قصة قصيرة / ما يشبه اليوم ....في صيف عراقي

بدء بواسطة حكمت عبوش, سبتمبر 12, 2011, 05:11:08 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

حكمت عبوش

   قصة قصيرة
ما يشبه اليوم ....في صيف عراقي
                                                                              حكمت عبوش

في واحد من أيام شهر تموز الماضي تعطلت المولدة الكهربائية في حيّهم و هذا يعني المعاناة و الانزعاج من حر شديد لا يوقفه سوى الكهرباء الوطني و لكن من أين يأتي هذا الملاك الوطني؟ و هو لا يزور الحي إلا كل ست ساعات مرة واحدة فقط بعد أن أصبح جيدا ليبقى ساعتين ثم يغادر بدون استئذان و كانت أخر مرة انطفأ فيها هي الثانية بعد الظهر أي انه لن يأتي قبل الثامنة مساء و من يتحمل حرارة هذا الجو اللاهب حتى ذلك الوقت؟ قال شاكر ذلك مع نفسه ثم خرج ذاهبا إلى المولدة ليتأكد من عطلها و هل يمكن علاجه بسرعة أم لا، فلم ير أحدا فتأكد أن العطل ليس سهلا فعاد إلى البيت حزينا متململا و هو يعلم ما سيواجهونه من تعرق و حرمانهم من الاسترخاء أو النوم في قيلولة الظهيرة الذي كان يزوره أحيانا  فدخل الهول و كأنه يدخل حماما شتويا، و يغوص  مع الآخرين في دوامة عدم الاستقرار فمرة يتمدد احدهم على إحدى القنفات و ثانية يستعدل ليجلس و ثالثة يتمدد على الكاشي المجرد و هنا جاء صوت الأم واهنا ضعيفا: أتعلمون إن بيوتنا القديمة كانت أحسن من هذه التي تسمونها الجديدة تلك كانت ابرد. فأجابتها الزوجة بصوت أقوى قليلا: طبعا خالة بيوتكم القديمة تلك كانت كلها مبنية من الجص و الحجر أما هذه فسقوفها من سمنت و حديد و جدرانها من البلوك أي من السمنت و الحصو و الرمل، و أكمل شاكر: و الجص عازل للحرارة أما السمنت و الحديد فموصلان لها و رغم إن الساعة عبرت السادسة عصرا و الظلال ملأت الحديقة إلا أن الجو الحار بقي مستمرا و لكن مع هذا تبقى الحديقة انسب مكان لشرب شاي العصر ليتعسر في فمهم و كأنه دواء عند انقطاع الكهرباء و كانوا يتناولونه براحة و تلذذ عند توفره و بينما أوشك شاكر على إنهائه شرب الشاي جاءه صوت جاره مناديا للذهاب إلى المولدة لمعرفة سبب عطلها و هل سيتأخر العطل و عندما وصلا و سلما و قبل السؤال قال صاحب المولدة: نحن نعتذر اليوم فالمولدة ستبقى عاطلة إلى الغد فعرفا إن ما تحتاجه المولدة لا يمكن توفيره الآن. و بعد أن ترك شاكر و جاره أصحاب المولدة سأله: أسمعت جديدا في لغة صاحب المولدة؟ فأجابه الجار: نعم سمعت و هو الاعتذار فسأل شاكر ثانية و ما هو السبب في رأيك؟ فأجاب الجار: السبب معروف و هو السعر الجديد للأمبير الواحد و البالغ خمسة عشر ألف دينار و الذي ادخل كلمة الاعتذار إلى قاموسهم فابتسما، ثم نزل شاكر إلى السوق حيث رأى بعض الأصدقاء و جلس على الانترنت ليقلب موقع أو موقعين بسرعة ثم ذهب ليأخذ جريدته بعد يوم من صدورها في بغداد و كانت الساعة قد بلغت التاسعة إذا لم يبق سوى ساعة واحدة للتمتع بنعمة الكهرباء، و كانت زوجته و أمه قد حثتا الطفلين على إكمال العشاء بسرعة قبل أن يحل الظلام الحالك و معه تأتي الحرارة المنفرة دون رخصة كالعادة و بعجالة جاءت الساعة العاشرة فانطفأت المصابيح و أجهزة التبريد و التلفزيون و معها انطفأت الرغبة و القدرة على ممارسة حتى الأعمال البسيطة الرتيبة مثل الحديث و تبادل الآراء حول شؤون البيت و الأطفال و الشارع و الأقارب و دخلت العائلة ثانية في مرحلة اضطراب الحركة و الدوران في حلقة محدودة المحطات قاسمها المشترك هو الحرارة و لكن أضيف إليه البعوض عند الخروج إلى الحديقة حيث كان ينتشر فيها بسخاء مما جعل إطالة الجلوس فيها عملا غير محمود العواقب ثم جاء صوت الأم أيضا ضعيفا كالعادة: في بيوتنا القديمة كنا لا نعرف النوم داخل الغرف في الصيف فالنوم كان على السطح دائما لكن الآن الموديل تغير. فتجيب الزوجة: طبعا خالة قبل ماكو حدائق يعني ماكو بعوض ألان الحدائق كثيرة و مزدحمة بالبعوض فالواحد يهرب منها إلى الداخل إلا أن الغرف تبقى غير خالية و لكنها اقل، و عندما حلت الساعة الحادية عشرة استمر هجوم الحرارة عليهم بمخالبها الملساء فأدمت قلوبهم و دواخلهم و انسكب العرق بدل الدم  يعتصرهم الضيق و المرارة و لكن مع هذا تغلب النعاس على الطفلين الصغيرين رغم تعرقهما الشديد مثل الآخرين و عضّات البعوض بين آونة و أخرى فيحكان مكانها و يتأوهان ليرفعا رأسيهما قليلا ثم يعيدانهما بسرعة على المخدتين المبلولتين بالعرق و هنا لم يعد الأب يتحمل الوضع فأعلن انه سينام على السطح  فقالت له زوجته: و لماذا تصعد إلى السطح أهو أحسن؟ فأجابها يائسا و هو يضحك بافتعال: يعجبني تبديل شكل العذاب فقط. و أردفت أمه: و هل هذه هي الليلة الأولى التي نعاني فيها انقطاع الكهرباء، انها مصيبة نعاني منها منذ ليالي و سنوات طويلة. فأكملت الزوجة: رغم ما يقال عن ثروات بلدنا الكثيرة و لكن ما الفائدة و مثل ما يقول هذا الكاتب الانكليزي الذي قرأنا عنه في الثانوية برنارد شو عندما سالته سيدة في حفلة لماذا انت سيد شو غزير اللحية و لكنك اصلع فقاطعها زوجها كلا انه لم يكن انكليزيا بل ايرلنديا فأجابته زوجته نعم نعم ايرلنديا، و اجابها شو ان سبب ذلك هو غزارة في الانتاج و سوء في التوزيع و الان مثل ما ترى العين ناس تعيش في النعيم و ناس تعيش في الجحيم.و دون أن يجيب جمع قطعتي فراشه من الإسفنج و القماش الخفيف و معهما مخدته و حملها تحت إبطه صاعدا إلى السطح حيث السرير الحديدي لازال منصوبا فسحبه إلى المنتصف و هو يخاطب نفسه: لعل تيارا من الهواء القوي حتى و لو كان حارا يمر بسريره و هو كفيل بطرد البعوض المزعج و لكن بعد الاستلقاء على السرير حتى الهواء الحار زعل و ترفع من التقرب إليه و كأن الدنيا قد سكنت تماما مانحة البعوض حرية التسكع على جسمه من الوجه و الرقبة حتى القدمين رغم تغطية كل جسمه و كأن البعوض و الحرارة اتفقا على النيل منه فاضطراه للنزول إلى داخل التنور ثانية ليشارك الجميع قرفهم من ما آل إليه الوضع و لكن بعد مرور بطئ للدقائق واحتمال صعب للوضع جاءت الساعة الرابعة و معها جاء الكهرباء الوطني و كأن الحياة قد عادت معه فعلا فاشتغلت المروحة و المبردة و اعتدل الجو و أصبح مناسبا فاستغرقت العائلة في نوم أرادته عميقا و طويلا و لكن من أين؟ فسرعان ما حلت السادسة و هجمت الحرارة عليهم مرة اخرى و نهضوا من نومهم القصير حيث ضوء النهار قد بدأ بالانتشار و بدأت الزوجة بتهيئة الفطار أما الزوج فقد بدأ بإخراج الكراسي و المنضدة الصغيرة إلى الحديقة و التي كانت أشجار الزيتون و البرتقال تقف حاجزا أمام الشمس لتوفر ظلا جيدا حتى الثامنة و النصف صباحا تقريبا فيجلسون للفطور في حمايتها و لكن ما أن بدأوا حتى ملأ صوت مولدة الجيران الكهربائية المكان و لكن طيبة الجيران و حسن العلاقة معهم كان كفيلا بالتغاضي عن مثل هذا التجاوز الغير مقصود و فعلا مع زمجرة مولدة الجيران جاء صوت جارتهم أم نور قويا و هو يخاطب زوجته لربط ماطور الماء بمولدتهم و قالت: لقد عرفنا من البارحة إن (سره) الماء لمنطقتنا هو في الصباح و نحن نعرف إن مولدتكم عاطلة من زمان فردت الزوجة: (شكرا أم نور و لكن لماذا لم تشغلوا المبردة في الليل و الكهرباء متوقف؟ فأجابت أم نور: لقد تعطلت هي الأخرى و رفضت أن تعمل و لما كان الظلام دامسا فقد تعذر على أبو نور تصليحها و لكن الآن تمكن من ذلك و لنستعجل في سحب الماء لان السره قصير اليوم و البنزين كميته قليلة عندنا فردت الزوجة: السره القصير يعني ساعة او ساعتين من الماء في الكثير فقالت ام نور:بنت عمي و هي في الحي الاخر تقول في السره القصير لم نر ماء منذ اسابيع عديدة و لكن علينا ان نسرع في ربط الماطورين حتى لا يسبقنا الوقت. فردت الزوجة: شكرا جزيلا ام نور.

أمير بولص ابراهيم

قصة جميلة  وهي واقع نجتره يوميا ً

  تحياتي