المسيحيون السوريون... ليسوا طرفاً في الحروب

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أكتوبر 13, 2014, 09:31:27 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

المسيحيون السوريون... ليسوا طرفاً في الحروب


برطلي . نت / متابعة

عشتارتيفي كوم- ميدل ايست اولاين/

نادراً ما سجلت مناطق المشرق ازدياداً مضطرداً في عدد المسيحيين؛ بل على العكس من ذلك، لطالما كان يُسجل على جبين المشرق أنّ الأرض التي ولدت بها المسيحية يجب أن تغادرها المسيحية. ولن يشفع لـ"سوريا" لقبها السرياني المسيحي المسجل كعنوان تاريخي لها إلى الآن، أو عقائدها الأيديولوجية القومية، أو سمة التسامح التي تدعيها... إلخ، أنْ لا تصبح بؤرة من بؤر المشرق المركزية في تهجير المسيحيين. إنّ العنوان العريض لهذا التهجير كان دائماً وأبداً هو الأصوليات الدينية وترقعها برقع مختلفة. ليس بداية من العقائد الإسلامية والقومية، وليس انتهاء بالاستحقاقات المميتة التي تصنعها حروب الجهاد المقدس، مُنضافاً إليها الحروب الطائفية التي تصبغ عمق المشرق. وبكلمة، إنها حروب العقائد التوتاليتارية مع بعضها، حيث كانت المسيحية إحدى أهم ضحاياها. وما الحرب الآن بين أطراف "جهاديي دمشق" على مختلف طوائفهم سوى لوحة واحدة من سلسلة اللوحات المديدة والدامية التي يسجلها وجود المشرق.

كذلك نادراً ما كان المسيحيون طرفاً من أطراف تلك الحروب، باستثناء ما جرى في الحرب الأهلية اللبنانية. معظم الحروب التي جرت في المشرق لم يكن المسيحيون فيها، إذا كان هناك من مسيحيين، يقاتلون باسم المسيحية، بخلاف الأطراف الأخرى التي تقاتل تحت ألوية عقائدها الأيديولوجية. إذاً أين يقع المسيحيون في تلك الحروب؟ إننا سنحاول الإجابة عن هذا السؤال من خلال الحرب السورية الدائرة اليوم. حيث تقدم هذه الحرب صورة كبيرة، تختصر في عمقها تاريخاً دامياً، صراعاً أسطورياً طائفياً يمتد بخطوطه الرمزية إلى أكثر من ألف وأربعمئة سنة، ولا يرتبط عموم الشعب السوري بهذا الصراع إلا من خلال رابط الميثولوجيا على أحسن تقدير.

وبالتالي، لأنّ مسيحيي سوريا يشكلون رقماً مهماً في معادلة الأزمة السورية، فإنهم ليسوا استثناء في أن يتحولوا في أحد مشاهد الأزمة إلى هدف من أهداف الأطراف المتصارعة، أي: "الصراع على المسيحية السورية". وبالفعل، فقد غدا سؤال المسيحية، إضافة إلى تعقيده أصلاً في بيئة المشرق.

سؤالاً سياسياً جدالياً، لا يُقرأ وفق الشرط المسيحي وتفاعله مع ما يحدث، بل وفق بواعث وديناميات الأطراف المتصارعة، سواء من طرف النظام الحاكم في سوريا أو من الأطراف المعارضة ضده. وهذا ما كان له استحقاقات خطيرة على الوجود المسيحي نفسه في البلاد السورية، من تهجير وتشريد (ما يقارب نصف مليون)، وفي حالات اضطرارهم إلى حمل السلاح حمايةً لوجودهم من الجهاديين، كما هو الحال في الميليشيات المسيحية العسكرية، تحت اسم "سوتورو" (Sutoro لفظة سريانية تعني "البوليس" أو "الحماية")، والتي تشكلت مؤخراً في منطقة الجزيرة الفراتية السورية بقيادة مسيحيين آشوريين.

تشير معظم التقديرات إلى أنّ نسبة المسيحين السوريين قبل الأزمة التي اندلعت في سوريا تتراوح بين 8 و10%. ويتوزعون على طوائف مختلفة تعتبر بشكل أو بآخر مهد الطوائف المسيحية في المشرق. يأتي في المرتبة الأولى منهم الروم الأرثوذكس ثم يليهم السريان الأرثوذكس وكذلك الروم الكاثوليك، والسريان الكاثوليك والأرمن الكاثوليك، والموارنة والبروتستانت والآشوريون واللاتين والكلدان الكاثوليك. ويتوزعون، بحسب تقديرات، على الكنيسة الإغريقية (تقريباً 500.000)، ثم الكنيسة الأرثوذكسية الأرمنية (تقريباً من 110.000 إلى 160.000)، ثم الكنيسة الأرثوذكسية السريانية (90.000)، وبعض الكنائس الأنجليكانية الأخرى.

وهناك بعض التقديرات تشير إلى أنّ هؤلاء يتوزعون في معظم البلاد السورية، لدرجة أنه يندر لمنطقة سورية ما خلوها من وجود مسيحي. وإنْ سجلت مناطق سورية نسبة في ارتفاع الكثافة المسيحية أكثر من غيرها، فهذا يعود بالدرجة الأولى إلى العوامل التاريخية والسياسية والطائفية والثقافية في انتشار المسيحية في سوريا؛ وهذه العوامل هي نفسها لها الدور الأهم في التناقص المسيحي. ومن المهم الإشارة إلى أنّ نسبة المسيحيين في سوريا تكثر في المدن عنها في الأرياف، وبخاصة في مدن حلب وحمص والحسكة ودمشق. وهذا له دلالة كبرى حول الطبيعة الحضرية التي يتمتع بها الشارع المسيحي والعلاقات التجارية التي أقاموها في المدن السورية.

على خلاف غيرها من البلدان مثل لبنان، لم تسجل سوريا عموماً في أيّ من مناطقها أو محافظاتها وجوداً مسيحياً خالصاً، باستثناء المناطق التي يوجد فيها مسيحيون، حيث يقتصر وجودهم على أحياء أو قرى بعينها، كما هو الحال في بعض المناطق الوسطى السورية. وعلى العموم تختلف كثافة الوجود المسيحي في المناطق السورية اطراداً مع العمق التاريخي لوجودهم فيها، كما هو الحال في مناطق الشمال السوري الشرقي منه والغربي، حيث تعمّق الأرثوذكسية المشرقية في تلك المناطق، وكذلك الأمر في الوسط والجنوب السوري في مناطق حوران، حيث التراث الغساني المسيحي. وتعد محافظات حلب ودمشق والحسكة وحمص وطرطوس من أكبر المناطق التي يتجمع فيها المسيحيون. وعموماً يمكن أخذ عينة توضيحية أكثر حول انتشار المسيحيين على الخارطة السورية على النحو التالي:

- وادي النصارى (التسمية الحكومية وادي النضارة): في محافظتي حمص وطرطوس. والوادي هو المنطقة الوحيدة في سوريا الذي يشكل فيه المسيحيون أغلبيّة (من 50 إلى 65%).

- جبال القَلَمَوْن: غرب محافظة ريف دمشق، ومن البلدات والقرى المسيحيّة في القلمون: معلولا وصيدنايا. ومعلولا هي المنطقة التي دخلها الجهاديون مؤخراً والتي كثر حولها الجدل الكبير.

- مدينة دمشق وريفها: يتركز وجود المسيحين في دمشق بأحياء عديدة منها: القصّاع وباب توما وباب شرقي والميدان وطبّالة، وفي ضواحيها: كدمَّر وحرستا وبرزة، وفي ريفها كأقليّات (جرمانا وكشكول ودويلعة).

- محافظة الحسكة: يتركز المسيحيّون في مدينتي الحسكة وقامشلو، وأقليّات بأرياف هاتين المحافظتين. هذا إضافة إلى تركز الآشوريين والأرمن في مناطق الجزيرة السورية الفراتية، منضافاً إليها محافظة الرقة. وتمثل الآشورية في سوريا شرطاً مختلفاً عن بقية الشعب السوري سواء من الناحية الدينية أو الإثنية. وبكلمة، إنّ الآشوريين يشكلون في الواقع "عرقية دينية" لها تراثها التاريخي الأليم في منطقة المشرق من كثرة ما أصيبت هذه الأقلية بويلات المجازر.

- محافظة حلب: يشكل المسيحيون في هذه المحافظة أغلبية في أحياء بعينها مثل العزيزية والتلل وإلى حدّ ما السبيل. ومعظم المسيحيين هنا ينحدرون من الإثنية الأرمنية التي انحدرت من الأراضي التركية أثناء المجازر التركية بحقهم في الربع الأول من القرن العشرين. وتعتبر حلب موطناً للأرمن المسيحيين، حيث يوجد فيها وحدها حوالي 80% من المجتمع الأرمني في سوريا، هذا على الرغم من أنّ الأرمن وحدهم هم أقلية صغرى نسبة إلى الشعب السوري، حيث يتراوح تعدادهم بين 40 ألفا إلى 100 ألف أرمني.

- محافظة حماة: في وسط المدينة وفي ريفها الشمالي والغربي مثل المحردة والسقيلبيّة والبيضا.

مدينة حمص: يتركز المسيحيون في الأحياء القديمة لحمص كباب السباع وباب الدريب والحميديّة، والأحياء الجديدة: كالأرمن والنزهة والوعر والإنشاءات، والضواحي كربلة وفيروزة وزيدل. وكذلك في أرياف الضواحي مثل: القصير وصدد وفحيلة.

- محافظة اللاذقية: يتركز المسيحيون في وسط المدينة وفي أريافها مثل منطقة كسب.

هذا إضافة إلى مناطق حوران السوري في محافظتي درعا (مثل قرية خبب) والسويداء. حيث كانت هذه المناطق تاريخياً من المناطق الغنية بالتراث المسيحي الغساني.