هكذا ينظر جبران الى العبودية/شمعون كوسا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أكتوبر 25, 2017, 09:30:44 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

هكذا ينظر جبران الى العبودية     
   


برطلي . نت / بريد الموقع

شمعون كوسا



أنقلُ هنا صفحة من صفحات جبران خليل جبران ، المفكر العربي الكبير، الشاعر والكاتب الذي يتناول الطبيعة والانسان مخترقا المظاهر والقشور باتجاه الجوهر والباطن بحثاً عن الجوهر والروح . انقلنظرة فيلسوف يفكر في كل شيء، ويُفصح عن عصارة تحليله ، بتلقائية وجرأة ، وبخيال واسع واسلوبشيّق . كنت قد تناولتّ، قبل خمس وثلاثين سنة ، احدى روائعه النثرية عن الريح ، ولشدة شغفي بها ومعانيها ، انطلقت في دندنتها في حينه ، فتحولت دندنتي الى غناءلم يلبث أن علا ، وغدا يتموج معحركة الريح ووصفها الجميل . وجدتُ الكلام رائعا ،فأنشدته بصوت يحمل ابعد نقطة في جوارحي.سجلت الكلام المغنّى واودعته ذاكرة الحاسوب ، ولا زلت اعود اليه لحد ّالان.يستهلّ الريح حركته بهذه الكلمات: (تمرّين آناً مترنحة فرحة ، وآونة متأوّهة نادبة ....).
وقبل ايام ، بينما  كنتُ اتصفح مجموعة مؤلفاته ، توقفت بصورة خاصة عند فصلالعبودية . اعجبني التحليل ، ورغبت في عرضههنا، فهو يقول :

وأغربُ ما لقيت من انواع العبوديات واشكالها :
العبودية العمياء: وهي التي تربط حاضر الناس بماضي آبائهم، وتُنيخُ نفوسَهم أمام تقاليد جدودهم، وتجعلهم أجساداً جديدة لأرواح عتيقة، وقبوراً متكلسة لعظام بالية.
العبودية الخرساء: وهي التي تعلق أيام الرجل بأذيال الزوجة التي يمقتها، وتلصق جسد المرأة بمضجع الزوج الذي تكرهه، وتجعلهما من الحياة بمنزلة النعل من القدم.
العبودية الصمّاء: وهي التي تُكرِهُ الافراد على اتّباع مشارب محيطهم ، والتلوّن بألوانه والارتداء بأزيائه ، فيصبحون من الاصوات كرجع الصدى ، ومن الاجسام كالخيالات .
العبودية العرجاء: وهي التي تضع رقاب الاشداء تحت سيطرة المحتالين ، وتسلم عزم الاقوياء الى أهواء الطامعين بالمجد والشهرة ، فيُمسون مثل آلات تحركها الاصابع ثم توقفها ، ثمّ تكسرها .
العبودية الشمطاء : وهي التي تهبط بأرواح الاطفال من الفضاء الواسع إلى منزل الشقاء ، حيث تقيم الحاجة بجانب الغباوة ، ويقطن الذلّ في جوار القنوط ، فيشبّون تعساء ويعيشون مجرمين ويموتون مرذولين .
العبودية الرقطاء: وهي التي تبتاع الاشياء بغير أثمانها ، وتسمّي الامور بغير مسمياتها ، فتدعو الاحتيال ذكاء والثرثرة معرفة ، والضعف لينا ، والجبن إباء.
العبودية العوجاء: وهي التي تحرك بالخوف ألسنة الضعفاء، فيتكلمون بما لا يشعرون، ويتظاهرون بما لا يُضمِرون، ويصبحون بين أيدي المسكنة مثل ثوب تطويه وتنشره.
العبودية الحدباء: وهي التي تقود قوماً بشرائع قوم آخرين.
العبودية الجرباء: وهي التي تُتوِّج أبناء الملوك ملوكاً.
العبودية السوداء: وهي التي تلصق العار بالأبرياء  من أولاد المجرمين .
ولما تعبتُ من ملاحقة الاجيال ، ومللت النظر الى مواكب الشعوب والامم ، جلست وحيدا في وادي الاشباح حيث تختبئ خيالات الازمنة الغابرة وتربض ارواح الازمنة الاتية ، هناك رأيت شبحا هزيلا يسير منفردا محدقا الى وجه الشمس ، فسألته : من انت وما اسمك ؟
قال: اسميالحرية.
قلت : واين ابناؤك ؟ قال : واحد مات مصلوبا ، وواحد مات مجنونا ، وواحد لم يولد بعد . ثمّ توارى عن عيني وراء الضباب .