عجوز فرنسي يبوح ببعض معاناته / شمعون كوسا

بدء بواسطة matoka, يوليو 21, 2015, 09:35:15 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

عجوز فرنسي يبوح ببعض معاناته








شمعون كوسا

جلست صباحا اتصفح كتابا جديدا لكاتب فرنسي ، كانت الساعة قد قاربت العاشرة عندما فاجأتني حمامة حطّت عند عتبة  الباب ، حاملة قطعة ورق مربوطة على احدى رجليها . دخلتِ الحمامة ببُطء ، توجهت نحوي ومدّت رجلها كي افكّ قيدها . من هديلها الذي تواصل لعشر ثوانٍ وبعض حركات رأسها ، فهمت بانها تحمل رسالة من صديق لي في مدينة مجاورة . تناولت الورقة التي كان يقول فيها صديقي : لقد أحسستُ بدنوّ ايامك لتلد موضوعا ، فاردت أن ابدد حيرتك الاعتيادية .بوسعك نشر هذا الحديث ، انهل عجوز فرنسي التقيته  قبل ايام ، لقد افرغ جعبته على مسامعي ، وأزاح طبقات هموم كانت تثقل صدره منذ سنوات بعيدة ،لقد تأثرت لكلامه واحببت  أن اطلعك عليه . فلنسمع اذن ما يقوله العجوز الفرنسي :
لقد بلغتُ الحادية والثمانين من عمري، وأحسّ الان بتعب شديد . أنا فعلا متعب جدا .لقد ترعرعت وتابعت دراستي بجد ونشاط .كان ابي عاملا بسيطا ، ولقد حققت مستقبلي دون مساعدته.عند بلوغي السادسة عشرة من عمري سنة 1948،انخرطت في دورة تدريبية، كنت اعمل فيها  52 ساعة في الاسبوع ، بعيدا جدا عن نظام الـ 35 ساعة  الحالي .
عملت في مجال الاشغال العامة ، حيث كان دوامي 14 ساعة يوميا ، كنا نتنقل من موقع لآخر بين الجبال . كانت اسابيع عملنا طويلة غير أننا لم نتشكّى يوما .
لم أرثْ شيئا من والديّ،كما إن ما حققته في حياتي المهنية هو انجازي انا  ولم يمنحه لي احد .الان وقد دنوت من غروب حياتي ، احسّ بتعب كبير . اذا سألتموني ، لماذا انا متعب بهذا الشكل ، اقول : أنا متعب لأني اسمعهم يقولون بانه عليّ ان اقاسم غيري ما كسبته أنا بعرق جبيني . عليّ أن اشارك مكسبي اناسا ليسوا بنزاهتي ، والحكومات، من أي اتجاه أتت، تأخذ منّا  لتعطيه لأناس لا يعملون بسبب كسلهم.
انا لست ممّن يرفضون مساعدة الغير ، لا سيما بالنسبة لمن  تعرضوا الى ظروفخارج نطاق ارادتهم ، فافقدتهم عملهم او أوقعتهم فريسة مرض مفاجئ ، وهؤلاء ليسوا الاغلبية .  ان ما يجعلني احس بتعب شديد هو رؤية فرنسا في وضع سيء، جراء سياسات اليسار وذيوله ، وايضا اليمين وأثريائه .
أزدادُ تعباً عندما اسمع نفس هؤلاء  يصرحون  بان فرنسا مفتوحة للجميع ، في الوقت الذي يقيمون هم في الخارج هربا من الضرائب ، ومن بين هؤلاء رجالات معروفة من مختلف الاوساط ، الفنّية والصناعية او حتى الرياضية ، وهؤلاء الاخيرين يجنون الملايين بواسطة كرة يركلونها كما يفعل الاطفال  ، وليس باي جهد عقلي ، لان اغلبيتهم فاشلون في الدراسة !!
اذا استمرّت حالتنا على هذا المنوال ، فأننا بعد عشرين او ثلاثين سنة سوف نتضاءل حجما ونصبح بمستوى بلد نامٍ، وحرية صحافتنا ستقارن بما يجري  في الصين ، وسيكثر العنف كما هو الحال في المكسيك ، ويعمّ جوّ من عدم التسامح على شاكلة ما يجري في غالبية بلدان الشرق الاوسط .
لقد مللتُ من تصرفات نقاباتنا الاستغلالية، انها اصلا لا تمثل جمهورا كبيرا ، غير انها لا تتردد في تعطيل الدولة بمظاهراتها واضراباتها التي لا تنتهي من اجل تحقيق مآربها . انها خالية تماما من روح المصلحة العامة والحرص على صورة فرنسا التي تعاني اليوم من الكثير من المشاكل .
انا تعبان لمواقف تسامحنا المبالغ به تجاه الحضارات الاخرى .اننا نعتبر أمرا طبيعيا ان تقوم العربية السعودية بتمويل الجوامع عندنا ، جوامع  لا نسمع من خطبائها الا التحريض على الحقد والكراهية تجاه الغرب ، وهذه الدولة السخية بواسطة نفط لم يكلفها شيئا ، إذا تجرّأنا وفاتحناها بإمكانية بناء كنيسة واحدة فقط على اراضيها ، فأنها ستعوذ بالله وتنظر الينا شزرا وتقول : لا شك انكم تمزحون ، أَوَفقدتم عقلكم ؟ألا تعرفون إن هذا يعتبر كفراً ؟ !!!
انهم هنا يردّدون  ليل نهار على اسماعنا بانه يتوجب علينا خفض نسبة ثاني اوكسيد الكربون لأنه يضر بكوكبنا  ، في الوقت الذي تفتتح الصين اسبوعيا اثنتين او ثلاث محطات حرارية .
لقد تعبت من السماع بان التقاليد التي اعتدنا عليها في قبول اللاجئين،تحتّم علينا احتضان بؤس العالم كله. يجب ان ندفع لهم ، حتى اذا كانوا قد دخلوا البلد بصورة غير شرعية ، اشخاص  لم يعملوا هنا ولم يدفعوا قرشا او اشتراكا لدينا .تعبتُ أكثر عندما شاهدت بان سياسيينا من كافة الاتجاهات يرون هذا عاديا و لا يبذلون ايّ جهد عند وصولهم للحكم . ان السياسيين لا يمكنهم ان يقدموا حلاّ ، لانهم هم المشكلة الحقيقية في هذا البلد .
ومن جهة اخرى ، لقد اتعبتني ضريبة العقار التي تتضاعف سنويا .عملنا لسنوات،  ومارسنا ضغوطاً على انفسنا من أجل تشييد مساكن تنقذنا من الايجارات ، والآن بعد ان بنينا دوراً خاصة بنا ،يجب علينا ان ندفع ايجاراً للدولة .
انا سعيد لبلوغي هذا العمر ، لاني سوف لن اشاهد المستقبل المظلم الذي هيأناه بيدينا لأولادنا بكل جبن وخنوع . انا ارثي حال اجيالنا القادمة .
عندما انهيت قراءة الرسالة ، شكرت الحمامة وقلت لها : بلّغي صديقي بان كل ما هو مكتوب هنا واقعي وصحيح ، وعجوزنا الفرنسي يفصح بصوت عال ما تفكر به الاغلبية في هذا البلد..







Matty AL Mache