ما بعد الاستفتاء، عن الإصلاح والصلاح في العراق/لويس إقليمس

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أكتوبر 02, 2017, 07:44:56 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

ما بعد الاستفتاء، عن الإصلاح والصلاح في العراق     
   


برطلي . نت / بريد الموقع

لويس إقليمس
بغداد، في 26 أيلول 2017
الجزء الأول:


نال موضوع الإصلاح في الدولة والحكومة بالعراق، قدرًا من التفاعل الرسميّ والمجتمعيّ وإبداء الرأي في الشارع العراقي، مذ تولّي رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي رئاسة الحقيبة الوزارية من سلفه الذيلميصنأمانةالحفاظعلىسلامةالأرضوالعرض والثروة الوطنية، بل أشعل فتيل الفتنة الطائفية وقاد البلاد إلى شفير الإفلاس والتناحر والتمزّق، وأطاح بأي أملٍ بانتقال البلاد من الفوضى الخلاّقة إلى دارة الدولة المدنية المنشودة من معظم أبناء الوطن الجريح.
فالمشروعُ الإسلاميّ المشبوه الذي مازال زعيم حزب الدعوة يسعى لتسويقه ضمن برنامجه ليضمن سطوتَه على مقدّرات البلاد، لا يمكن أن يُكتب له النجاح ويجد النور، لأسباب كثيرة وواقعية، منها ما يمسّ ذهنية المواطن العراقي وتطلعاته المدنية المنفتحة على العالم، وأخرى ترجع إلى طبيعة الأرض التي احتضنت حضاراتٍ وشعوبًا وأديانًا متعددة لها تاريخُها وتراثُه وصفحاتُها المشرقة الخالدة في حياة شعوب المنطقة والبلاد على السواء. فهذا المشروع، علاوة على شبهات ارتباطه بدولة الجارة إيران، والذي يتطلع فيه إل تقليدها في مبدأ ولاية الفقيه التي لا تنسجمُ مع ما هو قائم تقليديًا وحضاريًا واجتماعيًا من تعددية في الأديان والأعراق والمذاهب والأجناس، سيكون طعنة مثخنة في خاصرة التوّاقين لرؤية العراق بلدًا مدنيًا متطوّرًا ومتحضّرًا، ليعود إلى حاضنة المجتمع الدولي معافى من أدران الماضي المعفّر بالدم والكراهية والطائفية والحقد والخصام والتمزّق والدكتاتورية المتوارثة عبر الأجيال لدى شعوب المنطقة، ومنها بخاصة الدول الإسلامية على وجه التحديد. من هنا كان الاتفاق على ضرورة استبدال المالكي بعنصرٍ من كتلته ومن حزبه ظاهريًا، كي يقوم بما عليه في ساحة الإصلاح من أجل نقل البلاد وأهلها إلى واحة مختلفة ترفل بالأمن والسلام والرفاهية وإجراء مصالحة مجتمعية لإصلاح ما تمّ التفريط به على عهد سلفه.
عملية الإصلاح، أيًا كانت بداياتُها أو غاياتُها، لا تخلو البتة من مغامرات وهواجس واختلاجات وإرهاصات على الصعيد الشخصيّ للأفراد، وكذا على صعيد المجتمعات كمكوّنات جامعة ومنضوية تحت لواء دولة موحدة الأطراف والمكوّنات وذات سيادة، على السواء. والعراق كان في غابر السنين ضمن مثل هذه المواصفات التي تحققت وتكوّنت منها هوية أية دولة لها شأن في التاريخ البشري. فبلادُ وادي الرافدين، بتاريخها الموغل في القِدَم والحضارة البشرية، تشهد لها آثارُها وتركتُها الثقافية الغزيرة والسِيَر المأثورة لعلمائها ومفكريها ومثقفيها وما تركه هؤلاء للأجيال. وهذه العملية، لا تتحدّد بهدف معيّن أو شأنٍ محدّد دون غيره، إذا أُريد لها أن تكون شاملة بمفرداتها ومعطياتها وبنودها التي تغطّي سائر مكامن الحياة وشؤون البلاد والعباد. 
بدءًا، يأتي إصلاح النظام السياسي والاقتصادي على رأس الأولويات، لأنه يحفظ للبلد سيادتَه وتحكّمَه بشؤون مقدراته الأمنية، الداخلية والخارجية التي تجعلُ منه قوة تتحكم بمصادر القرار، وتمنحه مَنَعةً وتحصينًا إزاء أية محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار فيه أو تلك التي تسعى لإبقائه رهينة بيد القوة التي تصرف عليه وتوجه أداءَه الداخلي والخارجي وسياستَه السيادية وفقًا لأجنداتها ومصالحها في استهلاك أيّ شيء وكلّ شيء.ومن المهمّ بمكان، الاستفادة من الدروس السابقة والاسترشاد بالخبرات المتراكمة حول نوع النظام الأصلح لسياسة أية بلد، بالوقوفعلىشكلالنظامالسياسيّالذي ينفع ويأتي بالسعادة والاستقرار والرفاهة للمواطنين بغضّ النظر عن تلاوينهم وتشكيلاتهم وخلفياتهم الدينية والعرقية والمذهبية والثقافية والاجتماعية. فهناك النظامالبرلماني الذي يُؤمّن نوعًا من الديمقراطية وحرية التعبير والرأي والتنقل، هذا من حيث المبدأ لا الواقع. وهناكالنظامالرئاسيّ، الذي في حالة استغلالِه من قبل هرم السلطة بتحويله إلى أداة لحكم العائلة بالتوريث والقرابة والمحسوبية والمنسوبية، يتحول إلى كابوسٍ لكمّ الأفواه وزجّ الأحرار في الغياهب وقتل أية بادرة للتعبير عن الرأي والحرية في اتخاذ الخيارات الشخصية والاجتماعية وتقرير وسائل العيش الحرّ الكريم. وهذا التوصيف الأخير تعمل به غالبية دول المنطقة، والإسلامية منها بصورة خاصة. ولدينا من أشكال هذا النظام، الكثيرُ من الأمثلة والدروس السلبية، إلاّ في حالة واحدة قد تنفع، وهي أن يكون مثل هذا الحاكم عادلاً بحكمة سليمان الملك وشديدًا بحدّة حمورابي صاحب المسلّة وأول قانون نظاميّ يُطبَّق على الجميع. وهذا من النادر إيجادُه والعثور عليه. فهذا الصنو من الحاكم "الدكتاتور العادل"، سيكون قادرًا على إحلال الطمأنينة في قلب المواطن وفي إرضائِه من حيث حقوقه في التساوي بالمواطنة وتحقيق العدالة وفقًا للدستور الناضج الذي ينبغي أن يتولى كتابتَه ووضعَه أصحابُ الاختصاص وفيه تُرسم سياسة البلادالداخلية والخارجية لتنسجم مع طموحات عامة الشعب بجميع مكوّناته، حينما يُكتب بنَفَس مدنيّ حافظ لحقوق الجميع.   
أمّا لماذا فشل النظام البرلمانيّ في العراق، وهو الذي من وظيفته من حيث المبدأ إتاحة فسحة أوسع للحريات العامة، فهو لكون الدستور الذي وضعه مَن أتوا على ظهر الدبابات الغازية أو بدعمٍ من إدارتهم لاحقًا، لم يكن عقدًا وطنيًا ومجتمعيًا متكاملاًبسبب وجود ثغرات عديدة في بنوده وتضمينه ألغامًا كثيرة وتسييسه لجانب فئة على حساب العامة من سائر الشعب. وكذلك باعتمادهعلى مبدأالمحاصصةوالسماح للزعاماتأوبالأحرىلمافياتالزعاماتالسياسية لاستغلال هذه وتلك في مسألة انتهابثرواتالبلادواقتساممواردالدولة والمناصبالرسميةوالحكوميةووضعأيديهمعلىفعالياتالسوقالوطنيةالتيهمّشتدور النخب وأهملت دورالقطاعالخاص في بناء دعامات اقتصاد البلاد،وهو الأجدربقيادة وإدارةهذا الأخيروالأكثرنزاهةفيتوجيهالسياساتالتجاريةوالاقتصادية وتطويرها نحو الأفضل.
يُضاف إلى كلّ هذا وغيره، العمل بمبدأ المساومات، وعقد الصفقات،وأشكال الابتزاز، والغض ن التجاوزات على مصالح الوطن العليا، وتفضيل المنافع الضيقة في اتخاذ القرارات وصيانة أمن الدولة، وسنّ القوانين بصيغة التوافق غير المجدية والبعيدة عن رؤية المواطنة والطنية التي خلا منها غالبية السياسيين القائمين على الحكم، إلاّ من استثناءات قليلة جدًا. وهذا ما قاد البلاد إلى كوارث ومشاكل لا حصرَ لها، ومنها ما حصل مؤخرًا من زلزالٍ هزّ الضمير العراقي لكلّ مَن له ضميرٌ وطني أصيلٌ. فإصرار الكورد على الانفصال الذي كانت رئاستُهم الدكتاتورية وحزبُهم القائد تهدّد به في مناسبة أو بدونها استغلالاً للفرص من أجل كسب المزيدٍ من المكاسب والمنافع في صفقات ابتزاز مشبوهة وغير وطنية، هو من صلب ما كان يتخوّف منه المواطن الملتصق بالأرض والمؤمن بسيادة الوطن وصيانة وحدة أراضيه والحفاظ على حدوده. وهكذا عندما سنحت الفرصة للأكراد وانتهت سنوات الاستغلال والحلب المتنامي للثروات ولميزانية الدولة الذي لم يكفّ ولم يتوقف، تعالت أصواتُ الإصرار على الاستفتاء، بالرغم مما حصل عليه طيلة السنوات المنصرمة منذ الغزو الأمريكي في 2003، من قسط وافرٍ من الامتيازات والرفاهة أكثر من سائر المحافظات في البلاد. أمّا حجتُهم في ذلك، فلم تكن مقنعة أو حاضرة، ذلك أنَّ سمةَ التهميش، لمْ تكنْ قطّ مبرّرًا كافيًا للاقناع والإيمان بصحته. فالحقيقة الصارخة، أنّ القيادة الكردية في أربيل، كانت ناوية لتنفيذ مشروع الانفصال في أية لحظة. وتلك حقيقة لا تحتاج إلى تمحيص وتحليل وسؤال. أي أنّ مشروع الاستفتاء وبعده الانفصال الناجز لاحقًا، كان ضمن الرؤى والنوايا الدفينة.       
الآن وقد حصل الاستفتاء فعلاً، بالرغم ممّا شابه من خروقات ومن وسائل لإجبار النازحين بالتوصيت وتهديد المستفيدين من الامتيازات بقطع الأرزاق والمكرمات، وبالرغم من الاعتراضات الكثيرة داخليًا وخارجيًا، وبعكس الصرخات الخائبة التي لا فائدة منها، شرع شركاءُ الأمس وحلفاءُ الكورد بالبكاء والعويل لحدّ اللطم وإعلان الحداد الذي لا فائدة منه بعد. ومن المؤسف، أنَّ التحالفات السابقة بين القوائم الشيعية الكبيرة والكتلة الكردية، جاءت نتيجتُها لغير صالح الوطن والمواطن العربي والكردي وسائر المكونات الأخرى على السواء. ذلك أنَّ تمزيق النسيج الوطني العراقي، يعني التوجه نحو خرابٍ قادم مجهول النوع والكمّ إلى جانب ما قد يخلقه من مطامع من دول إقليمية وخارجية وقوى طاغية أخرى تراقصت لشقّ اللحمة الفسيفسائية التي كانت لها نكهتُها الخاصة التي يقلّ نظيرُها في أيّ بلدٍ آخر. بل هناك مَن يدفع اليوم أيضًا، باتجاه بقاء الشعب بائسًا خائبًا يهرول في كلّ مناسبة دينية لإدامة تقاليد البكاء واللطم، وسط تشجيع من قادة الأحزاب الدينية التي ترى في مثل هذه الممارسات غير الحضارية إبقاء سطوتها على الشعب البائس الذي يصرُّ على التمسّك بسوط جلاّده أملاً بكسب ما يُملى عليهم في هذه المناسبات من تخريفات وحكايات غاية في الخيال مهملين حصةَ الوطن ومصالحَه العليا وتقدّمَه وتطوير أدواته وصيانة سيادته ضمن دولة مدنية متحضّرة لا تقبل بسطوة الثيوقراط على مقاليدها وأفكارها وحريتها.
مثل هذا الفشل في صيانة الحق الطبيعي للفرد والوطن بسبب تراكم الخروقات والأخطاء،يعنيالحاجةلتأكيدالنزوعإلىنظامبديلٍ ونزيهومتطوريحفظتوازنالمصالحالعلياللبلادوليسفرضمنافعلسلطاتحاكمة ومافيات متنفذة ليس بإمكان الحكومة الضعيفة الحالية محاسبة الفاسدين والمفسدين منهم، بسبب ضعف الأداء العدلي والقضائي والجهات الأمنية التنفيذية التي يُفترض توليها حماية البلاد وثرواتها وسيادتها، والحرص على صيانة أمن المواطن على السواء.
في ضوء هذا التوجّه نحو إصلاح الدولة، حكومةً ومؤسسات وأفراد، هناك حاجة ملحة قبل كلّ شيء، لمراجعة دستورية جذرية، بعد هذا الزلزال الكبير. كما ينبغي إعادة التفكير في هذه الفترة الحرجة بإصلاح النظام الانتخابي الذي يمثل إحدى حلقات الفساد عبر التحكّم بطبيعة القانون الانتخابيّ وإخراجه عن الشفافية في طريقة الترشّح وأدواته وشروطه، بموجب الاتفاق التوفيقي على نسخته الأخيرة. فهناك، مَن يسعى دومًا لفرض الذات وأجندة الحزب والكتلة والجهة التي تسند وتدعم وتقدّم المرشَّح "ممثلَ الشعب" المفترض، وتوجهه في حالة الفوز بمقعد برلماني، بالطريقة التي تحفظ عادة مصالح الأحزاب الكبرى ذات الأغلبية، والمتنفذة دومًا في العملية السياسية. فالقانون الانتخابي مازال غير قادرٍ على إتاحة الفرصة لجميع المواطنين بالمشاركة في الانتخابات والترشح، بسبب غلبة الأحزاب المتسلطة والمتنفذة التي ماتزال تتخاصم وتهدّد وتفرض أدواتها القسرية بصياغة القانون الانتخابي وفق مصالحها، كلّما سعت جهاتٌ وطنية مهمّشة لإجراء تعديلات عليه كي تُتاح فيه الفرصة لمشاركة أوسع، لاسيّما من أوساطٍ مستقلّة ذات توجهات وطنية ومدنية أو من جانب مكوّنات ترى نفسَها خارج العملية السياسية بسببٍ من قلّة أعدادها. وهذا ما يجري حاليًا، حيث هيمنت الكتل والأحزاب الكبيرة فارضة شروطَها في تشريع القانون الانتخابي بنسخته الأخيرة، بالرغم من اعتراض الكثير من الكتل والأحزاب الصغيرة التي ترى نفسَها مغبونة في حقوقها الانتخابية. فقانون سانت ليغو الحالي، سواء بنسخته1,9   أو 1,7 ، لا يلبي طموحات المستقلّين والأحزاب الصغيرة التي تمثلها الأقليات. وما تطالبُ به هذه الأخيرة يقارب المنطق والحق في التعامل العادل والمتساوي بين كافة المواطنين، وبما يتيح لإجراء توازن وفق المصلحة العليا للوطن وبالاستناد إلى مبدأ المواطنة المتساوية للجميع التي تتيح الحق للجميع من دون استثناءات أو امتيازات لفئة دون أخرى.