تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

حوار جرئ بين ديك ودجاجته

بدء بواسطة simon kossa, يوليو 03, 2011, 02:54:33 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

simon kossa

حوارجرِيء بين ديك ودجاجته
شمعون كوسا

دأب عدد من الكتـّاب القدامى على وضع كلام البشر وحِكَمِهم في أفواه الطيور والحيوانات ، كان ذلك محاولة منهم في استخدام اسلوب غريب وغير مألوف، لغرس الكلام في عقول الناس ، فكانوا يسمحون لانفسهم التطرق الى كافة مظاهر الحياة نصحاً ونقداً وحتى سخريةً واستهزاءً ، غير آبهين أو متهيّبين من ملاحقة او مقاضاة اية جهة كانت،  كَون الكلام صادرا من مخلوقات يصعب محاسبتها ،لا سيما وانها في اغلب الاحيان كانت تنتهي بحكم بليغة .
وبالنسبة لي ، منطلقا من رغبتي في التنويع وتغيير الاسلوب ، فكرت في تقليد طريقتهم هذه المرة في مادة تتناول ، وكالعادة ، نفس مشاكل الناس والتي لم تتغير منذ الازل ، إنها نفسها تعود للطاولة كل يوم ، فيسمعها الناس ويؤيدونها لدقيقة ، وببعض من الجهد لساعة أو بعناء شديد ليوم ثم يتناسونها ، وكانها لم تكن ، ممّا يجعل اعادتها الى الاذهان ضرورة يومية .

لقد اخترتُ لهذا الغرض ، أول ديك صافته مع دجاجته في الحارة ، فمن العبث البحث عن هوية الديك لاستنطاقه او استدراج الدجاجة لمعرفة ما لم يقله زميلها . لقد دار الحديث بين هذين الداجنين على النحو التالي :

الدجاجة :  ما لي أراك شارد الذهن على غير عادتك وكأنّ هموم الدنيا قد اختارت رأسك مقرا لها ؟

الديك : لا ادري ماذا اقول ، لقد لاحظتُ في هذه الايام الاخيرة أن سيد الدار يرمقني بنظرات مريبة ، اقرأ فيها عزمه على انهاء خدماتي كمرحلة اولى ، لابعادي عن معشر الدجاج ، ومن ثمّ التخلص مني باستضافتي في أمعائه .

الدجاجة :حفظك الله يا صديقي ، لا بدّ ان صاحب الدار لاحظ  ملاحقاتك الاخيرة لنا والتي تواصلت ليل نهار . لا قوّض الله بيتك ، كان عليك التخفيف من حيويتك والخلود لقليل من الاستكانة والهدوء ، الا تراجع نفسك احيانا بهذا الشأن ؟  كان عليك استخلاص بعض الدروس من البشر الذين ، حسب علمي، يتـّسمون بقدر كبير من الهدوء والتعقل .

الديك: ألا ترين بانك انتِ التي كان يجب ان تراجعي نفسك ، ولكنك ستبقين ساذجة الى الابد ، اتعرفين بانه لولاي وحركاتي التي تهزئين وتعيّرينني بها ، لكان قد  انتهى نسلك وتحوُل اولادك لقمة سائغة في فم هواة البيض المقلي أو بين يدي مقشّري البيض المسلوق . هل فاتك ما سبق وان قلته في اماكن اخرى ، بان داعيكِ هو الذي يمكُن اولادك بالاستمرار في الحياة والمساهمة في عدم انقطاع حبل ذريتك ؟
الدجاجة ، وهي مطأطئة رأسها خجلا : لا تؤاخذني يا ابن العم ، إنك محقّ ، كان عليّ التريّث قبل الكلام ، لا سيما وانا في حضرة شخص بمقامك ، لقد افحمتني حقا .

الديك: وفيما يخص الشطر الثاني من جوابك عن أخلاق البشر وما تسمينه هدوءهم ، أميلُ الى الاعتقاد بان فيك قليلا من التخلف العقلي، لاني لو سردت لك كل ما سمعته عن هؤلاء ، ستعضّين يدك او رجلك مرة اخرى ندما . إن ما يقوم به هؤلاء في الخفية يا سيدتي ، ليس إعتداءً  فحسب ولكنه الشرّ بعينه . انهم يتآمرون على بعضهم وهو صامتون ، ينوون الشرّ ويعتدون على بعضهم البعض وهم ساكنون ساكتون ويذهبون احيانا حدّ القتل وهم قابعون في بيوتهم .

الدجاجة :ومن أين لك هذه المعلومات ؟

الديك: لقد شاهدتُ تصرفاتِ بعضهم بأمّ عيني ، ولدى مروري أمام بيوتهم ، استرقّ السمع الى الابواب ، فاسمع أحاديث اخشى إفشاءَها كي لا اتسبب في وقوعك في الغيبوبة او اصابتك بدوار مزمن .
للحق وللتاريخ ، اعترف بان هناك بينهم من يسعى للخير ، وسمعت عنهم روايات حب وتفاهم وإخاء ، ولكن الاغلبية العظمى بينهم لا حديث لهم أو انشغال غير النفاق والكذب والخداع والحسد والكراهية والافتراء والنميمة . كثير من هؤلاء يتظاهرون بالفرح لخير أصاب جارهم ولكنهم في اعماقهم كانوا يتمنون له الموت ، او تراهم ينوحون في المآتم ومجالس التعازي وفي باطنهم يرتكضون فرحا للمكروه الذي لحق بتلك العائلة .

الدجاجة :ولماذا يتظاهر هؤلاء بعكس ما يفكرون ، فيبتسمون وهم يتمنون الشر ويبكون وهم فرحون للمصاب ؟

الديك:ان مصالحهم الشخصية وانانيتهم يقودانهما الى ذلك . يعادون في قلوبهم ويحقدون على مَن عارضوا مصالِحَهم او مَن وقفوا الى جانب حقيقةٍ لم تخدم منافعهم .  بالرغم من عدم شرعية مصالحهم وكون  مشاريعهم ملتوية وغير مقبولة من عامة الناس ، فانهم ، تمويهاً ، يتظاهرون بالاستقامة والنزاهة والصدق .

الدجاجة : إن كلامك قد زادني وعياً لكثير من الامور.  لاني أنا ايضا قد بلغني كلام غريب وطويل من هذا النوع  ، من خلال بعض زميلاتي اللواتي يمتهنّ  الفضولية مثلك . كان الحديث كله ينتهي بقصص عنوانها الغش والتحايل والالتفاف على الحق والايقاع بالغير .

الديك: اتعرفين ما هي آفتهم الكبرى ؟ إنها تكمن في جمع المال وتكديس المادة ، كافة رواياتهم اليومية زاخرة بحكايات تبدأ بموضوع عام وتنتهي بمشاكل ناجمة عن المال بكافة مشتقاته وحالات اعرابه .

الدجاجة :وما هو المال ، اليس لديهم كل مقوّمات الحياة ؟

الديك : المال هو وسيلة يقتنيها الانسان لضمان احتياجات عيشه من مأوى ومأكل ومشرب وبعض اسباب الترفيه .غير ان الانسان اصبح الان  يتوقف عند الوسيلة وكأنه بلغ الغاية ، فيتجاوز احتياجاته العادية بمئات المرات ، ويهمّ في مضاعفة ممتلكاته من بيوت وأراضي وعمارات وعربات حديثة ولربما طائرات عن قريب !! ، وينتهز أتفه المناسبات وحتى أقدسها احيانا ليزيد من من مظاهر بذخه . في المحافل وامام الناس .تسمعه ،  يؤيد بقوّة المبدأ القائل بان المادة وسيلة وليس هدفا ، ولكنه في الحقيقة مجرد كذاب ، لانه ، في قرارة نفسه ، جعل المال فعلا هدفه الوحيد ، ولاجل الحصول عليه لا يتورّع عن استخدام ما هو مشروع وغير مشروع ، ويلجأ لمختلف الطرق والاساليب لبلوغ وطره هذا.  الاطيان بكافة اشكالها  والنقود بشتى طرق جمعها وتوفيرها  ،اضحت الشئ الوحيد الذي يثير اهتمام  الناس، ناسين المجتمع باكمله وجاعلين واجباتهم نحو الغير من آخر اهتماماتهم.

الدجاجة :لقد تذكرتُ اقاويل تتقاطع مع ما ذكرته حظرتك . كانت تؤكد لي صاحبتي بان مثل هذه الامور تبلغ حالات ينكر فيها الاب ابنه والابن اباه والاخ اخاه والبنت والدتها والوالدة بعض أبنائها أو بناتها والاخ يغدر باخته، بحيث تغطي ، قصصُُ حقيقية ، كافة التخيلات في هذا المجال ،  وكلها واقعية ومكررة . إن بعض الامتار ، لدى تقسيم الاملاك ، كافية لخلق ضغائن لا تنتهي إلا في القبر .

الديك  :بهذا الخصوص ايضا، يُحكى عن شخص جشع كانت قد سحرته قطعة أرض موعودة قانونا لجاره الفقير . سعي هذا الشخص ، الذي كان يحتكم على عدة عمارات، لدى مسؤول المنطقة بهدف الاستيلاء على القطعة ، وهذا الاخير اتخذ قرار نزع الحق من صاحبه الاصلي وتسليمه للطامع الذي كان من هواة جمع الاراضي . غزارة هدايا المفتون  بالارض ألهمت صاحب القرار في صياغة أمر يقضي بتغيير الملكية ،  واتى كل شئ بموجب قانون ذي فجوات سهّل عملية الاحتيال والالتفاف  .

الدجاجة :ولماذا يتصرف هؤلاء بهذه الصورة ، قل لي بربك ، اليس لحياتهم نهاية ؟
الديك: كيف لا . انهم طويلو الاعمار ولكنهم كلهم مائتون ، منذ بداية الازمان ، لم يفلح لا الملوك ولا السلاطين ولا الاباطرة ولا الرؤساء والقياصرة أوالحكام في تجاوز الموت واكتساب الخلود على الارض ، كلهم زائلون مع مالهم وممتلكاتهم . وهناك شئ قد تجهلينه ، انهم يدينون مبدئيا بدين ينهيهم عن كل تصرف شائن ، لانهم موعودون بجنة تؤمّن لهم سعادة ابدية ، شرط أن يجنحوا للخير ويبتعدوا عن الشر الذي ينجم في اغلب الاحيان عن الجشع والولع المفرط بجمع المال .

الدجاجة :سمعت بان لهم فقهاء ، يحثونهم على اختيار السبل القويمة التي تبعدهم عن اقتراف الموبقات .

الديك : كل ما قلتيه صحيح . انهم واعون تماما لكل هذا ، غير ان انانيتهم تمنعهم من الامعان كثيرا في هذه المبادئ والقيم لانهم لا يرون ابعد من انوفهم . اما عن فقهائهم أو كما يسمونهم رؤوساءهم الروحانيين ، فان هؤلاء يتكلمون كثيراولا يملوّن من إلقاء المواعظ ولكنه ، للاسف الشديد، يتوقف عملهم وتصرفهم عند الكلام لانهم يرفضون القيام بحمل ما يهيئونه من احمال ثقيلة لرعاياهم . والانكي من ذلك ان أغلب هؤلاء ، ليسوا اقل جشعا ممّن وصفناهم .  يملأون فراغ حياتهم الروحية بالركض وراء المال ، وبعضهم يستجيب لاغراءات السياسة ، لربما ايضا بهدف الحصول على مزيد من المال ، كأحد الاخوان الكهنة ، الذي حدثني عنه احد الاصدقاء ، بانه بغية الترويج لاحد الاحزاب ، سأل الناس عن علم حزب معين او شعاره ، يحتاجه لرفعه في موضع مقدس يؤمّه مئات الالوف من الناس للزيارة والصلاة . لحسن الحظ ، لم يعثر صاحبنا الروحاني على علمه ، فالغى الزيارة الروحية !!!

الدجاجة : ألا تخاف ان يسمعنا أحد ؟

الديك: حتى لو سمعونا ، ماذا عساهم يفعلون بنا ، مصيرنا هو المجزرة لا محالة ، وتأكدي باننا فيما قلناه ، نردد علنا ما يفكر به الكثيرون منهم خفية ، خاصة  واننا لسنا مغرضين فيما نقول .

الدجاجة : لو كنا نحن بشرا وبهذا الوعي والمعرفة ، محاطين بقوانين وشرائع ووعود أزلية ، لكنا قد تصرفنا بشكل مغاير . نجتمع كل مساء ، فقراء  واغنياء ، لنتقاسم العيش ، نقيم الافراح ونشارك احزان وهموم بعضنا البعض،  ننفق ما نكسبه على احتياجاتنا اليومية مع توفير احتياطي بسيط ، لانه مهما قلنا وفعلنا ، فاننا سوف لن نحتاج الى اكثر مما تقتضيه حياتنا اليومية من ماكل ومشرب وسقف آمن .

الديك: انك تتحدثين عن مجتمع مثالي لم تتمكن اية جهة من تنفيذه ، وإن كان فعلا هو الحل لكافة مشاكل الناس ومعضلات الحياة . من جهة اخرى يسهل قول مثل هذا الكلام ، ولكني ما اخشاه هو اننا إذا تحولنا الى ما هم عليه ، أن نصاب بالغرور مثلهم والقيام بما هو اسوأ منهم !!

الدجاجة :وماذا تفيدهم نقودهم التي لا يشبعون من مضاعفتها وتكديسها ؟

الديك : المبالغ الطائلة هي عنوان تباهيهم في الحياة . فهدف أثريائهم هو إطلاع الجميع على وضعهم ، وبانهم يتربعون لوحدهم في مثل هذه البحبوحة . يتبارون في إقامة الحفلات ويكثرون منها وينوعونها على ان تكون دوما الافخم والابهى  قياسا مع فلان وفلان . اما عن العربات فحدّث ولا حرج ، اموالهم تمكّنهم من اقتناء آخر الصيحات في هذا المجال ، وبعض منهم يطالب بمواصفات خاصة جدا،  كأن تكون لأبوابها قبضات ذهبية مثلا .  يريدون منازلهم قصورا ، بواجهات مرمرية عاكسة تمكّن بعض المارّة الملتحين من قص لحاهم دون الحاجة الى مرآة !!. يختارون شريكة حياتهم من آل فلان وفلان أسما وثروة ، يريدون اولادهم في جامعات رنانة الاسم ، والبعض الاخرمنهم ينصرف للعب القمار ، مبالغ طائلة يتقرّرُمصيرها بورقة تنقلب بمحض الصدفة برقم يربح او يخسر الالاف ولربما احيانا الملايين ، اما البعض الاخر فانه مصاب بهوس جمع المال وتكديسه ، يزيد ماله كل يوم لاجل الزيادة دون القبول باستخدامه لئلا ينقص .
الدجاجة :  ولكنك قلت لي انهم يموتون ، وهل يأخذون ثرواتهم معهم ؟

الديك : كلاّ ، في اغلب الاحيان تقع ثرواتهم في أيدي أبناء يبذرونها ، دون حرقة قلب ، وفي وقت قياسي . وبعض آخرون وضعوا اموالهم تحت الارض ونسوها وغادروا الحياة دون ان يفيدوا او يستفيدوا . بعض هؤلاء ماتوا دون ان يكون لهم ورثة ، كان بوسعهم إقامة عدة مشاريع خيرية تخلـّد اسمهم ولكن بخلهم الشديد منعهم من ذلك . ان الحديث طويل طويل ولكل فرد او عائلة او عشيرة قصتها بهذا الخصوص .
واريد هنا اختتام الحديث معك ايتها الدجاجة العزيزة بسطرين عن شخص كان ينازع وهو في آخر لحظاته . طلب من زوجته ان تجلب له صندوق نقوده وجواهره ، فبدأ يحصيها ويعيد العملية ويلمس النقود   ويضمها الى صدره ويبكي . وبعد دقيقة او دقيقتين ، عندما وعى لاستحالة اصطحاب المال معه ، قام بحركة غريبة وبدأ يلتهم الاوراق النقدية التي عجّلت في خنقه وقطع انفاسه .

الدجاجة : اخشى ان يكون قد انصت احدهم الى حديثنا . اقول هذا لان لي صديقة حدثتني عن شخص يتكلم باسم السنابل ويتغنى بالجبال والغيوم والافاق والزهور، شخص يبحث عن طريقة جديدة للتعبير، أخشى اذ ما كشف أمر حوارنا هذا ، أن يصوغه من جديد ويضعه في فم الضفادع او الاسماك .

الكاتب : لقد رأيتُ بأن في الحوار من الحكم والدروس ما لا اقوى أنا على صياغتها ، لقد تركت الحوار كما هو وبفم الديك ودجاجته وارجو بانهما سوف لن يحاسبانني على حقوقهما في النشر.
طبعا سوف يسخر الكثيرون من هذا الديك ودجاجته ، من المواضيع وطريقة تقديمها وسيعتبرونها بدائية ومملة، وسيكتفي الاخرون بالقراءة مع ابتسامة خفيفة قائلين : إن الاخ   ومعه الدواجن يضيعون وقتهم ، لان كل ما قيل لن يغير شيئا في الواقع ، فالحالة قد تفاقمت والعادات قد تأصلت .

Kossa_simon@hotmail.com





بهنام شابا شمني

تصورت نفسي وانا جالس امام خشبة مسرح لاشاهد مسرحية ابطالها الديك والدجاجة ولقوة ومصداقية الحوار تسمرت على مقعدي لكيما تفوتني كلمة من الحوار
بورك قلمك يا سيدي ان مقالتك بحق تنفع ان تكون مشروع مسرحية كي يشاهدها الكثيرون من المتفرجين .

ماهر سعيد متي

محاورة جميلة .. تذكرني بحكايات كريلوف ، وكليلة ودمنة .. شكرا لك على جمال التعبير وسلاسة الكلمات وروعة الوصف .. تحياتي
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

simon kossa

الى الاستاذ بهنام

شكرا لقراءتك للموضوع وتقييمك له ، نعم ان المقال مختصر لجانب من مسرحية الحياة . شكرا لمداخلتك

simon kossa

#4
الى الاستاذ ماهر

شكرا لكلماتك اللطيفة وتقييمك للمقال