تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

pحوار على الموبايل بين ام وابنتها

بدء بواسطة simon kossa, أكتوبر 06, 2011, 03:25:19 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

simon kossa

حوار على الموبايل بين أمّ وابنتها
شمعون كوسا

عندما ظهر الهاتف النقال للوجود في مستهل التسعينات ، كان استخدامه مقصورا على أشخاص مكلفين بمهمات خاصة كالاطباء ورجال الاعمال والمقاولين والمدراء العامين ورجال الاطفاء والطوارئ ، ولكنه في ايامنا هذه ، وبعد التطور الذي شهده هذا الجهاز ، فقد شاع استخدامه بحيث اصبح اقلّ من عادي ، فهو في متناول الطفل والمراهق والشاب والكهل والعجوز ، حتى الابكم والاصم باتا يحملانه تيمّنا ببقية خلق الله . تراه  في الشارع وفي السيارة وفي البيت وفي المدرسة وفي المكتب وفي المزرعة وغيره ، خلاصة القول انه جهاز لا يفارق صاحبه ، فتارة تراه محمولاً باليد أو ملاصقا للاذن ، وطورا مثبتا على الحزام أو قابعا في الجيب بانتظار أول زبون ، واحيانا ترى نفس الشخص يستخدم جهازين في نفس الوقت بينما يكون الثالث يرنّ في جيبه ،  وأحيانا اخرى لا ترى من  الجهازغير سلكين رفيعين ينتهيان بلاقطة وسماعة ، فيخال للناظر بان المُهاتِف قد اصيب بمسّ من الجنون أو على الاقل بلغ درجة الهذيان،  لانه يكلم نفسه بصوت عالٍ يُسمع احيانا ، وبقليل من الجهد ،على بعد نصف كيلومتر!!

الحديث الذي ستتجاذب أطرافـَه أمّ مع ابنتها ، ينقله هاتف من الجيل قبل الاخير. فلنسمع إذن الى جزء بسيط جدا من هذا الحوار الذي رأيته سطحياً ومؤنسا في بعض جوانبه ، غير انه لا يخلو من جوانب اخرى بنـّاءة :

الام : صباح الخير يا ابنتي ، لماذا لم تتصلي بيّ ، هل تنتظرين دوما ان أكون انا المبادِِرة أم ماذا ؟
البنت: ألم نتفق يا أمي بانك انت ستتصلين في الفترة الصباحية ، وانا سأتولـّى أمر المكالمتين الاخريين للظهيرة والمساء ، هل نسيت ؟
الام: إنني لم التقِِِ بزوجكِ منذ فترة طويلة ، هل لا زال على نفس طبعه الكريه والذي لا يُطاق ؟
البنت : ما لكِ وزوجي ، ارجو ان تدعيه وشأنه ، انا على وفاق تامّ معه ولا أرى فيه اي عيب او تقصير .
الام: هذا غير صحيح ، إنه لا يحترمني ، وإذا كان لي أيّ اعتبار لديك يجب ألاّ تجامليه .
البنت: ارجوك ألاّ تتدخلي كثيرا في شؤوننا وان تـُخرِجي زوجي من رأسك ، واذا كان ولا بدّ أن تفعلي شيئا فغيّري اسلوبك معه ، وعندئذٍ سيستقيم كل شئ .
الام: ما هي مشاريعك للطبخ لهذا اليوم ؟ لاتقولي بأنك ستعيدين نفس طبخة يوم الاحد ،  طبخة لا اتحمل حتى رؤيتها .
البنت : كيف عرفتِِ ، أنني فعلا أقوم بإعداد نفس الطعام ، على أية حال ، انها وجبة تعجبنا نحن جميعا ولا يهمنا اذا كنت أنتِ لا تحبينها ، إلاّ اذا كنت قد قررت المجئ عندنا .
الام : وهل انا مطرودة لكي اطرق باب أناس لا يقدّروني .
أراكِ يا ابنتي قد تغيرت كثيرا ، لقد استطاع زوجك التأثير عليك بحيث لم يبقَ لي اية مكانة عندك.
البنت: وهل عُدنا إلى نفس الموّال ؟ أقفلي هذا الموضوع اتوسل اليك وكلـّميني عن أبي ، ما هي أحواله ؟
الام: ابوك هو نفسه ولم يتغير ، إنه غارق بين كتبه وقراءاته ، لا يحبّ الكلام . إني أتساءل احيانا كيف استطعتُ إمضاء حياتي كلها معه .
البنت: ألم تسمعي بان السكوت من ذهب ، فانت الان تعيشين مع ذهب حيّ يتجول في البيت . وانتِ ما أخبار طبخك لهذا اليوم ؟
الام: أنا  شخصيا كنت افضل ذهبا جامدا على ذهب يتحرك ولا ينفع . اما عن الطبخ ، ليس لي الوقت الكافي لأعِدّ  وجبة رسمية ، فوضعت قليلا من اللحم على نارهادئة ، سيقوم والدك  باعداد شطيرة لنفسه ، شطيرة ذهبية كما قلتِ !!
من جهة اخرى ، أتعرفين ماذا يدور من حديث في حارتنا عن إبنة الميكانيكي الساكن في نهاية الشارع ، يُقال بانها تعاشر شابا غريبا تعرفت عليه في الجامعة.
البنت: وما الذي يغيضك انتِ ، وما الذي يزعج الناس في هذه الامر ؟ اليست زميلته ، وهل هناك أيّ سوء في ان يتوصل زميلان الى التفاهم والتقارب وحتى الحب ؟
الام: إنك تجدين حلاّ وتفسيرا لكل شئ ، ولكن هل سمعتِ بالادوار التي سبق وان لعبتها مع العديد من شبابنا.
البنت: انها إشاعات مغرضة ، ومهما كانت قد فعلت ، يجب ان نتمنى لها الخير ، لعلها تفكر بوضع أساس جديد لحياتها . أحِبّي الناس يا أمّي ، ومهما سمعت عنهم وجّهي افكارك نحو الخير ، ولا تتوقفي عند الظنون السيئة .
الام: هل قام زوجك بشراء عقد الذهب الذي كان قد وعدك به ، يجب ان تلحّي عليه ، لان مثل هؤلاء لهم أقوال فقط .
البنت: لا تصدري احكامك قبل معرفة الحقيقة ، انا اعرفك لقد اعتدت على إصدار احكام مسبقة عن الذين لا تحبينهم ، وبالنسبة لهذا الموضوع يجب ان تعرفي بان زوجي قد دعاني الى مرافقته عند الصائغ ، غير اني رفضت لظروف خاصة . ولكن يجب ان تتأكدي يا امي باني سعيدة مع زوجي  ، إذا كان ذلك بشراء قلادة ام بدونها .
الام: هل رأيتِ ما يروّج اليه التلفاز هذه الايام عن زيت الطعام الجديد ؟
البنت: لقد ذكّرتيني بطنجرة الطعام ، إني اشمّ رائحة شئ يحترق ، انتظريني حتى اتفقد وضع المطبخ  ....
الام  ( بعد خمس دقائق وهي تضحك) :هل احترق كل ما كان على الموقد ؟
البنت: نعم ، لقد اخذنا الكلام ونسيت نفسي فاحترقت الطبخة باكملها . قمت بفتح الشبابيك لازيل الرائحة واطرد الدخان الذي انتشر في كل زاوية من البيت .
فيما يخصّ الاطفال ، سأقدم لهم اليوم معلبات باردة . انا على يقين بانهم سيحزرون سبب الحريق لانها ليست المرة الاولى،  وسيقولون أيضا  بان هذه ضريبة حديثي معكِ على الهاتف .
الام: إعتبارات اطفالك هي من أواخر همومي ، دعيهم يقولون ما يطيب لهم .
لقد نسيتُ ان اسألك هل سمعت الكرازة يوم الاحد الماضي ؟
البنت: انا لم احضر القداس ولكن ابنتي نقلت لي جانبا مما قيل . أمّا اذا سألتيني رأيي الشخصي فانا اقول : إن هؤلاء يعيدون نفس الكلام في كل مناسبة ، بحيث قد تعوّدنا على طريقتهم في الوعظ ، مع اول كلمة يتفوهون بها نعرف كيف تنتهي الجملة او حتى الفقرة بأكملها ، انهم صاروا لا يؤثرون فينا كثيرا .
الام: لا يجب ان تتكلمي عن رجال الدين .
البنت: انت تعرفين باني لا احب التكلم عنهم بالسوء ، غير اني ارى نفسي مرغمة احيانا على التعبير عما أراه وألاحظه . تقول ابنتي بان رجال الدين يشبهون رجال السياسة ولغتهم تسمى بلغة الخشب ، خطاب يتكون من جمل وعبارات جاهزة وطنانة وان كثرة إعادتها وبنفس الاسلوب ، قد افقدها الكثير من فحواها .
الام: وماذا تريدينهم يفعلون ؟
البنت: انا لست مختصة او معنيّة بالموضوع ، ولكني ارى ان يحاول هؤلاء إخراج كلامهم عن المألوف الرتيب كي ينبع بقناعة من اعماقهم . يجب ان يعبّروا عمّا يحسون به بعد ان يكونوا قد فكروا واعادوا التفكير بالمبادئ السامية التي يفترض انهم يحملونها . انهم يحتاجون الى تكريس بضع دقائق في اليوم للقراءة والتفكير والتأمل والبقاء في حالة صمت ، وهكذا سيتشبّعون بما يفكرون فيه وسينطقون بما يمليه عليهم قلبهم وليس بما حفظه لسانهم . 
الام:  دعينا من رجال الدين  لان قصصهم طويلة ، لا سيما وانا أراكِ انت التي في كلامك الطويل هذا ، قد تحوّلت الى واعظة.
إسمعيني ، لقد عشتُ هذه الليلة احداث حلم غريب . بعد مسيرة طويلة لا اعرف أين ، جلست لأنال قسطا من الراحة ، فوجدت نفسي على حافة وادٍ سحيق لا استطيع التراجع عنه ولو بشبر . مع أول حركة لا إرادية رأيت نفسي أهوي باتجاه الوادي فاحسست  بوجع شديد في بطني . اثناء تساقطي مررت بكافة مفردات الخوف من رعب وهلع وخشية ورهبة وذعر وفزع وروعة ورعدة وبدأت بالصراخ ، فاحسست بيد تهز رأسي بقوة ، واذا بأبيك يوقطني من النوم ، ما هو تفسيرك ؟
البنت:  يا امي هذه الاحلام لا تحتاج الى تفسير ، لا بدّ انك قد تناولت وجبة ثقيلة في الليل.
الام: هل ان تناول صحن أرز وصحن بامية مع بعض قطع من الكعك ترافق الشاي يؤدي الى هذه الحالة ؟
البنت: ان نصف هذه الكمية في الاحلام مخوّلة بإلقائك من أعلى القمم .
الام: هل كنتِ مدعوة لحفلة عرس يوم الاربعاء ؟ يقال بان الفرقة لم تكن من الدرجة الاولى وان المشروبات لم تتوفر الا بست انواع .
البنت:انا لا اهتم لا بالفرقة ولا بالمشروبات ، ولكني لاحظت بان الاستقبال لم يكن نابعا من وجوه مرحّبة مبتسمة ولكن خارجا مباشرة من أنوف قد ادارت ظهرها .
الام: سمعت الكثيرين يقولون  بان العروسين غير متفاهمَين
البنت:استحلفك الله قولي لي يا أمّي من اين اتيت بهذا الكلام الجديد ، إذا لم يكونا على وفاق لماذا تزوجا ، وهل نحن في عصريقبل فيه الشباب بالإرغام والغصب والقوة  التي كان قد اعتاد بعض الاقارب ممارستها عليهم في أزمنة سابقة ؟
الام:  ما لك تؤنبيني لأتفه الاسباب ؟ بدأت اخشى مفاتحتك في أيّ موضوع . هل ستغضبين  اذا قلت لك بان فستان العروس كان محط انظار الجميع ، وبان مظهر عمتك لم يكن بالمستوى المطلوب، الا تلاحظين بعض الهبوط في ذوقها ؟
البنت: قولي صراحة إنها ليست جميلة . أن إيماءاتِك واضحة ولا حاجة للمرور عبر اسلوب غير مباشر . بالله عليك يا امي ماذا تجنين من هذا الكلام ؟  هناك من حباهم الله بجمال الوجه ، ولكن الأهمّ هو جمال النفس ، وهذا ما أنا  أراه فيها.
الام: هل تسمحي لي أن أسألكِ رأيك في ما يشاع هذه الايام عن مكافحة الفساد ؟
البنت: ما هذا الكلام الكبير ؟ ماذا عساي ان اقول ، هل هذه هي المرة الاولى التي نسمع فيها عن مثل هذه الحملات. إنها حملات تـُلهب حماس الناس ، ولكن حال بلوغها  مراحل متقدمة وحساسة ، يخفّ الكلام عنها أويتوقف كليّاً لانها تكون قد اقتربت كثيرا الى جهات لا يجب الدنوّ منها أو المساس  بمصالحها . حينذاك يُصار الى إيجاد كبش الفداء في شخصِ موظف صغير برئ،  يكون قد نفـّذ أمراً صدِر له من فوق ، فيتمّ ذبحه على مذبح حملة الفساد ، دون أمل في نزول  ثور او عجل من العلياء ليحل محله ويكفّر عنه . وبهذه الطريقة يكون المسؤولون قد أدوا واجبهم لانهم وضعوا اليد على مجرم كبير ، والفساد يستأنف مسيرته بنفس وتيرته الاولى.
ولكن يا أمي ، قولي لي ما لك والسياسة ، الا تخشين ان يسمعنا احد او يراقبنا ؟
الام:ماذا تقولين ، وهل يُعقل ان يكون هناك شخص ثالث يسمعنا ؟
البنت: ألم تسمعي بان للحيطان آذان ؟ هناك آذان متخصصة في الانصات، تتعامل مع ما يمرّ خلال الموجات والاسلاك او الذبذبات . ان هذه الاذان  المأجورة تركب الامواج وتتقلب معها  وتساير الاسلاك ذهابا وايابا كالمكوك ، لكي تنقل الكلام الى جهات مجهولة ، شفويا او مسجلا او مكتوبا !!
البنت: بعيدا عن هذه الاجواء الموبوءة ، قولي لي ، ماذا عن تشييد داركم الخامس ، ألم ينته بناؤه ؟
الام: لقد تعقـّد الامر، لان رئيس البلدية يرى باننا قد تجاوزنا حدود البناء ، انهم يحاسبوننا على مترين فقط  ولا يحاسبون نفسهم  ....
هنا توقفت الام عن الحديث ، وكأنها أحست هي الاخرى برائحة غريبة قد غزت البيت ، فانطلقت مسرعة وهي تدمدم وتتذمّر قائلة : الم يكن بوسع مخترع هذا الجهاز إضافة برنامج  غذائي يُنبئ  بقرب استواء الطعام ، أو اطفاء الموقد مباشرة قبل احتراق الطبيخ ؟

بعد سماع تمتمة العجوز الام، تخيلتُ الهاتف النقال ، أنا الذي لا احب الخيال ، سمعته يقول  في سرّ نفسه ممتعضاً : ألم يكن بمقدور العجوز توقيت مكالمتها ، أم كانت تتوقع مني الاسراع للتفاوض مع النار على سعر معين لقاء تخفيف حرارتها رأفة باللحم او أي مادة اخرى مكلفة بطبخها ، أم يجب ان اتوسل اليها  من الآن وصاعدا قائلا : أتـّقدي ايتها النار العظيمة والتهبي بهدوء وأستحلفك الله لا تحرقي ما فوقك وتمهلي لان حديث صاحبتي مع ابنتها سوف لن يستغرق أكثر من ثلاث ساعات ؟!!

ماهر سعيد متي

شكرا على المقال .. والحوار الجميل .. والغاية الأيجابية من الموبايل والأختصار هو بحد ذاته فن .. والثرثرة لها سلبياتها
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة