الى مؤتمر اصدقاء برطلة .. وجودنا في الحفاظ على خصوصيتنا

بدء بواسطة بهنام شابا شمني, نوفمبر 17, 2013, 09:33:51 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

بهنام شابا شمني

الى مؤتمر اصدقاء برطلة
وجودنا في الحفاظ على خصوصيتنا



تميل المجتمعات الانسانية الى العيش في تجمعات سكانية ، دائما ما تعود جذورها الى اصول واحدة ، وخصوصا في المناطق التي تعاني من عدم استقرار واضطرابات بصورة دائمية على مدى التاريخ والسبب في ذلك هو الحفاظ على النوع والنسل والثقافة والعادات والتقاليد ، والاهم من ذلك الامن والامان اللذان يجدهما  الفرد بين اهله وذويه . ولهذا تجد قرى وقصبات وتجمعات واحياء في مدن بل مدنا وحتى دول ، صورة اهلها وسكانها متشابهة بل وتتكرر في جميع انحاء البلاد كون ابناء البلدة او المدينة او البلاد ينتمون الى اصول واحدة توارث ابنائها صفات اجدادهم وعاداتهم وتقاليدهم وممارساتهم في حياتهم اليومية ، وبما ان لكل مجتمع طريقته الخاصة في عيش حياته لذا اصبح لكل منطقة ما يميزها عن الاخرى ، بل ويصل الامر بالمختصين وحتى العامة ان ينسب الفرد الى المجتمع الذي ينحدر منه او ينتمي اليه بالاعتماد على تصرفاته والمفاهيم التي يحملها وحتى الى لباسه . فالانسان الشرقي يختلف في نظام حياته ومفاهيمه وتقاليده عن الانسان في المجتمع الغربي .

وتبقى هذه العادات والتقاليد متعلقة بالفرد حتى لو انتقل للعيش في مناطق او بلدان بعيدة عن مناطق تواجد بني جنسه ، بل وتنتقل هذه المفاهيم معه الى البلاد الجديدة ، وبسبب ما يحمله من تراكمات معرفية لما كان يمارسه في مناطق تواجده الاصلية نجده يمارس هذه المفاهيم في مكانه الجديد ويحاول دائما ان يكون قريبا من بني جنسه حتى لو كانا شخصان فقط ، اما اذا حصل الانتقال لمجموعة بشرية كاملة فبدلا من ان تنتشر في اصقاع البلاد الجديدة نجدها تميل لان تكون قريبة من بعضها بل في منطقة واحدة حتى تجعل ان تكتسب تلك المنطقة من البلاد الجديدة صورة البلد الاصلي ، وهذا ما نشاهده في حاضرنا ، فلا تتفاجأ عندما تسمع عن حي صيني في قلب مدينة نيويورك الامريكية او في لندن البريطانية وتجمعا جزائريا او من بلدان شمال افريقيا في جنوب فرنسا وكذا الامر بالنسبة لابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري  ، فتلكيف الجديدة في مدينة ديترويت الامريكية مطروقة على مسامعنا منذ مدة ليست بالقصيرة واخيرا ظهرت تجمعات سكانية من ابناء بلدات شعبنا في مدن اوربية عديدة مثل برطلي في مدينة اسكلستونا السويدية منطقة ( خوفتنكا ) . وتبقى هذه التجمعات حاملة لمفاهيهمها في مجتمعاتها الجديدة وراسخة في اذهانها متعلقة بها تمارسها في حياتها الجديدة بل وتفتخر بها رغم كل محاولات اذابتها في مجتمعاتها الجديدة .

المسيحيون في العراق سكان البلاد الاصليون ، وانتشارهم كان واسعا فيه حتى شمل جميع انحاء البلاد من شماله الى جنوبه ، واعمال الحفريات والتنقيبات التي جرت في السابق والتي تجري الان تكشف يوما بعد يوم عن تجمعات كبيرة لهم كانت موجودة في مدن اضحت منذ زمن بعيد ذات هوية مختلفة تماما ، ومهما كانت الاسباب التي جعلت وجودهم ينتهي في تلك الاماكن ، فان عددهم قل ، وانحسر تواجدهم في مدن وقرى وبلدات منتشرة هنا وهناك في الجزء الشمالي من البلاد ومن ضمنها ما يسمى الان بسهل نينوى ، هذا بالاضافة الى وجود تجمعات لهم او منفردين في بعض المدن الكبيرة انتقلوا اليها اما لاسباب سياسية او معيشية في هجرة كانت اشدها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي فشكلوا مع الذين كانوا متواجدين فيها بالاصل في هذه المدن ثقلا يشار له بالبنان ، فبالاضافة الى دورهم الكبير والمتميز في مجالات الحياة المختلفة كانت مناطق تواجدهم في هذه المدن تحمل سمة خاصة تميزها عن المناطق الاخرى في المدينة ، ولها خصوصية مرتبطة بهم كمسيحيين في ممارسة حياتهم اليومية من عادات وتقاليد ومفاهيم وثقافة . والمسيحيون في هذه المدن شاءت الاقدار ان تمر بهم ربما نفس الظروف التي مر بها اجدادهم ليخضعوا الى عملية تهجير كبيرة وواسعة بعد احداث نيسان 2003 ليشدوا الرحال بحثا عن الامان ، منهم الى خارج البلاد ومنهم عاد ادراجه الى مناطق سكناه الاصلية في قرى وبلدات سهل نينوى التي تتمتع بالامن نسبيا .
بسبب هذا الامن النسبي لم تكن هذه البلدات المسيحية قبلة ابنائها المسيحيين فقط من المهجرين ، بل هاجر اليها المئات من العوائل من المكونات الاخرى اخذت فيما بعد طرقا ممنهجة وخصوصا ( برطلة ) ، ساهم في ذلك عدة مميزات .

موقعها المتميز وامتلاكها لمقومات المدن الكبيرة . الحياة المسالمة التي يعيشها المسيحيون والتي يبحث عنها الغريب المشرد . البيئة الحضارية والنظام والترتيب الذي يسود المجتمع المسيحي بحيث يكون محط انظار الاخرين ويشجعهم للسكن في مناطقهم . المساحات الواسعة من الاراضي السكنية الغير مستغلة والمفرزة سابقا وباعداد تفوق حاجة البلدة وسكانها .
كل هذه كانت سببا في توجه المهجرين وغيرهم من المكونات الاخرى للسكن فيها وباعداد تفوق التوقعات ، هذا ما نتج عنه خللا في التركيبة السكانية للبلدة ان لم يكن الان فبالتاكيد في المستقبل القريب .
ومما زاد في الطين بلّة ، هجرة الكثير من ابناء البلدة الى خارج البلاد بسبب سوداوية الاوضاع في البلاد وعدم وضوحها والشعور بالخوف . علما ان الهجرة لم تطرق فكر ابنائها خلال فترة الثمانينات والتسعينات وما أعقبها من حروب وأوضاع اقتصادية وسياسية متردية الا للقليل منهم .

لبرطلي خصوصية اخذتها منذ بداية ظهورها في التاريخ ولسكانها عادات وتقاليد تكونت عبر ممارسات وتراكمات معرفية توارثوها جيلا عن جيل فاعطاها صفة عرفها بها جميع الرحالة والبحاثة وكل من مر بها وقرأ وسمع عنها وشاهدها عبر التاريخ . 

لكن هذا الحضور العددي الكبير للوافدين اليها ، سوف يؤثر بالتاكيد على الكثير من مجريات الحياة فيها وعلى خصوصيتها ، خصوصية هويتها السريانية المسيحية ويفرض عليها ثقافة جديدة وعادات وتقاليد مختلفة ، بل ويُقيّد من حرية ممارسة عادات وتقاليد اهلها بحجة معارضتها لمفاهيمه وتقاليده ، فتصبح هذه الخصوصية مهددة وبالتالي تهديد لوجودنا .