين، ومع مصطفى البارزاني شخصياً، لذا نحا الأمير تحسين المنحى نفسه في دعم الحركة البارزانية، في كل عهود الدولة العراقية، وما حصل أن تم أُعتقل الأمير سنة 1959 إثر حركة الضابط عبدالوهاب الشَّواف في الموصل، ومن بعدها تم نفيه إلى جنوب العراق، في العمارة والديوانية، وفرضت عليه الإقامة في بغداد، وبتدخل من مصطفى البارزاني، وكان على علاقة جيدة بالحكم آنذاك أفرج عنه، وظل يدعم الحركة حتى قُبيل مارس 1970، حيث الصلح الذي قام بين السلطة في بغداد والحركة البارزانية في كردستان العراق، ثم عاد ووقف معها حتى هزيمتها في مارس 1975 فتوجه إلى خارج العراق، ودرس اللغات، حتى تمكن من الإنكليزية، ثم عاد إلى كردستان العراق بعد حوادث 1991 وقيام الإدارة الكردية في أربيل والسليمانية.

أكد الأمير تحسين أن الإيزيدية من ناحية القومية كرد، لكن بشرط الحفاظ على اللهجة الكرمانجية فهي لهجة الإيزيديين الاجتماعية والدينية، ولذا مصيرهم مصير الكرد المسلمين، لكنه لا يفرط بالمطالبة بحقوق ديانته، على أنها من الديانات العراقية القديمة. فعندما ظهر منه الموقف مع البارزاني عمدت الحكومة العراقية، العام 1969، إلى اعتبار الإمارة في أسرة أخرى من أمراء الإيزيدية، وفتحوا له مكتباً في بغداد، تحت عنوان "المكتب الأموي"، وهذه إشارة إلى أن الإيزيديين عرب وليسوا كرداً، إلا أن ذلك انتهى بسرعة، فالإمارة بالنسبة للإيزيدية لم تكن مكتسبة أو بالتعيين أو الفرض، إنما لها علاقة بوراثة المنصب. فقد حدثت نزاعات عديدة، في تاريخ هذه الجماعة، ومنها ما حسمته المرأة التي ذكرناها سابقاً، ضد أسرة أخرى كانت أقرب إلى الإمارة أيضاً، مثّلها الأمير إسماعيل جول، وأحفاده مازالوا موجودين، ويمكن أن إسماعيل جول هو الوحيد من بين أمراء الإيزيديين الذي أتته الفرصة ليكتب مذكراته، ونشرها له المؤرخ السوري قسطنطين زُريق نحو العام 1934، وأتى فيها على مسألة مهمة، تُعد مفخرة للإيزيديين، وهي حمايتهم للمسيحيين عندما هجم عليهم عساكر الدولة العثمانية، في بدايات الحرب العالمية الأولى.




أغلب الإيزيدية يعيشون في العراق، وهناك منطقتان رئيسيتان لوجودهم: الشيخان، وسنجار (شنكال بالكردية). وقد شهدت اجتياحا من أفظع اجتياحات التاريخ، وذلك في أغسطس 2014 عندما دخلتها عصابات داعش وسبت نساءهم وفتياتهم، وقد تعرضن للاغتصاب والزواج القسري بعد تبديل الديانة.

خرافة عبادة الشيطان

يعتبر عصر الأمير تحسين، حسب ما كتبه إيزيديون، بأنه أفضل فترة للإيزيدية، فقد استطاع أن يوصل صوتهم إلى العالم باللقاء مع بابا الفاتيكان، والدوائر الخارجية، وزاد التعليم داخل الطائفة، وتمت المشاركة لهم في البرلمان المركزي في بغداد وبرلمان كردستان، وحصلوا على مناصب وزارية وإدارية كبيرة، كذلك أخذ المجتمع العراقي والكردي يطلع على تعاليم هذه الديانة، واقتنع الكثيرون بأنهم يعبدون الله ولا صلة لهم بالشيطان، الذي ظل اسمه يطاردهم، وكانت التسمية "عبدة الشيطان" تمت بثقافة عثمانية ضدهم.

بلا شك أن الديمقراطية والعلمانية تضمن حقوق الأقليات عادة، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بالديانات والمذاهب، أي الديانة المغايرة للدين السائد، وهذا ما يؤكد عليه الأمير تحسين، على الرغم من أنه أمير ديانة، إلا أن العلمانية هي النظام الأفضل في نظره. فكأنه يقول "العلمانية تضمن حقنا".

لكن ذلك أيضاً مرتبط بالتغيرات في المنطقة، والتضامن الأممي مع الأقليات، فصحيح أن ما فعله داعش كان كارثة على أهل الموصل وفي مقدمتهم الإيزيديين، لكن من جانب آخر خدمت هذه الكارثة الديانة عالمياً، وصار من الصعب تجاهلها. يبلغ الأمير تحسين هذا العام أربعة وثمانين عاماً، وهذا ما يتطلب التفكير في خلافته، في حياته أو بعدها.