البحرين و درع الحكام بوجه شعوبهم

بدء بواسطة صائب خليل, مارس 23, 2011, 12:53:39 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

البحرين و درع الحكام بوجه شعوبهم

من الطبيعي أن دخول القوات السعودية إلى البحرين ليس احتلالاً، فحكومة البحرين قد طلبت ذلك، تماماً مثلما أن دخول المرتزقة الأفارقة ليبيا ليس احتلالاً، لكن ذلك لم يجعل منه أمر جميل أو طبيعي، ولا أقل إجراماً بحق الشعب الذي يتم استيراد القوات لضربه.

لذلك كان الموقف الغربي يسير على خط حساس. فهو على أرض الواقع يدعم ذلك التدخل بكل ما أوتي من قوة، فقاعدة الأسطول الخامس الأمريكي على المحك، ومن ناحية اخرى فهو لا يجد طريقة لتبرير ذلك العمل، فطالما انتقد ما هو أقل منه وبشدة في الماضي، والناس لم تنس بعد. لكن بعض الكتاب العرب الذين يتميزون بسيطرة القلق الشديد من إيران عليهم، ولا يرون غيره مما يستوجب الأخذ في الحسبان، وجدوا في الموقف الأمريكي "ضعفاً" غريباً!

حتى أنه حين قالت وزيرة الخارجية الأمريكية "أن المملكة العربية السعودية سائرة في طريق خطأ دول الخليج العربي قد سلكت الطريق الخطأ بتدخلها في البحرين" ، تعجب طارق الحميد (1) وأعرب عن شكه بأنها "مطلعة على حقيقة مجريات الأمور" وتساءل إن كانت هذه واشنطن أم طهران تتحدث! الصحفي المعروف الذي يريد من الأمريكان الدفاع عن مصالحهم وقواعدهم بشكل مباشر وواضح أكثر مما يريد الأمريكان أنفسهم من الوضوح.
الحقيقة هي أن كلنتون لا تعاني من التطرف في اللطف، ولا الجهل الذي يتيح له التعجب وإسداء النصح لها. الفارق أنه هو لا يحسب شيء، أما وزيرة الخارجية ومستشاروها فينتظرون أسئلة صعبة إذا ما كان موقفهم المعلن كموقفهم الحقيقي في قمع المتظاهرين. فالإتفاقات العسكرية لا تبرر قتل المتظاهرين ويفترض أن الإتفاقات لم توقع من أجل ذلك. أما كون الحكومة البحرانية قد طلبت التدخل، فقد طلبت الحكومة الأفغانية الشيوعية تدخل السوفيت، فهل اعتبرت عملاً طبيعياً مشروعاً؟ حكومة أفغانستان تلك قدمت طلبها حين كانت تواجه تهديداً مسلحاً مدعوماً بقوة من المخابرات المركزية الأمريكية يهدد وجودها. وحين دخلت قواتهم، كان السوفييت حسب وجهة نظرهم يطبقون معاهدة الصداقة، التعاون وحسن الجوار لعام 1978  التي وقعها معهم الرئيس السابق تاراكي، بل أنهم لم يقوموا بالتدخل إلا بعد 18 طلب رفضها برجنيف للمساعدة. لم تطلب القوات السوفيتية لمواجهة متظاهرين سلميين ينصبون خيامهم في أحدى الساحات. ومع ذلك كان ذلك التدخل السوفيتي مداناً في كل مكان.

كذلك كان التدخل السوفيتي في هنغاريا عام 1956 و جيكوسلوفاكيا عام 1968 موضوع إدانة واستنكار شديدين من الغرب والعالم، رغم ان السوفيت كان لديهم حلف عسكري مع كل من البلدين، فماذا يختلف هذا عن ذاك؟ وإذا كان التدخل الخليجي متعدد الجهات ويمثل "درع الجزيرة" فقد كان التدخل في جيكوسلوفاكيا أيضاً متعدد الجهات، ويمثل حلف وارشو، ومع ذلك فقد حظي بانتقاد شديد وإدانة واضحة ليس من الغرب وحده بل من العالم كله.
المقارنة بين تصرفات الغرب بقيادة الولايات المتحدة مع الجهات المختلفة: الشعوب العربية، إسرائيل، دول الكتلة الإشتراكية السابقة، ممارسة ممتعة، تكشف الكثير، وتساعد على فهم من لم يفهم السياسة الدولية بعد، وتثير الإبتسام.

رغم صبغته الطائفية، ليس صحيحا في تقديري أن التدخل السعودي الإماراتي كان على أسس طائفية بشكل رئيسي. فلا أتصور أنه لو كان هناك "تهديد" شعبي سني لدولة خليجية أخرى، فأن السعودية ستقول: "لا.. لن نرسل قواتنا لمقاتلة السنة!". هؤلاء لا طوائف لهم. إنهم مستعدون لقتال ليس أبناء طوائفهم فقط، بل يتعاونون لقتل آباءهم وأولادهم عندما يتهدد كرسيهم. ومع ذلك ففي الطائفية دافع إضافي أكيد، يسهل القرار ويقضي على التردد ويضمن وجود دعم داخلي بدرجة ما.
لا اتصور أن الدافع وراء هذا الموقف الخليجي، هو الطائفية، لكن النتائج الطائفية للموضوع خطيرة بلا شك، فقد قرأه الطرفان على أنه اشتباك طائفي بحت! لكن هذا بحاجة إلى مقالة منفصلة.

ليس احتلالاً وليس طائفية، لكن دخول قوات درع الجزيرة إلى إحدى دول الخليج لتساعد حكامها على قمع تظاهرات شعبها، ربما توضح الغرض الذي أقيم من أجله ذلك "الدرع": حماية حكام الخليج من شعوبهم! – أو على الأقل أنه قد استعمل لهذا الغرض هذه المرة! والحقيقة إن إشارة طارق الحميد إلى أن "درع الجزيرة" المتدخل كان "قوات أمنية وليست عسكرية"، يفضح بشكل واضح طبيعة "درع الجزيرة" وأنه حلف بين حكام الخليج لحمايتهم من شعوبهم إن أحتاج أحدهم لذلك.


ومن الأحداث الرمزية التي تلفت النظر قيام الحكومة البحرانية بإزالة نصب دوار اللؤلؤة، بالبلدوزرات، (2)  والذي يتكون من ربطة من ستة من الأعمدة تمثل دول مجلس التعاون الخليجي ترفع لؤلؤتها في الأعلى. ولو افترضنا جدلاً أن لؤلؤة أية دولة هي ليست إلا شعبها نفسه، فيمكننا أن نرى التمثال يرمز إلى تعاون دول الخليج من أجل شعوبها، (إلا إذا كان الحكام يرفضون هذا الرمز!) وبالتالي فأن تدمير النصب يرمز إلى تدمير هذا ا لتعاون، وإن "اللؤلؤة" سيتم إسقاطها بالجرافات والمجنزرات، وبتعاون تلك الدول معاً، إن تجرأت تلك اللؤلؤة على الكلام والمطالبة بحقوقها وكرامتها الإنسانية في حكم بلادها.



لكن "اللؤلؤة" التي تم هدمها، انتقلت إلى قلوب البحرانيين وذاكرة العالم وستبقى عالية أبداً كرمز إنساني لنظال الشعب البحريني من أجل حريته.

ومثلما لم يكن التعاون العسكري البحراني السعودي لذلك سهل القبول إعلامياً في أميركا كما رأينا، كان مثله الموقف الأوروبي الذي يصلح موقف بلجيكا كمثال له حين عبر وزير الخارجية البلجيكي ستفان فاناكر عن "قلقه" وقال "ننضم لنداء الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، التي دعت قوات الأمن البحرينية إلى الإمتناع عن استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين".

الحكومة البحرانية أطلقت حملة دعايات بمساعدة سعودية، تريد أن تبرهن لنا بها أن المتظاهرين المتوحشين هم الذين يستخدمون "العنف المفرط" هم الذين قاموا بتمزيق رجال الأمن البحرانيين والسعوديين الذين تم استقدامهم على ما يبدو لإكمال "لطف" تعامل الأمن البحريني مع المتظاهرين.

هي ليست المرة الأولى التي تتدخل فيها الحكومة السعودية لإنقاذ حكومة عربية من احتجاج شعبها، فقد هرعت لمساعدة حكومة اليمن على قمع تمرد داخلي للحوثيين قبل بضعة أشهر، أما إن رجعنا إلى الماضي أكثر فالتاريخ السعودي حافل بالأذى لأية حركة لأي شيء في صالح أي شعب عربي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإستقلال والتحرر من دكتاتورية ما أو استعمار ما. واليوم تثبت المملكة المرة تلو المرة أنها ملجأ الدكتاتوريات العربية الآمن، حيث تستقبل دون غيرها المجرمين العتاة بحق شعبهم بلا خجل ولا تورية.

السبب الرئيسي في الطريقة التي اختلفت فيها الأمور بالنسبة للبحرين تكمن في أهميتها الخاصة بالنسبة للأمريكان. ولعل سائل يتساءل: ألم تكن مصر أيضاً ذات أهمية خاصة جداً بالنسبة لإسرائيل؟ وتصوري انه لم يكن هناك إمكانية لحل مشابه للثورة المصرية، فحجم المتظاهرين وطبيعة البلد مختلفة تماماً. لكنهم مازالوا يعملون بجدية تامة لتحطيم ما يمكن تحطيمه من ثورة مصر بطرق أخرى. ويمكن تقدير أهمية البحرين من حقيقة أن القوات المسلحة البحرينية ترتبط بشكل وثيق جدا بحلف الناتو وتحتضن الأسطول الخامس الأمريكي.
أن التساهل الذي تعاملت أميركا واوربا معه في قمع السلطات البحرانية للمتظاهرين إنما ينبع من التداعيات الخطيرة المتوقعة على المصالح الغربية في الخليج، بل وأمتداده حتى إلى وضع النفوذ الأمريكي في العراق . فحسب مقالة نشرتها مجلة "جيوبوليتيك ويكلي" (3)  لـ جورج فريدمان، فأن ما كان يجري في البحرين الأكثر اهمية بكثير، في تداعياتها على المنطقة والعالم من أحداث ليبيا وغيرها.
فيلاحظ فريدمان أن القوات الأميركية الباقية في العراق والبالغ عددها 50 الف، سوف تنسحب كلياً من العراق ما لم يتم تمديد بقائها مضيفاً أن الحكومة العراقية غير مستقرة وغير موحدة ولا قادرة على مواجهة تحدي خارجي بنفسها.
وقال فريدمان أن الإنسحاب من العراق سوف يترك فراغاً يخشى أن تقوم إيران بملئه، كما تؤكد تصريحات سابقة لها.
ويرى فريدمان ان القوى الأجنبية هي التي منعت إيران من تحقيق طموحها في لعب دور مركزي في الخليج، وأن انسحاب الولايات المتحدة من العراق، يجعل جيشها الأقوى في المنطقة، حتى بدون حصولها على السلاح النووي، ورغم تواجد القوات الأمريكية القوية في الكويت والقوة الجوية الأمريكية.
ويرى فريدمان أن الولايات المتحدة ستحتاج إلى عدة شهور لنشر قوات متكاملة لها في حالة اضطرارها إلى التصدي لـ "عدوان إيراني"، إضافة إلى أنها ستجد صعوبة في  توفير الإرادة السياسية في الداخل الأمريكي لذلك، وهو ما يتيح لإيران حرية أكبر للحركة، ملمحاً ايضاً إلى اهمية "التغير في الموقف النفسي" الناتج من إنسحاب الولايات المتحدة.
ويأتي فريدمان إلى موضوع البحرين، الذي يعتبره "حالة اختبار"، ويرى أن البحرين عملياً "جزء من المملكة العربية السعودية"، وهو أيضاً مقر الأسطول الخامس الأمريكي، وأن الغالبية من سكانه من الشيعة، رغم ان حكومته سنية وترتبط بشكل وثيق بالمملكة العربية السعودية.
وينبه فريدمان إلى ان اسقاط الحكومة البحرينية من قبل الحركة الشيعية سوف يشجع الشيعة السعوديين الذين يسكنون المناطق الغنية بالنفط في الشمال الشرقي من المملكة على التغيير، وهو ما سيهدد المكانة العسكرية الأمريكية في المنطقة لصالح إيران.
وأن القواعد الدولية الأمريكية في المنطقة ستكون أقل استقراراً، وهو ما سيجعل التدخل الأمريكي في المنطقة أكثر صعوبة.
ويرى فريدمان أن لب المشكلة يكمن في أحتمال اضطرار الولايات المتحدة لترك العراق قبل أن تتمكن من ترك حكومة قوية موالية للولايات المتحدة فيه، وأن الولايات المتحدة قد تجد نفسها في إشكالية صعبة بشكل غير معتاد وخيارات خطرة تبدأ من السؤال حول كيفية مقاومة إيران مع إبقاء أسعار النفط ضمن السيطرة.
نلاحظ أن فريدمان نشر مقالته قبل دخول قوات "درع الجزيرة" الى البحرين.

يشعر البحرانيون بالمرارة لما يرونه خيانة العرب والعالم لهم، وأيضاً لأن الإعلام في الجانب السعودي الغربي يبدو هو المسيطر على الساحة وأنه أقنع الناس بصورة مشوهة وبشكل مبالغ به عن ثورة البحرين. ورغم أن الظروف دفعت بالبعض كما يبدو إلى موقف طائفي دفاعي، وآخر هجومي، لكني أقول للشعب البحريني أن العالم والعرب ربما تأثرت بهذا الإعلام القوي لكنها لم تقتنع به. ويمكننا أن نرى ذلك كمثال من خلال النداء الذي أقامته "المثقف" لإبداء الرأي بين كتابها وقرائها حول ما جرى في البحرين، (4) وكانت الآراء بشكل كاسح تقف مع الشعب البحريني في ثورته وترفض ضربه الوحشي من قبل القوات السعودية

فليطمئن الشعب البحراني أن الناس تفهم الحقيقة وتقف معهم في حقهم، حتى إن لم تستطع للأسف أن تقف معهم بشكل يحميهم من وحشية حكامهم وحكام المملكة السعودية، اليد الأمريكية الجاهزة أبداً لدعم أية دكتاتورية عربية.

لقد كان لأحداث البحرين المؤلمة تداعيات طائفية مؤسفة نأمل أن نتناولها في مقالة قادمة.


(1) http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&issueno=11797&article=612930

(2) http://photoblog.msnbc.msn.com/_news/2011/03/18/6293994-bahrain-demolishes-pearl-roundabout-statue

(3) Bahrain and the Battle Between Iran and Saudi Arabia | STRATFOR
http://www.stratfor.com/weekly/20110307-bahrain-and-battle-between-iran-and-saudi-arabia?utm_source=GWeekly&utm_medium=email&utm_campaign=110308&utm_content=readmore&elq=ff9746c968614884a757da37971e2c82#ixzz1G0vykXmr

(4) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=45569:2011-03-16-04-32-59&catid=39:2009-05-21-01-47-02&Itemid=60










ماهر سعيد متي

                   تحليل منطقي وسليم .. ولكني اتساءل ، هل تتوقع ان الشرارة الصادرة من البحرين بعد التغيير ستلتهم  دول الخليج وبالأخص السعودية .. فالشعب هناك مترف ولديه الخدم والحشم ويصطاف سنويا في الدول الأوربية ..؟
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

صائب خليل

الأستاذ ماهر سعيد متي المحترم،
شكرا لتعليقك الكريم...لا أحد يعلم إلى أين ستصل أمواج هذه الثورات، لكنها بلا شك ستجعل الحياة بالنسبة للدكتاتوريات اكثر صعوبة، وبالتالي قد تقود إلى انهيارها الآجل إن لم يكن العاجل.
تقبل تحياتي