توصيات لمواجهة الإرهاب 1- صمود العقل وتصحيح الصورة

بدء بواسطة صائب خليل, أكتوبر 07, 2011, 07:54:20 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل


هذه مقالة من حلقتين هي استمرار للمقالة السابقة (1) التي تحدثت عن الظروف المحيطة بـ "مؤامرة الإرهاب" والتي تزيد من فعاليته وتؤمن وصوله إلى أهدافه. في هذه المقالة نقدم أربعة توصيات لمواجهة تلك المؤامرة، مقسمة على جزئين.
1- صمود الإصرار على تحكيم العقل وعدم الإكتفاء به

ليس من الصعب أكتشاف ما يكفي من المؤشرات إلى ان هناك جهة تسعى بتخطيط إلى إشعال الفتنة في العراق. فقال النائب عن دولة القانون رياض غريب : " ما حصل في النحيب الهدف منه إعادة الحرب الطائفية والأهلية وإشعال نار الفتنة وهذا ما لا نرضاه ". وقال النائب عن حزب الفضيلة الشيخ محمد الهنداوي "الجريمة واحدة هي قتل العراقيين وزرع الفتنة الطائفية وإشعال الحرب الأهلية".، وعن تيار الأحرار قال جواد الحسناوي ان ما حصل في النخيب " لا تخرج عن أنها عملية تدخل ضمن الأجندة الأمريكية ومخابرات بعض الدول التي لا تريد للعراق الاستقرار " (2)
ومن جهة أخرى كتب غالب حسن الشابندر: "هل هي مقدمات حرب أهلية في العراق؟" محذراً من تنسيق إعلامي خطير:
"في وقت تتصاعد فيه موجة العنف الطائفي ... نشرت وثائق ويكليلكس خبرا مثيرا يتحدث عن أوامر كان قد أصدرها صدام حسين إلى جيشه بضرب قباب المرقد الحسني والعباسي في كربلاء سنة 1991 حينما كانت هناك مواجهة بين حكومته وثوار شيعة في جنوب العراق بمناسبة الزيارة الاربعينية المعروفة في التقليد الشيعي، فهل هو توقيت مدروس أم جاء صدفة؟ " مؤكداً أن "وثائق وكيليكس ليست خبرية ساذجة، بل هي جزء من ستراتيجية لدولة عظمى، وكل وثيقة لها هدف محدَّد مشخص" (3)

وبالفعل بادر البعض إلى تدارك الموقف الخطير من الجانبين. فقال الشيخ عبد الحميري شيخ عشائر حمير في كربلاء "حادثة النخيب يجب ألا تعد واحدة من الجرائم الإرهابية فحسب بل واحدة من السبل التي بينت معدن العراقي الأصيل الذي يرفض الفتنة التي خططها لها منفذوا الجريمة"، مشيرا الى ان شيوخ العشائر "طالبوا بإلقاء القبض على المجرمين لكي ينالوا جزاءهم العادل ولكي يسمعوا صوت العراقيين في الأنبار وكربلاء من أنهم يد واحدة ضد المجرمين" (4)

كلام جميل بلا شك، ولكنه أسهل قولاً مما هو في الواقع العملي. فكل عملية من هذا النوع، حتى إن صمد العقل بعدها، فإنما توجه ضربة إضافية لتحطيم تحكمه. وإن استمر الأمر فلا مفر من ان يأتي اليوم الذي يستسلم هذا العقل مهما كان قوياً. لذلك يجب تحقيق نجاح وتقدم في الحرب ضد الإرهاب يقنع أصحاب الضحية أن الأمر لن يتكرر وأن هناك من يعمل على حمايتهم في المستقبل و ابتكار إجراءات تزيد من تقارب الجهات التي كان الإرهاب يقصد ضرب العلاقة بينها.

أشرت بوضوح وأكثر من مرة إلى هذا الأمر الهام ومنذ عدة أعوام، فكتبت (2005) عن الإبداع والمبادرة الضرورية لمحاربة الإرهاب  والطائفية. فكتبت "الفتنة- لادواء لها سوى المبادرة"، (5) وقبلها في عام 2004 , وعلى اثر مذبحة كربلاء والكاظمية, كتبت مقالة بعنوان: " الثأر...الثأر...لدماء كربلاء والكاظمية!"  (6) اقتطف منها ما يلي:
"ماذا نقول لانفسنا ونحن نتلقى الصفعة تلو الصفعة والحزن وراء الحزن؟ هل يجب ان نرقص فرحا بان "اعداء الوطن" لم ينجحوا باثارة الفتنة مرة اخرى؟ اننعم بالنوم ونحن نعلم ان مرة "اخرى" و "اخرى" و "اخرى" قادمة بلا شك؟
الى متى نقبل الخسائر تلو الخسائر والهزائم تلو الهزائم؟ لا تقولوا لي ان الهدوء و"تجنب الفتنة" انتصار, هذا كلام نقنع به انفسنا. المبادرة في يدهم ليكيلوا لنا الصفعات والكفخات, ثم علينا ان نفرح بسيطرتنا على اعصابنا. وهذا الالم ماذا نفعل به؟ الحل هو: ان لانكتفي بعدم السقوط في الفخ وتنفيذ ما يريد ويأمل الغادرون, بل ان نبادر ونفعل عكس ذلك تماما! يريدون زيادة العداء بين الشيعة والسنة؟ لن نكتفي بان لا يزيد عداؤنا, بل سنخفضه! سيتحدث ائمتنا وسادتنا مع بعضهم, وسنحرص ان يرى المسلمون واعداؤهم ذلك . يريدون رؤية العراق سابحا في دماء الحرب الاهلية؟ سنفعل المستحيل لكي يرى الجميع ان العراق صار بعد الجريمة اقرب الى السلام والتعاون من اي وقت مضى. يريدون ان يزداد الشق بيننا؟ سنصلي معا في كل مسجد من مساجد العراق, ولو تحملنا الجهد من اجل ذلك... وكلما قاموا بجريمة جديدة لن نكتف بأن "لا نحقق اغراضهم" بل سنجعلها ابعد منالا, الى ان يقتنع ان جرائمه تعمل عكس ما يروم فيتوقف عنها!
لنبدأ بجعلهم يندمون على جريمتهم الكبرى بشئ غير معتاد..
حين كتبت تلك المقالة كنت امل ان يوصل الفكرة احد ما الى القيادة الخيرة لكل من الشيعة والسنة , لعلهم يجدون فيها حلا, لكن شيئا من ذلك لم يحدث للاسف حتى الان.

2- التصدي لأية عملية بناء لصورة سلبية مزيفة عن المقابل

لقد حرص الإحتلال الأمريكي (مع وجود إسرائيلي واضح، خاصة في كردستان) على السيطرة على وسائل الإعلام في العراق منذ دخوله، وبذل الأموال الهائلة في سبيل بناء ذلك الإعلام وشراء ما يمكن شراءه من صحفيين. البعض من هذه الوسائل كان بتمويل أمريكي واضح وصريح، والآخر أقل صراحة ويصعب برهنته. لقد كتب الكثير عن سيطرة الإعلام الأمريكي على العراق ولن نخوض هنا فيه فهو واسع جداً. ومن المعقول تماماً أن الأمريكان لم يكونوا وحدهم في الساحة، ولا شك أن إيران موجودة فيها أيضاً، لكن الفارق بين الدولتين في كل شيء، وبشكل خاص في مجال الإعلام، يتيح لنا أن نقدر أن السيطرة الأمريكية هي الأقوى بما لا يقاس، ونقول إن احتسبنا التأثير الفعلي كقياس، وليس عدد وسائل الإعلام بالضرورة ، أن الإعلام العراقي إعلام أمريكي – إسرائيلي التمويل بشكل رئيس، دون أن نجانب الحقيقة كثيراً.

بشكل عام يسعى الإعلام الحديث ليس إلى "مناقشة قضية ما" والدفاع عن وجهة نظر مالك وسيلة الإعلام، وإنما "بناء صورة عامة" في ذهن المتلقي تقوده في تفكيره وتفسيره للأحداث بالإتجاه الذي يريده صاحب وسيلة الإعلام. وهي قضية تحتاج إلى إحاطة المتلقي من مختلف الإتجاهات وقدرة على محاصرته من المنافذ الرئيسية التي يتلقى منها معلوماته وهذا أمر ليس سهلاً، خاصة مع وجود الإنترنت، لكنه ليس مستحيلاً إن امتلك هذا الجانب أكثر وسائل الإعلام تأثيراً وشعبيةً، وهي هنا الفضائيات، وتعاونت معها قدراته على اختراق الأمن والسياسة والإقتصاد وغيرها، لتؤكد بطريقة أو بأخرى ما تقوله تلك الوسائل، فيبدو للمتلقي أن "الجميع يقول ذلك" فيفكر أنه لا بد أن يكون صحيحاً.

في تقديري، نجحت وسائل الإعلام ، وبمساعدة أحداث ووقائع حقيقية وأخرى تم تدبيرها، أن تمحو الصورة الأخوية القديمة بين السنة والشيعة في العراق ، كما محت قبل ذلك نفس الصورة بين العرب والكرد، وأن تحل محلها صورة عنصرية طائفية متطرفة وإجرامية ومبالغ بها بشكل كبير، والتأكيد بأنها تمتد إلى 1400 عام – أي كل التاريخ الإسلامي! وهو تأكيد سطحي ساذج يمكن دحضه بسهولة تامة، لكن "أصدقاء" اميركا يدعمونه بصراحة، مثل أياد جمال الدين، حين شبه العراقي "كعصفور في قفص، جاءت أميركا وأطلقت سراحه بعد 1400 سنة"!

الإستفادة من "الصورة" عطلت المنطق عن تحطيمها، كما عطلت المنطق عن تفنيد الكثير من الاخبار غير المعقولة والآراء غير المنطقية للكثير جداً من الأحداث التي مرت بالعراق. وإحدى هذه الصور، أن "الإنتحاريين" هم طائفيون متطرفون، او إسلاميون متطرفون. وبالطبع فهؤلاء دائماً من الطائفة المقابلة المجنونة بالإرهاب!
الطائفية شعور إنساني أو حيواني طبيعي، (قطيعي) لكنه ليس شعوراً حاسماً إنتحارياً، حتى لو شذ بضعة أحياناً. أما تصوير طائفة كاملة بأنها ، أو الكثير منها، من هذا النوع فهو ضد المنطق والعقل تماماً، وليس فقط ضد الصدق والأمانة.

هذه الصورة المزيفة سهلت على الناس قبول أخبار وتفسيرات لا تمت للعقل بصلة. فصار كل تفجير، حتى الإنتحاري منها "لأسباب طائفية" وكل جريمة هي "جريمة طائفية" حتى لو كان واضحاً أن الإحتلال وراءها ، وحتى لو كان ضحاياها من الطرفين معاً، بل حتى لو لم يكن القاتل يعلم هوية وطائفة ضحاياه!

لقد انتبهت لهذه الظاهرة قبل سنوات فكتبت منذ ذلك الحين العديد من المقالات بهذا المعنى من بينها (2007) مقالة بعنوان "إرهاب بريئ من الطائفية" لشرح هذا الموضوع، وجاء ضمنها مثال على سعي الإعلام الأمريكي المباشر لتثبيت تلك الصورة المزيفة بمثال من مقالة للكاتب الأمريكي المعروف (والفارغ في تقديري) توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز، أنقل من مقالتي عنه ما يلي:
"المثال الذي اختاره فريدمان كأفضل دليل لديه على طائفية الإرهاب في العراق وهي جريمة تفجير جامعة بغداد الأخيرة. في هذه الجريمة البشعة مزق الإرهاب مجموعة من الطلبة جلهم من البنات, يقفون امام باب الجامعة في انتظار الباصات التي كانت ستقلهم الى بيوتهم. هذه المجموعة، لم تكن لها اية صفة طائفية مميزة معروفة او يمكن رؤيتها او فحصها او حتى تقديرها بشكل عام. من يعرف طائفة الطالبات الذين يقفن امام باب جامعة كبيرة مفتوحة للجميع بلا استثناء في مدينة يبلغ سكانها الملايين وتختلط فيها الطوائف اكثر من اي مكان اخر في العراق؟ أين الطائفية في هذا؟" (7)

الصورة المزيفة تعتمد على الفصل

من الواضح أن الصورة المزيفة عن المقابل تتطلب أن يفصل الطرفان عن بعضهما البعض قدر الإمكان، لكي يصعب على اي منهما رؤية الصورة الحقيقة للآخر. فلكما كانت المسافة بين الأثنين أكبر، كانت الفرصة اكبر لتكوين صورة مناسبة للإعلام، مهما كانت تلك الصورة مغايرة للواقع أو مبالغة فيه. وقد تحدثنا عن هذه النقطة بإسهاب في حلقة سابقة من المقالة وبينا أن الفصل المكاني والثقافي بين الطرفين، من أهم أهداف المؤامرة الإرهابية وكان أبرز مثالين عليها هو حرص الإرهابيين على فصل الطوائف في مدن وأحياء مختلفة كما سعت سياسة التهجير الإرهابية بوضوح في السنوات الماضية، وكذلك فكرة "المحافظة المسيحية" والتي كتبنا عنها مقالة متخصصة ايضاً (8). وأشرت في تلك المقالة أيضاً إلى سعي الإرهاب لإغتيال الشخصيات التي تعرقل محاولاته للفصل بين الطوائف والأديان متمثلة باغتيال الأب فرج رحو في الموصل، والذي رفض إخلاء المدينة والهجرة  ووقف بالضد من السياسة الأمريكية التي يتهمها بإثارة الفتنة والإرهاب، وليس "القاعدة"، ادت إلى نهايته على ما يبدو. ونحن لا نستغرب ظهور "وثائق تؤكد صلة القاعدة بالقوات الأميركية في العراق" (9) فـ "القاعدة" تبدو مهتمة باغتيال من يهاجم الأمريكان وليس بمهاجمة الأمريكان أنفسهم!

على الإنسان أن يرفض قبول الصورة التي يعطيها له الإعلام عن أي شيء دون تمحيص، خاصة عما هو مهم لمستقبله. ولذلك على المواطن العراقي أن يسعى إلى رؤية الجانب المقابل بنفسه وأن "يذهب إليه" و "يتحدث معه" ويتفهم كيف يفكر ولماذا يختلف معه في الرأي حول قضايا تبدو واضحة بالنسبة له؟ هل هو بشر مثله أم شيء مختلف؟ أين يلتقيان وأين يختلفان؟ هل يمكن العيش معاً ضمن تلك الخلافات أم أنها كما يقول الإعلام مسألة حياة أو موت؟
هكذا فقط يكتشف كل منهما الحقيقة وتفشل "الصورة" المزيفة التي يقدمها له الإعلام الخبير الخبيث، مع كل وجبة "تلفزيون" أو أنترنت أو صحيفة. لقد بينت في تلك الحلقة من المقالة أن "مؤامرة الإرهاب" نجحت في فصل الطرفين بشكل كبير، ليس في المكان فقط، وإنما في الثقافة والمعلومات أيضاً، وأن كل منهما لم يعد يطيق رؤية "فضائية الآخر" او "صفحته" في الإنترنت. إذهب إذن إلى تلك الصفحة ، وتحمل مشاهدة تلك الفضائية، لتعلم على الأقل كيف يكون هذا الآخر رأيه وما الذي يقال له، ولبحث إمكانية تصحيح الأكاذيب منها والرد عليها إن كانت في صفحة إنترنت أو الشكوى ضدها إن كانت فضائية.
يجب أن لا يفهم هذا على أنه "خدمة" و "تكرم" على المقابل، بل هو لخدمة الشخص نفسه حين يسعى لتصحيح فكرة خاطئة عنده عن المقابل. فحتى لو استفاد المقابل من ذلك، فأن الفائدة الأساسية هي للشخص نفسه عندما ينبذ فكرة خطأ من رأسه.

بالنسبة للعراقيين الذين مازالوا في العراق، قد لا تبعد عملية تصحيح الفكرة الخطأ عن الجار في الشارع المقابل أو نفس الشارع، أو من خلال زيارة محطة مخالفة لما تعوده، ولتكن محطة معتدلة ما أمكن. أما بالنسبة لنا في الخارج فإننا نستعين بذاكرتنا للدفاع عن ما هو صحيح أمام السيل الإعلامي الجارف الجديد. ذاكرتنا التي ترفض التصديق بما ليس معقول عن الآخر الذي عرفناه، وتسعى بكل الطرق إلى التأكد من كل ما يقال عنه.

لقد كتب أحد أصدقائي الأقرب إلي، وصاحب واحد من أطيب القلوب التي اعرفها يقول (2006) مذكراً أيانا بمن نكون :
" تعالوا الى الشعب الذي مصطلحاته اليومية الدارجه هي ( تفضل عيني, شلونك حياتي , شبيك عيوني , شتريد عمري , وين رايح كليبي, هله عيوني وتاج راسي , تعال اكعد هنا يمه رويحتي انت, هله بالحبيب بالعزيز بالغالي, هله بجمار الكلب وضوه العيون)..., بمقدساتكم هل لكم ان تتخيلوا ان عراقيا من هذا الشعب يمكن ان يقوم بهذا النوع من الاجرام او حتى التفكير بهذه الطريقة؟"

هكذا تكلم لطيف علو القيسي...


التوصيتان في الحلقة الثانية ستكون عن الدفاع عن القانون والإمتناع عن اتخاذ قرارات سياسية رداً على عمليات إرهابية

(1) – الجزء الأول: http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=7652
    - - الجزء الثاني: http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=7905
   -- الجزء الثالث: http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=55360
(2) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=7484
(3) http://www.elaph.com/Web/opinion/2011/10/686461.html
(4) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=7734
(5) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=38170
(6) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=15831
(7) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=87126
(8) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=53960
(9) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=7473