كيف لي ان أهنأ وبنو قومي يتعذبون /شمعون كوسا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, سبتمبر 20, 2014, 07:21:31 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

كيف لي ان أهنأ وبنو قومي يتعذبون

برطلي . نت / بريد الموقع



شمعون كوسا

كان نهوضي اليوم على انغام فيروز ، اغنية قديمة جدا انطربت لها بصورة خاصة ، أعجبتني كلماتها الخفيفة ولحنها الهادئ . فتحت الشباك لكي اشارك أنظاري بما تشنفت به آذاني ،  فاخذني الغناء بعيدا في سماء الخريف النقية ، كنت اطير بعيدا مع كل نغمة لا تتوقف الا عند استنفاذ آخر ذبذباتها ، بقيت معلقا هكذا في لحظات سعادة أراحت نفسي كاملا .
لم اشعر بالوقت الذي امضيته في حالة النعيم هذا وانا شارد الذهن  ، إلى ان أحسست بيد توقضني وتقول : ما بالك وكأنك لست في هذا العالم ، هل نسيت ما يحدث حولك هذه الايام ، هل اصبحت غريبا عن الكارثة ؟ فتحت عينيّ كالمسفيق من نوم عميق او القادم من عالم آخر ، وعندما هبطت بافكاري على الارض ، أخفيتُ وجهي خجلا كرجل ارتكب خطيئة أوضُبط بالجرم المشهود . لكي اقطع دابرَ هذا الشعور ، خرجت من البيت بعيدا عن عالم الالحان والسماء الزرقاء ، برغبة عارمة في الإطلال على تطورات حال المنكوبين من شعبنا .
لم اقطع مسافة خمسة امتار عندما وقعتُ على خيمة منصوبة بالقرب من الدار ، إلتفتُّ حولي  فوجدت خيما اخرى منتشرة في كل الاتجاهات وكأنها ارض أنبتت الكثير من الفطر .  كان كل شبر على الارض قد تطوع في إسعاف اللاجئين . اعتقدتُ واهما بان الخيم تكون قد ساهمت بالتخفيف عن كاهل الشوارع والارصفة والحدائق ، ولكني عندما تقدمت أكثر رأيت الجمع الغفير نفسه وباعداده السابقة ، فالكنائس والمدارس والاماكن الاخرى كانت مكتضة بشاغليها .
توقفتُ عند خيمة مفتوحة فرأيت  طفلا يبكي ويصرخ باعلى صوته ، استفسرت عنه   وعلمت من والدته بانه لم يحصل على حليبه منذ يومين . تحولت الى خيمة اخرى ، فابصرت رجلا عجوزا يجرّ انفاسه بصعوبة بالغة وعندما رآني ، هرع اليّ طالبا مني أن اوفر له علاجه . وعند دنوي من احدى الحدائق رأيت امرأة عجور تبكي ، نظرتُ اليها وقبل ان اوجه اليها سؤالي ، هزت برأسها وقالت : ألاتعرف لماذا ابكي ، هل انت غريب عما يجري هنا ؟ هل هناك مأساة اعظم مما نعيشه هذه الايام ؟ هل تجد نهاية للنفق الذي دخلنا فيه أو مخرجا حتى وإن كان بحجم خرم الابرة ؟ ودخلتُ احدى المدارس لاصادف رجلا في الاربعين اصيب بانهيار عصبي شلّ لسانه ، فهمت من زوجته بانه تعرض لصدمة كبيرة جرّاء اختفاء اولاده. وفي الشارع الآخر ابصرت شلة شباب واجمين وقد خيّم عليهم الصمت العميق ،  وجّهت لهم التحية ولكني لم ألقَ جوابا .
تجولت من موقع الى موقع لمدة ساعة كاملة ثم عدت الى البيت ، وبدأت احاسب نفسي وقلت : ان كل واحد من هؤلاء يمتلك عقلا مثلي وله شعور عميق ويحمل آمال وأماني ، غير ان القدر الظالم حطّم كل آمالهم وافقدهم حتى رغبة الاحساس بالسعادة .
لقد افقدهم الاشرار ، أعداء البشرية ،عقولهم وأنسوهم انسانيتهم . وضعوهم في حالة مستديمة من همّ يتجدد في كل لحظة ، فهم لا ينتهون من هاجس ، حتى يتناوب عليهم الخوف ثم القلق ثم الرعب .  كل دقيقة لهم هي بمثابة جلجلة جديدة . انهم يفتقرون الى أبسط اسباب العيش بعد ان كانوا يملكون كل شئ ، أليسوا هُم الذين آوَوا قبل سنة او سنتين نازحين لجأوا اليهم ؟ كانوا في قراهم منذ اقدم العصور وارغموا الان على المغادرة .   كل يوم يجب عليهم التفكير في توفير ثلاث وجبات من الطعام . يبحثون عن ملبس يقيهم شر البرد ، لانهم تركوا منازلهم بما كانوا يرتدونه فقط . والبعض منهم عليهم توفير ايجار قد لايملكونه ، فيجدون نفسهم امام اشخاص عديمي الاحساس.
أليست هذه اعظم كارثة يتعرض لها شعبنا منذ تأريخ وجوده ؟ لقد قامت حروب فاحرقت الاخضر واليابس ، وحدثت مجاعات واندلعت نيران وقامت اعاصير وحصدت الكثير ، ولكن الآن يدخل السيف دون مناسبة الى البيوت دون ان يكون ضمن حرب او محمّلا على إعصار او مكلفا بصاعقة أوعناصر طبيعية اخرى .
وضعتُ نفسي موضع كل شخص قادته الظروف الظالمة الى التشرد في هذا المكان ، وقلت : لا بد ان كل رب اسرة منشغل بهاجس مرير وبسؤال ملحّ لا يجد له جوابا جذريا :   كيف سيواجه المستقبل الواقف على الابواب ، فالشتاء ينتظر ولا يقبل اي تأخير ،  والوالد العجوز يحتاج الى الكثير من الدفء ، والوالدة التي تعاني من مرض مزمن لا يجب ان ينقطع عنها العلاج ، والطفل ، والزوجة ، والولد ،والبنت ، والحالات المماثلة الاخرى تربو على عشرات الالوف .
كثرت الاجتماعات وتوالت الزيارات الرسمية وتضاعفت التصريحات والوعود ، هل سيفي المانحون بوعودهم ، وهل سيأخذ كل ذي حقّ حقه ام سيسيطر العنصرالبشري وانانيته على المكلفين بهذه الخدمة لكي ينتهوا بمقابلة المحتاح والاكتفاء بالقول له : (الله يعطيك).
سمعت الكثير هذه الايام ممّا هوصحيح او مبالغ به أو خاطئ عن القائمين على الخدمة والتوزيع وبينهم رجال الدين . سمعت بان بعضهم يمتعض من ردود فعل بعض النازحين ويقوم بتأنيبهم . لست بصدد اسداء النصيحة لاحد لاسيما لرجال الدين ، ولكني اقول بانّ كل شخص مكلف بخدمة في هذا النطاق ، يجب عليه ان يضع المسيح أمامه ويراه في وجه كل وافد محتاج ، ويتذكر كلامه عندما قال  : اذا اطعمتم او كسوتم او أسقيتم أو آويتم أو زرتم احد هؤلاء الصغار  فانكم تكونون قد فعلتم ذلك لي .
يجب ان ينتهز رجل الدين بالذات هذه المناسبة بفرح ويقوم بالخدمة بصدر رحب ووجه مبتسم . من المخجل ان يُحاسب هؤلاء المساكين ، بل ان من يحاسبهم يرتكب خطيئة لان قلوبهم محروقة ومن الطبيعي ان تصدر عن بعضهم حركات غريبة . هذا امر عادي جدا ، وكل من رغب في فهمه عليه ان يضع  نفسه في محلهم  . ان هؤلاء المحتاجين حاليا هم (اعزاء قوم قد ذلّوا) . ولاجله اقول ، حتى الاهانة التي قد تصدر احيانا من بعضهم ، يجب ان تُقابل بابتسامة . القائم على هذه الخدمة يزداد اعتبارا بقبولها ، أما رجل الدين فهو يكسب فيها أجرا مضاعفا ، لان الكثير من القديسن كانوا يبحثون عن هذه المناسبات ليزدادوا قداسة ، ورجل الدين يجب ان يبحث عن القداسة .
اما عن ضعاف النفوس الذين اتخذوا الجشع شعارا في حياتهم ويرون في مصيبة اخوتنا فرصة للانتفاع والاستفادة أقول : كان يجب ان يندى جبينكم خجلا، لان الفائض الذي تقبضونه من هؤلاء هو مال حرام سوف لن يجلب لكم سوى الويل ، وقد ينقلب احد هذه الايام نارا في ايديكم .
انا لم اذكر الا غيضا من فيض لان المأساة هنا لها في كل دقيقة قصة ، لذا اقول لنفسي : كيف لي والحالة هذه ان اسعد واهلي يبكون ؟!!

ماهر سعيد متي

#1
والاغرب ان يلهث بعضا من سياسيينا وراء المناصب متناسيين مصائب شعبهم .. بالفعل قد افرزت هذه الازمة معادن الاشخاص .. لتفرق بين المتهريء والاصيل ؟
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة