النص القرأني والأحاديث بين الظرف التأريخي و الواقع الحداثوي

بدء بواسطة يوسف تيلجي, أغسطس 24, 2016, 04:38:04 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

يوسف تيلجي

                         النص القرأني والأحاديث بين الظرف التأريخي و الواقع الحداثوي

المقدمة :
   العقل ، وبعيدا عن العاطفة ، هو الحكم في كل تحليل أو تعليل أو تفسير ، وخلاف ذلك نكون في غياهب الخرافات و أسرى للأساطير و مشدوهين للغيبيات ، فالنص القرأني مثلا  أرى أن نفهمه عقليا ، وحتى نكون كذلك من المنطق أن تكون هناك علاقة جدلية بينه / النص ، وبين الزمان و المكان ، ودون ذلك نكون قد أخطأنا في تفسير النص وأبتعدنا عن السببية في تنزيله ! هذا ما اريد بحثه ، في هذا البحث .
الموضوع :
   عامة .. الدين الأسلامي كمادة ، هو القرأن / نصوص وأيات وسور ، و المأثور الديني ، والذي يضم السنة والحديث و التأريخ الأسلامي / المحدد في حقبة ظهور الأسلام وصدر الرسالة المحمدية ، والمنطق يفيد كل ما كتب لغاية وفاة الرسول .. ، فكل هذا " الكم من الأرث أرتبط بالظروف الزمكانية  " ، وخلاف هذا المبدأ او دونه نكون قد أنفصلنا عن الزمن و الواقع الحياتي و المجتمع ، وأن المقولات التي يطلقها شيوخ الأسلام أو جماعة الأخوان المسلمين أو غيرهم من السلفيين ، أن " الأسلام صالح لكل زمان و مكان " أو " الأسلام هو الحل " ، أرى أن تطوى جانبا لأنها لا تخدم الدين والمعتقد في ربطهما بالزمن و الواقع !!
النص :
بناءا على ما سبق أرى أن الكثير من النصوص ، أنزلت أو قيل بها أو تحدث عنها أو سننها الرسول .. في زمن معين ومكان  وظرف خاص محدد ، أنتفت الحاجة أليه بعد 14 قرنا منها الأتي / وهذا نموذج مختصر جدا ، يضم أيتين وحديثين ، مع تفسير أولي :
1. المؤلفة قلوبهم - .." إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم"..(التوبة : 60 ) ، وتفسير هذا هو :        ((  فقيل : هم قوم كانوا في صدر الإسلام ممن يظهر الإسلام ، ويتألف بدفع سهم من الصدقة إليهم لضعف إيمانهم . وقيل : هم صنف من الكفار يعطون ليتألفوا على الإسلام . وقيل : هم قوم من عظماء المشركين لهم أتباع  ، يعطون ليتألفوا أتباعهم على الإسلام . يقول القرطبي رحمه الله ( والمشركون ثلاثة أصناف : صنف يرجع بإقامة البرهان ، وصنف بالقهر ، وصنف بالإحسان ، والإمام الناظر للمسلمين يستعمل مع كل صنف ما يراه سبباً لنجاته وتخليصه من الكفر .. )) / نقل بتصرف من موقع أسلام ويب  .. فهل يوجد الأن نماذج قوم  كالمؤلفة قلوبهم !
2. (  قاتلوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ باللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) التوبة:29 .. وتفسير هذا (( .. قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسوله الله:  قاتلوا )، أيها المؤمنون ، القومَ  =( الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) ، يقول : ولا يصدّقون بجنة ولا نار  =(ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق ) ، يقول : ولا يطيعون الله طاعة الحقِّ ، يعني: أنهم لا يطيعون طاعةَ أهل الإسلام  =(من الذين أوتوا الكتاب )، وهم اليهود والنصارَى ) . / نقل بتصرف من  quran.ksu.edu.sa/.../sura9-aya  ، أما قوله ( حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) فتفسيرها ، (( وقوله: ﴿ حتَّى يُعْطُوا الجِزْيةَ ﴾ أي إن لم يسلموا ﴿ عَنْ يَدٍ ﴾ أي عن قهر لهم وغلبة، ﴿ وهم صَاغِرُون ﴾ أي ذليلون حقيرون مهانون فلهذا لا يجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين بل هم أذلاء صغرة أشقياء". وقال الطبري: "ومعنى الكلام: حتى يعطوا الخراج عن رقابهم الذي يبذلونه للمسلمين دفعًا عنها" . فالآية تدلّ على مشروعيّة أخذ الجزية من أهل الكتاب، وأنهم ينبغي أن يعطوا هذه الجزية عن قهر لهم وذلة وغلبة وهم صاغرون . )) / نقل بتصرف عن موقع الألوكة .. ما هذا الأذلال و التحقير للبشر .
1. حديث الرسول ( لقد جئتكم بالذبح ) ، وتفسيره ((  ‏قال ‏يعقوب ، ‏حدثنا ‏أبي ، ‏عن ‏ابن إسحاق ، ‏قال : وحدثني ‏‏يحيى بن عروة بن الزبير ،‏ عن أبيه عروة ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : قلت له : ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابت من رسول الله فيما كانت تظهر من عداوته ؟ قال حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر ، فذكروا رسول الله ،‏ فقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط ‏، سفَّه‏ أحلامنا ، وشتم آباءنا ، وعاب ديننا ، وفرق جماعتنا ، وسب آلهتنا ، لقد صرنا منه على أمر عظيم ، أو كما قالوا . ‏قال : فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله  ‏فأقبل يمشي حتى استلم الركن ، ثم مر بهم طائفاً ‏بالبيت ، ‏فلما أن مر بهم غمزوه ببعض ما يقول ، قال : فعرفت ذلك في وجهه ، ثم مضى ، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها ، فعرفت ذلك في وجهه ، ثم مضى ، ثم مر بهم الثالثة ، فغمزوه بمثلها ، فقال : تسمعون يا معشر‏ ‏قريش ، ‏أما والذي نفس‏ ‏محمد ‏ ‏بيده‏ ‏لقد جئتكم بالذبح .))
/ نقل بتصرف من موقع الأسلام سؤال وجواب .. ما جدوى سرد هكذا أحاديث عنفوية !
2. أحاديث " حول ممارسة الجنس مع الحائض " ، ((  قال ابن كثير: ( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ) يعني : الفرج.  وروى أبو داود عن معاذ بن جبل سأل رسول الله : ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض ؟ قال : ما فوق الإزار.  وفي صحيح مسلم أن النبي قال : "اصنعوا كل شيء إلا النكاح".  وفي البخاري عن ميمونة قالت : " كان رسول الله أذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه وهي حائض أمرها أن تأتزر ثم يباشرها".  فمجموع هذه الأحاديث يدل على حرمة الجماع في الفرج ، ويبيح للزوج أن يستمتع بزوجته وهي حائض ، فيما فوق السرة وتحت الركبة ، والاستمتاع بهذه الصورة هو قول الحنفية والمالكية والشافعية، وقد استفادوا هذا التحديد من إباحة النبي  الاستمتاع بما فوق الإزار ، لأن الإزار هو الثوب الذي يستر وسط الجسم وما دونه ، وهو ما بين السرة والركبة غالباً ، وعلة منع الاستمتاع بما بين السرة والركبة أنه داعية إلى الجماع ، ووسيلة إليه ، والوسائل لها حكم المقاصد.  )) / نقل بتصرف عن مركز الفتوى .. أرى أن ما سبق هي أمور شخصية تحتوي على أمور تتعلق بالحرية الذاتية للفرد ، والحديث كان ذات مغزى في زمن ومكان وظرف سرد الحديث ، وذلك لجهل الكثير من المجتمع القبلي بهذه الامور ، أما الأن فالثقافة الجنسية موجودة حتى عند الحدث وليس البالغ فقط ! .
القراءة :
الدين الأسلامي في أزمة ، مع نصوص قد أنزلت في زمن قد قضى ، على أثر ظروف ومناسبات ووقائع محددة وموصوفة بحد ذاتها حدثت قبل 14 قرنا ، ضمن مجتمع قبلي جاهلي ، له تقاليده و أعرافه ، الكثير من هذه النصوص لا تمت لحاجات وظروف الحاضر بشئ عدا أيات الصلاة والزكاة .. ، أنها نصوص غريبة على مجتمع اليوم ، فهل للسبايا مثلا  من وجود ، عدا وجودها في العقلية المشوهة لبعض رجال الدين و بعض القتلة كمنظمة داعش الأرهابية ، وهل للمرء الأن من حاجة لثقافة جنسية في القرن الواحد والعشرين ، وهل من الطبيعي و الأنساني أن يأخذ المسلمون جزية من الكفرة  / المسيحيين واليهود ! .. فيما يلي بعض الأضاءات العامة :
أولا – ليس من أجماع على هذه النصوص والأحاديث الماضوية ، وذلك لأنها قد فقدت فعاليتها مع ظروف العصر الحالي ، وفقدان الأجماع عليها ليس من الضروري أن يجهر به من قبل الباحثين أوالمهتمين أوالمؤمنين أو.. ، لأنه مضمور في القلوب و العقول . ثانيا – الهمهمة والغمز و اللغط بدأ ينتشر منذ سنين بين المفكرين المتنورين ، كالراحل فرج فودة والراحل نصري حامد أبو زيد وسيد القمني وأحمد القبانجي وغيرهم ، وهذا قاد الى حراك فكري حداثوي لكسر صنمية هذه النصوص التي لا تخدم ديمومة و أستمرار الأسلام . ثالثا – بقاء هذه الصنمية في النصوص أدى الى دفع الكثير من المسلمين الى تغيير مذهبهم أو معتقدهم أو قادهم الى الألحاد أو اللادينية .. رابعا – أن بقاء الحال على ما هو عليه سيعمل على خلق فجوة فكرية في المعتقد وذلك  لتخلف النص عن مواكبة العصر ، وهذا مؤكد مثلا ، في قوله تعالى ( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين (  51 سورة المائدة  ، وذلك لأن هذه الأية / على سبيل المثال ، تحث وتشير بالوقت نفسه الى التفرقة والطائفية وعدم المساوات في الحقوق و المواطنة بين أبناء المجتمع الواحد .. خامسا - أن مهمة الأسلام كدين ومعتقد ، هو التعبد في حب الله وليس الجهاد والسبايا ، وما يتبعها من من قتل وعنف ودمار ، وأفضل مثال على هذا هو ما يحدث في سوريا من خلال المجاهدين !! فعلى  شيوخ  ورجال ودعاة الأسلام  الحث على التمسك ب أركان الإسلام  (( مصطلح إسلامي ، يطلق على الأسس الخمس التي يبنى عليها دين الإسلام ، ويدل عليها حديث : " بني الإسلام على خمس" ووردت في الأحاديث النبوية بصيغ متعددة ، وهي : الشهادتان ، شهادة أن لا إله إلا الله ، وشهادة ان محمداً رسول الله )  إقامة الصلاة  (وهي خمس صلوات في اليوم والليلة ) إيتاء الزكاة صوم شهر رمضان. حج البيت  (من استطاع إليه سبيلا ، أي للقادرين – نقل من الويكيبيديا )) ، والأبتعاد عن نصوص السيف و القتل والعنف والجهاد ..
الختام :
ليس الهدف أو الغاية من هذا " البحث المختصر " هو ألغاء أو شطب هذه النصوص ، وذلك لفعالية هذه النصوص في وضعها الماضوي وفق زمان  ومكان قد قضى ، ولكن هدف البحث هو من أجل الحداثة وقراءة المعتقد بصيغة حضارية ومجتمعية ، ومن الضروري وقف تدريس و قراءة هذه النصوص في المدارس و المعاهد والجامعات وخاصة المؤسسات الدينية كالأزهر والحوزات الدينية .. ، وهذا الأمر يتطلب وقفة حق شجاعة كوقفة عمر بن الخطاب / عندما أبطل سهم المؤلفة قلوبهم وقطع يد السارق .. ، خاصة من قبل شيخ الأزهر الأمام الأكبر أحمد الطيب و مفتي الأزهر شوقي علام ، ومن قبل المراجع الشيعية ومن قبل شيوخ الدين المتنورين .. ومن الضروري التركيز على نشر أيات تشجع على التعامل مع أهل الكتاب عامة بشكل حضاري ، وفق قوله تعالى (  ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ) 46 سورة العنكبوت ، والتركيز على التفاهم وفق أسلوب مبني على السلم بعيدا عن العنف و العصبية والفوقية ، كقوله تعالى (  ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم  ) 34  سورة فصلت ، و الأبتعاد عن النهج العدواني الماضوي الذي كان ماثلا مع يهود بني قريضة و بني النضير .. الذي كان سائدا قبل 14 قرنا  والذي ليس له من فائدة في الوقت الحاضر ، كقوله تعالى ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) 82 المائدة .. علما أن المسيحيين هم أيضا مشركون في المعتقد الأسلامي ، ولكن ختام الأية تعطي للمسيحيين مكانة وأفضلية ، وهذا حقا محيير! .
أخيرا أن الدين هو أسلوب حياة ونهج لبناء قيم المجتمع وطريق قويم للأخلاق ، وليس الدين قشور نصوص وقيم وعادات سادت في حقبة البداوة والغزو والغنائم والسبايا والغلمان .. ، فمن أراد تلك الحقبة فليعلم أنها  قد أنتهت ولن تعود ، ومن أراد الحياة فعليه أن يستنير ويمضي قدما الى الأمام  وليس الى الوراء !