سؤال من الحياة: ما الأجدى، المقاومة أم الرضوخللواقع؟/لويس إقليمس

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يوليو 29, 2018, 10:04:09 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

  سؤال من الحياة:
ما الأجدى، المقاومة أم الرضوخللواقع؟     
   

برطلي . نت / بريد الموقع

لويس إقليمس
بغداد، في 15 تموز 2018


في حيانا البشرية، تتباين سبل التفكير والفعل الإجرائي بشأن أسئلة مهمة ومفصلية أحيانًا في سياق العيش العام والخاص. وإزاءها تتباين بالتالي ردودُ الأفعال أيضًا من شخص لآخر لأسباب عديدة، منها تربيته البيتية، وثقافة المجتمع الذي يعيش فيه، وشكل التعليمالوطني الذي يتلقاه،وطراز المصدر التي يستقي منها علومه،وربما أسباب أخرى منها النفسية والاجتماعية والأخلاقية وما سواها من مسببات.
السكوت والرضوخ أو الرفض والمقاومة، من العبارات بل من المفاهيم الفلسفية التي يصادفها كل إنسان وسط المجتمع الذي يقيم فيه. وهي بطبيعة الحال من الأسئلة التي يمكن أن توجه للجميع طالما فينا نفحة بشرية ونسمة إنسانية وعقل يفكر ويحلل ويقرر. ففي هذه المفاهيم من الخصوصية بقدر ما فيها من الجماعية في تحديد الرؤى والأهداف واتخاذ القرار المناسب بالتناسبمع التحديات التي تطرحها الظروف وشكل المقاربات التي يلاقيها البشر في المكان والظرف المناسبين أو المختلفين. فالظرف أو المكان قد يكونان من بين الأسس والعوامل التي تطرح وتؤثر في مثل هذه التحديات، مهما كان نوعها وشكلها وحجمها. أما التاريخ، فسيكون من الدعامات الأولى بسبب ما يتركه من آلام وذكريات ومنغصات حياتية في حياة الإنسان والمجتمعات والأمم والشعوب. فهو يبقى المرجع الذي يعود إليه الإنسان في رسم ملامح مستقبله أو في تغييرها، إن كان نحو الأفضل مستفيدًا من عبره ودروسه أو نحو الأسوأ ضاربًا عرض الحائط كل ما قدمه من هذه ومن غيرها من العبر.
إن روح المقاومةومن ثمّ رفض الواقع المعاش، هي في الأغلب من طبيعة النفس البشرية، وهي تُحسب ضرورية أيضًا في مسيرة الأمم والدول والمجتمعات التي تفكر وتحلّل وتعتز بوجودها وتفخر بكيانها، بالرغم من أنّ البكاء على الماضي المندرس من دون تفكير ولا تفعيل ولا تعديل ولا تغيير يبقى ناقصًا لا ينفع. فعندما اكتسحت العولمة معظم المجتمعات المتقدمة وانساقت دول ومجتمعات لتبريراتها وتحولاتها بكل انسيابية وسط تأييد أممي صارخ، صار لها أعداء في المعسكر المقابل الذي لم يسعفْ ذاتَه للقناعة بكون هذا الشكل الجديد من السياسة الدولية قد جعل العالم قرية صغيرة وتحوّل إلى كيان جديد أكثر ديناميكة وأكثر حركة وأكثر ليونة في التعامل اليومي مع ضرورات الحياة المختلفة المستجدّة. لكن مثل هذا التحول في الفعل والسلوك اليومي قد جرّ الويلات على شعوب وأفراد ومجتمعات رأت فيه تضييقًا للحريات وتقييدًا للتقاليد وخروجًا عن المألوف في الحياة التقليدية.
من هنا، نجد من الطبيعي تكرار مثل هذا السؤال من قبل كثير من البشر والأشخاص الذين يُعملون الفكر سلبًا أم إيجابًا على صعيد شخصيّ أكثر منه مجتمعيًا في بعض الأحيان. فعلى الصعيد الأسري مثلاً، كثيرًا ما نجد الحيرة في عيون وأفكار أحد الأزواج المتأثر بمشكلة منزلية مع الشريك الآخر وبسؤاله: هل أستمرُّ في نسق الحياة هذا بالرغم منتنغيصه حياتي وإحالتها جحيمًا منذ أمد؟ ونجد ذات التساؤل إزاء زوجة متطلبة أو أمَ متسلّطة. وهذا ينطبق على الصعيد الاجتماعي للأوطان والمجتمعات. ففي العراق تشتد هذه الأيام وطأة المقاومة والرفض من لدنمجتمعات ومدن وقصبات ابتليت منذ سنين بساسة فاسدين وأحزاب فاشلة ليس لها من مسوّغ للوجود سوى العمل على نهب ثروات البلاد وإفقار العباد وتخلّف الحياة في كلّ شيء إلاّ في زيادة جيوش العاطلين وتدمير البناء وزيادة تصحّر الأرض وجفاف الموارد المائية بسبب الفشل في إدارة شؤون الوطن والأرض والإنسان وفقدان الخطط والبرامج التي تبني وتعمّر وتقدّم. فكلّ ما ينتمي إلى الوطن ومصلحته العليا وخدمة المواطن ليس قائمًا أو بالأحرى ليس من أولويات أحزاب السلطة في البلاد، ما أدّى إلى الانتفاضة الشعبية التي يشتدّ أوارُها بالتتالي والتوالي. فمن حق أي إنسان أن يقرّر النافع لمصلحته ولا يبقى تحت قبة الانتظار المملّ طيلة حياته فاغرًا فاه من دون نتيجة. فهو لن يعيش سوى مرة واحدة، ذلك أنّ الحياة إنْ هي سوى لحظات إحساس وشعور، وحرية حركة وفكر، واستراحة بعد تعب. من هنا تأتي أهمية اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب من أجل تقرير النافع والصالح للتوجه إليهما والابتعاد عن غيره من الضارّ والمقزّز ورفض كل أداء تافه وضار وقاتل.والعبرة فيمَن يُقدم على خطة جريئة لكسر جليد الانتظار ورفض البقاء في دارة الخنوع والخضوع لأجندات دخيلة مدمّرة للنفس والجسد معًا.
قد يكون القرار باتخاذ الصالح من غير النافع، من اللحظات الحاسمة في حياة الإنسان، أي التوجه نحو مقاومة الواقع ورفضه بالتمام والكمال أو الرضوخ إليه والقبول به مهما كان ما يقدمه ويأتي بهمرًّا أو علقمًا. وتلكم مثلاً، من مشاكل الأزواج في عصرنا الحالي، حيث تفاقم المشاكل وزيادة التحديات الأسرية لأبسط الأشياء وأكثرها تفاهة. وهي تنسحب بالتالي على مشاكل المجتمعاتوالأوطان والشعوب التي فقدت انسجامها نتيجة تداخل العولمة وما أتت من مظاهر استفاقت لها أجندات مهرّجي الدّين والطائفة والمذهب والعرق والشخصانية على السواء.وبالنتيجة، فإنه لا يمكن التعويل على قرار السكوت والقبول أو الرفض والمقاومة إلاّ في ضوء استعداد الشخص ونوع القيم والثقافة التي يحملها ويستجيب لها والشعور والغيرة والضمير التي يتحلى بها في قرارة نفسه وبراعة عقله.فهناك من البديهيات ما لا يمكن تجاوزه في الحياة الأسرية مثلاً، تبعًا للتقاليد والقوانين العائلية. فالأم، مهما كانت متسلطة في نظر الكنّة ستبقى كلمتُها هي الأعلى في البيت، والأخ الأكبر أو البنت البكر سيكون لهما الباع الطويل في قرارات العائلة، والأنثى كذلك سيكون حظُّها أوفر في التقدير والاحترام أكثر من الذكور في الأسرة الواحدة. فهذه من طبيعة الحياة. وكذا بالنسبة للأوطان والأمم، يبقى السكوت لخاطر عينِ فلان وعلاّن، أو خوفًا من سطوة هذا الحزب أو ذاك التشكيل المسلّح، أو خجلاً من هذا المرجع الدّيني أو صاحب تلك العمامة. وقد يطول الصبر حتى حدود الانفجار، حيث يفقد البشر ما عنده من طاقة لمثل صبر أيوب. وهذا ما يحصل لشعبنا المنتفض ابتداء من ثغر البصرة ومرورًا بمدن الجنوب المجاورة ووصولاً إلى العاصمة بغداد. ومَن يدري، إلى أين سيقف المدّ الغاضب؟
هناك مَن يقول بالصبر على الأشياء والرضوخ لها في النهاية، مهما كانت الأسباب والعواقب. وهذا من سمة القبول الأعمى بشكل الحياة والترسخ في القناعة الناقصة والساذجة بما هو قائم بالرغم من قتامته وعدم وضوح الرؤية فيه. بل هذا إنما هو شكلٌ من أشكال العجز وعدم المقدرة في اتخاذ المواقف الصائبة وتقرير المصير. وقد يشكّل أيضًا ظاهرة سلبية تطبع سمة شعب بأكمله، حين القبول بما هو قائم والرضوخ للواقع المتهرّئ مهما كان مزريًا أو حرجًا في حيثياته ونتائجه التي قد تبدو كارثية. أي بمعنى آخر، مثل هذا السلوك يعني هروبًا نحو المجهول أو إلى اللّاوضوح والضبابية في الانتقاء الأمثل للأمور والقرارات، ما يعني، فقدان الوعي في الاختيار وترتيب الأولويات والاحتياجات.وتلك سمة الشعوب النائمة والبائسة التي تقبل وتقرّ بسلطة عليا للقاضي الظالم والجلاّد القاسيوالحاكم الفاسد الذين ائتمنتهم جهلاً على لتقرير مصيرها بسبب رؤيتها الناقصة مهما كانت قساوة قرارات وأفعال هؤلاء جميعًا.
بالمقابل، لو اتجهنا صوب سمة الرفض أو مقاومة ما ليس منصفًا وإنسانيًا وعلميًا، فإننا سنجد أنفسنا أمام كمّ هائل من الأسئلة والاستفساراتلغاية بلوغ الجدلية في انتقاء صلاح وجدوى أيّ منهما. هناك مَن يرى أن مبدأ الرفض والمقاومة، قد يكون قاسيًا في محتواه وشديد التقبلفي فحواه من جانبالجهة المقابلة، نظرًا لفراغه من أية سمة للمرونة ومن ثمّ بالقبول بالحلول أو حتى بأنصاف الحلول. لذا تبقى فرضية الصبر وطول الأناة والمثابرة لدى هذا النفر المتذبذب في انتظار الحل أو الحلول القادمة من السماء هي الأرجح في ضوء تفعيل نظرية الانتظار ومنح المشكلة القائمة مزيدًا من الوقت والإدراك لزيادة التفاعل مع الحدث ومع الظرف، لحين بلوغ عتبة الصدّ التي لا رجعة عنها ولا مجال للتراجع عن رفض ما هو قائم من وضع مزرٍ ومثبّط. لكنّ مثل هذه النظرة الوسطية بالتجمّل بالصبر غير المجديتبقى تدور ضمن نظرية التوافق التي يكون حبلُها قصيرًا أو متوسطًا، ولا يمكن التعويل عليه إلى مديات أكثر. "إنّما للصبر حدود"، كما تقول أم كلثوم في إحدى أغانيها. ومن ثمّ، إن كان مفهوم الانسجام والتناسق بين المعطيات القائمة والمتناقضة في بعض ردودها وآلياتها سيدَ الموقف لفئة معينة في حقبة من الدهر، فإنه لن يكون كذلك لأتباع شعوب حيةّ يمكنها في لحظات حاسمة استرجاع حضارتها وتاريخها وهيبتها عبر اجترار ماضيها وتطبيق ما أفلحت فيه في لحظة تاريخية حاسمة من الزمن، لتعيد أمجادَها وتغلق الطريق أمام الأغراب والدخلاء والمندسّين والمفسدين في الأرض.
المطلوب من العراقيين اليوم، مزيدًا من الشجاعة في اتخاذ القرار الصائب، والتناغم مع موسيقى المثقفين والعقلاء والتكنوقراط وسائر الداعين إلى بناء دولة مدنية والمطالبين بإعادة هيبة الوطن وسيادة القانونوالتحكيم للمساواة وتطبيق العدالة ومحاسبة الفاسدين واستبعادهم واستعادة الأموال المسروقةللخروج من النفق المظلم. والحكمة في الرفض ومقاومة الواقع الفاسد تنبع من الضمير الحيّ والرؤية الوطنية الصادقةوالحرص الصحيح على مصلحة الوطن العليا وعلى حقوق المواطن الذي بقي أسير أحزاب ورموز نكثت بوعودها وتاجرت بمشاكله وضاعفت من أزمات البلاد وسرقت آمالَه في دياميس الليل وعزّ النهار من دون حياء ولا خجل ولا خوف من السماء. أمّا الإضرار بالممتلكات العامة وتجاوز الحدود السلمية التي تعطي الحق كلّ الحقّ للتظاهر والتعبير عن الرأي وكشف المستور، فهذه تبقى خطوطًا حمراء لا مجالَ لتجاوزها. فهذه الممتلكات العامة أينما وُجدت، لا ينبغي أن تكون مشاعًا "للفرهود العراقي" المتعارف عليه، إنّما هي ملك الجميع وللجميع. ومن ثمّ تحطيمُها وخسارتُها هي خسارةٌ للعابث بها قبل غيره.