علي اللامي وصالح العكيلي ومبدأ قطع السنابل العالية

بدء بواسطة صائب خليل, مايو 27, 2011, 01:43:55 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

علي اللامي وصالح العكيلي ومبدأ قطع السنابل العالية

ها قد غادرنا ذلك الرجل الشجاع، علي اللامي، الذي لا أعرف عنه سوى أنه ذلك الذي وقف لوحده رافضاً ضغط الجبهة الأمريكية البعثية في فرض المرفوضين شعبياً ودستورياً على سماء السياسة العراقية. وقف لوحده لا يتزحزح أمام الإبتزاز الأمريكي والبصاق الذي يتطاير من فم صالح المطلك عندما يحاول عامداً تذكيرنا بخطاب البعث القبيح المهين. وقف لوحده بعد ان انحنى الآخرون، وبضمنهم من كان يدافع عن حقهم وفق الدستور. حين رأيته يصر على موقفه الدستوري المبدئي الذي تخلى عنه حتى من كان يدافع عنهم وعن حقهم، وبحثوا عن طريقة لإرضاء الإحتلال وتمشية الأمور، وكان هو حجر العثرة الوحيدة الباقية، قلت ان الرجل ذهب لحتفه، وتذكرت قول شاعر عربي كبير، ينطبق عليه أكثر مما انطبق على اي إنسان آخر اعرفه في هذا الزمن:

"وقفت وما في الموت شك لواقف... كأنك في جفن الردى وهو نائم"

صحيح انك لم تطلق النار عليه، لكنك يا علي الدباغ كنت القاتل الحقيقي لعلي اللامي. قتلته حين صرحت بتخليك عن الموقف الذي كان يدافع عنه وعنك وعن حزبك فيه، بل وعن الشعب العراقي ودستوره أمام الضغط الأمريكي – البعثي الهادف لإيصال بقايا البعث إلى الحكم، أو إلى الأمن، بقيادة القائمة "العراقية"، القائمة التي تحتوي أكبر عدد من بقايا الصداميين، وتتشدق بأخلاقهم.

وعندما اقول "علي الدباغ" فإني اقصد الحكومة التي يشغل فيها الدباغ منصب "الناطق الرسمي"، فهو "لا ينطق عن الهواء". الحكومة التي كانت أجبن حتى من أن تراعي مصالحها نفسها، او أن تخفي جبنها في انتظار ما يحدث على الأقل، فلجأت إلى الإعلان الرسمي بأنها تختلف مع علي اللامي، ولم يكن اللامي يقول إلا ما يقوله الدستور في من كان مسؤولاً عن مذابح الشعب العراقي الكبرى في التاريخ. ولم يكن اللامي يطالب بإعدامهم ولا سجنهم، بل فقط بوقف استمرار مشاريعهم الدموية للبلاد وحرمانهم من دخول البرلمان، كما يقتضي الدستور صراحة. لكن الجبن تخلى حتى عمن يدافع عنه. في تلك اللحظة كان الجبن يطلق النار على نفسه، خوفاً!

نحن في لحظة "مقدسة".. لحظة انعطاف في علاقتنا مع الوحش العالمي الأكبر، والذي يرتبط بعلاقة لا انفصام لها مع الوحش العنصري الاكبر في المنطقة، والذي يخص العرب بشكل خاص بمشاعره الدنيئة ومشاريعه العدائية. هذه اللحظات المقدسة، هي دائماً "مواسم قطاف"... قطاف "السنابل العالية" التي تزعج الإحتلال ومن يريدهم للسلطة على البلد. هذه السنابل التي تتجرأ أن ترتفع أكثر من غيرها، حان وقت قطافها، فاليوم توشك لحظة الحقيقة ان تحل. وينتظر أن يساق سياسيو العراق إلى معبد السفارة الأمريكية كالآسرى، لتوقيع معاهدة جديدة تضمن بقاء رقابهم تحت سيف المحتل وبساطيله، ولزمن جديد قد لا ينتهي. إنهم الآن يتبارزون بالكلام المبهم المقلوب. لقد كانوا دائماً يتعاركون على "حق" كل منهم في القرار، ويجلب كل منهم "وعاض سلاطينه" من خبراء في القانون والدستور ليثبت ما استطاع، سعة صلاحياته، وحسب الدستور! اليوم أنقلب الأمر. صار كل منهم يريد أن يبرهن ضيق صلاحيته وبعدها عن هذا. اليوم ينظر كل منهم الى الآخر، ويحثه للتقدم، أملاً أن لا يكون هو الأول في صف العار.

تذكرنا هذه اللحظة "المقدسة" بلحظة أخرى، كانت لها نفس الشعائر تماماً! لحظة توقيع "معاهدة سحب القوات التي لن تنسحب". حينها توجب على الكبار أن يهيؤوا الجو لمن اراد التوقيع وخشي عاره، ليحسم امره، فقاموا ضمن ما قاموا به، بقطف رأس السنبلة العالية: النائب الصدري الدكتور صالح العكيلي.

وتلت تلك الجريمة حملة إعلامية تشويهية لإلقاء اللوم على جماعته، وتبرئة من تشير جميع المؤشرات الجرمية إليه: من مصلحة ومن تواجد قوات مكثف في منطقة الحادث. وطبعاً فقد "القي القبض على القتلة"، أثنين من المأجورين، وهرب رئيسهم (عنصر ارتباطهم؟) دون أن تكون هناك حتى محاولة للتحقيق في من يكون وراء ذلك الإغتيال. ففي العراق لم يتم التحقيق في أية جريمة على أساس السؤال الجنائي التقليدي: لمصلحة من يمكن ان تتم تلك الجريمة؟ الإعلام المسيطر عليه أمريكياً، هو من يتكفل عادةً بـ "التحقيق" وإلقاء التهم على من يناسب صاحب الإعلام من خصوم في تلك اللحظة، وبالفعل، ويا للغرابة، فقد تم إلقاء عبئ تلك الجريمة إعلامياً، على إيران والصدريين أنفسهم!

كتب بول ولفوتز، مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق في ولاية بوش الإبن، وأحد أشد الساسة الأمريكان عدوانية وصهيونية، وقبل توليه ذلك المنصب ببضعة اشهر، بأن استلام قيادة العالم يتطلب: " أن يتضح للجميع بأن أصدقاءنا ستتم حمايتهم ورعايتهم، وأن اعداءنا ستتم معاقبتهم، وأن الذين سيرفضون دعمك، سوف يرون اليوم الذي يندمون فيه على ذلك".

لا أتخيل أن صالح العكيلي أو علي اللامي نادمين على ما فعلا. أتصورهما يعلمان مصيرهما كاحتمال كبير، ولعله أكيد بالنسبة لعلي اللامي على الأقل، فقد كان له "ذنوب" كثيرة وكبيرة، كان آخرها تخليص العراق من 517 من بقايا البعث ومنعهم من الوصول إلى القيادة في مؤسساته الدستورية، لولا ارتعاب من ارتعب من المسؤولين وإعادة كبارهم. أتخيل علي الللامي وهو يرى نفسه يخطو إلى قبره، يقول لنفسه أن الحياة لم تعد تستحق أن تحيا، فلأوجه صفعة للسفلة قبل أن أذهب، وليكن ما يكون!

إن كان هذا هو خيار علي اللامي كما أتخيله، ولعله خيار صالح العكيلي أيضاً وربما كامل شياع، فهو يعفينا قليلاً من الحزن عليهم، لكنه لن يعفينا من الحزن على أنفسنا والخوف عليها وعلى مستقبل البلاد. فإن كان القتل سيطال كل من يتجرأ على أن يبرز كسنبلة عالية في حقل السنابل المنحنية، فستتحقق خطة بول ولفوتز، ولا يبقى يرفع رأسه إلا السنابل الفارغة من اصدقاء وولفوتز ومن يشابهه في أخلاقه.
ورغم أن هذه الشخصيات تمتلك رصيداً أخلاقياً شديد الإنخفاض، يتيح لها أن تقف بوجه البشرية ومبادئها في حرية تقرير المصير والديمقراطية، فان رصيدها من الذكاء ليس منخفضاً أبداً. وما تقترحه لمشاريعها الإجرامية يثبت أنه فعال بشكل كبير، وبالتالي فعلى الشعوب إن أرادت مواجهة تلك المشاريع، أن تتصرف بالمقابل بفعالية هي الأخرى، وأن نستعير من عبارة وولفوتز ذكائها وفعاليتها، وتغيير أخلاقيتها فنقول أن سيادة بلدنا تتطلب " أن يتضح للجميع بأن أبطال البلد ستتم حمايتهم ورعايتهم، وأن اعداءها ستتم معاقبتهم، وأنهم سوف يرون اليوم الذي يندمون فيه على ذلك".

هل سيمكننا أن نقول ذلك؟ هذا هو السؤال الذي يجب الإجابة عليه بشكل واضح، إن لم نرد أن نصل إلى عراق لا يجروء فيه شخص على رفع صوته بالضد من صوت الإحتلال، حتى حينما يسعى هذا صراحةً إلى أوسخ مشاريعه في إعادة بقايا حثالات صدام إلى الحكومة وجهازها الأمني بالذات، بالضغط والإرهاب وتزوير الإنتخابات، وإبقاء ما يكفي قواته لحماية تلك الحكومة إن لم تستطع أن تحمي نفسها يوماً من غضب شعبي قادم. في ذلك الوقت "المقدس" سوف تتذكر السنابل أخوتها العالية التي تم قطع رؤوسها، "وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر"..

ليكن أبطالنا معززين في ضمائرنا على الأقل، لماذا لا يكون لعبد الكريم قاسم شارع باسمه بينما محسن السعدون، حبيب البريطانيين وسياسيهم المفضل، يحتل اسمه أهم شارع في بغداد؟ ولنختر شارعاً أو ساحة كبيرة مازال اسمها لا يمثل الشعب ونطلق عليها إسم "ساحة اللامي"، وأخرى لعثمان وهكذا مع كل شهيد يسقط من أجل الشعب، فذلك أضعف الإيمان بالشعب. لماذا ركض البعض لإعادة الإعتبار للعميل المعروف نوري السعيد بمسلسلة تلفزيونية وليس لعبد الكريم الذي يحبه كل الشعب بلا استثناء؟ اليست هذه كلها مؤامرات لطمس كل من يقف مع الشعب ويضحي من أجلهم و "معاقبتهم" من قبل وولفوتز وأمثاله، ورفع عملائهم ومكافئتهم؟ لنبدأ بتغيير هذا الحال إبتداءاً من الشهيد علي اللامي!

قد يبدو للبعض أن في الأمر مبالغة، وأن الموضوع أعطي حجماً "ثورياً" أكبر من حجمه، بل قد يسعد البعض من خصوم علي اللامي بمقتله دون أن يقولوا ذلك، كما يسعد كارهي التيار الصدري بمقتل العكيلي، لكن الموضوع ليس موضوع ثورة، بل هو الخوف من تآكل حرية الرفض بوجه الإحتلال، وما سيصل إليه الأمر كنتيجة حتمية إن لم يوقف أحد ما ذلك التآكل. الموضوع أكبر من التيار ومن علي اللامي ومن الخصومات، فما يتم اغتياله هو القدرة على ان تقول لا للإحتلال. وإن سارت الأمور بهذا النهج فقد تاتي ليلة كالحة، يريد الجميع فيها أن يقولوا "لا"، فلا يجدون صوتاً في افواههم.

ليست جريمة إغتيال رئيس هيئة المساءلة والعدالة، الشهيد علي اللامي، سوى حلقة في سلسلة الإرهاب التي يمر بها العراق اليوم في انتظار التصويت على معاهدة أمريكية جديدة. إنها معركة إرهاب وتحدي واضحة، وليست معركة "مفاوضات" و "مناقشات"، فليست هناك بعد مسودة لكي يمكن مناقشتها، إنما هي "معركة بقاء" بين قوات الإحتلال والسيادة. فلترفع يا شعب العراق رأسك مع سنابلك العالية الرائعة، فلو فعل ذلك ما يكفي من الناس لما أمكن للإحتلال أن يقطف سنبلة. أرفع رأسك ووجه احتقارك وغضبك لقاطفي السنابل ومن يتساهل معهم، لكي لا تأتي تلك الليلة الكالحة! دافع عن حقك في الكلام مادام فيه بقية. إحم صوتك قبل أن يخرسه الإرهاب الكبير القادم.