تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

يقظة انقلبت حلما

بدء بواسطة simon kossa, أبريل 05, 2011, 05:32:23 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

simon kossa

يقظة إنقلبت حُلماً
شمعون كوسا

روى لي احدهم عن شخص  اسمه فلفل . كان قد قيّده والده في سجلّ العماذ باسم  فيليبوس ، غير انه اطلق عليه اسم فلفل ، إمّا دلعاً ورغبة في الاختصار ، أو لانه كان يتوسم فيه رجلا سيفلفل المستقبل. كان فلفل هذا  مولعا ، بالاشتراك في يانصيب شهري مهم تبلغ جائزته الاولى احيانا عدة ملايين . كان صاحبنا مدمنا على  اللعبة ويتابعها  منذ اكثر من سنتين ، غير انه كان يخرج كل مرة صفر اليدين ، ولكي يغطي نفقات بطاقاته كان يلجأ الى يانصيب اسبوعي يرأف بحاله ويجعل بعض بطاقاته تفوز ضمن الجوائز الدُنيا .
كان يفضّل فلفل يقظة النهار وخيالاته على احلام الليل، فينطلق في سيناريوهات يعتبر نفسه فيها فائزا بالجائزة الاولى ، يجلس منتشيا ويُخرج قائمة مشاريعه  التي كان قد أعدّها منذ اشتراكه الاول . يقوم بقراءة  القائمة قبل يوم السحب ، ويعيد النظر فيها ، فيحذف بنودا ويضيف فقرات ، ويمحوها  ثانية ويعيدها  تناسبا مع حاجاته أوعلى هوى المنعطفات التي يسلكها مخطط خيالاته . كان يقرأ مشاريعه بصوت عال امام زوجته ويجعلها تحلم معه ، وقبل آخر سحب بيومين قال لها : اذا حالفني الحظ هذه المرة وفازت بطاقتي بخمسة وعشرين مليون دولارا ، ساقوم بما يلي :

-سأبني منزلا فخما ، او بالاحرى قصرا يكون محطـّ الانظار ، بحيث يجعل كل شخص غريب يتوقف ليسأل الناسَ عن صاحب القصر ، فيأتيه الجواب حالا وبنبرة رصينة :كيف لا تعرف بان القصر للسيد فلفل؟
-سابادر بتقديم مساعدة مالية مهمة لجارنا في الشارع الثاني لانه محتاج وهو شخص مؤدب ، امّا عن جارنا المباشر سامتنع عن مساعدته ، بل ساخذله كي لا ينسى مواقفه المشينة معي   .
-ساقوم ببناء بيت واسع في العاصمة تحيط به حديقة مترامية الاطراف يتوسطها حوض سباحة اولمبي  . وهنا بادرته زوجته بالكلام قائلة :
لماذا لا تفكر بتشييد عمارة في بلدة اشتهرت قبل بضع سنوات وأضحت مدار حديث الجميع ، فبدأ  يؤمّها الناس من كل حدّ  وصوب حاملين معهم حقائب استثماراتهم.  انا انصح ببناء عمارة يتم تأجيرها الى شركات اجنبية كالفرنسية مثلا ، لان  هؤلاء قوم مسالمون ولم يضرّوا بالعراق . وهنا هبّ فلفل مقاطعا اياها وقال : لابل سأؤجرها للامريكان لانهم اصحاب اموال طائلة ويدفعون اكثر.
فاجابته زوجته ، صحيح ان الامريكان انقذونا من حكم جائر ، ولكنهم غزوا بلدنا ودمّروه ولم يحرّكوا ساكنا لاعادة بنيته التحتية ، اعادونا الى الخلف باسم الديمقراطية التي اوكلوها الى أنفارٍ غير مؤهلين لها ولا يفقهون شيئا منها .   في هذه الحالة ، اقترح ان تقوم ببناء عمارتين.   فوافقها فلفل ولكنه أردف على الفور بقوله : لاتفرحي كثيرا لاني حتى الثانية سأؤجرها للامريكان ، إنّ ما يهمني أنا هو المال وليس مكافأة أقوام او اشخاص احسنوا التصرف . ولكن هلمّي وقولي لي  :ماذا دعاك للاهتمام بما لا شأن لك فيه ، ما لك انت والسياسة ، ألم يكفنا ما عانيناه بسببها في عهود سابقة ؟
قالت له امرأته : وهل فكرت في كيفية دخول هذه البلدة وضمان الاقامة فيها خاصة وانك لست من أهل المنطقة ؟ فاجابها بابتسامة عريضة : هذا أمر هيّن جدا وفي غاية البساطة ، أوّلاً هذه المنطقة تستقبل الرساميل ، من جهة اخرى هل نسيت بأن الاموال تفتح الابواب الموصدة . أم غاب عن بالك بان المال بات إله هذا القرن ، ورابعا (على ما اعتقد) هل نسيتِ المثل القائل : أعطِ  المال وأخرِجْ حتى رجل الدين من معبده !!!.
كانت قائمة فلفل  مفتوحة لا تحدّها اية قيود، فكان يفكر مثلا ببناء قصر في الخارج ولا سيما في اسبانيا ، تيمّنا بالمثل الذي يصف الشخص الحالم  ، (بانه ينوي بناء قصور في اسبانيا) ، ولكن صاحبنا لم يكن يعرف آنذاك بان هذا المثل فرنسي !!
كانت تراوده نفسه ايضا بالارتباط بزوجة جديدة من الطراز الحديث ولكنه كان يبعد الفكرة من حروفها الاولي لحساسيتها الشديدة وبسبب عدم تسامح الكنيسة بذلك ، وإن كانت هذه الاخيرة قد فسخت بواسطة محاكمها الكنسية بعض عقود زواج كانت قد ابتدأت منذ سنوات واسفرت حتىعن انجاب اطفال .
كان في كثير من افكاره ومشاريعه لا يستهدف الا منافسة فلان أوإغاضة فلان والظهور امام فلان أواثارة حسد من كانوا يستصغرونه . وكانت المشاريع تتلاطم داخل رأسه وكل واحد يسابق الآخر الى ان يغلبه النعاس فيتفرّغ لمشاريع اخرى في قائمة احلام الليل .
اشترى فلفل بطاقته ووضعها في مغلـّف خاص أودعه احد جيوب سترته ، كما كان يفعل في كل مرة . كانت الجائزة الاولى قد بلغت هذه المرّة خمسة وعشرين مليون دينارا . كانت بطاقته تحمل رقم 353452 ، وكان قد اعتاد صاحبنا على نقل الرقم على قصاصة ورق يحملها معه .

اقبل يوم السحب ودقت الساعة ، فجلس فلفل أمام التلفاز يتابع الارقام . كان يجلس منفردا في الغرفة خشية تعكير صفو افكاره او تشتيتها لاسيما عند قراءة الارقام، وكان يعتبر هذا الوقت شبه مقدس فلا يكف عن الابتهال الى الثالوث باقانيمة الثلاثة ، ويلتفت الى تمثال العذراء متضرعا اليها وممسكا بكتفها لجلب انتباهها ، وفي انتظار اعلان شفيع للاعبي اليانصيب ، كان يتوجه بصلاته الى جميع القديسين آملا ان يكون أحدهم قد شارك في شبابه ببعض العاب الحظ أولعب الكونكان مثلا فيتفهم حالته ويساهم في انجاح بعض ارقامه !!
تمّ قراءة الرقم  3 ، وتلته الارقام الثلاثة الاخرى مطابقة فكانت 5 و 3  و 4 ، وهنا بدأ قلبه يتهيأ للنبض السريع . عندما جاء الرقم قبل الاخير مطابقا لِما في بطاقته ، اختفت الوان وجهه وأحسّ بدوار خفيف جعله  يمسك برأسه ويثبت قدميه ، إلى ان ظهر الرقم الاخير مكمّلا لارقام بطاقته ، فاغمي عليه وهوى .
سمعت زوجته صوت سقوطه ، فاسرعت لاسعافه  ورشت قليلا من الماء على وجهه فافاق واستعاد الوعي  . لم يقوَ فلفل على إعلامها بالخبر وبقي جالسا دون حراك ، قالت له زوجته ، ماذا اصابك يا رجل ، وهل هذه اول مرة تخسر فيها بطاقتك ؟  الم تعتد على الخسارة ، ما لك هذه المرّة متأثرا بهذا القدر ؟ كفّ عن لعبتك لانك بهذه الطريقة ستخسر نفسك .
فنظر اليها فلفل وقال لها بصوت خافت : يا امرأة لقد فزت بالجائزة الاولى . لم تصدّق زوجته الكلام ودنت منه واضعة يدها على جبهته بغية فحص درجة حرارته لان ما قاله اعتبرته هذيانا . فاعاد عليها الكلام من جديد وقدّم لها قصاصته فرأت الزوجة بان ما في الورقة مطابق فعلا للرقم المثبت على شاشة التلفاز،   فأوشكت بدورها على السقوط  ولكنه امسك بها .

عاد الزوج الى حالته الطبيعية ووقف على رجليه وأحسّ بانه قد تحول ، دون ارادته ، الى شخص آخر ، فاصبح يتخيل الناس وكأنهم ينادونه من الان فلفل باشا او فلفل بيك .
انتشر الخبر بين الناس ، فتقاطرت الجموع حول منزله ، وكان يحاول الجميع الدخول لتهنئته  ولنيل رضاه . كان صاحبنا الفائز يستقبل بعضهم ، ويبتسم للبعض الاخر ، ويعبس بوجه البعض ، ويرفض مصافحة غيرهم ،  ولا يتورع عن طرد بعض الافراد . لدى قدوم كبار القوم من المهنّئين ، أصرّ على تبنّي مظهر خاص يبرزه كالشخصية الجديدة على الساحة ، فكان يوزع التفاتاته بتقتير ، قائلا في سرّ نفسه : هذا يومي ، انا في المقدمة ، انا الكبير والثري والمقتدر .
عند انصراف الزوار ، اقبلت زوجته مفاتحة اياه في امكانية تخصيص اعانة بسيطة لوالدتها ، فاستشاط فلفل غضبا  ، لانه كان معروفا  بكرهه الشديد لحماته وقال : انا مستعد لمساعدة اخواتك فقط ، أما والدتك فلا اريد سماع ايّ شئ عنها .
بعد هذا خطرت له فكرة جديدة دغدغت طموحاتِه واطماعَه ، فكّر في ترشيح نفسه للانتخابات النيابية المقبلة ، وقال : اليس المال الذي يوصل المرء الى اعلى المناصب في كافة بلدان العالم ؟
كان على فلفل التوجه الى المدينة المجاورة  لاستلام جائزته ، فقام بارتداء طقمه الرسمي المؤتمَن على حماية البطاقة الفائزة ، ولم يشأ إخراج مغلف البطاقة من جيبه خوفا من عيون المارّة . توقفت السيارة أمام باب المكتب المسؤول عن توزيع الجوائز. تقدّم فلفل  نحو مدير المكتب وسلمه البطاقة داخل المغلف. فتح البائع المغلف واخرج البطاقة وبدأ يقرأ  ويقارن أرقامها ، ويبدأ من جديد الى ان أعاد التدقيق لخمس مرات متتالية وقال لفلفل : يا صاحبي لا يمكنني أن اصرف لك الجائزة لان بطاقتك ناقصة . استغرب فلفل من كلام البائع وكأنه تلقـّى ضربة على رأسه ،   فتناول البطاقة ورأى فعلا بان الرقمين الاخيرين  5 و 2 قد إمّحيا تماماً . قام فلفل بالتأكيد والحلفان بالله وبحياة ابنه وبكل مقدساته بان ورقته هي الجائزة الرابحة وليس غيرها ، قائلا : صدقني هذه هي البطاقة الحقيقية والدليل على ذلك اني كنت قد سجلت أرقامها على هذه الورقة . فاجابه البائع : قد يكون كلامك صحيحا ، ولكني لا استطيع صرف المبلغ ، لانه قد يأتيني شخص آخر غيرك ويروي لي نفس روايتك ، بطاقتك ناقصة يا صاحبي وانا آسف جدا .

ادرك فلفل الكارثة التي أوقعته فيها زوجته ، لانه عرف حالا بان زوال الرقمين ناجم عن عمليه وضع الطقم في جهاز الغسيل دون افراغ جيوبه . فرجع الى البيت يجرّ وراءه أذيال الخيبة، وكان تفكيره منصبّاً على كيفية افراغ جام غضبه على زوجته ، لانه كان قد بلغ حدّا أفقده السيطرة على نفسه ولا سيما على يديه التي كان يخشي ان تقوده الى جريمة لانها كانت تنفتح وتنغلق وكانها تتدرب على الخنق . عند وصوله الى البيت ، ركض نحوها مسرعا وأمسك بشعرها ودار بها حول نفسه بسرعة لاربع او خمس مرات ثم القاها  نحو منحدر لتتدحرج بعيدا  .
يقول الراوي بان فلفل اصيب بكآبة شديدة وبقي معتكفا داخل المنزل هرباً من كلام الناس وسخريتهم . كآبته لم تكن تفارقه الا في الليل حيث  كان يُمضي اوقاتا جميلة في حلم يجعله كل ليلة فائزاً بالجائزة ، ولكنه كلـّما كان يفيق في الصباح ويجد نفسه خالي الوفاض ، تمتد يده عفويا نحو وجه زوجته في صفعة قوية ، الى أن نهض يوما ولم يجد زوجته .  يقول الراوي بانها لم تقوَ على تلقي الصفعات ، فهجرته .

والان ما هي العِبَر التي بوسعنا استخلاصها  من الرواية ، هل نقول بان وضع الجشع فوق جميع الاعتبارات يؤدي الى مثل هذه النتائج  ، أم نقو ل، لا يجدر بنا  بيع فرو  الدب قبل اصطياده او قتله ، ام ننتهي بكل بساطة بوجوب الحرص على افراغ الجيوب قبل تسليمها  الى الغسيل !!؟ لعلّ هذا الاجراء الاخير كان أنجع وسيلة تجعل فلفل  راجعا بسربال منفوخ بالدراهم وليس بالهواء والهباء !!

Kossa_simon@hotmail.com




ماهر سعيد متي

                                          [size=14pt]شكرا على الموضوع... تحياتي[/size]
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

sarmadaboosh

شكرا يا استاذي العزيز على هذه القصة الجميلة و نرجوا ان يعتبر منها كل الحالمون بما هو ليس بايديهم بالرغم ما للحلم في بعض الاحيان من فوائد

simon kossa

الى الاستاذين ماهر وسرمد

شكرا لمروركما وتعليقكما وكلماتكما اللطيفة ، شكرا مرة اخرى