أحــد الكهنـــــة

بدء بواسطة برطلي دوت نت, فبراير 12, 2012, 08:02:29 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

أحــد الكهنـــــة




القراءات:
رسالة مار بولس الرسول إلى العبرانيين (13: 9 ـ 25).
الإنجيل المقدس بحسب الرسول متى (24: 42ـ 51).

«ولا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه بل المدعو من الله كما هرون أيضاً» (عبرانيين 5: 4)

ارتجلها قداسة سيدنا البطريرك المعظم مار إغناطيوس زكا الأول عيواص الكلي الطوبى

بعد أن يشرح الرّسول بولس الوظيفة السّامية التي يقوم بها رئيس الكهنة وخاصةً طلب المغفرة للخطاة وتقديم القرابين، ليس عن الشّعب فقط بل عن نفسه أيضاً لأنه هو من الشعب ومعرض للتجارب، بعد أن يعلن هذا الإنسان أنه هو إنسان كسائر الناس، ولكنه يُدعى من الناس، الله يدعوه ن بين النّاس ليتقدّمهم ويقدّم القرابين عن نفسه وعن الشّعب أيضاً، ويأتي بمثلٍ عن انتخاب هذا الإنسان من الله فيقول: كما هرون أيضاً، ونحن نعلم كيف أن هرون انتخبه الله عندما أمر موسى أن تؤخَذ من كل سبطٍ عصا، وأن توضع هذه العصي أمام ربّنا، ثم أن عصا هرون أفرخت وأعطت لوزاً. هذه الآية برهنت على أن الله قد اختار هرون ليكون رئيس كهنته، لذلك يأتي الرسول بولس بهذا المثل.

أما في العهد الجديد فمهمّة الكاهن كما هي في العهد القديم بالنسبة إلى تقديم القرابين ولكن في الوقت نفسه نطلب المغفرة لأبناء الشعب.

كيف كانت القرابين تُقدَّم في العهد القديم؟
كان الخاطئ التائب يأتي بحمل وديع حَوْليّ أمام الكاهن ويضع يده على رأس الحمل ويعترف أمام الكاهن بخطاياه، فتنتقل هذه الخطايا من هذا الخاطئ إلى الحمل الوديع، ثم يؤخذ الحمل ويُقدَّم للرب ويُحرَق أيضاً. وهذا برهان على أن عقاب الخطيّة هو الموت، ولكن الموت قد انتقل إلى هذا الحمل. هكذا كانت مشيئة الله وهذا الحمل وكل الحملان التي قُدِّمَت كانت ترمز إلى المسيح حمل الله الذي رفع خطايا العالم أجمع. والكاهن كانت له سلطة ليغفر تلك الخطايا لأن الله قد أعطاه ذلك، انتقاهُ وانتخبه من بين الناس ليتقدّم الناس كما يقول الرسول بولس، ويقدّم القرابين عن نفسه وعن الناس كافةً.

أما كهنوت العهد الجديد، فبعد أن زال كهنوت العهد القديم عندما قدّم المسيح نفسه ذبيحة عن الخطاة، أراد بعد أن أسّس كنيسته على صخرة الإيمان به أنه ابن الله الحي، وأخيراً هو الفادي المخلّص الذي بذبيحته نلنا الفداء ومغفرة الخطايا. أعطى هذه السلطان بعد أن أسّس الكنيسة وقال لبطرس: أنت بطرس وعلى هذه الصّخرة، صخرة الإيمان به أنه ابن الله، أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. حالاً أعطى بطرس سلطاناً لمغفرة الخطايا، هذه هي سلطة رئاسة الكهنوت كما كان هرون رمزاً لهذه السلطة فقال له: ما تحلّه على الأرض يكون محلولاً في السّماء، وما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السّماء، بل قال له أيضاً: أعطيك مفاتيح ملكوت السّماء، أي مفاتيح الغفران، مفاتيح الحلّ والربط أي السّلطة والقوّة الإلهيّة. بعدئذٍ أعطى هذه السّلطة للرسل مجتمعين عندما ظهر لهم في عشيّة يوم قيامته من بين الأموات في العليّة والأبواب مغلقة ونفخ في وجوههم وقال لهم: اقبلوا الروح القدس، من غفرتم خطاياه غُفرَت ومن أمسكتم خطاياه أُمسكَت. يقول آباؤنا أن الرب يسوع في ذلك الحين رسم رسله كهنةً، وبعدئذ قبل صعوده إلى السّماء أخذهم إلى بيت عنيا ورفع يديه وباركهم، حينذاك انفرد عنهم وصعد إلى السّماء فسجدوا له معترفين بأنه هو الإله الحق، لأنه لا يمكن أن يسجدوا لإنسان وعادوا إلى أورشليم فرحين، حينذاك يقول آباؤنا أن الرب أعطاهم سلطان رئاسة الكهنوت ورسمهم أساقفة. هذا السلطان بالذات تسلسل في كنيستنا، منذ بدء هذه الكنيسة التي أسّسها على صخرة الإيمان به وبقيت متمسّكة لا بالعقيدة فقط، بل أيضاً بفروض الكنيسة وطقوسها وأحكامها سائرة وراء الرّسل الأطهار مقدّمة الشّهداء في سبيل تثبيت الإيمان.

وكهنتها يهتمّون بإكمال واجبهم بتقديم الذبائح. لم يكن الرسول بولس ليقول ذلك لو كان للكهنوت اللاّوي كمالٌ لما كانت حاجة إلى كهنوت آخر. أن يُقام المسيح يسوع عظيم الكهنة والحبر الأعظم على رتبة ملكيصادق وليس على رتبة هرون. رتبة ملكيصادق أن تُقدَّم القرابين بالخمر والخبز، كما كان ملكيصادق قد انفرد عن كل الذين كانوا يقدّمون القرابين، كانوا يقدمون القرابين الحيوانية، أما هو فكان يقدّم الخبز والخمر. فكهنوت العهد الجديد، كهنوت المسيح يسوع اختلفت قرابينه عن سائر قرابين كهنوت هرون، فصار قرباننا الخبز والخمر اللذين أعطاهما الرب ليلة آلامه ويُدعَى سرّ جسده ودمه الأقدسَين، لذلك يقدّم كاهن العهد الجديد هذا القربان لمغفرة خطايا من يتوب عن خطاياه مؤمناً بالمسيح يسوع فادياً ومخلّصاً للبشرية، الكاهن له هذا السلطان لأنه أُعطي من الله.

العديد من الناس في أيامنا هذه يظنّون أن ذلك أمرٌ يسيرٌ وبسيط، والذين حادوا عن الإيمان لا يعترفون بسلطان الكهنوت، لا نستغرب، فحتى في عهد موسى جاء قورح وقال: طالما الشعب والأمّة مقدسة فكلّنا كهنة، هذا ما قاله لموسى وهرون فضربه الله ومن لف حوله حينذاك. حتّى اليوم يعتقدون أن الكهنوت عام لكل الناس لأنَّ، الرسول بطرس بالذات قد قال: نحن شعب ملوكيّ وكهنوت مقدّس. فظنّ هؤلاء الضّالّون والمضلّون أن كل الشعب كهنة. هل يعقل أن يكون كل الشّعب أيضاً ملوكاً، ولماذا إذن الرسول بولس يقول عن رئيس الكهنة أنه يؤخَذ من الناس، من الناس لأنه من الشعب، يحق له الآن لا سبط لاوي ولا نسل هرون، بل كل من يؤمن بالمسيح من الذكور، يحق له أن يصبح كاهناً إذا انتخبه الله. يؤخَذ من الناس لكي يتقدّم الناس لتقديم القرابين غير الدمويّة. القربان المقدّس الذي يقدّمه على المذبح يمثّل ذبيحة السيّد المسيح بالذات، الكاهن إلى الأبد كما قال عنه العهد القديم: على رتبة ملكيصادق، وهذه العبارة ذكرها داود في مزاميره، وذكرها أيضاً الرسول بولس مستشهداً بداود أن المسيح هو كاهن إلى الأبد على رتبة ملكيصادق.
هذا هو الكهنوت المسيحي أيّها الأحبّاء: الله ينتخب الإنسان ويدعوه، فإذا لبّى الدعوة يرسله كما أرسل رسله وكما قال لهم: كما أرسلني الآب أرسلكم أنا، ويمنحهم سلطان الروح القدس، والسلطان ليدير الكنيسة ويرعاها وليكون أيضاً ممثّلاً للمسيح وسفيراً له، ثم ليغفر الخطايا ويمسكها وتغفر الخطايا التائبين الذين يعودون إلى الله، وتُمسَك خطايا المتمرّدين كقورح الذي تمرّد على موسى وهرون وظنّ أن سلطان الكهنوت هو للشعب عامة دون أن يُدعى أحد من الشعب من الله. الدّعوة القديمة كانت كما هرون أيضاً، والدعوة في العهد الجديد يقوم بها الروح القدس بالذات. يُذكَر في سفر أعمال الرسل أن الرسل كانوا والتلاميذ يصومون ويصلّون فناداهم الروح القدس قائلاً: افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي اخترته لهما. هذا الصّوت يأتي إلى رؤساء الكهنة اليوم، فينادون بأن يُفرَز فلان وفلان لعمل الكهنوت ولئن كانوا هم يقومون بذلك، إنما وراء ذلك الروح القدس بالذات. يأتي الإنسان ليخدم كنيسة الله، لا ينال الرّاحة والهناء في هذه الحياة، بل بالعكس يُدعى للشقاء بالجسد ولكن مكافأته من الله. الرّسول بولس يقول عن نفسه: جاهدتُ الجهاد الحسن، أكملتُ السّعي، حفظتُ الإيمان وأخيراً قد وُضِع لي إكليل البر الذي أعدّه لي الرب الديّان العادل في ذلك اليوم. إذن مكافأة من يخدم الكهنوت من السّماء، أما في الحياة فوظيفة الكهنوت هي وظيفة الأتعاب الجمّة. نرى آباءنا منذ بدء المسيحية، منذ أن تأسّست الكنيسة وإلى اليوم يجاهدون الجهاد الحسن ويحفظون الإيمان ويكملون السّعي كما قال الرسول بولس عن نفسه.
يوم الخميس عادةً بعد صوم نينوى نعيّد لمار سويريوس، وفي طقسنا الشرقي نعيّد لمار اغناطيوس. نرى آباءنا ونحن نعيّد لهم، نكمّل ما أمرنا به الرسول بولس به أن نذكر مرشدينا الذين بشّرونا بكلمة الله، أنن نظر إلى نهاية سيرتهم ونتمثّل بإيمانهم لذلك نعيّد لآبائنا القدّيسين. نرى مثلاً اغناطيوس النوراني البطريرك الثالث للكرسي الرّسولي الأنطاكي، الذي اعتُبرَت رسائله السّبع كرسائل الرّسل وهو من تلاميذ الرّسل الذي استشهد في سبيل التمسّك بالإيمان. ونرى مار سويريوس في القرن السّادس كيف ثبّت إيمان الكنيسة واضطُهِد ولم يستشهد فدُعي معترفاً ودُعي معلّم الكنيسة عامةً. نرى مار يعقوب البرادعي الذي ثبّت إيماننا الذي تسلّمناه من الرسل وجاهد الجهاد الحسن فدُعي المجاهد الرّسولي. نرى آباءنا في هذا الجيل أيّها الأحبّاء، البطاركة العِظام والمطارنة الميامين الذين خدموا بيت الله بتقوى الله ومخافته. أذكر منهم مثلّث الرّحمة البطريرك الياس الثالث الذي أعلنّاه قدّيساً في الهند وللهند، لأنه جاهد الجهاد الحسن في تلك البلاد وثبّت الإيمان ومات من كثرة المتاعب التي لا نزال إلى الآن باستمرار ننال من ذلك القسم الكنسي في تلك البلاد. نرى البطريرك أفرام الأول الذي كان في هذا الجّيل بادئاً بالنهضة الثّقافيّة والروحيّة والرعويّة في كنيستنا بعد سنين عديدة، بعد ابن العبري في القرن الثالث عشر، لم يقم لنا مثل البطريرك أفرام الذي نهض بالكنيسة حقّاً في ميادين شتّى. نرى البطريرك يعقوب الثالث الذي أحبّ هذه المدينة بالذات بعد أن كان مطراناً على بيروت ودمشق وبهمّته وبقرار المجمع المقدّس انتقل الكرسي البطريركي إلى دمشق.

في هذا اليوم الذي نسمّيه (أحد الكهنة)، الذي فيه نذكر كل الكهنة الذين خدموا هذا المذبح المقدس بدرجاتهم ورتبهم كهنةً ومطارنةً وبطاركة وحتّى شمامسة الذين اشتركوا بتقديم الذبائح الإلهيّة على هذا المذبح المقدس. نرى آباءنا أيّها الأحبّاء ونتشفّع بهم لأنهم قد جاهدوا الجهاد الحسن، وقد اختارهم الله وأرسلهم، فبشّروا حاملين مشعل الإنجيل إلى أماكن عديدة وأيضاً ساعين إلى إرشاد المؤمنين إلى طريق الحق والحياة، طريق المحبة، طريق المسيح، طريق الفداء لينالوا نعمة ربنا وإلهنا يسوع المسيح، نعمة الخلاص والتبنّي ليكونوا أبناء الله وأخيراً ورَثة ملكوته السّماوي. ليعطهم الرب نصيب الأبرار الصّالحين، الوكلاء الأمناء الحكماء الذين تاجروا بالوزنات وربحوا وسيقيمهم الرب في ملكوته عند مجيئه الثاني على مناطق عديدة، بل على شعبهم المبارك في السّماء.

ليعطنا الرب جميعاً نصيب الأبرار والصّالحين بشفاعتهم، ونعمته تشملكم دائماً أبداً آمين.