تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

ساعات / قصة قصيرة

بدء بواسطة حكمت عبوش, يوليو 10, 2011, 04:27:02 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

حكمت عبوش

قصة قصيرة
ساعات
                                                                       حكمت عبوش
قبل الغداء بقليل دخل باسل الدار قادما من أربيل في إجازة قصيرة حيث كان يعمل في عطلته الصيفية رغم معارضة أهله وخاصة أمه حيث خاطبته مرارا: (لقد عانيت كثيرا من الذهاب و الإياب من جامعتك في الموصل وتعرضت لمخاطر ومتاعب جمة فاجلس في البيت وارتاح قليلا ولا تذهب للعمل) ، فيجيبها بسؤال: (الم تقولوا إننا في وضع معاشي غير جيد؟) فتجيبه بانكسار: (نعم) فيكمل باسل : (و أنا أيضا معكم أرى أن وضعنا المادي يحتاج إلى تصحيح و بإمكاني المساهمة به ولذلك سأذهب إلى العمل ماما).
وبعد أن جلس وارتاح قليلا وشرب قدح الماء البارد الذي جلبته له أخته ، رفع يده اليمنى وبدا يحل سير الساعة المشدود عليها ثم قال لوالده مبتسما وهو يقدم الساعة له : (بابا أنت من زمان ما عندك ساعة و أنا اعرف كم تحتاجها وهذه اشتريتها هدية أرجو أن تقبلها ) فبادله أبوه الابتسامة واخذ الساعة منه وهو يقول: (شكرا باسل) فقالت أمه مازحة : (الآن سيرتاح أبوك وسيضبط أوقات الأخبار والبرامج التلفزيونية بدقة) فسألها الأب وهو يجاري مزاحها :(و أنت ماذا يزعجك في ضبط الوقت . أليس هو الأفضل؟) فتدخلت الابنة و كأنها تريد أن تصلح ما بين الطرفين : (نعم بابا إن ضبط الوقت مفيد لجميع الجهات وكل واحد يأخذ حصته بعدالة من التلفزيون) فيبتسم الجميع . و هنا نادته جدته بشكل مفاجئ وقالت : (تعال يا باسل أنا لا أريد ساعة منك ولا أي شيء فأنا لم أرك منذ أسبوع فتعال لأقبلك واشم رائحتك يا عزيزي) ثم ذهب إليها باسل وهو يبتسم لتحتضنه بحرارة وتقبله وهو يقول لها : (شكرا شكرا جدتي) .
بعد الغداء و الأب مستلق في قيلولة الظهيرة لا يعرف كيف قفزت إلى ذهنه قصة أول ساعة امتلكها في حياته و كان ذلك في بداية الستينات وجاءته هدية من والده المبعد آنذاك إلى (الناصرية) المدينة الجنوبية البعيدة بسبب نشاطه السياسي وكانت بمناسبة إنهاءه المرحلة الابتدائية ناجحا إلى المتوسطة ويتذكر إلى ألان نوعها ولونها رغم مرور ما يقارب الخمسين عاما و أرسلها والده مع العم (سليمان) و كان من القرية و يعمل في الناصرية وعندما ذهب و جده إليه نقل لهما تحيات الوالد للعائلة وتوصياته له بالجد والقراءة ليحقق النجاح دائما ثم سلمه الساعة. وبدا يتذكر إن الساعة لفتى صغير في ذلك الوقت كانت تعني إما أن الأهل في رخاء مادي وبحبوحة ويشترون الساعة له لغناهم حتى إذا كان كسولا و من اجل التباهي فقط وهذا ما كان بعيدا عنهم أو انه جيد في المدرسة وقطع مرحلة وهذا ما ينطبق عليه مما جعله يقتنع بأحقيته في امتلاك الساعة والاعتزاز بها كثيرا وكان هذا في محله خاصة إنها من والده الذي يحترمه كثيرا و لأنها أثبتت متانتها واستمرارها بالعمل طيلة فترة المتوسطة و الإعدادية ثم دراسته بالمعهد فالعسكرية وكان عطلها يعني بقاءه دون ساعة لعدم توفر ما يمكن أن يشتري به ساعة بديلة ويوما في بداية السبعينات وبعد تعيينه معلما توقفت الساعة العزيزة عن العمل ورفضت عقاربها الدوران فقال لأهله مداعبا : (أتعلمون كم ذكية هذه الساعة إنها الآن توقفت بعد أن علمت إن حصولي على ساعة أخرى أصبح ميسورا).وفعلا توالى شراءه لساعتين أو ثلاث بسهولة لان راتبه من التعليم كان جيدا وبواسطة هذه الساعات يقول: كنت اضبط مواعيدي ولقاءاتي مع أصدقائي واضبط أوقات الدوام والدروس والفرص بدقة وهذا ما اكسبني احترام معارفي وزملائي. وفي منتصف التسعينات أي قبل تقاعدي بسنتين تعطلت ساعتي و بدأت عقاربها تسير عكس المعتاد... فيا للسخرية وعرضتها على المصلح مرات عديدة إلا أنها رفضت الاستعدال و استمرت عقاربها بالسير للوراء فرميتها وبقيت فترة دون ساعة إلا أن حاجتي الماسة لها في عملي اضطرتني لشراء ساعة جديدة ولكن ما نوعها؟ إنها ساعة (راسكوب) المعروفة بسرعة عطبها ورغم رخص ثمنها البالغ ألفا دينار إلا أنها بالنسبة لي كلفت تقريبا نصف راتبي الشهري وهذا ليس قليلا و لم يخب الظن بساعتي إذ تعطلت بسرعة حالها حال مثيلاتها من ساعات الفقراء و بقيت دون ساعة و بدأت باستعارة ساعة أخي أحيانا أو ساعات بعض زملائي و زميلاتي في المدرسة في أحايين كثيرة لتساعدني في المراقبة و كثيرا ما كان الخجل يتملكني و لكن ما يخفف منه هو طيبتهم حتى إن إحدى الزميلات قالت يوما: (لا تكترث أبو باسل كلنا بهالحالة) و يوما ذكرني زميلي فريد بأهمية الساعة و سأل بمزاح مر: ( لماذا باقي أنت بدون ساعة؟ انظر إلى تلك العبارة و ستعرف أهمية الدقيقة و ليس الساعة فقط)و نظرت إلى العبارة المكتوبة بخط جميل و واضح(إضاعة دقيقة من العمل إضاعة لفرصة في التقدم) و لكن فجأة انقلب مزاحه إلى جد و سألني بانفعال: (قل لي ألا يطبقون عكس ما يقولون تماما؟) ثم أضاف بعد أن خف انفعاله قليلا: (إنهم لا يضيعون فرصة واحدة و لا حتى آلاف بل ملايين الفرص بإعادتهم لنا إلى الوراء إن نصف تلاميذي في الثالث لا يعرفون كتابة و قراءة الحروف العربية) فأجبته محاولا التخفيف عنه: ( هناك تلاميذ في السادس لا يعرفون كتابة أسماءهم) فأكمل: (و هناك في الخامس و السادس من يجهل تماما قراءة كتب التاريخ و الجغرافية و العلوم و قسم كبير منهم يقرأها و كأنه(يشلّع تمر) ثم بمرارة سأل: (و هل هذا جار في العراق من قبل؟).
في العصر و بينما لازال فكره ساحة مضطربة للساعات تصول و تجول فيه صاعدة و نازلة جاءه صوت زوجته مناديا: (ألا تنهض؟ ألا تشرب الشاي؟ لقد تجاوزت الساعة الخامسة) و هنا ابتسم و اعتدل ثم جلس و الراحة تغمر نفسه رغم عدم نومه لدقيقة واحدة  فنهض و بعد أن تربع الجميع على مائدة الشاي قالت والدته و بشكل غير متوقع: (أتتذكر الساعة التي أرسلها لك المرحوم والدك عندما كنت صغيرا من الناصرية؟) أجابها: (نعم ) فأكملت: (كانت هدية نجاحك من الابتدائية، إنني أشم  نفس رائحة الخير و اهتمام الواحد بالآخر فهي لا زالت تنتشر في هذا البيت) فسألتها حفيدتها ضاحكة: (و إلى متى ستستمر هذه العطور الشذية بالانتشار جدتي؟) فأجابت الوالدة بثقة: (ستبقى ما دمتم انتم بذور الخير التي تزهر في هذا البيت و ستبقى إلى ما لا نهاية.) 

هيثم يوسف

شكرا علقصه الجميله    شكرا الك


ruaa

امي ينبوع حب ونهر عطاء ليس له نهايات
امي اول حكاية عرفتها وهي اخر الحكايات
امي اول كلمة لفظتها وهي اخر الكلمات