الابحـــــــــــار الــى زمــن الطفولـــة / مال الله فرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يناير 13, 2014, 09:16:46 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

 
الابحـــــــــــار
الــى زمــن الطفولـــة



مال اللــه فرج
Malalah_faraj@yahoo.com


( مهداة الى كل اصدقاء ذلك الزمن الجميل)
..............................................
اغمض عيني وابحر عبر الزمن الى الطفولة , واستعيد من الذاكرة وجوه واسماء وشقاوات اصدقا ء واخوة اعزاء طوحت بهم الحياة بعيدا ,ومنهم من رحل , ونهم من اصبحت المسافات اليه بعيدة رغم التصاقهم بشغاف القلب, وفي مقدمتهم الاعزاء , صباح وبدري وجوزيف ونائل وجورج وعامر وموفق ونضال , وأراني بين اولئك الاحبة , ذلك الطفل المشاكس الذي لايتعب من الركض وراء احلامه الطفولية التي كانت تبدو له كالفراشات الملونة  المتطايرة في جميع الاتجاهات محاولا عبثا الامساك بها جميعا مرة واحدة وكأنه يحاول الامساك بالعالم كله بين يديه , ولا يمل في الوقت ذاته من صياغة مختلف المقالب للاصدقاء وتلقي ردود افعالهم , او السقوط في شباك مقالبهم ولا من صخب قهقهاتهم كلما سقط احدهم صريع مقالب الاخرين ومداعباتهم التي لاتضاهيها لذة مهما كان يبلغ من عنفها او تطرفها او قسوتها ما دامت وليدة اعماق طفولية عفوية لا يهمها الا المرح ولا تعرف اللؤم او عدائية التصرفات المقصودة.
فقد كان هم تلك الطفولة التي كانت تسكننا والمتوزعة بين مقاعد الدراسة في المدرسة المنذرية الابتدائية , حيث نلتقي معلمينا الافاضل وفي مقدمتهم معلم الدين المربي الفاضل الجليل الذي ترك ابلغ الاثر في نفوسنا الاب (الخــوري افـــرام رســــام ) رحمه الله ومعلم الحساب الاستاذ رمزي ومعلم الرياضة الاستاذ ودمن وسواهم ,ونحن نعدو في ساحة المدرسة متنافسين في الجري وفي لعبة  كرة القدم , ونتقافز في الازقة الشعبية الضيقة  في مدينة الموصل , محاولين الامساك بالزمن وانتزاع كل ما نستطيع انتزاعه من المرح والضحك والعبث والالاعيب الطفولية من بين فواصله قبل ان تدور السنوات دورتها وتبتعد بنا عن شواطئ الاحلام والاماني والتخيلات وحتى الاوهام الطفولية لنرنو اليها من بعيد عبر بوابة الزمن ونحاول استعادة بعض من حلاوتها واستنشاق بعض من عبيرها.
في حينها لم يكن يهمنا ان اشرقت الشمس او احتجبت او انها اوت لسريرها مبكرا تاركة الغيوم تتلبد وتنشر ظلالها القاتمة او  تلقي ثقالها واحمالها علينا , فلا برد الشتاء الذي كان يعرف كيف يتسلل الى عظامنا ويجعل هواء الزفير المنطلق من اعماقنا مثل شريط من الدخان الابيض ولا قطع الثلوج الشفافة مثل قطع القطن المندوف وهي ترسم لوحاتها السريالية على الاشجار والجدران ولا لهيب تموز كانوا يستطيعون ثنينا عن ممارسة طفولتنا وعبثها ومحاولاتها الامساك بدفق الحياة او عرقلة جرينا في كل النهارات وفي جميع الاتجاهات فكان تعبنا لذيذا ومقالبنا لذيذة وطرائفنا لذيذة وسخريتنا لذيذة وحتى خلافاتنا ومعاركنا وخصوماتنا كانت لذيذة , ولان مغفرتنا وتسامحنا وطيبة اعماقنا كانت الذ , فكنا ماأن نتخاصم ونلوذ بالزعل والقطيعة ظهرا حتى نلتقي ونتصالح ونعود للعبنا ولهونا وصخب طفولتنا المتفجرة عصرا.
اما ليالي الصيف فقد كان لها نكهتها الخاصة وسحرها ونحن نلتحف الاحلام فوق  سطوح المنازل الفقيرة ونتطلع الى النجوم بدهشة كاننا نشاهدها للمرة الاولى , بينما كانت ليالي الشتاء    تحمل الينا الكثير من الحكايا اللذيذة حول اساطير نسمعها كل شتاء وفي كل مرة تذهلنا ونعجب بها وكاننا نسمعها للمرة الاولى ' وذلك الطفل العنيد المشاكس المملوء تفاؤلا ورغبة في الامساك بكل احلام العالم دفعة واحدة يسكنني ويطير بي الى الخيال فاتحا ذراعيه واصابع يديه محاولا ان يحتضن العالم كله عبثا وكأنه كان يتوقع برهافة احاسيسه الطفولية ما يخبئه لنا المستقبل من صعاب الحياة ومآسيها وكوارثها واحزانها والام الفراق فيها واثقال همومها والتي ربما طحنت او ستطحن عظام بعضنا وتسحقها تحت دوران عجلاتها القاسية وستجعل بعضنا يتمنى ان يقايض العمر كله او ما تبقى منه بلحظات من ذلك الزمن الذهبي الجميل زمن الطفولة الشفيف مثل الحلم النزق مثل تصرفات المراهقين العذبة مثل القبلة الاولى التي تاتي على حين غرة دون اعداد او استعداد مسبق لتترك لذة المفاجاة على الشفاه التي يكاد يقتلها الحنين واللهفة والاشتياق بعد سنين طويلة لمغامرة مماثلة ولقبلة مماثلة نزقة مفاجئة منتزعة من بين فواصل الزمن المجنون المسرع الى المجهول.
واذ استيقظ فجأة من احلام الطفولة على صوت فيروز وحنجرتها الذهبية تشدو بتوسلات تعيدها لزمنها الطفولي (طيري يا طيارة طيري يا ورق وخيطان بلكي ارجع بنت ازغيري على سطح الجيران .. ينساني الزمان على سطح الجيران) , واذ يختفي ذلك الطفل المتخم حيوية والمترع مقالبا والمملوء مشاكسات عن ناظري , ارنو الى الواقع واتلمس ما الذي فعله الزمن بطفل الامس الذي كان مسكونا بحلم الامساك بالعلم كله بين يديه وهو يعدو وراء الفراشات الملونة , لا اجد الا طفلا متعبا انهكه صراعه المضني المتواصل مع الحياة وتحدياتها فمرة تطيح به واخرى يطيح بها ومع ذلك ما يزال واقفا على قدميه يهزأ منها , ورسمت جراحات الغدر التي غالبا ما تأتي من اقرب الناس وربما اعزهم على قلبه , خطوطا عميقة متداخلة ومتقاطعة اشبه بدوامة نزيف لا يتوقف , وامسى يحتضن بدل الفراشات عصورا من الاحزان بين يديه , طفل ربما قد شاخ قبل الاوان وما زالت يداه مفتوحتين غير قادرتين على الامساك بحلم واحد بعد ان تسربت كل الاحلام من بين اصابعه كما كانت تتسرب الرمال من بين ايدينا ونحن نتقاذف بها على شاطئ دجلة , وعبثا حاول التعلق باحدها ليجد نفسه فجأة يكاد يغرق وسط بحيرة من المصاعب والالام والجراحات والتحديات لاحدود لها ولا قرار,ومع ذلك ما يزال يغافل احزانه ويرسل  ابتسامته المحيرة الغامضة المميزة لطفل مشاكس يسكنه ويشده الى الماضي  بقوة ويابى ان يغادر اعماقه, ولا ينفك يتمتم مع نفسه :
رعــى اللــه زمنـــا للطفولــة كـم كـان ممتعا
و آه مـن ســباق العمــر كـم كــان مســــرعا
و آه مــن الــم الفــراق كـم ســيبقى موجعــا