بقاء المسيحيين في الشرق... خيار إسلامي

بدء بواسطة برطلي دوت نت, مايو 20, 2015, 10:47:45 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

بقاء المسيحيين في الشرق... خيار إسلامي

أي خسارة لو أحس المسيحيون أنه لا مستقبل لهم أو لأولادهم فيه، ثم بقي الإسلام وحيداً في المشرق لا يؤنس وحدته غير دولة إسرائيل.

خلاصة من بحث عفيف عثمان 'المسيحيون العرب الدور وئمخاوف المستقبل'، ضمن الكتاب 91 (يوليو 2014) 'المسيحيون في الشرق' الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.


برطلي . نت / متابعة
ميدل ايست أونلاين


الخوف من المستقبل

البداية من صورة الإسلام المهتزة في العالم، التي باتت مرادفة للتعصب والتطرف وقهر الأقليات، مما شكل خدمة لإسرائيل باعتبارها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". لذلك، ثمة مصلحة إسلامية في تقديم الصورة الصحيحة لهذا الدين. ويجب في المقام الأول "تبديل طريقة التعامل مع الأقليات المسيحية"، وتطوير بنى الدول العربية الداخلية باتجاه مزيد من الديمقراطية والانفتاح على الآخرين. فتنامي الهجرة يعني أن الإسلام غير قادر على التعايش مع الآخرين.

"أي خسارة لو أحس مسيحيو الشرق أنه لا مستقبل لهم أو لأولادهم فيه، ثم بقي الإسلام وحيداً في المشرق لا يؤنس وحدته غير وجود اليهودية – الصهيونية بالتحديد أمامه في إسرائيل"، فمصلحة الإسلام -إذن- أن يتفاعل إيجاباً مع بقية مكونات مجتمعه.

هذا، ويُربط بين نمط الحياة العربية الحضاري والمنفتح وبين الليبرالية التي تسمح بمشاركة واسعة وتضمن الحريات العامة، ومن الطبيعي أن ينعكس غياب المناخ الليبرالي على الأقليات، ولا سيّما على المسيحيين وعلى تراجع دورهم، لذا يدعو الباحث إلى قيام حلف بين المسيحيين والليبراليين في المشرق العربي يستند إلى رؤية مشتركة لمستقبل الإنسان في هذه المنطقة من العالم. ويرى أن الأقليات المسيحية كانت حليفاً للأنظمة القائمة سواء في مصر أو سوريا أو العراق أو الأردن، وكان دورهم في الإدارة مصدر ثقة وأمان. ولكن الحال الراهنة تفرض تخطي هذا العامل المصلحي والظرفي، والنظر إلى المسيحيين كمجموعة بشرية صاحبة حقوق. وإذ يثمن المبادرات الدينية والرسمية والشعبية التي تحض على العيش المشترك وتنادي بالحريات وتدين التطرف والإرهاب وتؤكد على المساواة التامة بين المسلمين والمسيحيين، وخصوصاً "وثيقة الأزهر"، فإن الحاجة تقتضي، في عرف الباحث، توفير عدد من المقوّمات مثل اعتماد "سياسات إيجابية" ترمي إلى تحسين أوضاع المسيحيين.

وعلى الرغم من اقتناعه برغبة المسلمين العرب في بقاء هؤلاء متجذرين في بلادهم، فإنه يطالب الصفوة المسلمة بالقيام بخطوات عملية. وإلى ذلك، يمكن، أولاً: "إعادة الاعتبار لتجربة السلطنة العثمانية" التي واكبت العصر وأفضت إلى دور كبير للمسيحيين، وبالتأكيد وفق مقتضيات الزمن الراهن، وذلك باعتماد أحد النموذجين: نموذج الدولة المدنية (النموذج اللبناني) أو الدولة العلمانية (النموذج الأميركي). وثانياً: "درجة متقدمة من اللامركزية الإدارية" تجعل المسيحيين مشاركين فاعلين في إدارة شؤون مجتمعاتهم. وثالثاً: "التمييز الإيجابي" المنسوخ عن تجربة الولايات المتحدة الأميركية والهادف إلى "تحفيز الأقليات العرقية والدينية واللغوية على الانخراط في الحيّز العام" ويُقدِّم لها ظروفاً ملائمة للعمل والتمثيل السياسي. وأخيراً: "إعادة الاعتبار للتجربة اللبنانية أو الدولة المدنية"، وفق ما تحقق في ستينيات القرن المنصرم من استقرار سياسي وازدهار اقتصادي وحريات، وقد دعا "المجمع البطريركي الماروني" في ختام أعماله عام 2006 إلى "استكمال بناء الدولة المدنية الحديثة"، والتجربة اللبنانية قادرة على أن تقدم نموذجاً عن "تفاعل المجموعات الإثنية والدينية وتعاونها تحت مظلة الدولة والوحدة الوطنية".

والحال أن مسؤولية المسلمين كبيرة إذاً إزاء الحضور المسيحي في الشرق، بسبب إمساكهم بمفاصل السلطة. أما في لبنان فإن هذه المسؤولية تعود في الدرجة الأولى إلى المسيحيين أنفسهم وخياراتهم، أو لنقل رهاناتهم، فبعضها قد يكون قاتلاً، بحسب عبارة ناصيف قزي الذي يرى في رسالة له إلى المسيحيين أن الخيارات المثلى لهم في المشرق، ولا سيّما في لبنان، لا بد أن ترسم أولاً: بوحي من التجربة المعيشة، وثانياً: بوحي مما تركه رواد مؤسسون ورجالات كبار، وثالثاً: بوحي من المجامع الكنسية والرسائل البابوية وأبرزها "الإرشاد الرسولي من أجل الشرق الأوسط... شركة وشهادة".

تحديات تواجه المسيحيين

يحدد جيروم شاهين أهمها في: "الاستنزاف الديموغرافي" وسببه الهجرة وانكفاء الدور الاقتصادي والثقافي، و"الإسلام السياسي" الساعي إلى إقامة الدولة الدينية، والتي سرعان ما ستتحول إلى دولة "طائفية"، الأمر الذي يلغي المواطنة ويمس المساواة ويمارس التمييز شبه العنصري في عصر الحريات العامة والديمقراطية وحقوق الإنسان. وتقتضي المواجهة تحصين المواطنة والنضال لإنقاذ قيم المساواة والحرية، و"جروح الانقسامات الكنسيّة" وما تمثله من تنافس وخلافات وحساسيّات. و"التدخل الغربي"، حيث إن المسيحيين العرب هم أكثر المتضررين منه.
     
   
الاختلاط الديني والمذهبي يولد الافتاح   
     

وتتفاوت ردات الفعل على هذه التحديات، وفي مقدمتها "اليأس" وما يقود إليه من استسلام في ظل الخوف على المستقبل، وانكفاء على الدائرة الصغيرة "والانسحاب من معارك السياسة والاقتصاد والمواطنة والمصير القومي المشترك"، وبمعنى آخر "الهجرة داخل المجتمع". وثاني ردات الفعل: "العصبية" التي تمتد من الخصوصية إلى الأصولية، أي مواجهة التطرف بمثيله.

ينصح شاهين أبناء دينه بخيارات تحفظ لهم حقهم في حياة حرة كريمة ومفتوحة الآفاق. أولها: التحرر بالنهضة الداخلية التي تطاول كل المستويات، والتي تجعل الكنائس تعيد اندماجها في السياق الإقليمي وتتابع التزامها بالقضايا الوطنية. وثانيها: وحدة الكنائس، وثمة إنجازات تمت في هذا الشأن. والخيار الثالث: هو "كنيسة العرب" (أو كنيسة المشرق العربي) التي هي "تجسيد مسيحي عبر انتماء للحضارة العربية ومن يحملها، شعوباً وجماعات، لغة وثقافة، ومصيراً مشتركاً"، فمصير المسيحيين مرتبط بكنيستهم. والخيار الرابع: "الحوار المسيحي – الإسلامي" والعيش المشترك، والخيار الأخير هو الانتماء بالمواطنة والالتزام بالإنسان.