تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

رحلة إلى دير مار ابروهوم

بدء بواسطة بهنام شابا شمني, مايو 31, 2011, 08:35:18 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

بهنام شابا شمني

رحلة إلى دير مار ابروهوم



مار ابراهيم ( ابروهوم ) هو احد الرهبان الذين تركوا ديارهم في تخوم جبال هكاري في ديار بكر- تركيا في أواسط القرن الرابع عندما أثار يوليا نس الجاحد (360-363 ) اضطهادا شديدا على الرهبان جلا مع بقية رفقائه الرهبان الفضلاء القديسين ، متى ،وزكى ودانيال  ونيسا وبرسوم وسابا ألتلي . وحطوا رحالهم للمرة الأولى على ضفاف الخابور ، وبنوا لهم هناك ديرا صغيرا ، ثم واصلوا رحلتهم حتى استقروا في نواحي نينوى وبالتحديد في جبل مقلوب واتخذوا من مغاور هذا الجبل معابدا يعبدون فيها ربهم ثم بنى الحاكم سنحاريب الأشوري ديرين عظيمين في هذا الجبل احدهما
وأعظمهما دير مار متى ، وهو يقابل مدينة نينوى في الطرف الجنوبي من الجبل المقلوب ، والآخر دير مار أبرا هيم في الجهة الثانية من الجبل نفسه في وادي سحيق تحيطه المغاور والكهوف .
ليس كل من قصد دير مار متى كان له فرصة زيارة هذا الدير لسبب بعده ولوعورة الطريق إليه. لكن في  زيارتنا هذه للدير كان لنا إصرارا لزيارة دير مار ابراهيم ومشاهدة آثاره وتحمل مشاق الطريق للوصول إليه .
بالتأكيد من غير الممكن أن تسلك مثل هذا الطريق البعيد منفردا ، لذا تم تكوين الفريق الاستكشافي من مجموعة تقارب العشرة أشخاص . وتم تهيئة كل مايلزمنا في الطريق وكاميرا التصوير منذ مساء اليوم السابق للرحلة .
في اليوم الثاني نهضنا منذ الصباح الباكر وانطلقنا في رحلتنا في التاسعة صباحا ، لكن ألرحله استهوت الكثيرين رجالا ونساءا شبابا وشابات وحتى الأطفال أصروا على مرافقتنا في هذه الرحلة حتى أصبح العدد مايقارب الخمسين شخصا من أبناء برطلة الذين يحمل كل منهم في ذاكرته موقفا أو ذكرى من ذكريات الدير( دير مار متى ) يعتز بها فلابد أن يضيف هذا الحدث إلى ذكرياته أيضا .
سلكنا الطريق خلف أسوار الدير والمحاذي له لنتجه يمينا ، طريق نيسمي رصف في بدايته بحجارة بل لكثرة ما طرقت هذا الطريق من قبل الزوار ورعاة الأغنام أصبح كدليل يقودك هو إلى وجهتك .
في بدايات طريقك يصادفك مغارة منقورة في الصخر بأبعاد مترين في مترين ونصف وبعلو مترين أراد ساكنها أن تكون مكان عبادة حيث يظهر فيها المذبح ومكان الصلاة هذه المغارة هي قلاية ( ابن العبري ) والمعروف لدى مصادرنا السريانية بدائرة معارف القرن الثالث عشر وضريحه موجود في بيت القديسين في دير مار متى . بعد استراحة قصيرة في هذه القلاية وتلاوة صلاة فيها واصلنا مسيرتنا باتجاه المجهول ،أصبح الآن مكاننا بالضبط فوق الجنينة ( كنثا ) لنسلك بعد ذلك صعودا قويا مابين مايسمى في المصطلحات العسكرية راقمين . أجهدنا هذا الصعود لنصل إلى ارض منبسطة ارتاح لها الجميع بعد تعب الصعود هذا .   
هذه الأرض محاطة بسياج من الأحجار يقودك منظرها إلى أنها كانت في فترة ما تحرث وتزرع ولكن بالتأكيد بأدوات الحراثة القديمة التي تجرها الحيوانات لأنه لايمكن لآلة زراعية حديثة أن تصل إلى هذا المكان .
واصل الجمع المسيرة متخذا طريقا غايتها الالتفاف حول قمة الجبل ولطول المسافة واختلاف أعمار وقوة الفريق أصبحنا على شكل مجاميع لكن دون أن نفقد احدنا الأخر ،كان فريقنا هذا محاذ لسن صخري مخيف يكاد الذي يقع فيه لن تكون له قائمة بعد ، ولفرح احد الأطفال الذي يرافقنا الرحلة عند مشاهدته لمجموعة سبقتنا أن ركض باتجاهها كاد أن ينزل إلى أسفل لانزلاق قدمه بسبب ذلك أصبح جسدي يرتجف وخطف قلبي من مكانه ركضت إليه وجعلته يسير بجانبي .
هناك انتظرنا في هذا المكان الذي أصبحنا فيه خلف الجبل ليجتمع الجميع حتى نواصل مسيرنا ، لكن فوجئنا بفقداننا للطريق وعدم معرفة مكان الدير بالضبط مما اقترح البعض ألعوده بادراجنا إلى الدير ( دير مار متى ) خوفا من ضياعنا بين ثنايا هذا الجبل .
جلسنا في ظل شجرة منفردة لنتخذ القرار الأخير حتى لحق بنا شاب برطلي كان يمشي خلفنا ليؤكد لنا معرفته بمكان الدير الذي كان قد زاره سابقا قبل خمس إو ست سنوات . عادت الابتسامة إلى وجوهنا لأننا سوف نصل إلى الهدف . أخذنا في طريق صخرية لننحدر إلى وادي كثير الأشجار فأصبحنا نسير في غابة من أشجار البلوط ساعدنا ذلك إلى الاحتماء بظلها ولم أجد أحدا منا من صغيرنا إلى كبيرنا إلا واتخذ لنفسه عصا تساعده في المسير يتكأ عليها في الصعود والنزول ، منظر جميل ، طبيعة الجبل في هذه الجهة تختلف تماما عن جهته التي يقع فيها دير مار متى . ولشدة تعبنا بدا يدب في أنفسنا إننا لن نصل الهدف ولكن تشجيع بعضنا للأخر ساعدنا في مواصلة الرحلة .
نفذ ماكنا نحمله من ماء حتى أصبح الأطفال الذين يرافقوننا يلحون علينا بإحضار لهم الماء ولكن من أين ! حسب البعض انه قد تورط في رحلته هذه ، ولكن الشاب الذي يقودنا يطمئننا بين الحين والاخر بأنه لم تبقى إلا مسافة قليلة ونصل ، ولكثرة ماذكر لنا ذلك حتى حسبنا انه فقد الطريق هو أيضا .
نزول قوي بين الصخور والأشجار حتى صاح بنا الشاب ليقول لقد وصلنا ولكن نحن لم نرى شيئا وكان قصده قد وجد الدلالة للطريق إلى الدير ، وهي صخرة ضخمة في ارض مستوية قليلا جلسنا تحتها لنأخذ قسطا من الراحة . نظرنا إلى أسفل الجبل فبدت لنا قرى منتشرة في السهل الذي يلي جبل مقلوب .
انتفضت مجموعة مع الشاب لتواصل المسير وبعد ربع ساعة حتى علت الأصوات في هذا الوادي لنسمع يقولون وصلنا ( مطيلن كمخزخلي ) فما كان من الجميع إلا أن ينهضوا نهضة الأسد وكأن رحلتنا في بدايتها ليتسابق واحدنا مع الأخر . وقفنا فوق صخرة كبيرة ، ونظرت إلى أسفل ما الذي أشاهده بناء ضخم على شكل جدار يتوسطه طاق لم اصدق عيني حتى نزلت باتجاه أطلال هذا الدير التي هي مبنية من حجارة ضخمة مكعبة الشكل طول ضلعها يقارب المتر وارتفاع الجدار يصل إلى الأربعة أمتار وأكثر ، كيف استطاع من قاموا ببنائه رفع هذه الكتل الضخمة إلى هذا الارتفاع وماهي الأدوات التي استخدمت لقصها بهذا الشكل الهندسي المنتظم . 
ذكر الشاب إن هذا البناء الذي إلى جانب الجدار المتهدم الآن كان غرفة دخل فيها في زيارته السابقة قبل خمس سنوات ، بل وزاد بان معالم اسرة محفورة من الصخر كانت في داخل هذه الغرفة ، اتضح لي أن الظواهر الجوية وظواهر الزمان قد أثرت في بناء الدير ، وبعد إشباع أعيننا من النظر في هذا الأثر وكتابة الذكرى توجه الجميع إلى عين ماء تقع على مسافة قصيرة أسفل الدير ارتوينا من ماءها وأشبعنا عطشنا رغم قلة الماء الجاري منها ، كانت ساعة وصولنا إلى هناك تشير إلى العاشرة والنصف صباحا ، جلسنا نزيل التعب من على أجسادنا ونتمتع في ذلك المنظر الجميل الذي يشكله الجبل مع الأشجار ونسيم الهواء البارد القادم من الوادي .
اوحت المزارات التي كانت قائمة في تلك القرى البعيدة أسفل الجبل إنها قرى يزيدية فتأكد لنا إننا في الجهة الأخرى من جبل مقلوب التي تقابل مدينة عين سفني             ( الشيخان ) .
ما أدهشني في رحلتنا هذه كيف استطاع هؤلاء الأطفال مواصلة المسير معنا دون كلل أو ملل حتى اضطررت إلى التقاط لهم صورة وهم يغتسلون في ماء العين .
أشارت الساعة الى الحادية عشر ظهرا لنعلن البدء بالسير للعودة وهنا تفرق فريق الرحلة إلى مجاميع صغيرة بعد أن اطمأن الجميع من معرفة طريق العودة فالشباب أولا يصاحبونهم عدد من الفتيات والأقل قدرة بعدهم وهكذا ولكن نظرة إلى أعلى القمة وأنت في هذا المكان تخيفك المسافة التي سوف تقطعها لتصل بك إلى القمة . وليس الامسافة قصيرة حتى نفذ منا الماء الذي حملناه معنا من العين ، جرى التعب في بدن اغلبنا وخصوصا الفتيات ولكن الأطفال كانوا يتسلقون الصخور كالأرانب ، حتى وصلنا إلى القمة وظهر جزء من زاوية بناء الدير أسفلنا ولكنها كم هي مسافة بعيدة حتى نصل إليه ، اتخذنا الصعب طريقا لنا لنصل بسرعة ولكن ياليتنا لم نتخذه بينما اتخذ غيرنا نفس الطريق الذي جئنا به ، وبتشجيع احدنا للآخر حتى وصلنا باب الدير ظافرين منتصرين كمن جاء من معركة منتصرا ، كانت ساعة وصولنا إلى دير مار متى تشير إلى الثانية عشر والنصف أي قضينا مسير ثلاث ساعات وأكثر في السير في طرق جبلية صخرية ومنبسطة وانحدارات وبين أشجار .
أرهقتنا الرحلة لكن تحقيقنا للهدف أزال تعبنا ، كانت رحلة جميلة لن تنسى ، وذكرى اضفناها الى مجموعة الذكريات التي نحملها في ذاكرتنا عن دير مار متى .





ممر عبر الضخور في الطريق الى مار ابروهوم


مدخل قلاية ابن العبري وهي على الطريق الى مار ابروهوم


المذبح داخل قلاية ابن العبري


المجموعة تحت ظل احدى الاشجار المنتشرة في الطريق




دير مار ابروهوم كما يبدو من بعيد


بناء الدير المتهدم










عين الماء القريبة من بناء الدير