من الرسائل الفارسية لمونتيسكيو/شمعون كوسا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, سبتمبر 06, 2016, 10:31:36 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

  من الرسائل الفارسية  لمونتيسكيو   
   


برطلي . نت / بريد الموقع

شمعون كوسا



يُدرِج الاديبُ الفرنسي مونتيسكيو، في كتابه الذي ألـّفه سنة 1792 بعنوان الرسائل الفارسية ، رسالةً لاحد أمراء بلاد فارس واسمه اوزبيك، وجّههالصديقه ميرزا في اصفهان . كان هذا الامير قد ابتعد عن البلادبحثا عن المزيد من التفكير والمعرفة  والانفتاح على حضارات اخرى ومنها الاوربية . اخترتُ هذه الرسالة للدروس البليغة التي تضمنتها،فهيتقول:

إنك تعلم يا ميرزا بان بعض وزراء الشاه سليمان الثاني (1666-1694) كانوا قد رسموا خطةلإرغام جميع الارمن في بلاد الفارس على ترك البلادما لَم يهتدوا الى الديانة الاسلامية .كان يعتقد هؤلاء بانإمبراطوريتنا تبقى مدنّسة طالما تواجد هؤلاء الكفرة فيها.من المؤكد أنّ عظمة الامبراطورية كانت ستزول لو كان هذا التديّن الأعمى قد وجد في حينه من يسمعه ويستجيب له . لانعرف كيف فشل هذا المخطط  ذو النتائجالسيئة. الصدفة وحدهاكانت قد قامت بدورالعقل والسياسة ، وانقذت الامبراطورية من خطر كانت شدّة  عواقبه أفدح من الفشل في معركة ، أو خسارة مدينتين .
إبعاد الارمن كان سيؤدّي الى القضاء ، وبيوم واحد ، على جميع التجّار وحرفيي المملكة . انا على يقين بان الشاه عباس الكبير (1587 – 1629) كان يفضّل قطع يديه من أن يوقّع على مثل هذا الامر . لأنهكان واثقاً  بانه بإبعاده رعاياه هؤلاء ، ذويالمهارة العالية، نحو بلاد المغول او بلاد الهند ، كان سيبدو وكأنه عازم على التخلّي عن نصف مملكته .
الاضطهادات التي مورستفي حينه ، من قبل جماعتنا المسلمين المهووسين ، ضدّ الزرادشتيين ، أرغمت هؤلاء على التحوّل بأعداد هائلة الى بلاد الهند ، وبهذا خسرت بلاد فارس هؤلاء المواطنين المنصبّين على أعمال الفلاحة ، والذين كانوا وحدهم قادرين على معالجةأراضينا القاحلة واستصلاحها .
لم يكن قد بقي في جعبة تقوانا المُبالَغ بها، سوى ضربة واحدة فقط للقضاء على قطاع الصناعة ، وهذه كانت ستضمن لهم حتمية سقوط الامبراطورية ومعها الديانة التي كانوا عازمين على المساهمة في ازدهارها .
صديقي العزيز ميرزا ، إذا فكرنادون تحيّز ،ألا نتوصل الى قناعة بانه  من الافضل ان تتواجد عدة ديانات في نفس الدولة ؟ نلاحظ بان الذين يعيشون في ظلّ ديانات مُجازة يفيدون بلدهم اكثر ممّن يعيشون في ظلّ ديانة واحدة مهيمنة، لأنه اذا لم تمنحهم المجالس والصالوناتشيئا لانهم بعيدون عنها ، ولم يكن امامهم غير التميّز بثرواتهم ودرجات رفاهيتهم ، فانهم كانوا سيندفعون بكل جوارحهم الى تحقيق هذه النتائج من خلال عملهم ، ويقومون بممارسة أصعب المهام في المجتمع لتحقيق ذلك.
من جهة اخرى ، بما ان جميع الديانات تنادي بمبادئ مفيدة للمجتمع ، من الحَسَن أن تُمارس بصدق وحرارة. وفي هذه الحالة ، ما الذي يساهم في شحذ هذه الغيرة اكثر من تعدّدها ؟
لقد لاحظنا بان إدخال دين جديد في الدولة هو أنجع وسيلة لإصلاح تجاوزات الدين القديم. لربما نعتقد بانه ليس من مصلحة الملك قبول عدة مذاهب في دولته ، غير انه اذا اجتمعت كافة ديانات الدنيا في دولته ، فانه لن يكون أي ضرر من ذلك ، لأنه لا يوجد هناك أيّ معتقد يدعو الى غير الخضوع للرؤساء وإطاعتهم .
أنا اعترف بان التأريخ عامر بحروب الديانات ، ولكن يجب الانتباه  بانه ليس تعدّد الديانات الذي أدّى الى اندلاع هذه الحروب ، ولكن عدم التسامح هو الذي ألهب الديانة التي تعتبر نفسها المهيمنة .
انها روح الدعوة او التبشير التي  اقتبسها اليهود من المصريين ، والتي تسربت بواسطتهم كمرض شعبي خطير الى المسلمين والمسيحيين ، هي التي تتحول الى دوار، إذا تركناه يتطور ، فانه لا يمكن ان يؤدي إلاّ الى كسوف تامّ  للعقل البشري .
إن من يطلب مني تغيير ديني ، فانه لا يقوم بذلك إلاّ لأنه لا يقبل تغيير دينه اذا تم ارغامه على ذلك ، ولأجلهذا فانه يستغرب من عدم قيامي بعمل شيء لا يقوم به هو نفسه ، لربما من اجل السيطرة على العالم .   (انتهى) .
لقد اخترتُ هذه الرسالة من بين مائة وواحد وستين رسالة ، يُعتقَد بان المؤلف صاغها كرواية ، تنتقل مواضيعها بين الفلسفة والسياسة والادب والدين . ترجمتُ الرسالة لارتباطها بما نشاهده حاليا من انحرافات داخل مجتمعنا المهووس.