تطوع الكلاب في خدمة المعوقين/شمعون كوسا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, ديسمبر 25, 2016, 11:38:54 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

  تطوع الكلاب في خدمة المعوقين   
   


برطلي . نت / بريد الموقع

شمعون كوسا



قبل أكثر من شهر حدثني صديق عن ظاهرة اثارتانتباهه بصورة خاصة وقال : وجدت نفسي بجانب فتاة جميلة واقفة مثلي داخل الترامواي لشدة الزحام ، وكان قد جثا عند قدمي الفتاة كلب جميل من صنف (اللابرادور) يحمل على ظهره قطعة زرقاء تفيد بان الكلب يتابع دورة تدريبيةفي مجال اصطحاب الشخص المعاق وتسهيل حياته اليومية. قال صديقي :بما اني لم أصادف مثل هذا الصنف الخاص من الكلاب ، دعاني فضولي للاستفهام  ومعرفة المزيد .اعتذرت للفتاة لجرأتي ، ورجوتها ان تشرح لي قليلا عن هذا الموضوع المثير.فقالت لي بانها مختصة في تدريب كلاب تمّ اختيارهم للانخراط في دورة تدريبية تتكلل بشهادة تؤهلهم لمرافقة الاشخاص الذين يتحركون على عربة ، ومساعدتهم في حياتهم اليومية .اثناء حديث الفتاة ، كان المتدرّب ساكنا لا يتحرك ، وعند بلوغها  محطة النزول ، طلبتُمنها إن مانت  تتحملني في مرافقتها قليلا لمعاينةالكلب ميدانيّاً.
سرتُ مع المعلمة قليلا ، وبعد ثلاث دقائق فقط رأيتُ الكلب يعدو مُسرعاً نحو شخص كانت قد سقط من عربته على الارض . كان هذا النشاطضمن منهاج التدريب ومن التطبيقات المهمة التي يحوز الكلب من خلالها على نقاط تقديرية مهمّة. بدأ الكلب يتشمّم المعوق وبتحسسهمن كل الجهات ، فيهزّ ذنبه ويلتفت يمنة ويسرى ، وبما انه غيرُ قادرٍعلى حمله ، جرىفي جميع الاتجاهات مستنفراًبعض المارّة، وعندما لم يلحظاكتراثاً، عاود الكرّة بإلحاحمستنجدا بشخصين واقفين بالقرب من هناك ،  فأنتبه  احدهم لإلحاحهورافقه لحمل الشخص المعوق الساقط على الارض واعادته الى مقعده في العربة . عند وصولي الى  موقع الحدث ، رأيتُ الكلب يهزّ ذنبه ويلتفت  الى مدرّبته وكأنه يطلب تقييمها لما قام به ، واذا كان قد نال رضاها فعلا ، فقبّلته المدربة وربتت على ظهره . توجهت بدوري الى المعوق وسألته عن حالته ، فطمْأنني ولكنه قال  : تصوّر يا أخي باني ومنذ ربع ساعة انادي  العديد من الشباب الذين مرّوا امامي ولكنهم كانوا في عالم غير عالمي ، وهذا الحيوان الشريف هو الذي التقط ندائيمن بعيد وهرع  لنجدتي . واضاف ايضا بتأثر عميق : هل بدأ انساننا الحالي يفقد  انسانيته تاركا هذا الشعور النبيل الى الحيوان الذي يقوم به دون مقابل ؟!!
بعد هذا قالت لي السيدة : أراك مولعا حقا بهذا الموضوع ، لماذا لا ترافقنا الى بيت أحد المُعاقين المُدرجين ضمن برنامج تدريبنا لهذا اليوم ، فترى المستوى الذي بلغه طالبنا فيتأدية خدماته المتنوعة.
ذكرتْ لي المدرّبة بين قوسين ، بان الكلب دخل دورة التدريب هذه بعد ان امضى سنتين عند عائلة منذ الشهر الثاني من عمره ، وهذا من ضمن شروط قبوله في الدورة التدريبية .
كان الشخص المعاق على علم بمقدم الكلب ومدربته ولذا لم يكن قد اقفل الباب. سبَقَنا الكلبُ وأمسك بقبضة الباب وفتحها. وبعد أن رجع ببُطءالى الخلف ليفسح لنا مجال الدخول ، توجه الى الشخص المعاق وهبّ نحوه يلحسه بلسانه ويضع رجليه على ركبتيه .طلب منه الاخ المُعاق ان يجلب له جهاز فتح التلفاز (الريموت) من غرفة مجاورة ، فهرع الكلب وأتى بهحاملا اياهبين اسنانه دون ترك أيّ أثر عليه.
قالت لي الفتاة بان الكلب يَلقى تدريبا على القيامبما يقارب خمسين خدمة  يصعب على الشخص المعاق القيام بها ، كالتقاط حاجات على الارض ، او في مكان مرتفع او حتى في الخزانة ، وقد تكون الحاجة جواز السفر او عوينات أو ما شابه ، يأتي بها تلميذنا الشاطر دون الاضرار بها.
وبما ان الزيارة كانت تتزامن مع يوم الامتحان المخصص لاختبار معلومات  الكلب العملية ، وعلى أثرها  سيتم تعيينه في خدمة هذا الشخص المعاق بالذات ، تمّ تكليفه بالبحث عن بطاقة الاعتماد. تلقى الكلب السؤال بارتياح شديد ، وتحرك  بسرعة لإخراج البطاقة من محفظة موضوعة في احدى زوايا الصالة هناك . عند استفساري عن كيفية التوصل الى هذه المعرفة قالت لي الفتاة : هناك حركات وكلمات متفق عليها يتعلمها الكلب تدريجيا ، كما ان صاحب الكلب ايضا ينخرط في دورة في هذا المجال للاطلاع على الاساليب او الكلمات او الحركات الخاصة في هذا الموضوع .
خرجنا كلنا من البيت مع الشخص المعاق الذي كان يتحرك وهو على عربة ، حيث أن الكلب مخصص حصراً لمن يستخدمون العربة ، فقام الكلاب بأغلاق الخزانات المفتوحة ، وأوصد الباب بعد خروجنا . توجهنا الى دائرة البريد القريبة من البيت ، حيث كان على المعاقارسال بطاقة بريدية الى احد اصدقائه . كان يتصرف الكلب وكأنه رئيس تشريفات ، يتقدمنا ويفتح الباب ثم ينحني راجعا الى الوراء . بإشارة بسيطة من صاحبه ،  ذهب الى منصة ووقف على رجليه وجلب له ظرفا ، وعندما كتب صاحبنا العنوان ، بواسطة يده اليمنى التي كانت  سالمة . ذهب الكلب الى الموظف المسؤولالذي عرفالطلب ، فناوله الطابع واضعا اياه على لسانه، عند الانتهاء من العملية ،  استلم الكلب الرسالة وبعد عن انتصب واقفاً  على رجليه ، أودعها صندوق البريد.
بعد ذلك كان التوجه نحو مخزن لشراء احتياجات المنزل ، فكانت اشارة صغيرة تكفي لكي يقوم الكلب بجلب الحاجة ، واحيانا يلتقطها من رفوف عالية . عند حدوث أخطاء بسيطة، تُعالج المدربةذلك بمجرد نظرة ، أو كلمة أو حركة صغيرة ، فيقوم الطالب بتصحيحالخطأ.
قالت لي المدربة ، التي عرفتُفيما بعد بان اسمها  ايزابيل ، قالت بان الكلب هو المرافق والصديق الوفي لهذا الشخص المعاق . اننا نلاحظ بان حياة هؤلاء المعاقين تتغير جذريا بعد حصولهم على هذه الكلاب المدربة ، وكأنهم قد عثروا على شريك حياتهم او صديق عزيز جدا . والعلاقة تذهب ابعد من  الخدمات لتتحول الى  علاقة عاطفية ، وهذا العلاقة الوثيقة يمكن ملاحظتها لدى الطرفين .
ان هذا النوع من الكلاب يساهم في إدماج الشخص المعاق في المجتمع لانه يمكّنه من القيام بما لا يقوى عليه في الكثير من المجالات . ألا يعوّضه أيضا في حياته معه عن شبه حنان ضروري،لم يحصل عليه من كائن آخر بمثل هذا الصدق والحماس؟
عند انتهاء صديقي من سرده للقصة قال : ألا ترى بان الكلب هنا يلتقط ما اضاعه بعض الناس من شعورهم  الانساني . حيوان يقوم بخدمة انسان معاق بصورة غريزية مكتسبة.  يسعفه، يرافقه ، ويساعده  في الكثير من حاجاته اليومية ، ويقوم بذلك بكل سرور وارتياح ،  وكل هذا دون أيّ مقابل . إنّ الطبيعة متكاملة ، وما تقاعس الانسان العاقل عن القيام به ، يأتي الحيوان غير الناطق ليكتسب بعض هذا العقل منأجل سدّ الفراغ ومعالجة هذا التقصير . تحياتي لهذا الكلب الذي ، علمنا  فيما بعد ، بانه كان من الاوائل على دورته !!.