تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

في رثاءِ أبي

بدء بواسطة د . وديع بتي حنا, يونيو 29, 2013, 04:57:41 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

د . وديع بتي حنا

في رثاءِ أبي


وديع بتي
برطلة / العراق
Wadeebatti@hotmail.com



ما من موقف أصعبُ من هذا ان يقف الأبن ليؤبن ويرثي أعزَّ الناس ، وأغلى الناس ، وأحبَّ الناس ، فيجد نفسه محطما ، يبكي بعضه على بعضه .
هنالك قول مأثور يقول من له أمُّ على قيد الحياة لايحق له ان يشكي ، وقد شاء القدر قبل ثلاث وثلاثين سنة ان تُجتثَّ مفردة الأم من قاموس حياتنا ، فلا أمُّ نزفُّ لها نجاحنا ، و لا أمُّ نشكو لها همومنا ، ولا أمُّ تُزغرد في إكليل فرحنا ، ولا أمُّ تضم إلى صدرها الدافئ الحنون أطفالنا . وكان أبي واعيا منذ البداية لهذه الحقيقة فقبل البلوى بفرح عظيم ،وأخذ يمارس الدورين معا ، فوضع نفسه جانبا ، لابل قرر وبإصرار ان ينساها ، حتى بتنا كل أحشائه وكان بحق المنديل الذي يحاول طوال هذه السنين ان يمسح دموعنا ويُدخل الفرحة الى نفوسنا . لم أسمعه قط يشكو، ظنا منه انه ان فعل ذلك فهو قد يعتدي أو يأخذ من حصتنا أو فرصتنا في الشكوى ، وكلما كان جسده يزداد نحولا مع السنين كان هذا البحر من العطاء والوفاء يزداد إتقادا وثراءً حتى أصبحنا نشعر ان دَيْنه في عنقنا صار يطوقنا من كل الجهات .
وكما كان مع عائلته الصغيرة هكذا كان مع عائلته الكبرى وهم أبناء بلدته التي أحبّها حُبا عظيما وخدمها حيثما استطاع إلى ذلك سبيلا ، فبالإضافة إلى مساهمته في تربية الأجيال فيها، كان أيضاً حريصا على ان تكون له افضل العلاقات القائمة على المحبة مع جميع أبنائها ، فلا اعرف انه قد عادى أحدا ، أو عاداه أحدا ، لا يدين لكي لا يُدان كما أوصى السيد الرب ، يؤمن بقوة ان مجابهة الشر بالشر هي عملية عبثية ، بل يوصينا دوما ان نربح الشر بالخير كما يقول الكتاب . أننا عندما نذرف الدموع بسخاء اليوم عليه فلا نذرفها حزنا على جسدٍ في التسعين من العمر، بل على قيمٍ كنا وسنبقى نعيش عليها ، ونَفَسِ كان يُشعرنا على الدوام بالفرحة والغبطة والفخر وهو يُكرٍس فينا دون كلل أو تعب هذه القيم.
رحل أبي ، هذا ضلال ، أبي لم يذهبِ
لازال في البيت دخان سكائره ، رماده ، فنجانه الذي لم يُشربِ
كيف يرحل رمزُ المحبة وكنزُ الوفاء والقيمِ الأطيبِ
من كنت أتي اليه بنجاحي ، كطفلٍ ، و وجههُ ملعبي
من أشكو له همومي ، وأصلي على صدره المُتعبِ
مذ وعيت حملته في أحداق عيني ، حتى ظنَّ الناس أني أبي
ستبقى باب روحي تنتظر قدومه ،أو ألقاهُ في فضاءِ الحبيبِ الأرحبِ

أعماق قلبي تبكي عليك يا عزيزي ، فمن تُرى يبكي عليَّ
كيف تمضي يا حبيبي ، ولا تعانق بعد يدكَ يديَّ

فخر ما بعده فخر ان نكون أبنائك
شرف ما بعده شرف ان نكون من صلبك
أحلى اقدارنا ان ننتمي إليك
عهدا ان تبقى ذكراك في حنايا الصدور ما دام في الروح نَفَس وفي القلب نبضة

وفي هذه المناسبة الأليمة لا يسعني إلا ان أتقدم باسم عائلتي بالشكر الجزيل إلى جميع الذين وقفوا معنا في اللحظات الصعبة ، وأخص بالذكر منهم احبارنا الأجلاء الجزيلي الاحترام ،وكهنتنا الأفاضل ، والمسؤولين ، وممثلي المؤسسات ، وأبناء برطلي الذين كانوا كرماء مع ابي وحرصوا ان يبادلوه الحب في رحيله كما أحبّهم طوال حياته ، والاصدقاء من كل بلدات الوطن الحبيب او المتواجدين في المغتربات فكانوا جميعا إلى جانبنا نِعْم العزاء ، سواء بحضور المراسم أو بالاتصالات التلفونية ، أو فيما سطّروه من مشاعر غالية صادقة في رسائل شخصية و ردود على الخبر في المواقع الإلكترونية ، ونسأل الرب ، له المجد ، ان يحفظهم جميعا ومن يُحبون ، ويقيهم من كل مكروه ، وبترحم على فقيدنا ، وكل عزيز لديهم ، برحمته الواسعة ويُشرق على أرواحهم الطاهرة نوره الأبدي السماوي ، انه سميع مجيب ، أمين

تنويه : هذه الكلمة أُلقيت بمناسبة صلاة الثالث والسابع على روح الفقيد والتي اقيمت في كنيسة مارت تشموني في برطلة يوم الأربعاء ٢٦ / ٧ ٢٠١٣