الموصل.. جمعيات الاسكان تشعل سوق العقارات

بدء بواسطة ماهر سعيد متي, ديسمبر 05, 2012, 06:53:05 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

ماهر سعيد متي


الموصل.. جمعيات الاسكان تشعل سوق العقارات



منذ ان توقف الاجراء الحكومي بتوزيع الاراضي مجاناً على المواطنين في العراق، وفق ما كان يعرف في النظام السابق بـ(المكرمة)، وأسعار العقارات في مدينة الموصل لا تعرف حدوداً لتتوقف عندها.

فقلة المعروض منها وارتفاع الطلب المستمر من جهة، ودخول السماسرة أو التجار، بل حتى سياسيون وموظفون حكوميون وافراد عصابات الى هذا السوق من جهة اخرى، من اهم اسباب الارتفاع المضطرب لاسعار الاراضي في الموصل.

الخبير القضائي المتخصص بمجال العقارات، سالم جبار، ذكر لنقاش ان المناطق الاكثر امناً، في الوقت الحاضر، هي الاكثر ارتفاعاً في أسعار عقاراتها، مثل أحياء الطيران والجوسق والدندان في الجانب الأيمن لمدينة الموصل، حيث انها مناطق محصنة امنياً.

ويطلق الأهالي على هذه المناطق، على سبيل التندر، تسمية (المنطقة الخضراء) بسبب وجود مقرات القيادات الامنية فيها كمديرية الشرطة وقاعدة للجيش إضافة الى مطار الموصل الذي كانت تشغله القوات الامريكية.

وبحسب الخبير في مجال العقارات، فان سعر قطعة الارض بمساحة 300 متر في هذه الاحياء، قد تصل الى "ما يقرب 300 الف دولار أمريكي، واسعار المنازل تصل الى 500 الف دولار"، والمتعاملون بالعقارات هناك، في الغالب، هم من التجار الذين اضطروا الى ترك مناطق سكناهم القديمة بسبب الاوضاع الامنية، لتجنيب أنفسهم وعوائلهم حوادث الخطف وحتى القتل على أيدي العصابات المسلحة.

الدخول الى هذه المناطق السكنية المحصنة امنياً يستوجب بطاقة تعريفية خاصة تمنحها قيادة العمليات لساكنيها بشكل خاص، وتمنع اي شخص لا يحملها من الدخول أياً كان منصبه، أو درجة قرابته من أحد ساكني المنطقة.

وعلى الضفة اليسرى من نهر دجلة الذي يخترق المدينة، لا يبدو ان الاسعار افضل حالاً، فمناطق مثل المجموعة الثقافية، والمهندسين، والزراعي يبلغ سعر قطعة الأرض المعدة للبناء السكني فيها نحو 300 مليون دينار عراقي (ما يقارب 250 الف دولار امريكي)، ونسبة كبيرة من ساكني هذه الاحياء هم من المسيحيين.

وبشأن ارتباط توفر الاراضي في هذه الاحياء مع أعمال التهجير التي استهدفت المسيحيين في الموصل، وباقي الاقليات كالشبك والايزيدية، فان بعض المراقبين ينفي وجود هذه العلاقة، فالاسعار، حسب الخبير القضائي سالم جبار، ظلت ترتفع دون توقف ابتداءً من نيسان عام 2003 وحتى اليوم.

وأكد سالم ان السبب في ذلك هو الضمانة الاستثمارية التي توفرها سوق العقارات على خلاف الأسواق الأخرى التي أصيبت بما يشبه الشلل بفعل تدهور الاوضاع الامنية خلال الاعوام السبع الماضية.

كما ان هناك من يؤشر ضعف الثقة لدى الشارع الموصلي تجاه البنوك، وامكانية الاستفادة منها في قضايا الاستثمار، والسبب، كما يقول المصرفي وليد حامد، ان الموصليين "لديهم تجربة مريرة مع البنوك بعد أعمال النهب والسلب التي رافقت دخول القوات الامريكية الى البلاد". كذلك الحال مع اعمال السطو التي تقوم بها بعض العصابات الاجرامية، فهذه الاخيرة نجحت في بعض الحالات، حسب المصرفي وليد، في "اختراق بعض المصارف، وحصلت على بيانات تخص المتعاملين معها، وراحت تبتزهم بالتهديد، أو تقوم باعمال الخطف طلباً للفدية".

كل هذه الامور، جعلت من العقارات وصفة آمنة للحفاظ على الأموال، واستثمارها، سيما وان صورة البائع والشاري لا تظهر في تعاملاتها، لان الاتفاقات تجري عادة بسرية تامة، وغالبا ما يقوم بها محامون أو سماسرة بموجب وكالات رسمية.

موظف في التسجيل العقاري في الموصل فضل عدم الكشف عن اسمه قال لنقاش إن بعد انهيار الوضع الامني في مدينة الموصل نهاية 2005، وعمت الفوضى، وشاعت جرائم الابتزاز، التي استهدفت الطبقة الغنية "ظهر متعاملون جدد بالعقارات، وهم عبارة عن مجرمين منخرطين في عصابات فطنت الى غسل اموالها في سوق العقارات، مما ادى الى رفع اسعارها الى حدود غير معقولة".

وقبل انطلاق عملية ام الربيعين الامنية منتصف 2008، والتي حدت فيها بعض من اعمالهم، وصل الامر بهم الى شراء منازل متجاورة في افرع او ازقة كاملة في عدد من احياء مدينة الموصل، وحتى عقارات تجارية في اسواق المدينة المهمة كالسرجخانة وباب الطوب والدواسة.

النموذج الاخر الذي ذكره الموظف العقاري، هم المتجاوزون على اراض تابعة للدولة، ممن استغلوا فترة الانهيار الامني، وشيدوا منازل كاملة على مساحات مخصصة لبناء مدارس او مستشفيات أو متنزهات عامة، حتى انهم شكلوا احياءً، تعرف الان بالحواسم (مفردة جديدة الاستخدام بعد عام 2003 يشار بها الى اي شئ مسروق)، وهؤلاء ينتظرون قراراً حكوميا بتمليكهم هذه الاراضي، أو تعويضهم في حال طردوا منها.

غلاء اسعار العقارات والبيوت يجعل الأثرياء هم الزبائن الاكثر لسماسرة العقارات. هذا ما يؤكده سمسار العقارات شيت محمد كريم، الذي يقول "ان معظم زبائنه ألان هم من التجار، أو السياسيين، لكن هناك أيضا أساتذة في جامعة الموصل، وموظفون بمناصب رفيعة في دوائر حكومية".

وأشار شيت الى ان ارتفاع الأسعار لم يقف عند الأراضي السكنية داخل مدينة الموصل فقط، وإنما شمل الأراضي الزراعية خارج التصميم الأساسي للمدينة، وهناك "اشتعلت حرب عقارات" على حد وصفه، بين "جمعيات الإسكان التي تشكلت في العديد من الدوائر الحكومية".

وهذه الجمعيات تقوم، في العادة، بشراء عدد من الدونمات الزراعية، لصالح مجموعة من الموظفين في دائرة معينة، ثم يجري تقطيعها بالتساوي بينهم بعد تنظيم معاملة تغيير صنف العقار من زراعي الى سكني قابل للتصرف من قبل المواطنين، ودفع الرسوم الخاصة بذلك، وتتراوح المساحة عادةً بين 200 – 600 متر مربع، وتجرى قرعة بين المستفيدين قبل ان توزع عليهم.

وذكر السمسار شيت، ان نقابة المحامين في الموصل على سبيل المثال، اشترت ما يقرب من 96 دونم (الدونم الواحد يساوي 2500 متر مربع بموجب القانون العراقي) في منطقة الشلالات شمالي مدينة الموصل، وطلبت من كل محامي تسديد مبلغ معين عن كل قطعة ارض بمساحة (300) متر مربع، وكذلك فعلت جمعية في شركة الأسمنت الشمالية ودائرة الكهرباء وغيرها من الدوائر والمؤسسات الحكومية، وحتى منظمات المجتمع المدني الناشطة في نينوى.

ويوشير شيت الى ان هذا الامر دفع مالكي الاراضي الزراعية خارج الموصل، الى رفع اسعار أراضيهم، فأصبح سعر الدونم الواحد لا يقل عن 30 مليون دينار (مايقارب 25 الف دولار).

ويصل في بعض المناطق الى ضعفي هذا السعر، كما هو الحال في حي الفلاح والحدباء شمال الموصل، في حين أن سعر الدونم الواحد وحتى قبل اعوام قليلة ماضية، لم يكن يتجاوز المليوني دينار في احسن الاحوال (اكثر من 1600 دولار).

المراقبون للشأن الاقتصادي في نينوى، حذروا من قضم الاراضي الزراعية من قبل جمعيات الإسكان، وطالبوا بإجراءات حكومية لوقف قطار العقارات الجامح.

وهذه الفوضى وعدم السيطرة على سوق العقارات في الموصل حملت معها مفارقات عديدة منها، حسب قول المستثمر في مجال العقارات، محمد العزاوي، ان "قطع اراضٍ في احياء معينة من الموصل اصبحت أغلى من مثيلاتها في دبي على سبيل المثال".

واكد ان علاج هذه المشكلة يكمن بحلول تطرحها الدولة، منها الاشراف على تخطيط وتقسيم اراضٍ زراعية وتغيير صنفها الى سكني وعرضها للبيع على المواطنين، وهذا ما يساهم في تخفيض اسعار الاراضي، مع السيطرة على التوسع الحاصل في المدينة.

وربما هذا الامر هو ما دفع السلطات المحلية في الموصل الى الاعلان في 25/11/2010 عن البدء بتنفيذ اكبر مشروع سكني فيها اطلق عليه (عين العراق) سيشيد جنوب الموصل، على مساحة واسعة من الاراضي، متآلفا من (20) الف وحدة سكنية و(750) منزل مع كافة المرافق الخدمية الملحقة، وملاعب أطفال ومتنزهات ومطاعم واسواق.

وبحسب اراء متفرقة في سوق العقارات بالموصل، فان الاعلان عن هذا المشروع ساهم في تخفيض اسعار العقارات بمقدار 20%. ومن المؤمل، في حال تم البدء بتنفيذ هذا المشروع فعلاً، ان تواصل اسعار العقارات انخفاضها، بما يجعلها ضمن الحد المعقول في محافظة تعاني من ازمة سكن متفاقمة منذ سنوات بعيدة.


http://www.niqash.org/articles/?id=2758&lang=ar
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة