مؤامرة الإرهاب – ج3: الأهداف التحضيرية لمؤامرة الإرهاب

بدء بواسطة صائب خليل, أكتوبر 03, 2011, 07:39:47 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

في الجزء الأول من هذه المقالة تحدثنا عن الجريمة السياسية التي تهدف إلى استثارة رد الفعل، وفي الجزء الثاني كان  التركيز على عوامل نجاح هذا النوع من الجريمة، وفي هذا الجزء نبحث الظرف التحضيري للإرهاب. ونلاحظ أن من اهم الأساليب المهيئة للجو المناسب لإثارة رد الفعل الغاضب المنتقم هو إشاعة جو الشك بالآخر وتهيئة صورته كمجرم او طائفي وحشي، وتغريب القانون وإرغام الضحية على محاولة الإنتقام لنفسها. النقطة الأولى تهيئ الذهن لربط أية جريمة تحدث، بذلك المقابل وبإعطائها اسباب طائفية، حتى لو لم تكن كذلك، والثانية تحاصره في مشاعره فلا يجد طريقاً سوى ذلك الذي إن سار فيه قام بدون أن يعي، بتخريب أسس الدولة وتحطيمها.

الحث على المواجهة والعنف

ليس من الصعب إثارة الشك بالآخر، إن كنت تسيطر على وسائل الإعلام وخاصة إن كانت لك القدرة على تدبير المؤامرات أيضاً. المشكلة الأساسية التي سيواجهها من يحاول ذلك، أن يجعل كل من الطرفين يؤمن بأن الآخر هو المجرم لأية جريمة، وأنه يستهدفه طائفياً، ويمكن لوسائل الإعلام أن تؤدي دوراً كبيراً في الموضوع، لكن ما قد يعرقلها هو معيشة الطرفين مع بعضهما البعض، وإمكانهما مناقشة الأمور وربما التوصل إلى الحقائق، خاصة من خلال الحكماء بينهما. لذلك توجب التحضير لذلك من خلال المندسين في الإعلام الذين يشجعون المواجهة ويحثون عليها، وكذلك فصل الجانبين قدر الإمكان وجعلهم يعيشون في عالمين منفصلين فيسهل خلق صورة غير واقعية لكل منهما عن الآخر دون إمكانية فحص تلك الصورة ومطابقتها للواقع.
لكن "الحث على المواجهة" مسألة حرجة قد تكشف المؤامرة، ويكون رد الفعل ضدها مدمراً لهدف الإرهاب، لذا توجب العمل عليها بالتدريج، أو بشكل غير مباشر وبفحص ردود فعل الجانبين على "بالونات اختبار" تحريضية.
فيمكن أن تحرض جهة ما بشكل غير مباشر، بالإيحاء بأن الطائفة الثانية هي وراء الموضوع، لكن بكلمات تقول بأنه يجب تحكيم العقل والمسامحة إلخ. وفي الغالب تسمع الرسالة الأولى بشكل أقوى من الثانية، وهكذا يتكون استعداد تدريجي لقبول التحريض المباشر في المرات القادمة.

على احد المواضيع عن جريمة النخيب كتبت جهة ما باسم "دولة شيعة العراق المنتظرة" حول إعادة النخيب إلى كربلاء، تقول: "الحدود واضحة والتاريخ معلوم للجميع والنظام البائد استقطها لاسباب طائفية وعليها ان تعود هذة الاقضية الى احضان اهلها الحقيقيين ونحن نستطيع ان نرجعها بالقوة مثلما فعل اخواننا الاكراد في الموصل اثيل النجيفي لا يستطيع ان يتحرك في 25 مكان في الموصل بين ناحية وقضاء وقرية هؤلاء لا تنفع مهم الا القوة ونحن لها علينا ان نعمل مثلما يفعل الاكراد ونتعلم منهم كيف يدافعون عن وجودهم ومصالحهم"
وفي مكان آخر كتبت: "لماذا الشيعة لا يعلنون انفسهم اقلية او قومية كي يتسنى لهم اعلان دولتهم تكون ملاذ امن لكل شيعي مظلوم بالعالم التأمر السني الصهيوني سوف يستمر ضد الشيعة.... واذا رغب سني يبقى في بغداد يعتبر اجنبي  لاجئ..."
و أيضاً "علينا ارسال قوات من جنوب العراق لضم النخيب تكون تحت أمر محافظة كربلاء هل الاكراد افضل منا عندما ارسلوا قواتهم لديالى"
ثم جاء تعليق مقابل باسم احمد الدليمي" يقول: "    
اين انتم من مليشيات ايران المجرمة الصفوية ؟! المالكي يريد زعزعة امن الانبار فهذا الامر يقلق اسيادة في طهران ونحن كابناء عشيرة الدليم مسؤلية المحافظة وامنا في ايدينا ولن نسمح لاي ارهابي ان يزعزع امنا سواء كان من القاعدة او من ايران او من حكومة الملالي في العراق برئاسة المالكي فمن يرشنا بماء نرشة بالدماء ومن لا يعرف مكانه كضيف نعلمة معنى الضيف ان يتحلى بالشرف لا الغدر والمكر فانها من شيم النساء" (1)
وعلى الأغلب فأن كاتب التعليقين هو نفس الجهة، ونلاحظ اختيار الإسم ليوحي بانتماء صاحبه، لكن ليس هناك ما يمنع أن تكون الموساد وراء ذلك، ولو كنت مسؤولا في الموساد، لما أخترت عبارات أخرى غير تلك التي جاءت في التعليقين. التعليقين تحريضيين بشكل مباشر وصريح، وربما كانا بالوني اختبار متطرفين لفحص ردود الفعل وإمكانية تقديم المزيد من "المواجهة" أو اللجوء إلى تخفيف اللهجة.
ونلاحظ في الكتابة أنها تركز على الإيحاء بأن ما يمنع الشيعة (الموقع أغلب قراءه من الشيعة) من الإنتقام والضرب والسيطرة على المدن، هو "الخوف" وليس التفكير والحكمة والقانون وبعد النظر، وبالتالي يحثهم على التغلب على هذه العقبة المشينة. ويذكرني هذا بمقابلة تلفزيونية مع الهولندية من أصل صومالي، "أيان هرسي علي" والتي كانت تخوض حرباً إعلامية ضد الإسلام في هولندا قبل بضعة سنين، حيث تركز الأسئلة في المقابلة: "هل ستجرؤين على الإستمرار" ؟ هل سيمنعك الخوف من قول ما لديك؟ هل هناك أخطار .. الخ. وهي أسئلة تحدد إطار تردد هرسي علي بالخوف أو الشجاعة، وليس إن كانت قراراتها أو مقولاتها صحيحة أم لا.
هكذا تدعو هذه الجهة إلى المواجهة وإذلال المقابل والإقتداء بالكرد. ونذكر ان بضعاً من "مثقفين" كرد كانوا قد اخذوا على عاتقهم مهمة التحريض بين السنة والشيعة خلال السنوات الماضية، ومعروف مدى التغلغل الإسرائيلي في السياسة الكردية وثقافتها ومثقفيها، وقد كتبت قبل اكثر من سنتين سلسلة من اربعة مقالات عن الموضوع إحداها بعنوان "الشعب الشيعي المجيد" و"السنّة القذرين"! (2)

تحطيم الثقة بالدولة ولقانون

وقد لاحظنا في ما أحيط بجريمة النخيب، وغيرها من الجرائم المثيرة للغضب، ان الجانب الضحية صار شيئاً فشيئاً يدعو لـ "الإنتقام" و "اخذ الثأر باليد" والتساؤل عن "الجرأة" اللازمة لذلك، وأن السبب في كل ذلك هو اختفاء الثقة بالقانون، وغموض ما يجري وراء الستار. فقد وضع البعض في العراق من انفسهم، أو وضعهم من يريد ذلك، حاجزاً بين القانون وبين أداء مهمته، فيما يسمى بـ "الرئاسة" المتمثلة بالرئيس ونوابه، ورفضوا توقيع أحكام الإعدام بالإرهابيين (3) وإرهابيي الجرائم ضد الإنسانية أيضاً. (4)
وفي بلد مثل العراق يهرب من سجونه الكثيرين، ربما بتدبير من نفس الجهة المقوضة للقانون، يصبح عدم تنفيذ حكم الإعدام أشبه ما يكون بإعطاء فرصة لإطلاق سراح المتهم. وبالفعل يقول  النائب عن دولة القانون علي الشلاه بأن "المجرمين يتحدون القوات الامنية بانهم سيخرجون بعد اعتقالهم" (5).
وتبين الإحصاءات أن القضية مبرمجة ومقصودة وليست مقتصرة على حالات محددة، فقال المتحدث باسم مجلس القضاء الأعلى عبد الستار البيرقدار "إن "عدد أحكام الإعدام التي تم التصديق عليها من قبل محكمة التمييز الاتحادية لسنة 2011، بلغت 338 حكما"، مبينا أن "هذه الأحكام أرسلت إلى رئاسة الجمهورية ولم تصادق إلا على ثلاثة منها فقط".
ويزداد تدريجياً إدراك خطورة دور الرئاسة في دعم الإرهاب، فقد وصف النائب حبيب الطرفي فعل رئاسة الجمهورية "لعلها شاركت بصورة أو بأخرى على أن تتطور العمليات الإرهابية"

العمل على تحقيق إرهاب ذاتي العمل

ويجب أن لا نتصور أن المخطط للإرهاب، جهة بسيطة، تعتمد الكذب البسيط المباشر لتمرير مخططها، فالكذب "حبله قصير" كما يقال، وتلك الجهة تعلم ذلك أيضاً، ولذلك فهي تسعى دائماً أن لا تعتمد عليه أكثر من ما يسمح به ذلك الحبل القصير، وأن تستعيض عنه بـ "صدق" تخلقه خلقاً، ويكون أكثر قدرة على الإقناع واكثر بقاءاً. فربما يمكن البدء بفرق مجندة "تقتل على الهوية" من الجانبين، لكن إن لم يقتنع الجانبان بالخدعة، ويسعيان إلى تأسيس فرقهما الخاصة بالقتل على الهوية، فأن الخطة ستكون فاشلة، وستكشف عاجلاً أم آجلاً، حين يتم القاء القبض على واحدة من تلك الفرق وتسقط تحت سلطة جهة غير مخترقة من قبل الجهة الإرهابية، وقد تقود الإعترافات إلى "كارثة" بالنسبة لتلك الجهة.
هذه المرحلة التي تهيئ فيها الجهة المؤسسة للإرهاب الوضع وتقوم بتدريب اللازم من الجانبين إن أمكن، هي مرحلة حرجة وحاسمة في مستقبل المعركة بين جهة الإرهاب والشعب. فإن نجحت الأجندة في تحضير فرق طائفية حقيقية تعمل ذاتياً، فعندها يمكن لجهة الإرهاب الإنسحاب باطمئنان، ولن يمكن لأي شيء أن يوقف الحرب الطائفية بعد ذلك، حتى اكتشاف حقيقة من سعى إليها، لان الحقائق المستجدة، والجرائم المستجدة الحقيقية ستطغى على تلك القديمة المزيفة عن أصل الموضوع، وهكذا يكلل الأمر بالنجاح.
وإدراكاً منها لأهمية تلك المرحلة، فأن جهة الإرهاب تعد العدة للنجاح، كما تعدها للتصدي لحالات الفشل و "إدارة الأزمات" بأقل الخسائر الممكنة.

السيطرة على شبكة الإتصالات والمنظومة الأمنية

ومن الطبيعي فان جهة الإرهاب ستسعى إلى السيطرة على شبكة الإتصالات إن أمكن، لكي تنبه عملائها في الوقت المناسب لوجود أي خطر لدورية شرطة في المنطقة مثلاً، أو حتى التشويش على اتصالاتها إن تطلب الأمر. وكذلك من الضروري اختراق المؤسسة الأمنية إلى أعلى المستويات، حتى إن تطلب الأمر تصفية بعض الشرفاء المتنفذين فيها. ولقد برهنت فضيحة كاشفات المتفجرات أن ذلك قد تحقق إلى أقصى الدرجات. هذا الإختراق يتيح لجهة الإرهاب تعطيل الجهاز الأمني، وحتى إطلاق سراح من يقع من جماعتهم في الأسر، الذي قد يحدث رغم كل الإحتياطات المتخذة، وأن يحدث ذلك بطريقة "رسمية" لا تثير الشبهات.
لكن هذا لا يتحقق دائماً، ففي هذه المرحلة، ويبدو أنه قبل أن يتمكن الأمريكان (وتوابعهم ا لبريطانيين) من تأمين عناصر عراقية للقيام بالعمليات الإرهابية المباشرة في الشارع، وأثناء التمرين والتحضير لذلك في السنوات الأولى للإحتلال، تم القاء القبض على بريطانيان وهما يقومان بتجربة عمليات تفجير عن بعد (أو ما يسمى "إنتحارية") عند أحدى الحسينيات في البصرة وكانا متنكران بزي رجال الدين ويحملان كل الأجهزة التي تدينهما بالجرم، وقتلا شرطيين حاولا إلقاء القبض عليهما، لكنهما لم يفلتا إلا بتحريرهما بواسطة الدبابات البريطانية التي اخترقت السجن لإطلاق سراحهما. ومن الواضح من هذه العملية الصعبة الخطيرة أن الجيش البريطاني كان أحرص على أن لا يتكلما، منه على حياتهما، فقد كان يمكن للعملية أن تقتلهما أيضاً.
مثل هذه العملية تمثل فشلاً ذريعاً للإرهاب، ولو انه تم استغلالها بشكل شجاع لكانت السنوات الدموية التالية مختلفة في العراق.

السيطرة على الإعلام ومنافعه

من ناحية أخرى يجب السيطرة على الإعلام قدر الإمكان وهذا مفيد من ثلاث نواح اساسية: الأولى تقوية الأثر النفسي للعمليات الإرهابية، كما أحدثت قصة فراس الحمداني المزيفة لجريمة كنسية النجاة، والثانية توجيه الجمهور إلى "الحل" الذي يريده الإرهاب، مثل دعوات دعاة المحافظة المسيحية، ومن تقمص إسم "دولة شيعة العراق المنتظرة" ، والثالثة طمس وتعتيم أية حقائق أو فضائح تهدد بتحطيم العمليات الإرهابية أو أية أجندات اخرى لها، كما حدث لتجاهل الإعلام وطمسه فضيحة الجنديان البريطانيان.
ويقوم الإعلام في العراق بتسويق للقصة المتمثلة بأن الإرهاب داخلي وسببه الأساس المشاعر الدينية والطائفية بين العراقيين، ويتجاهل تماماً الأدلة الخطيرة بأن الأمر غير ذلك، بما فيها ما كشفته الثورات العربية من أسرار عن ارتباط تلك الأنظمة العملية للأمريكان بالإرهاب في المنطقة، ف كتبت في مقالة لي عن المجزرة  بعنوان " وهاهي حقيقة إرهاب تفجير الكنائس ومن يقف ورائها تتكشف!" (6)  وأن: "أمن الدولة المصري المتورط في تفجير كنيسة القديسيين، كان يقوم بـ "اعداد منفذين لعمليات تفجير في العراق" (7) لكن الإعلام "غير العراقي" في العراق، لم يهتم بالأمر إطلاقاً، مثلما لم يهتم بالتركيز على تصريحات قادة سياسيين وتحليلها وإعطاءها المساحة المناسبة من تكرار حقيقة خطيرة بأن الكثير من الإرهابيين كانوا قد أطلق سراحهم من سجن بوكا الأمريكي قبيل الحوادث، كما حدث في موضوع جريمة النخيب  ! (8)

ضرورة فصل الطرفين مكانياً وذهنياً

الجانب الآخر الذي يؤمن أكبر إمكانية للنجاح الإعلامي في بث الكراهية وتثبيت صورة بشعة للمقابل هو أن تفصل المجموعتين مكانياً وثقافياً وتقطع الروابط والوصلات بينهما. وقد تم بذل جهود كبيرة في حملات التهجير في مختلف أنحاء العراق من أجل الفصل الفيزياءي بين الطرفين، ليس في المدن فقط، وإنما في الأحياء أيضاً، فانقسمت "الدورة" إلى قسمين، شيعي وسني. ولعل أبرز محاولات الفصل المكاني كانت مشروع المحافظة المسيحية.
اما الفصل الثقافي والإعلامي (الذهني) فيتحقق من خلال بضعة ادوات، اولها التطرف الإعلامي، فلا يعود السني يتحمل ان يشاهد فضائية شيعية أو يزور موقعاً شيعياً والعكس صحيح، وهو أمر قد تم تحقيقه بشكل كبير. إضافة إلى ذلك يسهم تكبير الهوة بين الطرفين وكثرة وشدة الخلاف، في استحالة النقاش، ولعل بعض الحوادث الإرهابية كان المقصود منها هذا بالذات. فتقدم قصة إرهابية مريعة قدر الإمكان، ولكن فيها تفاصيل مشبوهة. أصحاب الضحايا سوف يركزون على الفضاعة التي في القصة، اما الجانب المقابل فسوف يركز على النقاط المشبوهة، وهنا يحدث شق كبير في استقبال الطرفين لتلك القصة، يسهم في صعوبة التفاهم بينهما أكثر، وأفضل مثال لدي هو قصة جريمة عرس التاجي، التي لا تفسرها الروايتان الشيعية أو السنية.

جريمة عرس التاجي، حيث لا تصدق الروايتان

قصة عروس التاجي، قصة مريعة.. مريعة إلى درجة أثارت شكوكي لشدة شبهها بقصة فراس الغضبان عن كنيسة سيدة النجاة. قدمت القصة في البداية لإثارة أقصى قدر ممكن من المشاعر، وكان يثير التساؤل فيها مثلما في غيرها، أنه لم يتم الكشف عن أية جهة مستفيدة من القضية او منسقة لها، وإنما قدمت على انه عمل مجموعة مريضة الإجرام، وكل ما يفسر على أنه "مرض نفسي" في السياسة يجب أن يدعو إلى الشك.
في البداية قدمت "أدلة" على زيف الموضوع، كانت عبارة عن ملاحظات حول الملابس وغيرها، وقد رفضت الرواية السنية بكذب القصة في البداية وفندت تلك الأدلة التي يدعونها في مقالة مبينا أن الملابس ليست نفسها وأن القصة سليمة من هذه الناحية. (9)

لكن بضعة نقاط أخرى أثارت انتباهي وهما الإعترافات الكاملة للمجرمين دون أن يبدو عليهم أي أثر لتعذيب أو حتى ضغط من أي نوع كان، والسؤال هنا، لماذا يعترف مجرم بكل هذه التفاصيل بدون ضغط؟ وكان هناك غموض في تواريخ الحادثة ومتى إلقي القبض على المجرمين.
نقطة أخرى أثارت تساؤلي في رواية المتهمين عن كيفية دفع موكب العرس بعيداً عن الشارع العام لكي يمكن اختطافهم، وكان ذلك بافتعال تفجير يجعل الموكب يختار شارعاً جانبياً للوصول إلى هدفه، وهو ما كان حسب رواية المتهمين.
المشكلة في هذه القصة أن هذا التوقع من قبل الخاطفين، يجب أن يكون المنفذ المنطقي الوحيد للسيارات المحاصرة بإغلاق الطرق. وإذا كان هذا هو الواقع، فإنه يعني أن جميع السيارات أو على الأقل الكثير منها، سوف يسلك هذا الطريق، وبالتالي فلن يكون الطريق فارغاً لتنفيذ العملية!

أهم من كل ذلك نقطة "السرداب" الذي اتفق عليه جميع المجرمين، دون أن يبدو أنه موجود في الواقع! هذه القضية محيرة بالفعل، فالتفسيرين السني والشيعي للقصة لم يعودا مقنعين.
الرواية الشيعية حاولت تجاهل موضوع السرداب، واكتفت بتأكيدات عن وجوده لم تثبت في الإعلام ولا في لجنة تحقيقية رسمية، علماً أن قضية السرداب كانت قضية حاسمة وإثبات وجوده كان يسكت المشككين من السنة في الموضوع.
الرواية السنية هي ان هؤلاء تم تعذيبهم في سجون السلطة فأقروا بجريمة لم يتركبوها، ولأغراض سياسية ودليلهم هو عدم وجود السرداب! وهذا ممكن من الناحية النظرية، لكن مشكلة السرداب التي فندت الرواية الشيعية تفند بدورها الرواية السنية، فعندما يتم تعذيب شخص أو أشخاص من أجل الإعتراف بجريمة ما فأنهم يستلمون "قصة جريمة" قابلة للتصديق وليس قصة فيها ثغرة هائلة.
هل يمكن أن يكون من ألف القصة قد أخطأ في ذلك؟ غير ممكن، فليس من المعقول أن يؤلف هذا قصة يكون مكان الجريمة فيها غير موجود، ولا يذهب ويتأكد من وجوده بل ووصفه بشكل جيد، خاصة أن جميع المتهمين تحدثوا عنه، أي أنه (حسب الرواية السنية) تم تلقينهم إياه ضمن الإعترافات المزيفة ، فلا يمكن أن يخترعه الجميع على انفراد أثناء التعذيب.

السؤال الآن: من الذي من مصلحته ان يخترع ثغرة في قصة الجريمة؟ إن كان المتهمون قد قاموا بالجريمة فعلاً واعترفوا حسب الرواية الشيعية، فقصة السرداب غير صحيحة، وإن كانوا اخترعوها فهي لا تخدمهم في شيء. وإن كانت الحكومة (الشيعية) أو جهة منها هي التي رتبت القصة لتلهي الناس أو لأي سبب كان، فلم تكن بحاجة إلى قصة السرداب ، الفاضحة.

من إذن أضاف قصة السرداب؟ تفسيري الوحيد هو جهة تريد أن تعطي الجهتين، الشيعة والسنة، قصتين مختلفتين يصدق كل منهما أحداها، الأول لأسباب عاطفية شديدة والثاني لأسباب تبدو منطقية (لكنها ليست كذلك كما بينا) وأن يستهجن كل منهما الآخر لأنه لا يريد الإعتراف بالحقيقة "الواضحة" التي يراها ! وهكذا تخلق هوة جديدة كبيرة فيما يصدقه كل طرف عن صورة الواقع ويرفضه الآخر بل يستهجنه تماماً ويرفض حتى مناقشته! لاحظوا أنه ليس من المهم أن لا يكون السرداب غير موجود، لكنه قدم في الإعلام على أنه كذلك، وأدى مهمته بهذه الطريقة.
هل ارتكب المتهمون جريمة أم لا؟ من الممكن تماماً أنهم فعلوا ذلك، لكن الرواية التي حكوها ليست دقيقة وتستهدف الإثارة تماماً كقصة فراس الغضبان، كما تستهدف فصل ما يقتنع به الشيعة عن السنة، ولا بد أن هناك جهة طمأنتهم إلى انهم سيخرجون من الموضوع سالمين إن اتبعوا التعليمات وأدوا دورهم بشكل جيد. ولإقناعهم بهذه المخاطرة الهائلة، ربما قام المنظمون بعرض عدد من المجرمين الذين يفترض أنهم تم اعدامهم، أمامهم سالمين منعمين في دولة أخرى على الأغلب. هذه التفاصيل الأخيرة قد تصدق قليلاً أو كثيراً، لكن السؤال: من الذي يفحص حقيقة إعدام من تم إعدامه؟ وهل تهريب محكومين بالإعدام وإعدام غيرهم أصعب من تمرير أجهزة خرافية على انها أجهزة كشف متفجرات؟ على أية حال، فالمتهمين مازالوا على قيد الحياة، ويبدو لي أن إعدامهم والتأكد منه أمر ضروري تماماً.
أعترف أنه لقبول هذا التفسير، علينا أن نقبل أيضاً أن الجهات الداعمة للإرهاب متغلغلة بشكل كبير ومخيف في كل من الأجهزة الأمنية والإعلامية، حتى قياداتها، ولكن هذا الإحتمال وارد تماماً كما تبين جريمة كنيسة النجاة وفضيحة اجهزة كشف المتفجرات وغيرها كثير.

نهاية الجزء الثالث، وسوف تختتم السلسة بالجزء الرابع والأخير خلال ايام.

(1) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=7515#comment41882
(2) http://www.yanabeealiraq.com/articles/s-kalil220209.htm
(3) http://www.burathanews.com/news_article_136735.html
(4) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=7680
(5) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=7519#comment41504
(6) http://www.qanon302.net/vb/showthread.php?t=51
(7) http://www.jo-pal.com/News.aspx?id=65850
(8) http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=7539#comment41696
(9) http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=4867