زيارة بطريرك الموارنة للسعودية تاريخية بل أكثر

بدء بواسطة برطلي دوت نت, نوفمبر 14, 2017, 09:17:56 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

زيارة بطريرك الموارنة للسعودية تاريخية بل أكثر   

         
برطلي . نت / متابعة

  عنكاوا دوت كوم : ايلي الحاج المصدر: الرياض-"النهار"

ترتدي زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي للسعودية أهميتها من كونها مؤشراً قوياً بارزاً تغيرات تحديثية هائلة تشهدها المملكة في كل المجالات، كما من اعتراف أعلى مرجعية اسلامية بدور مميز لمسيحيي لبنان في اطار السعي إلى تضييق المسافات بين المسلمين والمسيحيين في العالم اجمع، لكونهم خبراء مجربين، مع شركائهم المسلمين في "عيش مشترك" بات العالم، شرقا وغربا في أمس الحاجة اليه

لا يخفى أنها المرة الأولى في تاريخ العلاقات بين المسيحيين والمسلمين يدعو فيها خادم الحرمين الشريفين، الذي يعد دينياً عند المسلمين بمثابة أمير المؤمنين، وفي صورة رسمية، رجل دين مسيحياً، وليس أي رجل دين مسيحي، فهو يحمل صفتي بطريرك الكنيسة المارونية وكاردينال في الكنيسة الكاثوليكية، إلى زيارته في المملكة العربية السعودية. هذه الدعوة لا سابق لها منذ نشوء الإسلام. صحيح أن رجال دين مسيحيين التقوا أسلافاً للعاهل السعودي ولكن ليس في إطار دعوة رسمية بل في إطار تهانئ أو تعازٍ. وأما اللقاءات التي تحفظها كتب التاريخ القديم بين أمراء للمؤمنين ورجال دين مسيحيين فلم تكن من الند للند وبين أحرار. لذلك تكتسب الزيارة رمزية عالية جداً في زمن "صراع الحضارات" القائم على أساس ديني للأسف بين المسيحية والإسلام على مستوى العالم، وليس الشرق وحده، وعلماً أن لبنان يقوم على "خط التماس الحضاري"، إذا جاز التعبير، بين هاتين الحضارتين العالمتين.



وواضح أن القيادة السعودية الجديدة قصدت من توجيه الدعوة الرسمية إلى بطريرك الموارنة إدراجها في سياق رسائل متلاحقة، ترسلها هذه القيادة إلى المجتمع الدولي، ولا سيما إلى دول الغرب وشعوبه التي تهجس بظاهرة "إسلاموفوبيا" متفاقمة بفعل الحوادث العنفية يشهدها العالم على وقع صرخات "ألله أكبر". فحوى هذه الرسالة أن السعودية بريئة من الإرهاب، والإسلام بريء من الإرهاب ، وأنه دين سلام وانفتاح، وأن الفكر التكفيري والإرهابي الذي يُسيّر تنظيمات مثل "داعش" و"القاعدة" وما يتفرع منهما ويوازيهما هو فكر مُضلّل لا يمثل الإسلام، كما أنه عدو شديد للمملكة العربية السعودية التي تحاربه على أرضها وفي كل مكان.

وسبقت هذه الرسالة قرارات جريئة أقدمت عليها القيادة السعودية الجديدة لم يكن أحد من الملوك السابقين ليُقدم عليها نظراً إلى رفضها من المجتمع التقليدي المحافظ، ومراعاةً لمواقف المراجع الدينية المتشددة . على سبيل المثال السماح للمرأة بقيادة السيارة وحضور المباريات الرياضية في الملاعب. والأهم تشكيل لجنة علمية للنظر في صحة الأحاديث النبوية، وهذه كتبت بعد وفاته بنحو 200 سنة اجمالاً على أيدي أشخاص غير عرب وبلغات غير عربية، فارسية وتركية وغير ذلك، ولا أصول لها بالعربية، ومنسوبة إلى أشخاص تناقلوها من جيل إلى جيل مما يجعل احتمالات صحتها أقل مقارنة بالقرآن، علماً أن الأحاديث النبوية لا تقل تأثيراً عنه في تحديد سلوك المسلمين في عالم اليوم ونمط تفكيرهم ومعيشتهم. لذلك تُعتبر خطوة التدقيق العلمي فيها عملاً ثورويا وخطوة جبارة تفوق في أهميتها قرار العاهل المغربي الملك محمد السادس- وهو أيضاً يعدّ بمثابة أمير للمؤمنين في المغرب ومن أحفاد رسول الإسلام- بمنع ذكر الآيات القرآنية التي تحض على العنف والقنل والجهاد، سواء في حلقات الصلاة أو التعليم على السواء.



والأهم يقيم ويعمل في دول الخليج العربي نحو 350 ألف لبناني، بينهم نحو 250 ألفاً في المملكة العربية السعودية، وهؤلاء يرسلون إلى لبنان ويستثمرون فيه بنحو 4.5 مليارات دولار سنوياً على ما يذكر بعض الدراسات المالية. عدد كبير من هؤلاء مسيحيون، وجزء كبير منهم يتقاضون رواتب عالية جداً تتجاوز الرواتب التي يتقاضاها سعوديون من المستوى نفسه. لا ضرورة للتوسع في عرض أهمية دور هؤلاء اللبنانيين في اقتصاد بلادهم فهو معروف. لكن ثمة خطراً يمكن أن يتهدد مصالح هؤلاء اللبنانيين . وهذه نقطة حيوية لم يأخذها في الاعتبار كما يجب من تحفظوا عن زيارة البطريرك الماروني للمملكة في هذه الظروف أو تمنوا إرجاءها. والواقع ان علاقة جيدة بين القيادة السعودية والمرجعية المسيحية الأبرز في لبنان هي بمثابة ورقة ضمان لجميع اللبنانيين في السعودية الذين وضعوا أيديهم على قلوبهم بفعل ما يشبه سوء علاقات بين البلدين ساد المشهد أخيرا على خلفية سياسات "حزب الله" في المنطقة، وعلاقته الوثيقة بإيران التي اتسعت شقة الخلاف فجأة بينها وبين السعودية فلم يترك هامشا لتسوية هشة أساسا، فسقطت ومعها حكومة الرئيس سعد الحريري الذي سيلتقيه البطريرك اليوم ويشاوره في ما يمكن الجميع فعله لإنقاذ لبنان من عين عاصفة تهدد أساساته، وبقوة.