تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

ذكرياتي في برطلة

بدء بواسطة جاك يوسف الهوزي, أكتوبر 30, 2016, 10:06:46 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

جاك يوسف الهوزي

رغبتُ أن تكون مشاركتي الأولى في هذا الموقع الجميل شخصية نوعاً ما، لأن ما تزال هناك بعض الذكريات الجميلة - رغم مرارة بعضها - عالقة في مخيلتي  من الفترة التي درستُ فيها في ثانوية الحمدانية في برطلة .
فبعد إلتحاقي بمعهد مار يوحنا الحبيب الكهنوتي في الموصل صيف عام ١٩٧٣ بعد تخرجي من المدرسة الأبتدائية في زاخو بدأتُ الدراسة في ثانوية الحمدانية مع المجموعة التي إلتحقتْ بالمعهد الكهنوتي في ذلك العام، وكُنّا أول مجموعة  تدرس في المدارس الحكومية خارج المعهد، وكان التلاميذ الذين سبقونا يدرسون المواد التي تُدَرّسُ في المدارس الحكومية داخل الدير ويشتركون في الأمتحانات الوزارية (بكالوريا) للصفوف المنتهية، الثالث والسادس ( أمتحان خارجي ).
لم يكن من السهل علينا ونحن أطفال صغار أن نتحمّل كل هذه التغييرات التي طرأتْ على حياتنا، حيث الأبتعاد عن الوالدين والأهل والخضوع ل(صرامة) القوانين في الدير، وهذا يعني توديع حياة الطفولة والشقاوة في وقت مُبَكّر ونحن في بداية حياة المراهقة، إضافةً الى إلتحاقنا بمدرسة ثانوية بعيدا عن زملائنا ومنطقتنا.
الحق يُقال، تفاجأنا بالمعاملة الحسنة والمحبة التي تلقيناها من زملائنا الجدد ومدرسينا وعموم الناس في برطلة، حيث كنا نذهب في فترة الأستراحة الى كنيسة الأب المرحوم جبرائيل جبوري لنأكل ( اللفة ) التي كان يُحضّرها لنا طباخو الدير الأربعة - رحم الله الميتين منهم وأطال بعمر الذين مازالوا على قيد الحياة - ، بعدها كنا نلعب كرة القدم بجوار الكنيسة، كما كان يشاركنا اللعبة عدد من أبناء المنطقة فشعرنا بأننا جزء من المنطقة.
إنقضى العام الأول من الدراسة وعدت الى أهلي في زاخو في العطلة الصيفية عام ١٩٧٤ حيث لم أتمكن من مشاهدة والدي الذي كان قد هرب الى قرى زاخو الجبلية المحاذية للحدود التركية مع أعداد كبيرة من أهل المدينة بسبب إقتحام القوات العراقية لزاخو بعد فشل إتفاق الحكم الذاتي بين الحكومة والأكراد، وكانت والدتي وإخواني قد هربوا قبل ذلك الوقت الى الموصل وعادوا بعدها الى زاخو بعد أن استقرت الأمور، ولم تسمح السلطات للأشخاص الذين هربوا الى الجبل بالعودة الى منازلهم وأعتبرتهم خونة الى ان صدر بعد عدة أشهر عفواً عاماً بحقهم فعادوا الى عوائلهم، وكنتُ حينها قد عُدتُ الى المعهد ولم أتمكن من مشاهدة والدي.
السنة الثانية في برطلة كانت صعبة جدا عليّ بسبب تأثري بوضع عائلتي وعدم تركيزي على الدراسة، وكنتُ أهرب من واقعي بمطالعة الكتب (الدسمة) التي كانت تحتويها مكتبة الدير وأصبحتُ مدمناً شرهاً لها بحيث أنستني حتى دراستي وواجباتي المدرسية فرسبتُ لأول مرّة في ذلك العام، إلاّ أن العلاقات الطيبة مع الزملاء والمدرسين أستمرّتْ وتقوّتْ وكنا نشعر بالأحترام الذي يكنونه لنا بإعتبارنا ( رَبّاني )، وعرفتُ أثناء دراستي في برطلة - لأول مرّة - بوجود جماعة يطلقون عليهم الشبك، تنتشر بعض قراهم بالقرب من برطلة ويأتي عدد كبير منهم للدراسة في ثانوية الحمدانية، وكنتُ أعتقد بأنهم أكراد لأنهم كانوا يتحدثون الكردية بلهجة مختلفة قليلا عن لهجة زاخو.
ومن الذكريات التي لايمكن أن انساها وحصلت أيضا في السنة الثانية لي في برطلة (بداية عام ١٩٧٥) هي عندما تعرض ذراعي لكسر مزدوج في مباراة لكرة القدم أثناء سفرة لطلاب الدير بالقرب من الموصل فقام الأخ عمانوئيل شليطا (مطران الكلدان في كندا حالياً) بربطها بوصلة من القماش، وكان معنا ايضاً الأخ بولس من أهالي برطلة، ذهبنا الى دراهم لأن والده كان معروفا في هذا المجال (مجبرجي)، فقام بتجبير الذراع واعاد العظام الى أماكنها وربطها بشدة، ولا أتذكر بأنني تألمتُ يوما في حياتي مثل ذلك اليوم ، وكان الظلام قد حلّ لأننا كنا قد وصلنا عندهم عصراً فبقينا عندهم الى الصباح ولم أستطع ان أنام من شدة الألم.
ومازلتُ أتذكر الحنان الذي غمرتني به والدته التي كانت بجانبي في تلك الليلة، وكذلك نظرات العطف من بعض النسوة والرجال الذين زاروهم في البيت.
أكتب اليوم لموقع برطلي أولى مشاركاتي عن ذكريات جميلة مَرّ عليها أكثر من أربعين عاما عشتها مع أناس طيبين لا أعرف عنهم شيئاً الآن، أطلب من الرب أن يحفظ من هم على قيد الحياة، ويعيد النازحين سريعاً الى بيوتهم وأراضيهم بعد تحريرها ويرحم الراحلين منهم برحمته الواسعة.

جاك يوسف الهوزي

corotal61@hotmail.com