الاحد الخامس بعد الدنح / دعوة التلاميذ الاربعة

بدء بواسطة الاكليريكي بشار الشمني, فبراير 09, 2011, 04:01:49 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

الاكليريكي بشار الشمني

القى هذه الموعظة الاكليريكي بشار الشمني
في كنيسة مارت شموني في برطلة الاحد 6/2/2011
الاحد الخامس بعد الدنح

بسم الاب والابن والروح القدس الاله الواحد آمين
" لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ "
(يو16:15)

من منطقة الجليل حيث الظلام الدامس، وحيث المكان المُزدرى به، دعا السيّد أربعة من تلاميذه، كانوا صيادي سمك، ومن هناك انطلق المسيح في خدمته يسند المُتعبين، فيملأ شباك من تعبوا الليل كله بلا صيْد، ويطهِّر البرص، ويصحِّح الأفكار الداخليّة للفرِّيسيِّين ومعلِّمي الناموس، ويجتذب العشّارين من مكان الجباية.
لم يأتِ السيد المسيح كخادم للبشرية يعمل بلا توقف فحسب، وإنما أقام له تلاميذ يحملون ذات الروح، يعمل بهم ويخدم بواسطتهم. يروي لنا القديس مرقس دعوة أربعة من هؤلاء التلاميذ اختارهم السيد من بين صيادي السمك الأميين للعمل، هم سمعان واندراوس، ويعقوب ويوحنا ابني زبدي. وقد اختارهم أميين. لكي لا يُنسب نجاحهم في العمل للفصاحة والفلسفة، وإنما لعمله الإلهي فيهم.
في دراستنا للنص نرى ان السيِّد المسيح في اختياره للتلاميذ يبدأ بهؤلاء الرجال الأربعة صيَّادي السمك الأممين: سمعان بطرس ممثِّل صخرة الإيمان، وأندراوس ممثِّل الجِدِّية والرجولة، ويعقوب ممثِّل الجهاد والتعقب المستمر، ويوحنا ممثِّل حنان الله ونعمته. اختارهم السيِّد ليكرزوا، لا بفلسفة العالم وحكمة هذا الدهر، وإنما بنعمة الله العاملة فيهم. قلنا أن هؤلاء الأربعة يمثِّلون الفرس الحاملة للكنيسة كمركبة الله المنطلقة نحو السماء، ألا وهي الإيمان مع الجدية، والجهاد المرتبط بنعمة الله وحنانه.
على أي الأحوال يقدِّم لنا مرقس البشير لقاء السيِّد معهم وهم في غاية الإرهاق النفسي والجسدي، فقد تعبوا الليل كله ولم يأخذوا شيِّئًا، وكأنه قد صدر أمرًا فائقًا ألا تدخل سمكة واحدة في شباك السفينتين طوال الليل حتى يأتي شمس البرّ، ربنا يسوع، ويدخل سفينة منهما، ويصدر أمره بالدخول إلى العمق في وسط النهار لتلقى شبكة كفيلة بصيدها أن تملاْ السفينتين.
وكأنما البشير مرقس كان يحمل في فكره دعوة إيليا لأليشع النبي، وهكذا يجدِّد التاريخ المقدَّس نفسه: فقصة دعوة ايليا لاليشع تقول انه وجده وهو يحرث ومعه اثنا عشر فدان بقرٍ قدامه، وعندما دعاه ايليا ركض اليشع وراءَه.
ونقطة التلاقي بين القصتين هي: ( أن التلاميذ تركوا كل شيء وتبعوا المسيح). والبشير مرقس مصوِّر ماهر له لقطات مذهلة، فلم يَفُتْ عليه منظر المسيح وهو سائر على شاطئ البحيرة وزبدي مع أولاده والخدَّام يصلحون الشباك، وهذه المناظر هي التي طبعت الرواية في ذهن التقليد الحي الذي يُنقل من جيل إلى جيل. وهكذا يُدخلنا ق. مرقس داخل دائرة الصيادين ونعايشهم كصيادين قبل أن نعيش على تعاليمهم كرسل. أمَّا » هلما ورائي فأجعلكما صيادي الناس « فهي درة الإنجيل التي لن تمحى من فكر الكنيسة إلى الأبد. ويدخل ابن الإنسان هذه الدائرة بصفته معلِّم صيَّادي الناس!
«وَفِيمَا هُوَ يَمْشِي عِنْدَ بَحْرِ الْجَلِيلِ أَبصَرَ سِمْعَانَ وَأَنْدَرَاوُسَ أَخَاهُ يلْقيَانِ شَبَكَةً في البَحْرِ، فَإنـَّهُمَا كَانَا صَيـَّادَيْنِ».
«أبصر»: المسيح أبصر كما يُبصر كل إنسان، ولكنه أبصر ماضي الإنسان، حاضره ومستقبله، أبصر مدى أهلية هذين التلميذين لدخول الملكوت، بل ليكونا عاملين فيه وعاملين من أجله. إن رؤية المسيح تخترق حجب الواقع والماضي والمستقبل، بل وأعماق ما في الإنسان. انظر أنت أيها القارئ العزيز لبطرس الرسول وكفاءته، وبالنهاية كيف شهد للمسيح وصُلب وأنت تعرف ماذا أبصر المسيح في بطرس. لقد رأى المسيح في بطرس أنه لا يصلح لصيد السمك بل يصلح لصيد الناس. إنه بصرٌ يجمع الحواس كلها ومعها تمييز إلهي ليرى كل شيء لا كما هو تماماً بل كما ينبغي أن يكون. إنها دعوة المسيح لمَنْ كان له أُذنان للسمع وعينان للنظر لينظر، لأنها آذان وعيون سيعمل بها المسيح.
لو لم يبصر المسيح بطرس ويدعوه ليتبعه لبقي بطرس صياداً للسمك حتى إلى نهاية حياته ومات وصار نسياً منسياً. المسيح لا يزال يدعو ويدعو لنتبعه، ويا سعد مَنْ يتبعه.
«صيادي الناس»:
لا البحر تركوه ولا الشباك أهملوها، بل غزلوا لأنفسهم من الإنجيل شباكاً عديدة وخرجوا إلى بحر العالم يطرحون شباكهم لحساب الملكوت. يصارعون أمواج العالم العالية، وبمصابيحهم الموقدة يضيئون المسكونة. قلَّة مستضعفة تركها المسيح بعد أن أعطاهم سر الملكوت فصاروا له أساسات كريمة وأبواباً من لؤلؤ » وسور المدينة كان له اثنا عشر أساساً وعليها أسماء رسل الخروف الاثني عشر. «(رؤ 14:21)
«ثُمَّ اجْتَازَ مِنْ هُنَاكَ قَلِيلاً فَرَأَى يَعْقُوبَ بْنَ زَبْدِي ويُوحَنـَّا أَخَاهُ وهُمَا في السَّفِينَةِ يُصْلِحَان الشِّبَاكَ. فَدَعَاهُمَا لِلْوَقْتِ فَتَرَكَا أَبَاهُمَا زَبْدِي في السَّفِينَةِ مَعَ الأَجْرَى وَذَهَبَا وَرَاءَهُ».
القصة مكررة ولكن الدعوة هنا تأتي ليتركا أباهما في المركب وحده يصلح الشباك ويصطاد ويجاهد لإطعام الأسرة وحده. إنها تبدو نوعاً من القسوة، لذلك فدعوة يعقوب ويوحنا أخيه نموذج لتحدِّي العلاقات الأسرية، مؤلمة شكلاً ولكنها تتضمن سمواً فائقاً في تقدير الله ودعوته. هذا التحوُّل صار في المسيحية شهادة فاخرة لموضع الله من الأسرة والحياة اليومية. إن هذه الحركة بحد ذاتها تنطق بغلبة العالم، لأن أقوى ما في العالم هي المشاعر الأسرية والعلائق الإنسانية التي تربط الإنسان بأبيه وأمه وإخوته وأخواته. فالذي استطاع أن يخلخل هذه المشاعر ويغلبها ويتسامى فوقها بروحه حبًّا في المسيح والله يكون قد عبر العالم عبوراً رائعاً مشهوداً له من الله والملائكة. التلاميذ فازوا بشهادة المسيح في صَلاته أمام الله الآب: » لأنهم ليسوا من العالم «(يو 14:17)، لذلك حقَّ للمسيح أن يطلب من الآب أن » يكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم «(يو 26:17).
أحبائي:
في خضم هذا البحر الهائج والمائج، الذي نعيش فيه اليوم، حيث تلاطمنا الأمواج من كل حدبٍ وصوب... أسألكم.. هل للمسيح مكان في سفينتنا اليوم ؟!!
   ان جاء اليوم وقال لك: أتبعني... كما فعل مع بطرس ويعقوب ويوحنا، فهل ستترك كل شئ ورائك وتتبعه.. أم ستركض خلف المال؟ .. والوظيفة؟ .. والأرض؟ .. ووراء الأشياء المادية؟ .. أم ستقول:... أمي وأبي؟؟
اترك لك الجواب .. احمله هذا السؤال معك الى البيت.. وفكر فيه.. واسأل: أين أنا من بطرس ويعقوب ويوحنا؟؟
ختاماً.. اسأل الله تعالى ان يعطيكم من ايمان بطرس ومحبة يوحنا وأعمال يعقوب. وتجمعوا بين الثلاثة ليكون لك ايمان عامل بالمحبة. لكيما تعاينوا مجده ليس على جبل التجلي فحسب... انما في ملكوته السماوي.



بهنام شابا شمني

موعظة تحمل من معنى ومغزى رائع جعلتنا ايها الاكليريكي نغوص معك في باطن الانجيل ونستخرج من آياته دررا
تحياتي لك