محنة الإسلام والمسلمين في القرن الواحد والعشرين الدكتور صادق إطيمش

بدء بواسطة ماهر سعيد متي, أكتوبر 01, 2014, 11:56:32 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

ماهر سعيد متي

محنة الإسلام والمسلمين في القرن الواحد والعشرين

الدكتور صادق إطيمش


تدور اليوم في كثير من الفضائيات والمواقع الإعلامية الأوربية على وجه الخصوص نقاشات طويلة حول الإسلام والمسلمين يشترك فيها سياسيون واعلاميون واخصائيون في العلوم الإجتماعية والنفسية والتربوية، يشاركهم في معظمها بعض رجال الدين المسلمين او القائمين على ادارة بعض المنظمات الإسلامية في اوربا، إضافة الى بعض المستشرقين او المهتمين بالدراسات الإسلامية. وقد انطلقت هذه النقاشات لمحاولة تفسير ما تقوم به الدولة الإسلامية من مجازر بحق البشرية والتي تحظى بدعم وتأييد كثير من حملة الفكر السلفي الإسلامي داخل وخارج المجتمعات الإسلامية. وما يمكن ان ينتج عنه من تهديد لأمن كثير من الدول الأوربية خاصة إذا ما عاد الأوربيون المشاركون في هذه المجازر إلى اوطانهم الأصلية يوماً ما وهم معبئون بفكر العنف ورفض الآخر. وكيف يستغل المسلمون السلفيون في اوربا هذه الجرائم من خلال تبريرها وإقناع الأجيال الشابة من المسلمين بها باعتبارها دفاعاً عن الإسلام الذي يريد الآخرون القضاء عليه. وما يمكن ان يشكله كل ذلك على مستقبل هذه الدول ومجتمعاتها التي تسعى معظمها وبغالبية كبرى من سكانها إلى إحلال السلام الإجتماعي والإندماج المبني على اسس احترام القانون ودولة القانون بكل مؤسساتها واجراءاتها التي تشمل الجميع بدون تمييز.
والمتتبع لهذه النقاشات يجد ان معظمها يدور في حلقات لا تفلت منها، فتظل تدور حول نفسها مكررة نفس المقولات والأفكار التي تدين في نهايتها العمليات الإجرامية للدولة الإسلامية، مشددة على وجوب حماية المجتمعات من ردود الفعل لدى بعض الإسلاميين او من قبل القادمين من المشاركين في جرائم الإسلاميين في المناطق التي تنشر فيها الدولة الإسلامية وعصابات الإسلام السياسي الرعب والقتل والسبي والذبح والإختطاف وتهديم المواقع الدينية واجتياح المدن الآمنة.
إن المشكلة الأساسية التي لم تتطرق لها هذه النقاشات والتي تشكل السبب الرئيسي لكل ما يحدث من جرائم وانتهاكات من قِبل الإسلاميين وعصاباتهم واحزابهم السياسية، تكمن في المسلمين انفسهم وفي عدم استطاعتهم التعامل مع مقدساتهم بالشكل الذي يستطيعون فيه الحسم في مواقفهم والتمييز بين الصالح والطالح وبين الأبيض والأسود في مجريات حياتهم اليومية وحتى في شؤونهم العبادية.
وحينما نتكلم عن المقدسات فإننا نعني بشكل اساسي النص القرآني الذي لا يختلف عليه اثنان من المؤمنين به والعاملين على السير على محتواه. وهنا تكمن الطامة الكبرى التي جعلت من هذا المحتوى يتأرجح بين آراء المفسرين وافكار الشارحين وفتاوى المفتين، بحيث اصبح مَن ينظر بعين محايدة لكل ما ينتج عن المسلمين والإسلاميين اليوم من اعمال وتصرفات ايجابية او سلبية، لم يجد سوى التخبط والتناقض والإبتعاد عن كل تفسير علمي ومنطقي، وكل ذلك يستند إلى النص القرآني الذي لا يمكن انكاره من اي من الجوانب التي تعكس صورة ايجابية او سلبية عن الإسلام والمسلمين في حياتهم اليوم، في القرن الواحد والعشرين من عمر البشرية. وسبب انطلاقنا من اعتماد النص القرآني فقط، وليس السنة النبوية باعتبارها المصدر الأساسي الثاني للإسلام، هو ان النص القرآني مُتَفَق عليه من جميع المسلمين، إلا ان هناك اختلافاً في تفسير او تأويل هذا النص. في حين ان السنة النبوية التي يشكل الحديث قسمها الأعظم لم يتم الإتفاق لا على نصوصها ولا على تفسير او تأويل هذه النصوص. فالمسلمون يتقاتلون منذ مئات السنين حول حديث الثقلين وحول تفسير معنى كلمة " المولى " الواردة في في خطبة الغدير، ناهيك عن عدم الإعتراف بصحة آلاف الاحاديث التي صنفها جامعو الحديث على انها غير صحيحة او غير مسندة او ضعيفة وما شابه ذلك.
المسلمون المعتدلون والإسلاميون على اختلاف انتماءاتهم كلاهما على حق حينما يتكلمون عما تحتويه النصوص القرآنية المقدسة عن السلم وعن الحرب، عن التسامح وعن التزمت، عن القبول بالآخر وعن الغائه، عن الديمقراطية وعن الدولة الدينية التي لا يمثلها إلا حزب اسلامي واحد،عن تكريم المرأة وعن اهانتها ودونيتها، عن تعاطي العلم الحديث وعن البقاء على علم القرون الأولى. وكثير من المتناقضات الأخرى التي لم يجد الفقه الإسلامي طريقاً لحسم الصراع الدائر حولها منذ سقيفة بني ساعدة وحتى يومنا هذا.
فحينما يصر المسلم المعتدل على ان دينه هو دين السلام وان اسمه مشتق من نفس الفعل الذي جرى اشتقاق اسم الدين منه، فانه على حق في ذلك تؤيده آيات قرآنية نصت صريحاً على ذلك، منها:
( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحيوة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة ...) النساء : ٩-;-٤-;-.
( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم .. ) ـ المائدة : ١-;-٥-;- ـ ١-;-٦-;-.
( وإذا جاءك الذين يؤمنون بأيتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ) ـ الأنعام : ٥-;-٤-;-.
( ادخلوها بسلام ءامنين ) ـ الحجر : ٤-;-٦-;-.
( والسلام على من اتبع الهدى ) ـ طه : ٤-;-٧-;-.
( يأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون ) ١-;-٠-;- ـ النور : ٢-;-٧-;-.
( فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحيةً من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون ) ـ النور : ٦-;-١-;-.
( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ) ـ الفرقان : ٦-;-٣-;-.
( سلام قولاً من رب رحيم ) ـ يـس : ٥-;-٨-;-.
( فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون ـ الزخرف : ٨-;-٩-;-.
( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه ... )الأنفال 61
وكثير من الآيات القرآنية الأخرى التي يحاجج فيها المسلم المعتدل حينما يريد البرهان على ان الإسلام دين سلام وليس ديناً عدوانياً.
وبنفس النص القرآني يبرهن الإسلامي، خاصة المتطرفون منهم، بان دينه هو الذي يامره من خلال نصوصه ان يلجأ إلى القتال والحرب مبرراً ذلك بالدفاع عن الدين، حتى وإن لم يكن هناك خطراً واضحاً على الدين، إذ يكتفي هذا الإسلامي بوضع شكوكه موضع اليقين الذي يؤهله لتفسير او تأويل واقعة ما على انها خطر على الدين يحق له فيها الإستناد على النصوص المقدسة الداعية للقتال، ومنها:
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَال وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُم وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (البقرة 216
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِالْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ.......... (البقرة 217
(فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًاعَظِيمًا (النساء 74
(الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا(النساء 76
(فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا ( النساء 84
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) النساء 89
(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَااسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّاللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ( الأنفال 60
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُواأَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) الأنفال65
(فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ) محمد 35

وآيات قرآنية كثيرة اخرى تنحى نفس المنحى بالدعوة إلى القتال او رفض السلم مع الآخرين، إن كان المسلمون هم الغالبون. وهذا الموقف بالذات يقع في تناقض واضح مع الآية 61 ن سورة الأنفال المذكورة اعلاه والتي تدعو إلى السلم في حال دعوة الفريق الآخر له. ومن المعلوم في مثل هذه الحالات ان الفريق الذي يبدو له انه سيخسر الحرب هو الفريق الذي يجنح إلى السلم الذي يجب ان يستجيب له المسلمون حتى وإن كانوا في حالة الغلبة. إلا ان الآية 35 من سورة محمد لا تسمح بذلك. وهكذا يعيش المسلم البسيط بين الإعتدال والتطرف ولا احد من فقهاء دينه يستطيع ان يدله على الطريق الذي يتخلص به من هذه الورطة التي اصبحت ورطة الدين بكامله اليوم والتي اصبح فيها النص المقدس سلاحاً بيد المعتدل والمتطرف في آن واحد، وهذا ليس اسلوباً في الحياة الطبيعية لإنسان اليوم الذي اصبحت وسائل العلم والمعرفة والتواصل الإجتماعي العالمي طوع بنانه حتى على اصغر بقعة في هذا العالم الفسيح.
وما يقال عن السلم يقال ايضاً عن التسامح في الإسلام وما ينص عليه مصدره الأساسي المتمثل بالنص القرآني. فالمسلم المعتدل يستطيع، وبكل بساطة، ان يثبت لمحدثه بإن دينه هو دين التسامح والعيش المشترك مع الآخرين. حتى ان البعض جعل من التسامح اسماً رديفاً للإسلام. ولا غرابة في ذلك إذا ما عرفنا بان هناك اكثر من سبعين آية تدعو إلى ذلك ومنها مثلاً:

(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.) (البقرة : 256)

(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا...) (آل عمران : 103)
(لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) الممتحنة/8 ، 9
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).( النحل 125)
(وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). (العنكبوت 46)
(خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ). ( ألأعراف 199)
(وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ).( الأنعام 108)
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ).( آل عمران 159)
(وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) ( النور 22)
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (199) الأعراف
(إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون). البقرة/62.
(..وقولوا للناس حسناً وأقيموا الصلاة واتوا الزكاة..). البقرة/83.
والكثير من الآيات الأخرى التي تجعل ممن يتحدث عن التسامح في الإسلام مزوداً بنصوص قرآنية واضحة في هذا المجال. إلا ان الإحباط قد ينتابه او ينتاب الآخرين المشاركين به في الحوار حول هذا الموضوع حينما ينبري الإسلاميون ليحاججوا بنفس هذا القرآن ونصوصه المقدسة التي تجعل بينهم وبين التسامح في الدين الإسلامي اشواطاً بعيدة لا يمكن تجاهلها إذ ان مصدرها هو نفس ذلك المصدر. فمثلاً حينما يذكر النص القرآني في آية 82 من سورة المائدة :
﴿-;-لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَأوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ-;- وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ-;- ۚ-;- ذَٰ-;-لِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)
هنا يستبعد النص القرآني اليهود من مبدأ التسامح ومن اعتبارهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، كما جاء في الآية 62 من سورة البقرة اعلاه،وجعلهم اعداءً، والأعداء يجب ان يُقاتَلون ويُقتَلون كما جاء في آيات القتال اعلاه. إلا انه يعتبر النصارى بانهم اقرب مودة للمؤمنين وذلك لأن فيهم من القسيسين والرهبان الذين لا يستكبرون. اي ان النصارى هنا ليسوا باعداء، بل اصدقاء للمسلمين. إلا ان هؤلاء الأصدقاء سرعان ما يضعهم السلفيون في خانة الأعداء حينما يتلون عليك الآية 120 من سورة البقرة والتي تقول:
﴿-;-وَلَنْ تَرْضَىٰ-;- عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ-;- حَتَّىٰ-;- تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ-;- قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ-;- ۗ-;- وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ-;- مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾-;-
أو:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ-;- أَوْلِيَاءَ ۘ-;- بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ-;- وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ-;- إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾-;- آية 51 سورة المائدة .
أو:( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ.... ){المائدة:72}،
أو:( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ....) {المائدة:73}.
وينبري المسلم المعتدل ليتباهى بسماحة دينه مستشهداً بالآية :( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ-;- فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) الكهف 29 ، حتى يتصدى له الإسلامي السلفي بآيات عديدة مقدسة من نفس المصدر القرآني تتيح له التعامل مع مَن لا يؤمن بغير الإسلام معاملة اخرى، لا يمكن ان نصفها بالتسامح، مثلاً الآيات من سورة الأنفال:
(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ-;- سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَٰ-;-لِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ-;- وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَٰ-;-لِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ-;- فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ-;- وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)
او الآية 4 من سورة محمد:( فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ-;- إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ-;- تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ-;- ذَٰ-;-لِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰ-;-كِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ-;- وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ )
فكيف يمكن للمسلم المعتدل ان يرد على السلفي المتطرف وهو يواجهه بنصوص من نفس المصدر الذي يحاجج به المعتدل؟ وما ينطبق على هذين المجالين بالنسبة للعنف والتسامح يمكن ان ينسحب على مواضيع اخرى كالموقف من الأديان الأخرى وخاصة الأديان الإبراهيمية وكتبها المقدسة كالتوراة والإنجيل الذي اخذ القرآن عنها الكثير من القصص والأحكام والعبادات.
كل هذه المواضيع هي مواضيع خلاف بين المسلمين انفسهم والذين لم يستطيعوا لحد الآن حسم امرهم فيما يتبعونه من النصوص المقدسة في المصدر الأساسي للإسلام. وسبب هذا التخبط وعدم القدرة على اتخاذ القرار الذي يُصلح من وضع الأمة الإسلامية الذي يسير إلى التدني والإنحطاط والتأخر والعيش على ما ينتجه الآخرون من الشعوب التي يسميها بعضهم كافرة، والغوص في غياهب الجهل والتخلف العلمي والعيش على اطلال الماضي وقوانين القرن السابع في القرن الواحد والعشرين وغير ذلك من مظاهر التخلف عن الركب الإنساني، هو ان القرآن يمنع المعتدلين منهم من الفصل بين ما يحاججون به من النص القرآني لإثبات مقولاتهم في السلم والتسامح مثلاً وبين ما يحاجج به الإسلاميون المتطرفون من نفس المصدر المقدس لإثبات غير ما يذهب إليه المسلمون المعتدلون. فالنص القرآني يقول لهم:
(...أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)[البقرة:85]

هذه الآية التي تمنع المسلمين من التعامل مع النص القرآني تعاملاً لا ينبغي ان يُفهم منه التنكر لبعض النصوص ولا رفضها، بل اياف العمل بمضمونها الذي لم تعد هناك حاجة اليه في هذا الوقت، تماماً كما تم التعامل مع نصوص قرآنية لم تعد هناك حاجة لها، سواء جاء هذا التعامل من قبل القائمين على الدين كالخلفاء الراشدين مثلاً حينما ابطل الخليفة الثاني العمل بحد السرقة وقت المجاعة والعمل على ايقاف حصة المؤلفة قلوبهم المنصوص عليها قرآنياً. او كما تعامل الخليفة الرابع مع القرآن عموماً حينما اعتبره حمال اوجه. او ان مسيرة الحياة فرضت تعاملاً خاصاً مع النص كما يجري الآن في موضوع فرض الضرائب الذي كان ينطلق من نظام خاص يفرض الجزية المقترنة بالإهانة ( عن يد وهم صاغرون) على غير المسلمين، في الوقت الذي يجري التعامل معهم الآن في جميع المجتمعات الإسلامية كمواطنين لهم ما للآخرين وعليهم ما عليهم. او كما لم تطبق السيدة عائشة آية " وقرن في بيوتكن" لظروف اقتضت لها الخروج في معركة الجمل، وهي ام المؤمنين. وهناك الكثير ما يُقال في هذا الموضوع الذي ابطل فيه القرآن نفسه بعض آياته بعد ان اثبت عدم صلاحيتها للواقع الذي يعيش فيه المسلمون ولم يمض على الإسلام في ذلك الوقت إلا بضعة اعوام. فما بالنا اليوم وقد مرت على هذه التعاليم اربعة عشر قرناً ونيف.
فالمعضلة التي يعاني منها الإسلام والمسلمون اليوم اذن هي معضلة داخلية تتعلق بتنظيم بيتهم قبل ان يتهموا الآخرين بالهجوم على هذا البيت الذي يضم ما يقارب المليار ونصف من البشر موزعين على جميع الكرة الأرضية لم يسمحوا لان يقوم فيهم فقيه يرشدهم إلى امور دينهم بما يتفق وحياة الإنسان اليوم بكل معطيات هذه الحياة، وإن القلة من الفقهاء او المثقفين الذين حاولوا ذلك، كمحمد عبده وجمال الدين الأفغاني وعلي عبد الرازق وطه حسين ومحمود طه ومحمد عابد الجابري ونصر حامد ابو زيد وجمال البنا وغيرهم، وأد الفكر السلفي افكارهم حيثما استطاع إلى ذلك سبيلاً وشوَّه اطروحاتهم ونال من شخوصهم ليحقق نزعته السادية التي اوصلت المجتمعات الإسلامية إلى هذا الوضع البائس الذي تمر به اليوم. إن الإسلام والمسلمين ليسوا بحاجة إلى احزاب اسلامية واجهتها الدين وباطنها السياسة، كما نراه اليوم في وطننا العراق. وليسوا بحاجة إلى مليشيات عسكرية طائفية يريد بها قادتها تمرير ما يرونه حتى ولو على اشلاء مَن لا يرون رؤيتهم هذه. وليسوا بحاجة إلى قتل وتشريد وسبي ونهب الآخرين الذين يطبقون عليهم " ان الدين عند الله الإسلام وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85]. انهم بحاجة إلى فقهاء يمتلكون الشجاعة الكافية ليقولوا لهم إن العنف والقتل والإرهاب" ترهبون به عدو الله وعدوكم" فرضتها ظروف خاصة على الدين في السنين العشر الأخيرة من الرسالة وإن هذه الظروف لم تكن موجودة حينما نشر الإسلام اساسياته في السنين الإثني عشر الأولى من وجوده. لذلك فإن المتابع لا يرى شيئاً من ذلك في القرآن المكي الذي يضم اكثر آيات القرآن.
واستناداً إلى ما تقدم فإن النقاشات التي تدور حول الإسلام اليوم سوف لن يكتب لها النجاح بالوصول إلى تبني افكاراً من شانها ان تغير من السمعة المتردية للإسلام اليوم والتي ترتبط لدى الكثير من الشعوب بالعنف والقتل وحز الرؤوس وسبي النساء وبيعهن في اسواق الجواري والكثير الكثير من السيئات التي ربطتها تصرفات الإسلاميين المتطرفين بهذا الدين. إن مثل هذه النقاشات لا فائدة منها إذا لم ينته الصراع بين المسلمين انفسهم ويحسموا امرهم وعلاقتهم بكل ما يشير إلى العنف او كل ما يأمر بالعنف من النصوص الدينية التي يتعاملون بها ومعها اليوم. عند ذلك فقط نستطيع ان نحدد موقفنا بشكل واضح امام العالم ولا حاجة للمراوغة التي يتبعها بعض رجال الدين، تقية، حينما يشاركون في هذه النقاشات ويبرزون امام الناس وكأنهم حمامات سلام ، يحاججون بكل آيات السلام والتسامح، وما هم في الحقيقة إلا وحوش ضارية خارج مجال هذه النقاشات لا تخطر ببالهم سوى آيات القتل والإرهاب وانهاء الآخر، وكل تصرفاتهم تدل على ذلك.
الدكتور صادق إطيمش


http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=435240
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة