تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

مؤامرة الإرهاب ورد الفعل – ج1

بدء بواسطة صائب خليل, سبتمبر 20, 2011, 04:35:01 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

كتبت هذه المقالة بجزئيها كرد فعل على تداعيات جريمة النخيب المؤلمة والجارحة للمشاعر الإنسانية، والتي كادت أو تكاد تتحول إلى صراع طائفي خطير، أو حرب أهلية في العراق. كان عنوان هذه المقالة في البداية: "الإرهاب ورد الفعل" لكن أثناء الكتابة عن الموضوع والتركيز على ما يحيط العمل الإرهابي من تحضير إعلامي يسبقه ويتزامن معه ويليه، في عملية متكاملة لإيصاله إلى هدفه الذي أؤسس ذلك العمل من أجله، قررت أن من الأفضل أن يتم عكس هذا التكامل بين الجريمة الإرهابية وما يحيط بها، ليس في متن المقالة فقط وإنما في عنوانها أيضاً، لزيادة التأكيد والتثبيت في الذاكرة أن العمل الإرهابي ليس الجريمة الإرهابية وحدها والتي اعتاد المواطن التركيز عليها ، وإنما هي مؤامرة كاملة ليست تلك الجريمة إلا جزء منها، وهي وإن كانت الجزء المركزي الذي يمثل القلب من المؤامرة ، إلا أنها لا تكفي لإيضاح الإرهاب دون بقية الأجزاء التي أرجو من خلال جزءي المقالة هذه أن الفت إليه الإنتباه بشكل خاص.

الجريمة السياسية نوعين – جريمة الهدف المباشر وجريمة الإرهاب "طلب رد الفعل"

من المفيد ان نقسم الجرائم ذات الهدف السياسي، إلى نوعين للتبسيط، وهما الجريمة المباشرة التي تهدف إلى التخلص من الضحية، وبتنفيذها يتحقق الهدف، وتللك التي لا تلعب فيها الضحية إلا دوراً مساعداً في تحقيق الهدف، والذي يكون عادة إثارة رد فعل محدد يخدم القاتل (الإرهابي غالباً)، والإرهابي هنا يمكن أن يكون دولة أو منظمة.

الجريمة ذات الأهداف المباشرة :

كأمثلة على الجريمة ذات الهدف المباشر في التخلص من الضحية يمكننا أن نعتبر الجرائم الإرهابية التالية أمثلة جيدة لها من العراق، مع بعض التحفظ الضروري حيث أن تفاصيل وأهداف أية جريمة لا يمكن أن تكون أكيدة وتعتمد على التخمين المنطقي الذي يصيب غالباً ويخطئ أحياناً.
الجرائم من النوع ذو الهدف المباشر ، والتي تنتهي بانتهاء القيام بالجريمة، تتمثل بأمثلة من نوع اغتيال اللواء مبدر الدليمي (1) في وقت كان يعرقل سيطرة الضباط التابعين للإحتلال الأمريكي على المراكز الرئيسة ، وكذلك قتل النائب الصدري صالح العكيلي (2) في الوقت الذي كان الصراع على أشده لفرض توقيع معاهدة "الإنسحاب" الأمريكية وكان هو يقود المعارضة الصدرية للمعاهدة المشبوهة ويطالب بالإستفتاء الشعبي عليها بعد شرح بنودها للشعب. وكان مبعوث الأمم المتحدة  سيرجيو دي ميلو مصدر إزعاج مستمر لخبير الإرهاب بريمر ويمثل تهديداً حقيقياً للأجندة الامريكية في العراق، ولم يكن هناك أي موجب آخر لتصفيته من قبل جهة أخرى إلا اذا إفترضنا الحظ السعيد للإدارة الأمريكية، وهو ما يستبعد عادة في التحليل السياسي حتي يثبت ذلك. ولم  تختلف جريمة اغتيال علي اللامي رئيس هيئة المساءلة والعدالة الراحل عن ذلك حيث وقف كشخص وحيد أمام المحاولات الأمريكية الشرسة لإعادة قيادات البعث إلى السلطة عشية الإنتخابات الأخيرة.
في كل هذه الحالات كان الإغتيال يحقق الغرض في التخلص من الضحية، ولم يكن لأي منها هدف إرهابي يقصد منه الحصول على رد فعل مناسب لخطط القتلة، إلا أذا كان بعض القصد من قتل دي ميلو إرهاب فريق الأمم المتحدة ودفعه إلى الإنسحاب وترك الأمر بيد القيادة الأمريكية، وهو ما تم فعلاً، ومن قتل العكيلي إرهاب بقية الكتل، لأن كتلته أصرت على موقفها ولم تتزحزح عن رفض المعاهدة. وبالفعل كان الوضع العسكري أكثر مطاوعة للإحتلال بعد اغتيال الدليمي، وتفتت بعثة الأمم المتحدة حتى جاء ممثل للأمم المتحدة جديد، الهولندي أد ملكرت، والذي كان يعمل وكأنه موظف لدى السفير الأمريكي. هناك دائماً ردود أفعال على الإغتيالات السياسية، لكن بشكل عام لم يكن اغتيال أي من المذكورين يحتاج بالضرورة إلى رد الفعل، فقد كانت الجريمة بذاتها تحقق الكثير من التغيير الذي يفترض أنه ما يريده القاتل.

التخلص من الخصوم الهامين بالإبعاد

ولا يشترط التخلص من الأشخاص المعرقلين للقوة الكبرى أن يكون الأمر بعميلة إغتيال، فمعروفة قصة الجاسوس الأمريكي لدى الإتحاد السوفيتي السابق والذي كان مكلفاً بنقل أي موظف مهم في الإتحاد السوفيتي إلى عمل غير مناسب. ومن العراق لدينا إقالة وزير الكهرباء السابق رعد شلال، بعد أن تحرش بالمصالح الأمريكية والغربية وعارض تسلط بنك جي بي مورغان الأمريكي على الإقتصاد العراقي وإجبار العراق على مقاطعة إيران، والغى عقوداً هائلة للمستثمرين، فرتبت له تهمة فساد استندت إلى بعض اخطائه لكن حين لم يجد فيها متهموه فساداً، تحولت التهمة أو الحجة عدة مرات كما حدث مع أسباب احتلال أميركا للعراق، لكنها انتهت بالتخلص منه في كل الأحوال، وبدون عملية قتل (3). ومن النظام السابق في مصر نأخذ مثلاً من النائب عماد الجلدة وما حاول كشفه من أمر بسيط ، لكن بتداعيات كبيرة (4) وكيف تم التخلص منه (5) بدون جريمة قتل أيضاً.

ومازال العالم يتذكر الفضيحة التي أثيرت حول مرشح اليسار الفرنسي دومنيك شتراوس خان، والذي رأس لتوه صندوق النقد الدولي، وأعلن عن إصلاحات لا تناسب جميع المتنفذين، وكان مرشح اليسار الفرنسي لإستبدال "الصديق" الوفي لأميركا ، سركوزي، وكان متفوقاً على في استطلاعات الرأي، لذلك تمت ترتيب فضيحة له وبطريقة مفضوحة بالإدعاء بأنه حاول اغتصاب عاملة فندق، وهو أمر صعب التصديق إطلاقاً، مهما كانت طبيعة الشخص، إن لم يكن اخلاقياً، فلأن مثله يعلم أنه مراقب في كل حركة. ورغم ان العملية إنهارت  (6) وتم إطلاق سراحه، (7) إلا أن ذلك لم يتم إلا بعد إنهيار اي احتمال لإستمراره بمنصبه في صندوق النقد الدولي أو لإنتخابه لرئاسة فرنسا (8) رغم انه تبين بأن المدعية بالإعتداء عليها كانت قد كذبت في أماكن عديدة من التحقيق (9). وهكذا حققت "الجريمة" النتيجة المرجوة في النهاية.

الجريمة بهدفين: مباشر أو رد الفعل

ومن الطبيعي أنه لا يستبعد أن يكون هدف الجريمة ثنائياً، اي التخلص من شخص غير مرغوب به، وإثارة ردود الفعل المناسبة، كما أشرنا في الحديث عن اغتيال سيرجيو دي ميلو. وفي هذه الحالة يجب أن تكون الضحية شخصية مؤثرة سياسياً، وبشكل لا يناسب الجهة المرتكبة للجريمة، وأن تكون الجريمة من النوع الذي يتوقع منه إثارة رد فعل قوي، لجهة شعبية أو سياسية.

ولعل خير مثال نعرفه على العملية ذات الهدفين هو عملية اغتيال الإنسان الرائع المطران فرج رحو.
فالمطران رحو كان من أشد الشكاكين بقوات الإحتلال، وأعلن ذلك بصراحة في مناسبات مختلفة.
يقول بكل صراحة في هذا التسجيل الثمين: هناك مخطط امريكي لافراغ العراق من مسيحييه (الإنتظار قليلاً ليبدأ الحوار بالعربية)، لمن يريد أن يسمع. (10)  ومن ناحية أخرى فإنه كان يصر على بقاء المسيحيين في اماكنهم في العراق وصمودهم رغم الإرهاب.
"اكرر إنني وكهنتي سنكون آخر من يفكر بترك الموصل الحبيبة." هذه كلمات الشهيد المطران مار بولس فرج رحو  رئيس اساقفة الموصل الكلدان (11)  لذلك فقد كان التخلص منه بحد ذاته مكسباً كبيرا للإحتلال. إضافة إلى ذلك فأن من يريد ترحيل المسيحيين أو عزلهم عن المسلمين في العراق، من خلال إرهابهم، كان يحتاج بعض الضحايا لتبرير ذلك المشروع وإعطاءه المشروعية اللازمة.

ومن الجرائم المتميزة التي ارتكبت مؤخراً، والتي يحتمل أن يكون هدفها مشتركا (التخلص من الضحية واستدراج رد الفعل المناسب) كان جريمة مسجد "ام القرى" (12) في حي الغزالية غرب بغداد، أحد أكبر المساجد في العاصمة. فقد استهدفت عملية "إنتحارية" المسجد المذكور، وأصابت ما لا يقل عن 65 رجلاً، بين قتيل وجريح، بينهم النائب في البرلمان العراقي عن تحالف الوسط خالد الفهداوي، والذي قتل في الحادث، وأصيب رئيس الوقف السني الشيخ احمد عبد الغفور السامرائي بجروح. ويتوقع أن يكون السبب وراء استهداف الرجلين ما عرفا به من الإعتدال وكونهما مشروعاً للتقارب بين الطوائف الدينية، وهذا قد لا يناسب اجندة بعض القوى. إضافة إلى ذلك فأن استهداف المسجد بالذات كمكان للجريمة يزيد من بشاعتها وقد يؤمل منه أن يثير أحاسيس ببعد طائفي يفيد في زيادة الإحساس بالشكوك والعداء بين السنة والشيعة. إضافة إلى ذلك فلم يتردد البعض من أتهام نظام سوريا بتدبير العملية، مستفيدين من تصريحات للسامرائي، وهي محاولة تسجيل كسب واضح في هدف من ألأهداف الأكثر أهمية في هذه اللحظة لأميركا.

لكن أمل الإرهابيين في خلق توتر طائفي من وراء هذه الجريمة ، إن كان موجوداً، فقد خاب تماماً، فقد وجهت التهمة نحو تنظيم "القاعدة" (مهما يكن هذا التنظيم، لكنه ليس من الطائفة الأخرى (ليس شيعياً بالتأكيد). أما حزب الوسط الذي ينتمي إليه النائب المغدور، فلم يتهم الطائفة الأخرى بل وجهت إتهاماته ضمن نفس الطائفة السنية فحمل أمير عشائر الدليم علي حاتم سليمان والنائب السابق عبد الناصر الجنابي مسؤولية العملية من خلال التحريض.(13)

أنا أعتقد أن الإتهامين ليسا دقيقين، فـ "القاعدة" لا تعني شيئاً في حقيقة الأمر، إلا بمعرفة من يقف وراء هذه المنظمة الوهمية المجهولة، كما أن القاء اللوم على "التحريض" قد يكون معقولاً لو أن الجريمة كانت جريمة قتل، لكن ليس من السهل أن نتخيل تحريضاً يدفع بشخص إلى تفجير نفسه، والأمر يحتاج أما إلى أسباب اقوى أو جهة مستفيدة أقوى.
ونجد تفسيراً قد يكون أكثر منطقية في إتهام التيار الصدري القوات الأميركية بالوقوف وراء التفجير وأنه يهدف لتعكير صفو الأجواء في البلاد. (14) وبالتالي فأن الهدف الطائفي ، إن كان المقصود، قد فشل بشكل غير معهود، وانقلبت الآية إلى الضد منها. وفي كل الأحوال فلا نجد أي أثر للظن بوجود دوافع طائفية وراء الجريمة، وبالتالي فأن الجريمة فشلت في تحفيز أي رد فعل طائفي قد تكون تهدف إليه رغم اختيارها لهدف ذو طابع طائفي بامتياز.

الجريمة الهادفة إلى رد الفعل

قد لا تكون الجريمة تهدف في حقيقتها إلى ما تبدو عليه: التخلص من الضحية، بقدر ما هي تهدف إلى رد الفعل المتوقع من العملية. وفي هذه الحالة لا يشترط في الضحية أن تكون مؤثرة سياسياً بذاتها، وإنما يشترط أن لها صفة محددة تحفز رد الفعل، كأن تكون قائدة للمجموعة المعينة التي ينتظر منها رد الفعل المطلوب، أو حتى أن تكون عضو عادي في تلك المجموعة المحددة ، إن أمكن تسليط الضوء إعلامياً على تلك الصفة وإبرازها والتأكيد على أنها كانت السبب في مقتل صاحبها. فهذا الأمر يجعل من جميع أعضاء تلك المجموعة يشعرون بأن الجريمة كانت تستهدفهم هم وأهلهم ومجموعتهم، وبالتالي يتوقع منهم رد الفعل المطلوب. و من الممكن ان يكون الهدف المباشر مركزاً مقدساً لطائفة ما فقط.

العمليات الإرهابية بشكل عام، هي عمليات من هذا النوع من الجرائم الهادف إلى استثارة رد فعل محدد، وهي أحد انواعه فقط، فليس كل جريمة طلب رد فعل، هي جريمة إرهابية بالضرورة، أي تتضمن الإرهاب كوسيلة للحصول على رد الفعل، لكن تلك العمليات (الإرهابية) هي بلا شك أهم انواع الجرائم التي تبغي رد الفعل.
في الجريمة الإرهابية، يتم إرهاب عدد من الناس ، كبير او صغير، بعد أن توضع أمامه خيارات محددة، مرفوضة في الظروف الإعتيادية، لكن بعامل الإرهاب تصبح مقبولة له. ومن شروط العمليات الإرهابية أن تنفذ او تقدم إعلامياً بأقصى ما يمكن من البشاعة. هذا الشرط الأخير الإضافي الخاص يخدم المجرمين في نقطتين: الأولى هي أنه يؤمّن رد فعل قوي ومؤثر، والثانية هي أنه يؤمن جواً هستيرياً يمنع دعاة التفكير والتفهم والروية والنظر إلى الأدلة، من إفساد المؤامرة من خلال دفع الجمهور إلى مراجعة الحقائق والأدلة.

الإرهابي يعامل ضحاياه الذين يستهدفهم في حقيقة الأمر، كما يعامل راعي البقر قطيع من الحيوانات، فيحاصره اولاً، ثم يترك له مخرجاً واحداً (او أكثر)، ثم يبدأ بالصراخ والترهيب وربما إطلاق النار في الهواء، فلا يجد هذا القطيع إلا ذلك المخرج للهرب من هذا الرعب. ويمكننا ان نفهم أن مثل هذا الكاوبوي سيكون فاشلاً لو أنه أراد "إرهاب" هذا القطيع فقط، دون أن يفتح له منفذاً يريد من القطيع ان يسلكه. وكذلك فإن الإرهابي يتوقع من الناس الذين اصابهم بالرهبة بعمله، أن يسلكوا طريقاً معيناً يناسبه، إثر ذلك العمل الإرهابي، وإلا كان فاشلاً، وكان عمله بلا معنى.

الجريمة الإرهابية تمثلت بأفضل اشكالها كلاسيكية في مجزرة كنيسة سيدة النجاة، ففي هذه المجزرة كان الهدف واضحاً: ليس قتل اكبر عدد ممكن من المسيحيين ، كما حاول المجرمون الإيهام به، لكن بالعكس ، كان الهدف خلق أكبر عدد ممكن من المسيحيين المرعوبين، وبالذات من النساء (معظم الذين قتلوا من الرجال وبشكل متعمد حسب رواية الشهود)، وجعلهم ينشرون ذلك الرعب بين صفوف بقية المسيحيين، بغرض أما إجبارهم على ترك العراق كما فعلت العصابات الصهيونية مع يهود العراق قبل اكثر من نصف قرن، ففجرت القنابل وقتلت يهوداً من أجل ذلك الهدف، أو يجعلونهم ينكمشون على انفسهم وينعزلون عن بقية المجتمع من ناحية، ومن ناحية أخرى ستهيء الجو لإطلاق شعارات وعبارات شديدة التطرف والعداء ضد المسلمين، تزيد من الشقة بين الطرفين، لم تكن ممكنة في الظرف الإعتيادي (وهو ما حدث بالفعل لفترة وجيزة). وفي كل الأحوال سيصاب المجتمع بضربة إضافية تسهل السيطرة عليه، وفي هذا فائدة تخدم أجندة الإرهابي أو من يعمل هذا الإرهابي لحسابه.

للوصول إلى ذلك الغرض، قام المجرمون باحتلال الكنيسة وإثارة الرعب بين المصلين، لفترة استمرت منذ المساء وحتى فجر اليوم التالي.
كان المجرمون على ما يبدو يعانون من مشاكل مصداقية عديدة. فلم يكن لديهم ما يبرهنوا به "تطرف إسلامهم" غير صرخات "ألله واكبر" بين الفينة والأخرى. وكان عليهم أن يرعبوا المصلين لأطول فترة ممكنة بالتظاهر بأنهم يريدون قتلهم، إلا أن عملية القتل نفسها ستقتل الشهود المرعوبين، كما أنها لا تستغرق الوقت اللازم للإرهاب. إضافة إلى ذلك فمن المحتمل أن المجرمين فشلوا في تنفيذ بعض المشاهد المتفق عليها، وهي قطع رؤوس القساوسة بالسيوف، ربما لأنهم لم يدربوا بشكل كاف على ذلك المستوى من الوحشية أو لأي سبب آخر. هذا التناقض والفشل كان بعضاً مما فضح خيوط تلك التمثيلية المقززة المرعبة.
كتبت في مقالة لي عن المجزرة : "لقد كان واضحاً بأن القتلة أرادوا من مسرحيتهم الدموية "مسرحاً إرهابياً" قدر الإمكان وليس "مسرحاً دموياً" قدر الإمكان. فقد حرصوا على مصاحبة القتل بالمؤثرات الصوتية والكلامية التي تزيد الرعب وتوجه العواطف لتسهيل العمل لما بعد الجريمة فعمدوا إلى إدامة مسرحية إرهابية لخمسة ساعات، وكانوا قادرين على إنهاء ضحاياهم بدقائق إن لم يكن دقيقة واحدة، وكانوا مسيطرين تماماً على مسرح الجريمة ولم يكونوا تحت هجوم من قوات الأمن. فالقوا القنابل الصوتية الكثيرة (كما يبدو) في غرفة صغيرة (فلم تقتل تلك القنابل اليدوية إلا بعضاً ممن كان في تلك الغرفة)، كما جاء في شهادة من نجا من المجزرة." (15)
وبالفعل وفيما بعد كشفت الصدف التي اثارتها الثورة المصرية حقيقة استهداف الكنائس في الدول العربية وأن من يقف وراءها لم يكن "مسلمون متطرفون" وإنما كان عملاء إسرائيل من أنظمة وأجهزة أمن في الأنظمة العميلة (16)، ويتبين بالوثائق، بأن نفس أمن الدولة المصري المتورط في تفجير كنيسة القديسيين، كان يقوم بـ "اعداد منفذين لعمليات تفجير في العراق"! (17) وللأسف لم تؤخذه هذه الحقائق الخطيرة باهتمام يمثل قيمتها الحقيقية.

ليست كل عملية إجرامية تستهدف رد فعل ، جريمة إرهابية تستثير الخوف بالضرورة، بل قد يكون "الغضب" هو الهدف. ويمكننا أن نصنف جريمة تفجير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء من قبل مجموعة من الأجانب العرب (18).
كمثال ممتاز على هذا النوع. فلم يكن الهدف إخافة الشيعة من مثل هذه العملية وإنما استثارة غضبهم من الطائفة المقابلة، وبشكل شديد، تثيره صور قباب المرقد المهدم بوحشية تامة. كان يؤمل من ذلك الغضب أن يكفي لإثارة حرب أهلية، لكن ذلك لم يحصل بفضل الخيرين من أبناء الطائفتين، إلا أنه يجب القول أن الخطة كادت ان تنجح.

الجريمة البشعة الأخيرة في النخيب، لم تكن أيضاً تستهدف إثارة الخوف، وهي بهذا المعنى لا تصنف على أنها من الجرائم التي تستهدف إرهاب الجماهير بدفعهم الى تصرف معين، فلم يكن منتظراً منها أن تدفع بالشيعة إلى الخوف والإستكانة، ولكن الهدف كان منها على ما يبدو إثارة ألغضب والحقد، واستثارة المشاعر الطائفية، وفي وقت شديد الحساسية، خاصة بالنسبة لهم، حيث تتعرض الحكومة المنتخبة التي أسسها تحالف شيعي إلى هجمات متعددة في نفس الوقت، خاصة وأن موقف هذه الحكومة من موضوع تمديد القوات العسكرية الأمريكية لم يكن مرضياً للجانب الأمريكي، ولا كذلك صمودها في موضوع تسليم الوزارات الأمنية إلى من تريدهم أميركا من بقايا النظام السابق ومن برهن لها أنه طوع أوامرها بلا تردد، ولا في رفضها (حتى الآن) لقانون النفط الذي تقدمه كردستان نيابة عن الشركات والأجندة الأمريكية. وبالفعل تبين أن منفذي جريمة النخيب كانوا من معتقلي سجن بوكا قام الامريكان بإطلاق سراحهم (19) كذلك أشار النائب عن للتيار الصدري جواد الحسناوي أن " جريمة النخيب (...) يُراد منها التشكيك  بالقدرة الامنية وزرع الفتنة والرعب في البلاد من اجل تمديد بقاء القوات الامريكية في البلاد" . (20)

لقد اراد الإرهابيون في تقديري إثارة غضب منفلت من الجماهير الشيعية التي تمت "محاصرتها" في إحساسها بأن القانون لا يعمل في العراق. وقد قدم هذه الصورة بعض السياسيين الذين تكفلوا بإعاقة عمل القانون من الذين وضعوا في رئاسة الجمهورية لمنع تنفيذ احكام القضاء. كان الهدف أن تجد الجماهير المعنية بالضحايا نفسها مضطرة إلى سلوك "المنفذ الوحيد" لديها وهو بأخذها بالثار بنفسها وبيدها، وبالتالي توجيه ضربة شديدة إلى حكم القانون، وإثارة الفوضى القانونية والأمنية، على أن تتكفل الصحافة بإكمال القصة وإيصالها إلى المرحلة التي يريدها من دبر الجريمة، وربما تكتفي بإبقاء القوات الأمريكية، أو تذهب أبعد من ذلك، بتسليم الأجهزة الأمنية إلى عملائها أيضاً.

في الجزء الثاني من المقالة سنتحدث عن الظروف المهيئة لجريمة الإرهاب، وكذلك الرد المناسب عليها.

(1) http://www.yanabeealiraq.com/politic_folder/saab-kalil310108.htm
(2) http://www.alnoor.se/article.asp?id=34491
(3) http://baretly.net/index.php?topic=5078.0
(4) عماد الجلدة يكشف عن عملة اسرائيلية فى بسكويت المدارس
(5) عماد الجلدة وكيف كان يتم التخلص من الشرفاء
(6) http://www.wsws.org/articles/2011/may2011/left-m23.shtml
(7) http://www.truth-out.org/dominique-strauss-kahn-released-case-teeters/1309539785
(8) http://www.wsws.org/articles/2011/may2011/left-m23.shtml
(9) http://www.nytimes.com/2011/07/01/nyregion/strauss-kahn-case-seen-as-in-jeopardy.html?_r=1
(10) المطران رحو : هناك مخطط امريكي لافراغ العراق من مسيحييه
(11) http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=117885.0
(12) http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=530714.0
(13) http://nasiriyah.org/ara/post/4994
(14) http://www.babil.info/thesis.php?name=axbar&mid=33275
(15) http://www.qanon302.net/vb/showthread.php?t=51
(16) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=43791
(17) http://www.jo-pal.com/News.aspx?id=65850
(18) http://www.mehrnews.com/ar/newsdetail.aspx?NewsID=1346990
(19) http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=7539#comment41696
(20) http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=7526


ماهر سعيد متي

                                شكرا على المقال .... تحياتي
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

صائب خليل