صور من مجاعة الموصل عام 1917 بقلم شاهد عيان :

بدء بواسطة برطلي دوت نت, فبراير 09, 2013, 08:48:39 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

صور من مجاعة الموصل عام 1917 بقلم شاهد عيان :   


المصدر / كتاب ( من ذكرياتي ) للمرحوم عبد العزيز القصّاب ( كان ضابط في وقت حدوث المجاعة ثم أصبح محافظا للموصل في السنوات اللاحقة ) .

نقل وطبع / عامر سالم حساني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ سفري الى الموصل :

بقيتُ في مركز دمير قبو سبعة أيام ثم تحركت قافلة السيارات فوصلنا إلى الموصل مساء ذلك اليوم وقد رأيتُ جثث الأموات منتشرة على طول الطريق بصورة تفتت الاكباد . بت تلك الليلة في الأوتيل وفي صباح اليوم الثاني ذهبت لمشاهدة الوالي ممدوح بك الذي كان قبلا كاتب سر لناظم باشا الوزير حينما كان واليا في بغداد . فسألني عن سبب تأخري فبيّنتُ الأسباب ثم أعلمني بالبرقية الواردة من الإستانة المتضمنة ترفيعي إلى الدرجة الأولى المؤرخة في 2 كانون الأول سنة 1434 وطلب مني الإلتحاق بوظيفتي فقررتُ السفر بعد إستراحة أربعة أيام .

المناظر المؤلمة :

كنتُ أثناء مكوثي في الموصل أطوف بشوارع المدينة وازقتها لأكوّن فكرة عن وضعها وحالاتها فكنتُ أشاهد فقراءها والمهاجرين إليها من ولاية ( وان ) . وهم بصورة مزرية رجالاً ونساء منتشرين في الطرق والأسواق والبعض منهم يختفون تحت دكاكين البقالين والخبازين يتصيدون المشترين فما أن يشتري المشتري لوازمه من الدكان خبزاً أو سمنا أو غير ذلك ويدفع ثمنها حتى يخرجوا من تحت الدكاكين ويهاجموه ويسلبوه كل ما إشتراه وكان بعض هؤلاء الجياع بعد أن ينهبوا الخبز مثلا يتعاركون فيما بينهم ويغتصب كل واحد منهم اللقمة من فم رفيقه ويدخلها إلى فمه بطريقة لم أرَ مثلها طول حياتي .
ولكثرة هؤلاء المساكين كنتُ أشاهد مأموري البلدية ومعهم الحمالين يتجولون في الطرق وفي الأسواق يجمعون جثث الميتين جوعاً في كل صباح ومساء كانما يجمعون الحطب والنفايات .
يضع الحمّال في سلته أربع جثث او خمس ، حيث ان جثة الإنسان أو الإمرأة كانت يابسة ضعيفة وقد إستحالت إلى عظم وجلد يلتقطها الحمال بيده من الأرض ويلقيها في السلة على ظهره كما يلتقط الخشبة الصغيرة .

لقد أصر عليّ يوماً المرحوم عبد الحكيم أفندي الهيتي إمام العسكرية بتناول طعام العشاء معه في الجامع الكبير في الموصل وكان الجامع حينذاك مستشفى عسكريا كان هو مديره وبعد إصراره الشديد قبلتُ الدعوة وذهبتُ مع خادمي مبروك إلى الجامع بعد غروب الشمس وكانت السماء ممطرة حينذاك . وكنتُ أتقي المطر بمظلة كانت معي ومبروك يحمل الفانوس ويسير أمامي في الطريق .

شاهدتُ على باب كل دار من دور الموصل التي مررنا بها شخصين أو ثلاثة كباراً وصغاراً نساء ورجالاً جالسين تحت ذروة الابواب يئنّون من البرد فلا يلقون مَن يرحمهم أو يحن عليهم أو يدخلهم إلى داره . وكان هذا المنظر من أو جع المناظر التي رأيتها في الموصل .

زرت القائد العام هناك – خليل باشا – وكانت لي معرفة به من بغداد . فأخذ يحدثني عن الشدة التي يلاقيها الجيش وعن ندرة الذخيرة والغذاء ومن جملة ما قاله : ( إن الجيش عندما كان في بغداد كان بإمكانه عند الحاجة أن يأكل التمر ولكنهم هنا لا يجدون شيئاً يتقوّتون به فالمؤونة قليلة والطالبون لها كثيرون ) .

ويستدل من ذلك ومن غيره أن الاتراك بعد أن خسروا بغداد خارت قواهم وضعفت مقاومتهم ولم يبقَ لهم أمل في المحافظة على البلاد .

لقد وصلت درجة الجوع والفاقة في الموصل لدرجة أن كثيراً من المهاجرين صاروا يأكلون لحوم الحيوانات حتى الكلاب والقطط . وإن رجلا كان يخطف الأطفال فيذبحهم ويطبخ لحومهم ويعطيها للناس . وقد أُعدم مع زوجته التي كانت شريكته في الجريمة بعد أن أُفتضح أمرهما } .