المؤامرة الإرهابية ورد الفعل – جزء 2

بدء بواسطة صائب خليل, سبتمبر 28, 2011, 10:29:22 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

ملخص الجزء الأول

في الجزء الأول (0) من هذه المقالة قسمنا الجريمة السياسية إلى نوعين حسب هدفها، فأما ان تكون مباشرة الهدف، حيث تحقق الجريمة هدفها بعملية الإغتيال أو التخلص من الضحية، ومن أنواعها أوردنا اغتيال اللواء مبدر الدليمي الذي كان يعرقل سيطرة الضباط المفضلين من الإحتلال الأمريكي على المفاصل الهامة، وكذلك مقتل النائب الصدري صالح العكيلي أثناء قيادته عملية معارضة توقيع المعاهدة الأمريكية، وقتل ممثل الأمم المتحدة سيرجو دي ميلو واستبداله في نهاية الأمر بملكرت المطيع للسفارة الأمريكية. كذلك قلنا أنه ليس من الضروري أن يتم التخلص من الشخص المزعج بجريمة عنيفة، مثلما حدث لوزير الكهرباء وللممثل اليسار الفرنسي، بفضائح مفتعلة أو مبالغ بها.
اما الجريمة من النوع الثاني التي نركز عليها فهي الجريمة التي يكون الهدف منها إستثارة رد فعل جماهيري، وهي لا تصل هدفها بالتخلص من الضحية، بل بالحصول على رد  الفعل المناسب الذ يجعل الناس يختارون خيارات كانوا سيرفضونها في حالتهم الطبيعية.
قلنا أيضاً أن من شروط العمليات الإرهابية أن تنفذ او تقدم إعلامياً بأقصى ما يمكن من البشاعة لتأمين رد فعل قوي ومؤثر، ولخلق جو هستيري يمنع دعاة التفكير والروية من عرقلة مشروع الإرهاب.
في هذا الجزء سنركز على الرد السليم على جرائم الإرهاب واستثارة الغضب كجرائم استثارة رد فعل من خلال تحليل ظروفها وشروط عملها.

شروط عمل وفعالية جريمة استثارة رد الفعل

قلنا أن المخطط لجريمة استثارة رد الفعل يعامل ضحاياه كما يعامل راعي البقر، قطيعا من الأبقار، يريده أن يتجه نحو جهة معينة، فيحاصر القطيع من كل الجوانب، تاركا الإتجاه الذي يريده للقطيع مفتوحاً ثم يبدأ بالصراخ وإطلاق النار في الهواء. ويمكننا أن نستعين بهذه الصورة التبسيطية أيضاً لمناقشة الرد السليم على عمليات الإرهاب.

أولاً – وجود الهدف الواضح المحدد من كل عملية إرهاب.

إذا كان الكاوبوي يطلق النار في الهواء دون أن يكون له هدف محدد، فهو شخص مجنون أو عابث، أما في السياسية فليس هناك مجانين، وكل عملية لا بد أن يكون لها هدف واضح ومحدد. يمكن للكاوبوي أن يعبث قليلاً فذلك لن يكلفه إلا ثمن بضعة إطلاقات في الهواء، أما الإرهابي فيخاطر بحياته في كل مرة يقوم بعمله، مهما اتخذ من أحتياطات وساندته قوة مسيطرة استخباراتياً وعسكريا، فلا مجال للعبث. العمليات الإرهابية مكلفة ، ليس فقط للضحايا، وإنما للقائمين بها أيضاً وتتطلب تخطيطاً وعملاً ومخاطرة، فلا بد أن يكون لها هدف محدد واضح يبرر تلك الكلفة.
.
ثانياً – أن يتم إيصال الهدف إلى الضحايا، ولو بالإيحاء.

الكاوبوي الذي يطلق النار في الهواء لا يحتاج إلى إيصال هدفه إلى الأبقار، فهي تتحرك من تلقاء ذاتها حين تخاف، أما بالنسبة للناس، فالأمر اكثر صعوبة، والخيارات أكثر تنوعاً، لذلك فأن مخطط الإرهاب يؤمن فريقاً مسانداً في الإعلام أو ضمن "القطيع" الذي يستهدفه، ومهمة هذا الفريق الإيحاء بحل إلى الضحايا، يحقق هدف مخطط الإرهاب.

ثالثاً – فتح المنفذ المطلوب ومحاصرة القطيع عن بقية الإتجاهات

إذا كان القطيع طليقاً حراً في أن يتجه حيث يريد، فقد تؤدي حركات الكاوبوي إلى ان يتجه القطيع بأي اتجاه حتى بالضد مما يريده الكاوبوي، وإن كان القطيع محاصر بسياج، فلن يمكن الكاوبوي أن يستفيد من الإرهاب لإنتاج رد فعل فعال. وكذلك الأمر في الجريمة الإرهابية، فما لم يهيء الجو النفسي لإقتراح رد الفعل المطلوب، أو أن يتم ذلك الإقتراح لاحقاً خلال فترة مناسبة فلن يكون من هذا العمل اي جدوى، وستكون عملية المخاطرة به مكلفة بلا مبرر بالنسبة لجهة الإرهاب.

رابعاً – أن يتم العمل بدرجة كافية من الصراخ والقوة لتحقيق التحرك نحو رد الفعل المطلوب

لا يمكن إقناع البقر بكلام لطيف أن يتحرك نحو جهة ما، حتى لو لم يكن يعلم أنها المسلخ، ولا يمكن إقناع الجماهير التي يعاملها الإرهابي كقطيع، بالتصرف وفق ما يريد، من خلال المناقشة، خاصة عندما يقف المنطق عائقاً أمام ذلك. لذلك يتوجب "تعطيل المنطق" ولو لحين إكمال الهدف، ويتم ذلك بالصراخ والإيحاء بالخطر- بالإرهاب، أو باستثارة الغضب الشديد. ويتطلب إرهاب العقل أو إغضابه إلى درجة تعطيل المنطق لدى البشر جهداً كبيراً لذا يتوجب أن يتم الإرهاب بأقصى قدر ممكن من البشاعة، أو أن يتم إيصال مثل هذه الصورة إلى عقول الضحايا على الأقل.

ولو راجعنا جريمة كنيسة سيدة النجاة لوجدناها تطبيقاً رائعاً لهذه المبادئ. إننا نفترض أن هناك هدفاً من عملية بهذا الحجم، ويحتمل أن يكون الهدف تهجير المسيحيين من العراق أو استثارة الرأي العام العالمي ضد المسلمين أو تبرير لتحرك بحجة حماية المسيحيين، أو مجموعة من تلك الأهداف. وبالفعل تم "الإيحاء بالحل" إلى ضحايا الإرهاب، ولا اقصد هنا من كان في الكنيسة، وإنما كل شخص أصابه الخوف نتيجة للعملية. وكان الحل بالدعوة إلى الهجرة من ناحية، أو  الدعوة إلى الإنفصال عن المسلمين وأقتراح إنشاء محافظة للمسيحيين. ونلاحظ أن الإقتراح جاء من أقرب الجهات إلى الجانب الأمريكي ، مثل الرئيس طالباني، ووسائل إعلام متعددة، ولا يشترط أن يعلم هؤلاء بهدف الإرهاب وأن يكونوا جزءاً منه، وإن كان ذلك ليس مستحيل. وبالطبع فليس كل من ايد هذا الإقتراح يعمل مع فريق الإرهاب، وإلا كان هذا الإرهاب فاشلاً بشكل كبير في الوصول إلى الآخرين.

وبالطبع فأن "فتح المنفذ" المطلوب، كان من خلال مبادرات سياسية جعلت من مشروع المحافظة المسيحية "السخيف" بكل معنى الكلمة، شيئاً قابلا للنقاش، رغم أنه يطفح بالتناقضات التي يستطيع منطق أي عقل بسيط أن يراها. لكن هذا المنطق تم تعطيله إلى حد بعيد بالفعل من خلال بشاعة العملية الإرهابية وكثرة الصراخ الذي صاحبها، وعرض شهودها على التلفزيون والإنترنت، والإعلام المهول الكاذب لمجرياتها، وانتقال الرعب والألم من وجوه الضحايا المباشرين للجريمة إلى مئات الآلاف أو ملايين من شاهدها، وتخيل نفسه مكانها.

وبالفعل بدا الضحايا المسيحيين محاصرين عن الحلول الأخرى غير الهجرة أو الإنعزال. وحين كتبت مقالة أبين فيها تفاهة وعدم معقولية أقتراح المحافظة المسيحية، لم اجد من يرد عليها، لكن معلقاً صرخ بألم تحسه من خلال تعليقه قائلاً: ما هو الحل إذن؟؟ إنه تعبير عن الحصار الذي يشعر به ضحايا الجريمة.

تفجيرات سامراء وجريمة النخيب من النوع الذي يستهدف إستثارة الغضب وليس الرعب، كما اشرنا في الجزء الأول، والحقيقة أن هذا امر طبيعي لسببين: الأول، ربما يكون صعوبة أستثارة الخوف في طائفة كبيرة جداً، ولكن الأهم منه هو أنه إن كان الهدف من العمليات إثارة الحرب الأهلية الطائفية، فان الخوف لا يوصل إلى ذلك الغرض بالضرورة. فبالرغم أنه يثير الحقد والكراهية، فقد يستكين المرعوب في بيته، وكذلك قد يكون اكثر استعداداً للتفاوض والوصول إلى اتفاق، أما الغاضب فسيكون هدفه الواضح الإنتقام بالقوة وهذا طريق اقصر وأضمن واكثر مباشرة إلى الحرب الأهلية الطائفية. ولذلك نرى أن جميع العمليات "الإرهابية" ذات الأهداف الطائفية ، إن صح التعبير، ، تبدو تستهدف أثارة الغضب في الضحية (كطائفة) وليس الخوف.

ولو راجعنا جريمة النخيب وفق الشروط الأربعة لجرائم إثارة رد الفعل لوجدنا أن الهدف منها على اغلب الظن، (وليس لدينا سوى الظن، حتى تكشف جميع غوامض القضية) هو إثارة رد الفعل (الغضب الطائفي)، فليس للضحايا أهمية شخصية خاصة محددة.
وأما المبدأ الثاني، فقد تم الإيحاء بما يجب عمله، بحذر احياناً وبصراحة أحياناً أخرى: الإنتقام للضحايا، عدم الخنوع أكثر، 1400 عام إضطهاد، السبب هو جبننا، لماذا نحرم من أن نكون طائفيين؟ وبالطبع ليس كل من كتب في هذا شخص موجه، فلا يمكن هنا معرفة من ينطلق من مشاعره ومن ينطلق من أجندة مدروسة، وهذه هي الصعوبة في القضية، وعدم الحذر فيها يوقع في خطأ أكبر حين تتهم الأبرياء بأنهم مجندون، فيزداد غضبهم وغضب المقتنعين بطروحهم.

يصعب اتهام أية جهة إعلامية محددة، لكن الإعلام بشكل عام يسهل إثبات تورطه. فقد سعى على ما يبدو بوعي للتركيز على الحقائق المثيرة للغضب وأهمل الحقائق المثيرة للتآلف بين الطائفتين، رغم أنها متوفرة تماماً. والحقيقة الهامة التي تم إهمالها بشكل كبير ولفترة طويلة هي أن ثلاثة من ضحايا الجريمة كانوا من السنة من الفلوجة (1). لقد قرأت تصريحاً لرئيس الوزراء يقول بأن الضحايا من الجانبين، لكنه كان الخبر اليتيم الذي وصلني لفترة من الزمن أتيح فيها للإعلام أن يلعب دوره التهييجي لإكمال العملية الإرهابية، ثم نشر الخبر بعد ذلك.

من الصعب إخفاء الحقيقة إلى الأبد، لكن ليس صعباً تأجيلها وتحجيمها. وهذه العملية، عملية إتاحة الوقت للإعلام ليعمل عمله قبل كشف الحقائق المعرقلة له، وهو مبدأ متبع بكثرة في مثل هذه العمليات وأيضاً في عمليات تشويه السمعة. من متابعتي موضوع وزير الكهرباء لاحظت أنه ترك للإعلام حوالي عشرة ايام لتشويه سمعة الوزير بالفساد، قبل أن يأتي اي تصريح رسمي تتحمل الحكومة مسؤوليته، ولا اتصور أن الأمر كان صدفة بريئة، بعد ذلك جاء التصريح بأن الموضوع ليس موضوع فساد بعد أن ارتبط إسم الرجل بكلمة الفساد في ذهن كل عراقي يقرأ، إرتباطاً لا انفصام عنه.
وبنفس الطريقة فإني لا أتصور أن من دبر الفضيحة الكاذبة لشتراوس خان، كان يجهل أن الرجل سيخرج بريئاً في النهاية، ولكن يجب تاخير ذلك قدر الإمكان لإتاحة الفرصة للجانب الإعلامي من العملية لتثبيت التهمة في رؤوس الناس، ولن يهتموا كثيراً بالحقائق بعد ذلك، وفي أسوأ الأحوال ومهما ثبتت براءته، فستبقى غيوم الشك والشبهة العاطفية تدور حوله وترتبط باسمه في الذاكرة.

وأما مبدأ محاصرة الطائفة الضحية إلا من منفذ واحد، فقد اقتنع اصحاب الضحايا، بأن القانون لا دور له في العراق وأنه عاجز عن حمايتهم، وذلك من خلال "عصابة" رئاسة الجمهورية، (وتساهل الحكومة بشكل فاضح في العديد من القضايا، وتركها الكثير من الأسئلة المفتوحة ضدها في أخرى، مما يشكك بجديتها في أحسن الأحوال) تقف بينه وبين المجرمين المدانين وتجعل القضاء غير قادر على تنفيذ أحكامه، وبطريقة تم تهيئتها في الدستور وتنفيذها من خلال المقربين من الجانب الأمريكي، أو من يمكن الإعتماد على طاعته. لقد عبر الكثير من السياسيون والإعلاميون والناس عموماً عن غضبهم من هذه الحال، لكنها مازالت كما كانت. وهنا يجب أن نذكر أن الشخص الثالث في رئاسة الجمهورية، خضير الخزاعي، لم ينل ما يستحق من لوم وهو مؤشر تحيز خطير لدى الجمهور الغاضب، فـ "الأقربون اولى بالغضب" أيضاً. وفي كل الأحوال وأمام هذا الحصار لم يعد أمام أهالي الضحايا سوى أن يسعوا للإنتقام بأيديهم من من يعتقدون أنهم القتلة، وفي مثل هذه الظروف لايكون هناك الكثير من الوقت والأعصاب للركون إلى المنطق والإجراءات القانونية، ويزداد احتمال إشعال شرارة الفتنة المطلوبة.

مما لا شك فيه أن المبدأ الرابع أيضاً قد تم بامتياز في جريمة النخيب، فالجريمة في حجمها ووحشيتها لا تختلف عن الكثير من الجرائم السابقة، لكن الإعلام الذي أحيطت به والظروف التي تبعتها، أعطتها "الصراخ" اللازم لإثارة رد الفعل المطلوب الذي كاد يصل إلى هدفه.

لقد وعدت في الجزء الأول أن نناقش الحلول المقترحة إستناداً إلى تحليل ظروف العمليات الإرهابية، لكن هذه "الظروف" أخذت حجماً أكبر من المتوقع، خاصة أن الفترة بين نشر الجزئين أقتضت إضافة موجز للجزء الأول، لذلك توجب تخصيص جزء ثالث للحلول المقترحة، فمعذرة.

(0) http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=7652
(1) http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=7582