مشاكســة ســــقوط الحضــــارة / مال الله فرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يوليو 26, 2014, 08:17:59 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

 
مشاكســة

ســــقوط الحضــــارة


مال اللـــــه فـــرج 
Malalah_faraj@yahoo.com

 
اهتزت احدى ابرز قلاع الحضارة وكنوز التاريخ وموطن القيم الروحية بعنف وخناجر الظلاميين تطعن خاصرتها غدرا ووحشية لتهز العالم معها بقوة وهي واقفة رغم عاصفة الحقد والكراهية التي هبت عليها بروائحها النتنة تأبى السقوط او الانحناء رغم نزفها لخيرة ابنائها البررة وسيوف القتلة من حثالة الهمج واللصوص وقطاع الطرق القادمين من مزابل العهر الظلامي تحز رقبتها وتطرد سكانها الاصليين الذين كان لاجدادهم شرف وضع اللبنات الاولى لمدينة كانت قلعة شامخة من قلاع التاريخ القديم والحديث وصانعة ابرز مآثره لتمسي بحد ذاتها تاريخا بعينه وهي تفاخر الدنيا بقلاعها وآثارها وبكنائسها واديرتها وبمعابدها وجوامعها ومآذنها ونواقيسها.
واذ بالموصل الحدباء  تمسي في غفلة من الزمن وبعد ان تكالب عليها الشاذون والمنحرفون والساقطون وسماسرة السياسة رهينة بايدي حفنة من الظلاميين مصاصي الدماء وهم يستبيحون خصوصيتها وينتهكون كرامتها ويهدمون حضارتها ويشوهون تاريخها ويفتحون ابوابها امام الغزو الهمجي من قطاع الطرق وقاطعي الرؤوس القادمين من مزابل الشيشان وافغانستان وباكستان المتعطشين للدماء ليمتصوا دماء ابنائها وليفرضوا ايدلوجيات تخلفهم وبلادتهم وعقدهم وساديتهم على احفاد الحضارة والتاريخ وليجعلوا من هذه المدينة، التي كانت ومذ ان وضع الانسان اول لبنة على اديمها تفاخر الدنيا بربيعها الدائم، كومة من المأساة مجللة بالسواد الذي يجسد حلكة اعماق القتلة التي يتمازج فيها الدم بالحقد بالبغض بالانتقام بالكراهية بالسادية تجاه الآخرين ومنعهم من ممارسة حقوقهم الحياتية والاجتماعية والروحية بغية التنفيس عن عقدهم المركبة وخواء نفوسهم البليدة وتخلفهم العقلي وهم يتوهمون انهم وبسيوف الغدر والهمجية المشرعة في ايديهم قادرون على ايقاف نبض الحياة واعادة طلاء الكرة الارضية بلون حقدهم الاسود.
آه ايتها الموصل، لم يأتك (القيظ) وحسب، ولكنها ابواب الجحيم يفتحها الآتون من عصارة التخلف الفكري والحضاري والتاريخي والاجتماعي والروحي والثقافي والانساني عامة تحاول ان تلتهمك في غفلة من الزمن، فما بال هذا العالم المنافق ساكتا، ألم يسمع طرق الاشوريين على بوابة الضمير وهم الذين وضعوا اول لبنة فيك سنة (1080) قبل الميلاد؟ واصابع اشور بانيبال لا تزال تمسك بالتاريخ لتوقظ الذاكرة الانسانية من سباتها وهو يحملها مصير عاصمته وسلامة احفاده بعد ان حصنها في (باب الشمس، وتل قوينجو، وبوابتي المسقى ونركال وتلال التوبة وقليعات).


آه يا مدينة الاديرة والمزارات والكنائس والنواقيس والقيم الروحية الاصيلة، اي حقد واية بغضاء بل اية همجية هذه ان يأتي الغرباء من الساقطين والمهووسين وقطاع الطرق من مواخيرهم ليقتلعوا ابناءك الاوائل الاصلاء منك؟ وهم الذين منحوك ارفع القيم الروحية بآثارهم الدينية المجيدة التي كانت ولا تزال وستبقى منابع للخير والنور والتقوى والمغفرة والتسامح والمحبة بين جميع الاديان والطوائف والقوميات، بدءا من اديرة (مار كوركيس الذي شيد عام 1710 م ومار ميخائيل الذي شيد اواخر القرن الرابع الميلادي، والربان هرمز في القرن السابع الميلادي، ودير مار بهنام الذي اسس في اواخر المائة الرابعة للميلاد، ودير شيخ متي الذي تاسس في القرن الرابع الميلادي ،وديرا مار ايليا ومار اوراها، ودير السيدة العذراء الذي تاسس سنة 1858، الى جانب اكثر من عشرين كنيسة لمختلف الطوائف، منها كنائس اللاتين، سيدة النجاة، الطاهرة، مار توما، البشارة، ام المعونة، عذراء فاطمة، مار كوركيس، الروح القدس، ومار يوسف).
وفي الوقت الذي كانت فيه هذه الاديرة والمزارات والكنائس تمجد اسم الرب وتبشر بتعاليمه وتنثر المحبة والتسامح وهي تدعو المؤمنين الى الالتزام بوصايا الله العشر (أنا هو الرب الهك لايكن لك اله غيري، احفظ يوم الرب، لا تقتل، لاتسرق، لا تزن، لا تشهد بالزور، اكرم اباك وامك، لا تحلف باسم الله بالباطل، لا تشته امرأة قريبك، لاتشته مقتنى غيرك)، فان سماسرة الدجل والدم والشعوذة لا تروق لهم كما يبدو كل هذه القيم السماوية لانها تتقاطع وعقد الدم والجريمة والارهاب التي تسري في دمائهم فعمدوا الى محاولة اقتلاع كل هذه الشواهد والرموز والقيم الحضارية والروحية الجليلة من وطنها التاريخي عبر اوسع واقذر جريمة لتهجير واضطهاد مسيحيي الموصل والاستيلاء تحت قرقعة السلاح والشعارات العدائية والالفاظ النابية والصرخات الهستيرية على دورهم وممتلكاتهم ونقودهم وسياراتهم وملابسهم ولم يستثنوا حتى خواتم الزواج والهواتف النقالة وبطاقات التقاعد، وطردهم سيرا على الاقدام الى خارج مدينتهم الحبيبة.
يقينا ان من فعل هذا وتباهى به ليس من الاسلام والمسلمين وليس من اهالي الموصل الاعزاء بكل دياناتهم وطوائفهم وقومياتهم، لان هؤلاء الاكارم الذين عشنا معهم عقودا من الزمن على المحبة والتكافل والتعاون وتقاسم حلو الحياة ومرها والمشاركة في الافراح والمسرات والنكبات والملمات، اسمى وانبل من قذارات هؤلاء القادمين من وراء الحدود.
ان هدف هؤلاء الغرباء عن التاريخ وعن الانسانية هدم الحضارة واحراق التاريخ واجتثاث الانتماء الحقيقي الاصيل، فقد كانت من بين جرائمهم وانتهاكاتهم اليومية المستمرة التي فاقت في وحشيتها أفعال المغول، اغتيال الشاعر ابي تمام الطائي وتفجير تمثال الموسيقار الملا عثمان الموصلي ونبش قبر المؤرخ ابن الاثير صاحب كتاب الكامل في التاريخ وازالة كل التماثيل الفنية من شوارع الموصل وساحاتها وتحطيم تماثيل الرموز الدينية المسيحية والتهديد بحرق الكنائس وتهديمها.
ان الضمير الانساني الذي هزته بعنف هذه الجرائم البشعة التي تستهدف هدم الحضارة الانسانية مطالب اليوم واكثر من اي وقت مضى مغادرة دائرة الاستنكارات والمهرجانات الخطابية الى ارض الواقع بعمل دولي يضع حدا لكل الستراتيجيات الارهابية الظلامية التي تستهف الانسان ومن خلاله تستهدف الحضارة والتاريخ والحياة.
اخيرا... عذرا كولن ويلسون... ها هي الحضارة تسقط من جديد.