تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

ربيعنا يبكي /شمعون كوسا

بدء بواسطة matoka, مارس 05, 2015, 05:42:27 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

ربيعنا يبكي





برطلي . نت / خاص لبريد الموقع





ينتظر الانسان بلهفة قدوم فصل الربيع لكي ينطلق معه في ولادة جديدة مع طبيعةٍ في بداية دورتها بصحبة شمس مشرقة تبثّ اشعتها دون عائق وسط سماء زرقاء ، وأشجار صفّت اوراقَها الصغيرة الخضراء حديثة الولادة على امتداد اغصانها،وزهور تفتّقت بمختلف ما تهواه العين من الوان تفوح منها ازكى الروائح العطرة ، ومياه لغزارتها ضاعفت منابعها،وعصافير تنطلق من الصباح في زقزقة متواصلة، ناهيك عن العنادل التي  تكون قد تأبطت آلاتِها الموسيقيةَ وكأنها مقبلة على خوض  سباق للاصوات والالحان الشجية، فالكناري يغرد من جهة ، فيردّ عليه الشحرور ، والعندليب يطلق نغمة طويلة ثم يدخل في موّال مع الحسّون .
خرجتُ كعادتي في جولة بين احضان الطبيعة لأمتّع بصري واشنف آذاني بما تقدمه الطبيعة في مهرجانها الربيعي الذي ينسيني ، ولو لحين ، بعض ما اقرأه واسمعه واشاهده من ويلات شعبنا وهمومه. لاحظتُ هذه السنة أمرا غريبا جدا ، لاني كلما دنوت من شجرة أرى اوراقها تتوقفعن الحركة. تابعتُ المسير نحو بعض البلابل ،فرايت هذه الاخيرة ايضا قطعت تغريدها، قمت بتوجيه انظاري صوب الحدائق فلاحظت بان اغلب الزهور تنكمش ، وبعض منها بدالي وكأنه سوف لن يتفتّق.

توقفتُ في مكاني  لافكر قليلا فيما يجري، فرأيت عددا كبيرا من العصافير قد حطـّت على الارض من حولي ،وبعض الزهور تحركت وحتى الاشجار قد انحنت قليلا باتجاهي ، وسمعت صوتا يصدح من بعيد : لقد انتظرنا سنة ونيّف نترقب الامور ونغذّي الآمال برؤية نهاية قريبة لأوضاعكم او على الاقل مشاهدة بعض التحسن فيها ، غير ان ما يجري لكم، اصبح أمرا لا يطاق . انه وضع مُنافِ لقوانين الطبيعة ، وتصرف لا اخلاقي بجميع المعايير ويناقض المنطق وكافة المفاهيم والاعراف البشرية وحتى الحيوانية والنباتية . كيف يمكن للشحرور ان يواصل شدوه وأهاليكم اقتُلِعوا من ارض تأصلت جذورهم فيها منذ آلاف السنين ؟هل يستطيع الشجر ان ينقاد للنسيم ويزهو باوراقه الخضراء ، والمشردون قسرا وظـلماً من بينكم لا زالوا يهيمون على وجههم حائرين ، لا يعثرون على طريق يسلكونه لمجرد الحفاظ على حياتهم ؟ بعد هذا إلتفتُّ الى زهرة صغيرة تناولت كلاما شبه سياسي وقالت : إن ما يزيدنا ألماً ويثير غضب الطبيعة باسرها في هذا الربيع ، هو مشاهدة دولة تسمي نفسها دولة عظمي  ، تصرّح علناً بانه من الصعب جدا معالجة  ما يجري من ظلم وارهاب عندكم، وقد يستغرق الحلّ عدة سنوات!! واضافت الزهرة بنفس صراحتها قائلة : ولماذا  لم يصعب هذا على نفس الدولة العظمى عند احتلالها بلدكم باكمله خلال ساعات فقط ؟!!
وسمعتُ بلبلا قد استهلّ لحنا حزينا يقول فيه : وهل تتصورون بان الشمس لم تكشف لنا المأساة التي ألمّت بقوم كانوا يعيشون بأمان، اناس مسالمون حُشروا عند سفح الجبل وعلى مرتفعاته ليسهل الانقضاض عليهم .تعرّض شبابهم واطفالهم وشيوخهم ونساؤهم الى مذابح لا يمكن نعتها الا بالبشعة والشنيعة. قسم كبير من بناتهم اقتيد الى العبودية والاسر بعد أن مورست بحقهن الاعتداءات والاهانات وكافة اصناف العنف والتحقير. احداث لا يمكن للتاريخ ، مهما كان قاسيا ان ينساها .وانبرت شجرة عالية من الجانب الايسر تقول : ألم يخجل هؤلاء الوحوش وتجرأوا أخيرا على تدمير الآثار وحرق المخطوطات القديمة ، اوراق واحجار كانت شهودا قاومت آلاف السنين من اجل الحفاظ على تراث وتأريخ يفتخر به العالم باسره ؟ألم يفكروا بانه لا يمكن ان يكون مستقبل لشعب محا ماضيَه بيديه ؟!!
اغرورقت عيناي لسماع كل هذه الحقائق التي تجمّد عروق سامعيها اينما وُجدوا، وقلت لنفسي : حتى الاشجار والزهور والطيور والنباتات على بيّنة تامة من وضعنا وتتعاطف بحرارة معنا ، صحيح ان الربيع هذا اليوم يرتدي حلته الجميلة ولكنه داخل في العرض هذه السنة بنفس منقبضة وعين دامعة .
عندما شاهدتُ الربيع وقد اعلن الحداد ، تنحّيت قليلا للعثور على  متكأ استند اليه لإمضاء وقت قصير في مجلس احزان الطبيعة . في دقائق خلوتي وسط هذا المهرجان الحزين،بدأتُ اجترّ بصمت نفسَ الافكار التي كنت احملها عند خروجي والتي لم تبارح رأسي يوما، وكنت اقول: لدينا دولة تديرها حكومة بمؤسسات كبيرة ، وبعدد هائل من الوزراء والمدراء ، ونواب يسنّون القوانين ، تُرتكب فيها المذابح ، وتسقط مدن برمتها دون مقاومة ويُطرد سكانها الآمنين من القرى والارياف دون أن يحرك هؤلاء  ساكنا . لقد ترك المسؤولون الامر لكل مواطن يعالج مأزقه بنفسه ، فاضطرت كل طائفة الى تأسيس جيشها الصغير ، والقبائل انبرت بابنائها لتحرير اراضيها والدفاع عن حدودها من عدو شرير فرض نفسه، لا يحمل هدفا سوى حجب المرأة عن الانظار وتحويل الرجل من كائن عاقل الى مخلوق متوحش يتلقى اوامره دون ارادة ، ويمتشق سيفا إمّا لنحر نفسه أو نحر الاخرين.
وقلت ايضا :  أتكون هذه مجرد مؤامرة اشتركت فيها اطراف عديدة؟لكثرة تفكيري وتحليلي لكل ما حدث ويحدث ، تترسخ لدي القناعة يوما بعد يوم بانه لم يعد لنا ، نحن الاقليات ، مستقبل في هذا البلد  .بتنا في انظارهم حشرات ضارّة يجب ابادتها ، نحن الذين كنّا خميرة الارض وواجهة البلد الجميلة امام العالم المتحضّر، نحن الذين بنينا البلد منذ البدء، اضحينا غرباء في بلدنا. لقد تحولنا الى بيادق صغيرة في لعبة تحركها قوى الشرّ على هواها وبموجب دون ان تقيم  وزنا لأيّ اعتبار.لا نعرف ما هو موعد نهايةهذه المسرحية السمجة !!
قبل ان اترك مجلس الربيع تمتمت بدوري الكلمات التالية وكأني اصلّي : من حسن الحظ بان الطبيعة تبقى كما هي تأتي دون تضييع مواسمها لتسعد الناس ، بالرغم من ظلم الانسان وتقلباته وممارساته الوحشية . ستبقى الطبيعة النقية والنبيلة هي متنفس للانسان، يرى فيها الخير فينسى الشرّ، يبصرفيها الجمال فينسى البشاعة ، يقابل فيها الصدق لينسى الكذب ، يسنشق هواءها فينشرح صدره ، ويطيل النظر الى سمائها الصافية وآفاقها الجميلة فيمتلأ سعادة وينسى الظلم .
عند ذلك انحنيتُ اجلالاً للزهور والاشجار والعصافير ،وغادرت الموقع بنفسِ راضية ، عدتُ بذات الكرب الذي كنت احمله غير انه كان اقلّ وطأة وهيجانا  .







Matty AL Mache