نظرة على التأثيرات الطائفية الخطيرة لقمع تظاهرات البحرين

بدء بواسطة صائب خليل, مارس 27, 2011, 10:23:29 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

نظرة على التأثيرات الطائفية الخطيرة لقمع تظاهرات البحرين

كتبت في مقالة سابقة (1) أن الموضوع الطائفي في قضية البحرين لم يكن الموضوع الرئيسي، بل الموضوع الرئيسي هو التهديد الخطير للمصالح الأمريكية في البحرين وفي الخليج بشكل عام، وكذلك تهديد الكيان السعودي الذي كان يستشعر الخطر حتى من زوال الدكتاتوريات البعيدة، وأن رد الفعل السعودي لم يكن سيختلف كثيراً لو أن المقصودين كانوا سنة، رغم ان الفارق الطائفي يسهل اتخاذ القرارات ويزيد الحماس للقمع ويسهل التبرير والقبول في الداخل خاصة. أي ان العامل الطائفي كان موجوداً، لكنه ليس العامل الأساسي، فحكام السعودية لا يترددون في قتل أهلهم إن تطلب بقاءهم في السطلة ذلك، فهذا النوع من الحكام لا يعرف الإخلاص لغير نفسه، وليس حتى لطائفته.
لقد بذلت محاولات مستميتة لإقناع العالم بأن المتظاهرين قاموا على أساس طائفي، وأن مطالبهم الحقيقية ليست تلك المعلنة، من دستورية ملكية. وطبعاً لم يقدم هؤلاء الذين حاولوا، بتكليف من الحكومة البحرينية والسعودية بلا شك، أية براهين على ما ادعوه.
لكنهم قدموا عدداً من الأكاذيب التي افتضحت بشكل كبير، من صور تم تحويرها وأفلام تم تزويرها لتقديم قصة خرافية عن متظاهرين متوحشين هاجموا قوات الأمن البحرينية والسعودية اللطيفة وأنزلوا بها خسائر بدنية كبيرة. لقد كتبنا عن ذلك أكثر من مرة، ولن نكرر ذلك فهذه المقالة مخصصة للتداعيات الطائفية بعد الحادثة، وسنركز على ذلك قدر الإمكان.

يسود بين الشيعة المسلمون إحساس بالمرارة الشديدة بعد أحداث البحرين وتفاعلات المجتمع العربي (والدولي) تجاهها. ومرد ذلك الإحساس، الفرق المحسوس بين رد الفعل لذلك المجتمع إزاء تلك الأحداث مقارنة مع تلك التي حدثت في تونس ومصر وليبيا، حيث لم يكن هناك عامل طائفي في الأمر، وبالتالي فلا بد أن العامل الطائفي هو الذي لعب ذلك التأثير.
ومما لا شك فيه أن هذا صحيح إلى حد بعيد، بالنسبة لردود الأفعال غير الحكومية، لكنه بلا شك ليس العامل الوحيد. ويمكننا أن نقرأ ذلك من خلال حقيقة أن ردود فعل الجانب الأمريكي والأوربي كان أيضاً أضعف كثيراً مما كان تجاه تونس ومصر وليبيا، وليس هؤلاء الأمريكان والأوروبيين من السنة. وإن اكتفينا بالحديث عن ردود الفعل الشعبية، فمما لا شك فيه أن للفارق الإعلامي الكبير في تغطيتها لأحداث البحرين وتغطيتها لتظاهرات بقية الدول. وهذا الفارق الإعلامي فارق دولي ومالي وليس فارق شعبي، فليست الشعوب من يسيطر على الإعلام.

إذن كل من العاملين الطائفي والإعلامي لعبا دوراً في تشكيل ذلك الفرق المؤسف والمخجل في رد الفعل على الأحداث من قبل الجانب السني. ويجب أن نذكر هنا أن رد الفعل الشيعي كان أيضاً مختلفاً ومتحيزاً، فلم يخرج الشيعة العرب في تظاهرات تأييد للإنتفاضات العربية الأخرى كما فعلوا في العراق مثلاً، لكن هذا الفرق في الحماس للدعم أسهل أخلاقياً من الفرق المتمثل بالسكوت والتأييد غير المعلن أو حتى المعلن لعمليات ضرب المتظاهرين البحرانيين الوحشية، مثلما عبر عن ذلك بيان لمجموعة وقعت تحت اسم "الأكاديميون العراقيون في مملكة البحرين"، وعباراتها كانت تؤكد أن أنفسهم "مشاريع تضحية وفداء نقدم أرواحنا ودماءنا من أجل البحرين تحت قيادة جلالة الملك المفدى ورئيس الوزراء الموقر وولي العهد الأمين".
إنها بلا شك ليست سوى تكرار مطابق تماماً للتملق السياسي المقزز الذي كانت تمارسه كثرة من الناس تجاه صدام حسين.
ومما لا شك فيه أن تلك المحاولات كانت تستهدف موازنة الموقف العراقي الشيعي الشديد الإنتقاد لحكام البحرين.

الإحساس بالخيانة والغبن والغدر الذي انتشر بشكل كبير بعد أحداث البحرين وقمع انتفاضتها دفع بالجماعات الشيعية المختلفة إلى الإنزواء في تكتلات أكثر انعزالاً، ودفعت بغالبية ساحقة منهم إلى المزيد من اليأس من تغيير الوضع الطائفي، لمن كان يريد التغيير، واقتنع الكثيرون بأن عليهم ان يبحثوا عن الدعم فيما بينهم كشيعة، وليس كعرب.
هذا الشعور في تقديري أكبر بكثير مما يشعر به السنة، فمن يتلقى الضربة يحس بألمها أكثر كثيراً من ذلك الذي يراها فقط. وربما يتصور السنة أن المسألة عابرة وانه من الأفضل دفنها في التراب وعدم الحديث عنها. لكن القضية أعمق من أن يحلها مثل ذلك التجاهل، وان ما دفن في العقل الواعي واللاوعي الشيعي جراء تلك الأزمة، كبير وخطير ويستوجب المكاشفة كأمل وحيد للحل.
لهذا كله لا أختلف مع رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي الذي حذر من تلك التداعيات وشبهها بكرة الثلج التي تكبر أثناء تدحرجها وتهدد بصدامات طائفية خطيرة إن تم تجاهلها. (2)




يكتب "اكرم الفضلي" أن القمع تم لـ "اناس عزل يحملون لافطات كتب عليها (سنة وشيعة هذه البلد ما نبيعة) مع بعض الشعارات التي كان المتظاهرون يرددونها التي تنادي بملكية دستورية، والتي تم تصويرها وتوثيقها من قبل وسائل الاعلام اللامنضفة التي لم تتنقل الا بعض اللقطات المنتقاة بعناية، والتي اريد لها التهويل."
ويتساءل: "اين الخلل اين العيب في هذه الشعارات.الم يسبق هذه التظاهرات تظاهرات في المنطقة طالبت باسقاط النظام؟!
هؤلاء المساكين لم يطلبوا ولم يرفعوا شعار سقوط الملك او نظامه، بل انهم طالبوا بملكية دستورية باعتبارها ضمان يحفظ حقوق الجميع، بدل حكم القبيلة والعشيرة...والطريف والغريب في الامر ان بعض من اخوانهم السنة كانت لهم ذات المطالب في بداية انطلاقة هذه الانتفاضة فتم تحييد هؤلاء والاستفراد بالشريحة الشيعة باطلاق الرصاص الحي على صدورهم العارية بعد ان القوا بباقات الورود على قوات جيش درع الجزيرة التي جاءت لجزرهم."

ومثل العديد من الناس انتبه الفضلي إلى تحيز خطاب الشيخ القرضاوي المؤسف وتناقضه بين القول بأنه لم يكن يمتلك معلومات كافية، وبين إدانته للتظاهرات وتوصيفها بالطائفية، ويذكر بأن هذا الرجل هو من أعطى صدام حسين صك الغفران.(3)

وكتب فخري مشكور تحت عنوان "المثقفون العرب طائفيون" يقول:"لماذا يصبح التظاهر المكثف سببا كافيا لسلب الشرعية عن نظام قائم في مصر وتونس وليبيا ولا يصبح كذلك في البحرين؟ لماذا تمكنت عدسات التلفزيون واقلام الصحافة ان ترصد كل ما حرصت تلك الانظمة على حجبه، لكنها فشلت في البحرين؟ لماذا تعتبر تصريحات دول الشرق والغرب في تاييد ثورة مصر وتونس وليبيا دليلا على انسانية تلك الدول الداعمة ونصرتها لحق شعوب تونس ومصر وليبيا، بينما تعتبر تصريحات ايران الداعمة  دلالة على عمالة ثوار البحرين لولاية الفقيه؟
لماذا لم تعتبر اتصالات شخصيات المعارضة الليبية بفرنسا وبريطانيا، بل وحتى دخول فريق عسكري سياسي بريطاني الى بنغازي والاتصال بالثوار، لم يعتبر كل ذلك دليلا على العمالة؟ عند هؤلاء المثقفين تخويف حسني مبارك من الاسلاميين ذريعة وهمية لتبرير تمسكه بالكرسي، وتخويف القذافي من القاعدة حجة غير حقيقية لتفسير تمسكه بالكرسي، ولكن تخويف آل خليفة من نفوذ ايران هي حجة حقيقة ومنطقية وكافية للتنازل عن كل القيم الاخلاقية والتنظيرات الفكرية وعن الديمقراطية وحقوق الانسان.
ودعونا نقول ان تصريحات صدرت من مسؤولين ايرانيين، وانها تخفي وراءها مخططا ايرانيا لاستعمار البحرين والخليج كله...لنقل ذلك ولنفترضه صحيحا، فهل يسقط هذا حق الشعوب البحريني في تقرير مصيره؟ وهل يبرر هذا سحق المتظاهرات السلمية بالدبابات والطائرات؟ وهل يكفي لتبرير السكوت عن هذه الجرائم كون ايران لها اطماع توسعية؟(4)

ويكتب صفاء ابراهيم تحت عنوان "درع الطائفية" قائلاً: "لم يخرج شيعة البحرين للمطالبة بحقوق يختصون هم بها , طالبوا بملكية دستورية بدل الحكم المطلق , طالبوا بان يكون لديهم مجلس نيابي منتخب بدل هذا المجلس الذي يعين الملك نصف اعضائه ويصادر ارادة النصف الاخر, طالبوا بالعدالة الاجتماعية والمساواة امام القانون بدلا من جعل كبار وظائف الدولة  بيد المقربين من ال خليفة ومن لون طائفي واحد, طالبوا بالكف عن التجنيس السياسي وعلى اساس طائفي من اجل تغيير التركيبة الاجتماعية للشعب, طالبوا بفرص العمل, طالبوا باصلاح النظم الانتخابية, طالبوا بالخدمات , طالبوا بكل هذه الامور فاي بعد مذهبي وراء هذه المطالب؟ وما علاقة ذلك بكونهم شيعة اوغير شيعة او حتى من عبدة النجوم؟ (5)

وتكتب بلقيس حسن: "أجمل مايتعلمه المرء ليكون سويـّا, هو أن البشر متساوون ولا فرق بينهم مهما اختلفت الوانهم وأعراقهم وانتماءاتهم وأديانهم وطوائفهم....انه شعور بالرقي حينما يفكر المرء بالصدق مع ذاته ويعمل على هذا الأساس. فالنبيل من يضع نفسه بمكان كل مقهور ومأزوم ومحروم وحزين, ....النبل ان تكون مع المظلومين مهما كانوا والى أية جهة انتموا.... وتصرخ مع صرخة كل انسان يقتل دون وجه حق فتهرع لإنقاذه لأنه لا يملك ما يدافع به عن نفسه....فما ابشعكم أيها الطائفيون حينما تصدقون دكتاتورا وتكذبون آخر.(6)

وينصح عباس العزاوي: "الثوار في الوطن العربي" ساخراً فيقول: "ان لايكون الشعب الثائر من الشعوب التي ابتلاها الله بالنفط والخيرات فأن اي تغيير من شأنه تحويل مسار اموال البلاد الى غير الجيوب المعتادة,.. فهذا محرم ومرفوض محلياً واقليماً وعالمياً من دون تقديم ضمانات اكيدة للجهات الشافطة....ان يكون الشعب المحتج ممن نالوا الرضى من آل سعود او آل ثاني الديمقراطي بالسليقة ,كي تحضى الثورة بدعم اعلامي كبيرمن قبل قناتي العربية والجزيرة والا سيبقى الشعب كمن يهتف داخل مجاري الصرف الصحي ولايجني غير الصدى والروائح الطائفية الكريهة .... ان لايكون الشعب الثائر منتمياً او تدور حوله شبهات الانتماء للمذهب الشيعي المحظور وهابياً ... بغض النظرعن انتمائه الفكري سوى كان ليبرالي او اسلامي او حتى ملحد (لان هاي الكلاوات ماتفيده )......ان لايكون الشعب المتظاهر ممن له علاقات سرية كانت ام علنية بدولة ايران " الفارسية المجوسية التوسعية المتغطرسة "...ان لايكون الشعب الثائر من القوميات الاخرى غير العربية كالكردية والتركمانية ...ان لايكون الشعب الثائر من اتباع الديانة المسيحية او دينات اخرى غير الاسلام... لاتشمل النصائح آنفة الذكر الشعب الثائر ضد الحكومات الشيعية او قادتها المنحدرين من عوائل شيعية .. بل يحبذ ذلك ويعتبرمن الواجبات الشرعية والاخلاقية.(7)

لا علم لي بطائفة معظم الكتاب السابقين، ولا أود أن أعرف، ولست متأكداً أن ما عبروا عنه من شعور بالمرارة له ارتباط بطائفية الكاتب، لكنها جميعاً تعكس الألم من الخطأ الأخلاقي الكبير المحسوس في التعامل من قبل الجانب السني من ثورة البحرين. وفي تصوري، وخاصة من خلال احاديثي والرسائل التي تصلني من معارفي واصدقائي، أن ما يقف وراء رد الفعل المؤسف ذاك، ليس بالضبط الطائفية، بالنسبة للأغلبية الساحقة من الناس، وإنما هو شور بالخوف من الطائفية المقابلة، بدون أساس كاف لذلك الخوف الذي أثارته حسب كل المؤشرات المتوفرة لدي، ماكنة إعلامية هائلة تحاصر المواطن وتلقنه ما يجب أن يخاف منه وما لا يجب، وسنعود إلى هذه النقطة بالتفصيل الذي تستحقه في الجزء القادم والأخير من هذه السلسلة حول البحرين.

لكن الحال ليس بهذه الخطورة إن تمت معالجته بشفافية ووضوح، وبذل الجهد اللازم لردم الشق الذي حدث. فالقرق في المواقف من البحرين بين الشيعة والسنة، ليس بالسوء الذي توحي وسائل الإعلام. ويمكن رؤية ذلك من خلال بضعة ملاحظات ربما تكون هامشية. ففي استفتاء لصحيفة "المثقف" كتب كتاب وقراء هذا الموقع الهام بتضامن كبير وقوي مع موقف شعب البحرين الثائر، بلا استثناء.(8)

واختتم هذه المقالة بما اقتطعه من مقالة نجم الحجامي "لن يسقط الشيعه في مستنقع البحرين الطائفي" التي يقول فيها:
"الشيعه في كل انحاء العالم من لبنان الى العراق الى ايران غير طائفيين ولا يمكن ان ينجروا الى المستنقع الطائفي ..مثل تفجير قبه الامامين العسكريين...نقلت صحيفة الحياة، اسماء الفصائل المسلحة التي اعلنت تخليها عن السلاح ودعمها وانضمامها للعملية السياسية العراقية بعد خروج القوات الامريكية من البلاد نهاية العام الجاري.....وفي لبنان فشلوا ايضا في جر شيعه لبنان والعالم العربي الى المستنقع الطائفي..... جر المنطقه الى عنف طائفي وقتال مذهبي يتورط فيه الشيعه في ايران والعراق ولبنان بعد ان نزلت السعوديه والامارات الى الساحه.....فشيعه البحرين الذين يحملون الورود في احتجاجاتهم اذكى بكثير من ان يسقطوا في المستنقع الطائفي ورحم الله الشيخ الدكتور احمد الوائلي حيث قال
ومشت تصنفنا يد مسمومة................متسنن هذا وذا متشيع
يا قاصدي قتل الاخوة غيلة.................لموا الشباك فطيرنا لا يخدع
غرس الإخاء كتابنا ونبينا....................فامتد واشتبكت عليه الاذرع (9)

هناك إذن ما يدعو للقلق وهناك ما يشجع على الأمل بتجاوز الأزمة، إلا أن ذلك لن يكون ممكنا عن طريق التجاهل وكأن شيئاً لم يحدث. فيجب في أدنى الأمور أن يعبر المثقفون، خاصة من السنة، عن موقف مبدئي سليم لا تشوبه شائبة، كما عبرت عنه الشاعرة بلقيس حسن في مقالتها أعلاه. لقد تم تجاهل الام الكرد طويلاً من قبل غالبية العراقيين العرب، وكانت النتيجة جرح عميق يصعب أن يندمل، ويدفع العراق اليوم غالياً ثمن ذلك التجاهل المؤسف، والإحساس بالظلم والغدر الذي ترسخ في الذاكرة الكردية. فعلى العرب السنة أن لا يسمحوا بتكرار ذلك الإحساس المرير الهدام بينهم وبين الشيعة، والذين مازال البعض منهم يذكر جرائم صدام الفضيعة بحقهم على أن لها صبغة "سنية"، فلنقل كلمة واضحة نفخر بها، تعدل ما تضرر من المشاعر وتطيب ما فتح من الجراح.


(1) http://www.qanon302.net/vb/showthread.php?t=1776
(2) http://news.yahoo.com/s/nm/20110325/wl_nm/us_iraq_politics
(3) http://almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=46075
(4) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=45721
(5) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=45669
(6) http://www.qanon302.net/vb/showthread.php?t=1814
(7) http://www.qanon302.net/vb/showthread.php?t=1976
(8) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=45569
(9) http://qanon302.net/vb/showthread.php?t=1869