إصلاح القضاء يبدأ بتطهيره، وتحديد برنامج إعادة بنائه../ فخري كريم

بدء بواسطة برطلي دوت نت, سبتمبر 10, 2015, 12:35:54 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

  إصلاح القضاء يبدأ بتطهيره، وتحديد برنامج إعادة بنائه.. 

برطلي . نت / بريد الموقع



فخري كريم

كل خطوات الاصلاح والتغيير، تبقى تدور حول نفسها، ما لم تتحرك على قاعدة اصلاح جذريٍ للسلطة القضائية بكل اركانها .
وليس اعتبار مركزية اصلاح واعادة بناء القضاء بنيوياً من باب المبالغة أو التقليل من اهمية الخطوات التي اتخذت حتى الآن، مع انها لم تعالج العقد المسؤولة عن منظومة الفساد ونخر أسس اعادة بناء الدولة .
وفي سيرورة بناء الدول، فان اكتمالها لكي تحقق لها ذاتاً أو كياناً موصوفاً، يرتبط جوهرياً ببناء منظومة القوانين والتشريعات التي تجسد مصالحها وتعكس مصالح رعاياها. ومسلة حمورابي شاهد حيٌ على انبثاق "دولة مكتملة الاركان" .
وخلافاً لذلك يتلقى التلاميذ في دراستهم الاولية، مفهوم "قانون الغاب"، اي تلك المساحة التي يغيب عنها القانون، فيفترس القوي الضعيف، ولا من مُجير .!
ومن أشهر ما قيل عن مركزية القضاء في جسد اي دولة ومجتمع وحضارة، ذلك الذي جاء على لسان تشرتشل، حين سأل عن حجم الدمار الذي حل بالمملكة البريطانية أبان الحرب العالمية الثانية وفوجئ بما سمع، ثم استدرك متسائلاً: وكيف حال القضاء؟
فكان الرد انه بخير . فما كان من تشرشل الا ان يردد، لا بأس كل شيء سيعود .!
لم تقتصر اعادة بناء الدولة التي انهارت في نيسان ٢٠٠٣، على خرائب وفضلات النظام الاستبدادي، بل ان العراق الجديد قام في كل مبناه على اعمدة ذلك النظام الخرب، ومن بين ذلك المبنى، الجهاز القضائي، بتشريعاته وقوانينه وقرارات "مجلس قيادة الثورة" وهو يشكل دليلاً بارزاً على انتهاك "الدستور" كذلك الامر بالنسبة لقانون العقوبات المعدل الساري، الذي يترفع على ضحايا ذلك النظام ويشكل "قاعدة قصور العدل" والمصدر الاساس لاحكامها وقراراتها، دون مراعاة للدستور المستفتى عليه شعبياً، وهو يتعارض مع ما ورد فيه من مواد ومنطلقات .!
لكن مركزية السلطة القضائية ودورها المحوري، لا يتكامل ويتخذ بعداً مقرراً في مصائر الدولة والمجتمع بمعزلٍ عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، خصوصاً في أطار " دولة في طور التكوين " او اعادة البناء، مثل دولتنا التي باتت شبه دولة .
فالسلطة السياسية في دولة ريعية مشوهة، تمتلك نفوذاً واسعاً يمكّنها من التأثير على السلطة القضائية والعبث باستقلاليتها
وكذلك الامر بالنسبة للسلطة التشريعية " البرلمان" . فقد رهن الدستور تعيين المناصب العليا في القضاء بموافقة مجلس النواب، وبهذا المعنى فان قيامة السلطة القضائية مرتهنة هي الاخرى بالمحاصصة الطائفية " الحزبية "، وعبر ذلك تؤثر في تركيبتها وتجردها من شرط مقرر لاستقلاليتها، اذ تصبح محكومة بمرجعية اعضائها للكتل التي انتخبتهم ..! وربما تكون مرجعية الدستور في ظرفٍ طبيعي مشروعاً، لكنه يظل ناقص الحول والقدرة على المساهمة في اصلاح الاوضاع والتصدي للفساد المالي والاداري . فـ"دولة تقوم على المحاصصة الطائفية لا يمكن لقضائها ان يكون عادلاً مهما استقامت سيرة القاضي ونزاهته وكفاءته " !
ان المطالبة المتواصلة باصلاح القضاء تضيع سهامها، حين لا تجري الاشارة الى ان ادراج مجلس النواب تتوسد حزمة التشريعات المتعلقة بالسلطة القضائية: قانون المحكمة الاتحادية العليا، قانون مجلس القضاء الاعلى، قانون الادعاء العام، قانون التنظيم القضائي، قانون الاشراف القضائي ..
وقد لا يدرك المتظاهرون ان تلبية واحد من مطالبهم المتعلقة بالسيد مدحت المحمود لا تقتضي سوى تصويت مجلس النواب على قانون المحكمة الاتحادية وقانون مجلس القضاء الاعلى، اذ باقرارهما تحل احدى العقد التي يطالب بها المتظاهرون، دون حاجة للاثقال على حُزم السيد رئيس مجلس الوزراء!
ولا تنتهي مهام مجلس النواب عند حزمة التشريعات المذكورة، كما لا تنتهي عملية اصلاح القضاء عند هذه الحدود .
اذ لابد من صياغة رؤيا لـ"اصلاح القضاء" بدءاً من تطهيره وذلك باعداد قاعدة معلومات عن الجهاز القضائي تتضمن :
معلومات عن اداء القاضي، وفق المعايير المهنية المعتمدة تتناول سيرته المهنية وكفاءته ونزاهته، وتشخيص سويته وما اذا كان مؤهلاً مهنياً ومن حيث المواصفات المكملة لتوصيف القاضي .
وتتحدد خطوات الاصلاح الشامل في ثلاثة محاور مترابطة :
١ / قاعدة تشريعات القوانين منذ تأسيس الدولة العراقية :
٢ / جردة كاملة للاحكام التمييزية منذ تأسيس محكمة التمييز، مبوبة حسب فروعها :
- القانون المدني
- القانون التجاري
- قانون العقوبات
- قانون الاحوال الشخصية
- قانون المرافعات..... وغيرها من القوانين
٣ / قاعدة بيانات لكل ما كتب في فقه القانون مبوبة حسب فروع القانون :
- القانون الدستوري
- القانون الدولي العام
- القانون الدولي الخاص
- القانون المدني
- قانون المرافعات
- قانون العقوبات
- اصول المحاكمات الجزائية
- قانون الاصلاح الزراعي
- القانون التجاري
- القانون الصناعي
٤ / مراجعة كافة التشريعات العراقية ودراستها، دراسة مقارنة .
وفي هذا التوجه الاصلاحي يصبح لزاماً اعادة صياغة مفهوم الصيغة التعاقدية ارتباطاً بفلسفة الحكم ودستور البلاد . وتدقيق ما اعتمده النظام السابق المتضمن "تغليب العلاقة القانونية على العلاقة العقدية" الذي ينفي مفهوم "العقد شريعة المتعاقدين"، ومدى تطابقه مع المنظومة السياسية القائمة، وتعبيره عن مصالح المتعاقدين في ظل الظروف الراهنة .
وتنتظر عملية الاصلاح حل او اعادة النظر في قوانين " مجلس قيادة الثورة " المنحل، التي ما زالت في الغالب سارية المفعول .
كذلك الامر مع قانون العقوبات، اذ ما تزال اوامر الحاكم المدني للاحتلال " بريمر " نافذة . وهي اوامر علّق بموجبها الكثير من مواد قانون العقوبات، ولم يشرّع البرلمان حتى الآن قانوناً بالغاء تلك الاوامر .
وفي ذات السياق، قد يكون هاماً الغاء قانون " اعادة القضاة المعزولين " . وهو القانون " المخل " من وجهة نظر تطهير القضاء، الذي شرعه البرلمان ليس بمعزل عن " مراكز الضغط المتورطة بالرشى والفساد " واعاد بموجبه جميع القضاة الذين تم عزلهم من قبل " لجنة المراجعة القضائية " التي تشكلت عقب سقوط النظام السابق ..
وقد اتخذت اللجنة قراراتها بالعزل، بعد مراجعة ملفات جميع قضاة العراق . وتناول العزل جميع القضاة المرتشين والقضاة المرتبطين باجهزة النظام السابق القمعية " الامن والمخابرات " .
بعد انتقال السيادة الى العراق طرح النائب بهاء الاعرجي مشروع " قانون اعادة القضاة المعزولين " وتم تمريره واعادة المرتشين واعوان النظام في الاجهزة القمعية الى الخدمة ..!
قد نتوهم اذا ما اعتقدنا ان هذه العملية الاصلاحية الجذرية للقضاء ستنجز بسهولة، او انها تنتهي بشطب هذا القاضي او مجموعة قضاة. انها عملية موصولة تترابط مع اعادة نظر عميقة بالعملية السياسية وتصفية جذور المحاصصة، وبناء حياة سياسية حزبية، واستكمال بناء دولة المؤسسات والحريات والقانون والعدالة الاجتماعية ..