تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

الغناء سِرُّ الوجود / شمعون كوسا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أكتوبر 15, 2016, 02:32:42 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

  الغناء سِرُّ الوجود
   

برطلي . نت / بريد الموقع

شمعون كوسا


هناك في حياتنا أوقات لا تدعو الى التفاؤل ، وهذا ليس غريبا في أيامنا هذه. نلجأ الى المذياع مثلا في الصباح ،فتستقبلنا محطة لا تبثّ سوىأخبار المرشحين للرئاسة في فرنسا .المرشحون هم أنفسهم ، أزلام الامس وأول الامس، رؤساء سابقين او وزراء او نواب لا يبارحون الساحة .كلّمرشح يقوم بعرض برنامجه.ويقطع من جديد نفس الوعود التي لم ينفذها من قبل،تتعزّز الوعود بتعهدات جديدة ينطقون بها تحت الشرف. عند سماع الناس لكلمة الشرف والايمان التي ترافقها ، يبدأونبابتسامة خفيفة ، تتحوّل حالا الى ضحك ومن بعدها الى قهقهة مدوّية ، لانهم أصلا لا يصدقون حرفا مما يقال لهم ، وكلمة الشرف ، لا تزيدهم الا قناعة بان الكلام كذب في كذب!!
في محطة اخرى ، نسمع عن مأساة مهاجرين ركبوا البحر ، غير آبهين بهوله وقساوته ، لان هدفهم الوحيد هو الابتعاد عن اوطانهم وظلم حُكّامهم.وصفُ مؤلم لأعداد كبيرة غامرت على قوارب لا تسع لنصف من ركبوها.يتمّ إنقاذ البعض منهم فيصلون الى برّ الامان ، ولكن قسماً كبيراًمنهم  ، وجلّهم من النساء والاطفال ، يكونون على موعد مع فم البحر الفاغر ، الذي ابتلع بواخر باكملها ولم يشبع .
ننتقل الى الصحف ، فنقرأ في  الشأن العراقي عن تصريحات قادتهالذين يَعدون الناس خيرا ويبشرون أهل الموصل بفرج قريب . يتكلمون بقوة وكأنّزمام أمورهم  باتت بيدهم ، متناسين بان ابسط الناس يعلمون بانهم لا ينفذّون غير ما أملاه عليهم مُخرجهذه المسرحية السمجة التي كما يبدو، آن أوان إنهائها . مسرحية ستنتهي بثمن باهض ، لتترك المجال لمسرحية اخرى ليست اقل شراسة .ستكون مرحلةمخصصة لتوزيع الغنائم على ذئاب تقاطروا من داخل البلد وخارجه .وبعد ذلك يأتي الذين وُعِدوا بالبشرى ، أصحاب الحق والمال ، كي يجدوا الدار خاوية خالية .
وفي صفحة اقتصادية ، نستخلصممّا نقرأه ، بانه بالرغم من الثروات الطائلة التي تمتلكهاأغلبية  الدول ، يستمر الناس في العيش تحت معدلات الفقر وبأن معدلات بطالتهم  في ازدياد مطّرد. في الكثير من الدول النامية التي تتظاهر بالديمقراطية ، نرى المسؤولين قد اقاموا أنفسهم قيّمين على الثروات ، يقومون بالسطو على كل الخيرات ويلقون بالفضلات الى رعاياهم مثل الكلاب .هؤلاء يعتبرون نفسهم وكلاء االلهعلى الارض ، ويستغلّون  بساطة الناس ، إيمانهم  وقناعتهم ، ويقولون لهم بخشوع تامان الله كفيل  بإعالتهم ،أو كما يقال بالعامية (الله يعطيكم) .ومثل هؤلاء الطغاة  حريصون كل الحرص على إبقاءرعاياهم السذّج بهذا الاستعداد وهذا الاعتقاد الاعمى .
وفي صفحة اخرى عن أخبار جماعتنا ، نرى بان الاهتمام متزايد بالتكتلات والرابطات ، وكأنّ هذه التشكيلات هي التي ستجد لنا حلّا نهائيا لما نشكو منه  في حياتنا . بالرغم من ضآلة عددنا ،  نبحث عن عناوين جديدة تزيد من تشتّتنا وتشرذمنا. وسؤالي هنا ، وهومن قبيل الفضول ليس إلاّ، ولعلي أكون مخطئاً كوني  لست على بيّنة تامة من هذه الامور ـ أتساءل بكل براءة وأقول : هل إنّاعضاء الرابطة  يُتقنون اللغةالكلدانية الفصحى التي يرغبون في حمل اسمها ومسؤوليتها ؟ هل يعرفون مثلا حروفها وحركاتها وقواعدها ؟ هل يعرفون بان الموصوفهو (المشتمهانة) والصفة (شوماها) ؟ والاسم المذكر والمؤنث هما (دخراناياونقبثانايا) ؟ وهل هم على بينة ممّا شذّ في تأنيث الاسماء والصفات ؟ هل قرأوا عن الافعال في صيغتيها المعلومة والمجهولة ؟ وهل يعرفون كيف يجزم الحرف الاخير من الاسم المضاف ؟ وهل قد إطّـلعوا على بابالتقشيةوالتركيخ(الحروف الجافة واللينة) وهل يعرفون ما هي  الحروف المعنية بهذه القاعدة ؟وكل الفصول الاخرى من القواعد التي لا بد من تعلمها لمعرفة اللغة الارامية. هل ان الهدف هو المحافظة على اللغة الكلدانية ، أم هولإثبات تواصلنا مع شرايين المنجّمين الاوائل من الكلدان  دون انقطاع في سريان نفس الدم ؟!!

تركتُالاذاعاتِ والصحفَ ومواضيعَها ،  وتناولت النايالخشبيالذي كنتاحتفظ به منذ صباي وتوجهت الى رابية قريبة .  تناولت الناي وعزفت بعض الحان جميلة اعتدت عليها . وهل يمكن ان ينعزل العزف عن الغناء ؟ اخذتني رغبة عارمة  في الغناء ،فاطلقت العنان لصوتي  وكأني في الايام الاولى من شبابي. كنت بحاجة الى هذا الصوت العالي . فغنيت لنفسي وللطبيعة وللحياة ، تناولت تلقائيا حزمة من ابدعتراتيل الطقس الكلداني ، تراتيل كانت قد ألهبتني في حينها . وقادتني هذه التراتيل الى مقامات حرّة استخدمت فيها ما حفظته من اشعار ومقاطع نثرية  لجبران خليل جبران ، وميخائيل نعيمة ، وايليا أبو ماضي ،كتّاب وشعراء ومفكرين أُجِلّهم كثيرا ولا اشبع من قراءتهم لما يحملونه من فكر جميل واحساس صادق  ومشاعر نبيلة تجاه الحياة والناس .
كنت منطربا فعلا ، فانتقل من لحن الى لحن .وأنظاري تخاطب السماء وفضائها الواسع اللامحدود ، لم يكن يسمعني غير الطيور وبعض الآكام التي كانت تجول بالصوت طويلا قبل إعادة اصدائه.
مكثتُ على هذه الحال الى ان استقرت نفسي واحسست بالهدوء والاطمئنان . تناولت الناي من جديد في لحن وداعي أخير ، وعندها قلت في نفسي :  فعلا ان ما يقوله جبران بفم فيروز في رائعة (اعطني الناي وغنّ)  هو عين الحقيقة، لانالغناء هو عالم الاصالة والنزاهة والصدق ، إنه مجال خالٍ من الانانية والحقد والحسد والكراهية والكذب ، ولاجله يبقى أنينهخالداً حتى بعد أن يفنى الوجود .  وأصدق دليل على ذلك ، هو اننا لا زلنا ننطرب  لأصوات جميلة والحان أصيلة قيلت قبل عشرات  او حتى مئات السنوات . أليس كذلك ؟
.