الموسيقا السريانية الكنسية (الجزء الثاني والثالث والعشرون)

بدء بواسطة برطلي دوت نت, سبتمبر 21, 2018, 02:23:32 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

لموسيقا السريانية الكنسية

(الجزء الثاني والثالث والعشرون)

تعريف بأساليب إنشاد الألحان الكنسية (4)     
   

      
برطلي . نت / متابعة

بقلم: نينوس اسعد صوما
ستوكهولم

(الجزء الثاني  والعشرون)

"اسلوب البطريرك يعقوب الثالث" تجده في الرابط ادناه

http://baretly.net/index.php?topic=75882.msg123041#new




الموسيقا السريانية الكنسية

(الجزء الثالث والعشرون)

التجويد سبيل إلى التوحيد


كنّا قد بحثنا سابقاً في تعددية وإشكاليات أساليب الإنشاد السرياني الكنسي في الأجزاء 19 – 22 من مقالنا وشرحنا عن بعضها واسباب إختلافاتها، كما تطرقنا لأسلوب البطريرك يعقوب الثالث في الإنشاد لمدى اهميته وقلنا عنه بأنه ينتمي الى الأسلوب المصلاوي المرصع بالمارديني والمتميّز بنكهة جميلة مغايرة قليلاً عن بقية الأساليب.
ولأجل تدارك أخطاء الماضي وفوضة الحاضر، ارتأينا أن تقوم الكنيسة بتوحيد اساليب الإنشاد بشكل واحد موحّد لتسهيل عملية تعليم وإنتشار الألحان في العالم السرياني بشكل واحد بقواعد لغوية وقوانين موسيقية وخصائص إنشادية، لهذا جاءت فكرة خلق تجويد سرياني كنسي كسبيل الى توحيد تعددية أساليب الإنشاد. فما هو التجويد ؟

تعريف التجويد
التجويد في اللغة هو التحسين والإتقان اللغوي والقواعدي في القراءة، ويفرض قراءة الحروف بطريقة صحيحة دون تغيير في لفظها، بإعطائها مستحقها من المخارج الصوتية والصفات والقواعد. وللتجويد اهمية بالغة لما له من فوائد على اللغة وأهمها: حفظها قواعدياً ولفظياً سليمة من الأخطاء، وحفظ وضبط ايقاعها الموسيقي، وتوحيد نطقها.
وأما الكلمة "تجويد" مشتقة من "جودة" التي تعني الإتقان في العمل او الصنعة.
وقال بعض العامة بأنها مشتقة من كلمة "الجود" التي تعني الكرم، فقالوا بالعامية جود او جُد علينا بغنائك، أي من كرمك اسمعنا المزيد، وقالوا ايضاً اسمعنا مما تجود به قريحتك، فأدخل على معنى التجويد معناً آخراً هو الإنشاد لإرتباطه به.

التجويد لدى العرب
التجويد لدى العرب هو التحسين والإتقان في تلاوة لغة القرآن، اي تلاوة لغته ونطق حروفه بشكلهم السليم. وكان علماً شفهياً إلى أن دوّن على يد الإمام ابو عبيد القاسم بن سلام في القرن العاشر الميلادي بكتاب اسمه "القراءات". وقد فرض تجويد القرآن دينياً في تلاوته اولاً في كل العالم الاسلامي، ثم فرض في إنشاده بمراحل لاحقة.
ويستعمل اليوم لدى الكثيرون من العامة مصطلح "تجويد" بمعنى "إنشاد" ايضاً، فعند قولهم "التجويد القرآني" يقصدون فيه "الإنشاد اللحني للقرآن" وفق قواعده اللغوية واللفظية وضوابطه الموسيقية. فشمل بذلك في معناه التلاوة اللغوية والإنشاد النغمي، وفي احايين كثيرة اصبح التجويد مرادفاً ومرتبطاً بالموسيقا اكثر مما يكون مرتبطاً بقراءات اللغة. لهذا اصبح كمصطلح يعني "التلاوة والإنشاد معاً". وكان للتجويد فوائد كثيرة على القرآن منها: حفظ طريقة قراءة لغته بشكل واحد بعد أن وحِّدَت جميع قراءاته. حفظ الناس لنصوصه على قلوبهم. حفظ طريقة كيفية تنغيمه اللحني باسلوب واحد سليم خال من العيوب اللغوية واللفظية والموسيقية، وبحيث ألّا يؤثر المغنى على المعنى ولا على النطق الصحيح للكلمة.

سريانية كلمة التجويد
كان الباحث الموسيقي السرياني الماروني الاب الدكتور ايلي كسرواني قد طرح في لقاء متلفز له منذ اكثر من عشر سنوات نظرية حول معنى كلمة "تجويد" وقال عنها "بأنها لفظة سريانية مشتقة من كلمة جودو ܓܘܕܐ السريانية" (بنطق الجيم مصرية). والتي تعني حرفياً المجموعة او الجوقة، وكنسياً يقصد بها جوقة المرتلات او فرقة المنشدين، ولدى بعض العامة تستخدم كمصطلح للدلالة على الغناء الجماعي.
وقال الدكتور كسرواني بأن كلمة "جودو" السريانية تحوّلت لدى العرب المسلمين من معناها جوقة "الغناء الجماعي" في اللغة السريانية الى حالة "الغناء الإفرادي" في اللغة العربية، واشتقت منها كلمة "تجويد".
لكن ليس من السهولة ربط كلمة "تجويد" العربية بكلمة "جودو" السريانية، لأن التجويد كمصطلح عربي وضع اساساً من قبل العرب لأجل القراءة القواعدية الصحيحة والنطق السليم لنصوص القرآن، وليس من اجل تنغيمها وإنشادها او لأجل الغناء الإفرادي، فتجويد "التنغيم القرآني" وبحسب البعض دخل على مصطلح التجويد في مراحل لاحقة.
ويستخدم ايضاً مصطلح "جودو" ܓܘܕܐ في الكنيسة السريانية للدلالة على "المنبر" الذي يوضع عليه كتب الصلوات اليومية وتقف مجموعة المنشدين حوله لأجل الانشاد من كتب "الشحيمو" ܫܚܝܡܐ ، و"الفنقيثو" ܦܢܩܝܬܐ، والمزامير وادعية وصلوات اخرى. 
وقال البعض بأن "التجويد مقتبس من القراءة الخاصة بالمزامير على الجودو"، اي من القراءة على طاولة الكنيسة (المنبر)، وهذا رأي ضعيف لأن المتناول على "الجودو" ܓܘܕܐ بمعظمه هو من نوع الإنشاد وليس من نوع القراءة، وما يقرأ على الجودو لا يشكل نسبة 1 الى 2% من مجموع الصلوات اليومية، ولن ننسى بأن المعنى الاساسي لكلمة "جودو" هو الجوقة، والجوقة لا تقرأ بل تنشد.

تجويد الإنشاد الديني
بالرغم من أن السريان كانوا السبّاقين والسابقين في ابتكار الإنشاد الديني المسيحي في المشرق، إلا أن العرب المسلمين اجتهدوا كثيرا في قضية توحيد كيفية "الإنشاد الديني" وتحديد خصائصه وقوانينه الموسيقية، بعد أن ضبطوا قراءاته وقواعده  في كتب وفرضوها على "إنشاد القرآن" في كل العالم الإسلامي وسمي "تجويد الإنشاد القرآني". بمعنى أن يمنع تنغيمه دون تجويد لغته حسب الاصول المتفق عليها.
ونظرة سريعة على طرق الإنشاد القرآني سنراها متشابهة بعد أن وحِّدت جميع اللكنات الموسيقية واللغوية واساليب الإنشاد بصيغة واحدة. وبالرغم من وجود اليوم القليل من تأثيرات اللهجة اللغوية واللكنة الموسيقية للمناطق على الإنشاد إلّا أنها تعتبر خطأً كبيراً وعدم معرفة بنظر المهتمين واساتذة التجويد لدى العرب.
ونستطيع أن نعتبر الإنشاد بخصائصه المتعددة لدى السريان شكل من التجويد، بالرغم من أن هذه الخصائص غير مدونة في كتب وغير محددة في قواعد موسيقية معينة، سوى تلك التي استنتجناها خلال بحثنا.

التجويد مطلب للتوحيد
لم يحدد السريان تاريخياً قواعد "للإنشاد السرياني الكنسي" ووضعها في كتب، ولم يتمكنوا في المحافظة عليه بدقة كما ابتكروه ولا بإسلوب واحد، وفقدوا الكثير من خواصه لفقدان السيطرة عليه نتيجة عوامل تاريخية متعددة كنا قد تطرقنا إليها سابقاً.
واصبح اليوم لديهم امر توحيد الإنشاد الكنسي مطلباً وحاجة ملحّة بعد كل هذا التاريخ من الأخطاء في نشر الألحان الكنسية وفي كيفية إنشادها. لهذا ارى وقبل فوات الآوان أن تقوم الكنيسة بخطوات عملية لدراسة الامر وعمل ما يمكن عمله في تلافي أخطاء التاريخ لتوحيد إنشادنا السرياني الكنسي، لأن الجيل الجديد لا يهمه موضوع الكنيسة ولا العمل من أجلها بالمستوى المطلوب والكافي، وكل إنتاجاته الموسيقية الكنسية خارجة عن دائرة اللحن السرياني الكنسي الأصيل بخصائصه الموسيقية والإنشادية.
فلأجل توحيد الإنشاد لدى السريان اقترح أن يُبتكر شكل خاص من التجويد بمفهوم سرياني ذو شروط وخصائص وقوانين محددة، ومرتكزاً بشكل فعّال على العنصر الموسيقي المتواجد والمتداخل بقوة في أدبيات الكنسية السريانية، ليأتي مصطلحاً سريانياً خالصاً ومعبراً عن الموسيقا السريانية الكنسية. مع الإستفادة من تجارب الشعوب والكنائس الاخرى في هذا المجال.

تجويد سرياني
إن ما توصلنا إليه في أجزاء سابقة من مقالنا من قواعد وخصائص وميّزات موسيقية وإنشادية للإنشاد السرياني الكنسي كنّا قد استخرجناها واستنتجناها خلال بحثنا المستمر حول الموسيقا السريانية الكنسية، نستطيع أن نعتبرها من ضوابط تجويد الإنشاد السرياني. ولأجل إبتكار "تجويد سرياني" يجب أن يضاف الى مجموعة الخصائص الموسيقية والإنشادية، القواعد اللغوية السريانية وقوانين كيفية نطق حروفها بشكلها السليم ليأتي تجويداً سريانياً صحيحاً.
واقترح أن نستعمل مصطلح "التجويد" عندما نتكلم او نكتب عن التجويد السرياني  الكنسي بالعربية، وأن نستعمل بالسريانية كلمة "ܗܽܘܓܳܝܳܐ" (هوغويوHugoyo ) التي تعني تهجئة حروف الكلمة، للدلالة على مصطلح "التجويد السرياني" الكنسي لنقول بالسريانية "ܗܽܘܓܳܝܳܐ ܣܘܪܝܳܝܳܐ".

إبتكار تجويد سرياني: (ܗܽܘܓܳܝܳܐ ܣܘܪܝܳܝܳܐ)               
لأجل تأسيس لتجويد سرياني "ܗܽܘܓܳܝܳܐ ܣܘܪܝܳܝܳܐ" علينا المعرفة الجيدة بعنصري التجويد الاساسيين اللغة والتنغيم الموسيقي، ثم القيام بإلغاء التأثيرات الموسيقية الدخيلة على اللحن السرياني الأصيل، والإتفاق حول أسس معينة  في كيفية صياغة ثوب جديد للحن السرياني الكنسي القديم، ثم البحث عن سبل للقيام بتحقيقها على ارض الواقع.

أولاً: المعرفة اللغوية والموسيقية
1- المعرفة الجيدة باللغة السريانية الكلاسيكية، والإلتزام بقواعدها لحفظها ولعدم إنحرافها في مسيرتها المستقبلية.
2- المعرفة التامة في قواعد "التليين والتقسية" (روكوخو و قوشويو) لأجل توحيد لفظ اللغة السريانية الكلاسيكية في نطق أحرفها من مخارجها الصوتية الصحيحة.
3- المعرفة في الفصاحة اللغوية والوضوح التام في الخطابة والقراءة والإنشاد. 
4- المعرفة الجيدة باللاهوت المسيحي ومقاصده الإلهية ومعانيه الروحية، لإيصال الكلمة الروحية للمتلقي بشكل مبسط وسهل.
5- المعرفة الجيدة بالألحان السريانية الكنسية وتغيّراتها وتقلّباتها وكيفية تطبيقاتها.
6- المعرفة الواسعة بخصائص الإنشاد الكنسي بكل تفاصيلها مثل الإنشاد:
بطريقة التنغيم البسيط، بطريقة شعبية، بحكمة، بمسكنة وتذلل وندامة، بهدوء وروحانية، بتعبير وإحساس وغيرها.
7- المعرفة الجيدة في التصوير الصوتي في الغناء وتحديد كيفيته ليكون ملائماً للكلمة الروحية وإيصال معناها للمتلقي بشكل مفهوم وجيد أثناء إنشادها.

ثانياً: إلغاء التأثيرات الدخيلة على اللحن
قبل القيام بأي خطوة عملية في تأسيس تجويد سرياني علينا أن نعرّي اللحن السرياني الكنسي من كل التأثيرات الخارجية مثل:
1- إلغاء كل اللكنات اللغوية الغير سريانية (عربي، تركي، كردي وغيرها)، ولكنات اللهجات السريانية المحلية المؤثرة والمتداخلة في لغة الإنشاد "السريانية الكلاسيكية"، وإعتماد شكل واحد فقط صحيح متفق عليه خال من الشوائب والأخطاء ليكون القالب "ال ستاندرد - Standard ".
2- إلغاء النكهات الموسيقية المحلية الدخيلة المؤثرة في اساليب الإنشاد التي تميّز منطقة عن اخرى، وتعرية اللحن الكنسي منها، مثل النكهة التركية والكردية والعراقية او السورية اللبنانية وهكذا.
3- التخلص من التأثير الموسيقي البيزنطي والغريغوري او التركي والكردي او العربي والفارسي من ألحاننا الأصيلة. ففي بعض الأساليب تأثير منها واضح وفاعل فيها، وليس من جوهر ألحاننا الكنيسة ولا من إنشادها. لكن بشرط عدم مس الأناشيد التي صيغت ألحانها أساساً على الطريقة البيزنطية والتي ترجمت من اليونانية وتحمل بين طياتها الصبغة البيزنطية لأنها من تراث الكنيسة السريانية وليست دخيلة عليه.
4- إلغاء ثوب المزاج العام من كل المؤثرات التي لحِقت على اللحن السرياني الناتج من الوضع الإجتماعي للسريان ماضياً وحاضراً ومستقبلاً ايضاً، مثل:
- تعرية اللحن من الروح القروية او المدنية المفرطة في بعض الاساليب، وهنا يجب الإستفادة من الطريقتين لصياغة طريقة جديدة معقولة ومقبولة.
- تعرية اللحن من الروح المأساوية التي تتصف بالحزن الشديد والبكاء، التي تُخرِج بعض الأناشيد التي تحمل بين طياتها فرح البشارة السارة من مضمونها.
- تعرية اللحن من الروح الحنينية والشوق الجارف الغير موجهة إلى الخالق في الكثير من الحالات، والناتجة عن الهجرات الى مواطن جديدة، فهي موجهة الى ماضي المنشدين والى مواطنهم القديمة. وأما الكنيسة فتفرض أن يكون الشوق موجهاً لله الآب فقط لأجل التواصل معه والإتحاد به.
5- اعتماد مبدأ "النغمة خادمة للمعنى" ليكون إنشاد الصلاة بحكمة وليس بلذّة، ولئلا نسقط في تناقضات بصلواتنا ويكون هدفنا هو الغناء وليس الصلاة.

ثالثاً: أسس للأتفاق حولها قبل صياغة ثوب للحن السرياني
لصياغة ثوب مستحدث جديد مستقبلاً للّحن السرياني الكنسي الاصيل علينا الإتفاق حول تحديد معالم لهذا الثوب تكون مبنية على الخصائص الموسيقية والإنشادية للّحن الكنسي القديم. لكن قبل صياغة وتحديد معالم الثوب الجديد علينا الإتفاق حول اسس كثيرة والعمل على تحقيقها اولاّ، ومنها:
1- جمع ولملمة كل الألحان المتوفرة من كل الأساليب الإنشادية في الكنسية السريانية.
2- تنقية الألحان الأصيلة من الألحان الدخيلة.
3- المحافظة على اللحن الاساسي بكل علله، وعدم مس جسمه وقالبه الموسيقي.
4- عدم إجراء تغييرات ما في اللحن القديم بحجج موسيقية واهية غير مقنعة.
5- إختيار الأنسب لحنياً من مجموعة الأساليب، إن كانت الفروفات بينها بسيطة للغاية.
6- محاولة وضع الألحان في قالبها القديم الصحيح، بإجراء مقارنات ودراسات عليها.
7- ضبط قواعد الإرتجال في ألحان الكنسية.
8- وضع جدول للألحان الجديدة يضاف عليه مستقبلاً كل جديد من الكنائس السريانية في العالم.
9- قرار عاجل للمحافظة على الألحان السريانية الكنسية الأصيلة لمنع إنحرافها خلال مزاولتها كنسياً في العالم السرياني، وذلك:
- بتحديد دور الآلات الموسيقية في الكنسية لتلعب فقط دور تذكير المنشدين والجوقات بمجريات الألحان الكنسية والمحافظة على الطبقات الصوتية.
- بتحديد الدور التجميلي للآلات الموسيقية في مرافقاتها الموسيقية للصلوات.
- بتعليم قانوني "الإيصن والمليس" الموسيقيين المستعملين في الكنسية البيزنطية وفرضهم، لأجل الإستفادة القصوى في تحديد وضبط الطبقات الصوتية للمنشدين ومصاحبة الصلوات قدر المستطاع للتعويض عن الآلات الموسيقية في الكنائس التي تفتقدها.

ويتبع في الجزء الرابع والعشرين