تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

من قصص اللجوء شمعون كوسا

بدء بواسطة matoka, فبراير 05, 2013, 03:51:37 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

من قصص اللجوء






برطلي . نت / بريد الموقع


ان الآراء السديدة والافكار الجميلة بصياغاتها المتناسقة تأتيني عادة عند النوم ، فاقوم احيانا لتدوين بعضها ولكن في اغلب الاوقات أتقاعس عن النهوض معتمدا على ذاكرتي ، فامسك بالفكرة او الجملة بقوّة في ذهني ، لكي اعيدها بسهولة ، ولكني عند الصباح أرى صفحة الليل قد محاها النهار كليا . أعود واغلق عينيّ واضعا نفسي في ظلام الليل واجوائه ، فألمح بعض اطراف تلك الفكرة او أحرف تلك الجملة ، ولكني بمجرد الاشارة اليها ، أراها تولّي هاربة وتختفي وكأنها بحظرة شرطي يحمل لها مذكرة توقيف .

لقد تطرقت قبل الان وبصورة عابرة لبعض ما يُروى عن اللجوء ، ولكن الموضوع واسع بسعة المعمورة وسعة مئات الالوف من الناس الذين لبسوا ثوبه ، موضوع نعود اليه لا إراديا كل يوم .
لا يخفى على أحد بان لِلّجوء متطلبات اساسية لا بدّ من توفيرها وهذه المتطلبات الاساسية تفرضها ظروف البلد الذي ، في حالة العراق ، ذهبت الى ابعد مما هو مطلوب . وهناك ايضا متطلبات ثانوية اخرى ظرورية كتلطيف بعض الاجواء وتأزيم غيرها وتدوير بعض الزوايا وزيادة حِدّة البعض الآخر منها ، وايضا تحوير بعض المعلومات والاكتفاء ببعض أجوبة عشوائية قصيرة من شأنها تسهيل الكثير من الامور ، لانه لولا هذه اللمسات الخفيفة الثقيلة ، لكان الشعب العراقي باكمله قد استحق اللجوء ونال هذه الصفة بسهولة لان الموجودين هناك مرّوا بنفس الظروف الصعبة ويعيشون مضايقات قد تكون اقسى ، ولكن ظروفهم المادية وبعض الاسباب العائلية واعتبارات كثيرة اخرى منعتهم من مغادرة البلد أو حتى التفكير فيه .
وطالبُ اللجوء عادة ، يستشير من سبقه في هذا الشأن ، لتجنّب بعض الاخطاء وايضا لتصويب الامور وتقديمها بشكل يقبله ذوو القرار . يتمّ التركيز مثلا على المسار البري او الجوي الفلاني الذي سلكه اللاجئ لان بعض مسارات معيّنة تدعو للريبة . كما يتم اختيار التنظيم أو الحزب المعارض الفلاني للاسهاب في امتداحه ، وهذا يتطلب معرفة نظامه الداخلي واسماء مسؤوليه مثلا . ومِن بين هؤلاء ، أناس يختارون نقطة انطلاقهم من مدينة معينة دون ذكر أي شئ عن مسقط رأسهم ، وإذا صادف وان قال لهم احد : أولستَ أنت من هذه المدينة ؟ يبسط امامك ، على منضدة طويلة ، كافة الأيمان رابطا كل يمين بكتابه المقدس ، وهو واضع يده على صدره وبنبرة الواثق من نفسه يحلف ويقول : ان هذه المدينة التي ذكرتَها ، لم أعش فيها يوما  ولم تطأْها قدماي !!
يتمّ تقديم الملفُّ الى الجهات المختصة ، وبعد عدة أشهر من المقابلات والتحقيق والتدقيق ، يحصل طالب اللجوء على النتيجة . فاذا كان الجواب ضوءً أخضرَ ، يرفع اللاجئ يده عن قلبه ويوشوش للاذين الايسر أن يخفّف من دقاته ، ويبدأ بعملية استنشاق طويلة لانه لم يبقَ هناك سبب للخوف ، فالزوايا الحادة والاجوبة المختصرة مرتّ بسلام والقرار سيظهر بعد ايام في الجريدة الرسمية . يقوم صاحبنا حينذاك باخراج رُبعيّة عَرَقِه من جيبه الداخلي ، وبرشفة واحدة يوصل السائل الى نصفه . وعندما يكتسب اللجوء درجته القطعية ، تزول الخشية من إلغائه ، ما لم يكن ، صاحبُ الربعية ، قد فقد عقله وأقدَمَ على ارتكاب جريمة .
كلامي هذا كان عاما جدا ، ولقد دخلتُ بعض المسالك الوعرة لاصل الى منعطف يتيح لي سرد حادثة عشت حيثياتها في سفارة خارج العراق . في أحد الايام ، قدِمَتْ الى السفارة امرأة بصحبة مع ابنتيها وعبّأت طلبا للتأشيرة مدّعية بان زوجها لاجئ في بلد اوروبي . تقدمت المرأة بجوازها الاردني لانها كانت فلسطينية ، وبعد ان استعلمت عن المدة المتوقعة لاستلام الجواب ، غادرت السفارة .
بعد ثلاثة اشهر عادت المرأة الى السفارة وطلبت نماذج تقديم جديدة ،  وعند طلب اوراقها ، اخرجت من جيبها اوراقا عرقية . كانت تحمل هويات ووثائق عراقية اخرى حديثة الاصدار. استغربتِ الموظفة المسؤولة عن التأشيرات ، وعندما سألتها عمّا  جرى لها لكي تغير هويتها ، لانها سبق وان تقدمت للسفارة كفلسطينية وبجواز اردني ؟ غضبت المرأة وانكرت بانها فلسطينية ، وقالت بان كلّ ما تقدم كان خطأً ، وهي عراقية تماما وهذه اوراقها . إتصلت الموظفة بالمتشسار الذي أدخل طالبة التأشيرة حالا في مقابلة خاصة وطلب مني القيام بالترجمة . بدأ المستشار يطرح عليها بعض الاسئلة ، فاجابت في حدود المعلومات التي كان قد أطلعها عليها زوجُها ، ولكن عندما تعددت الاسئلة وتطلبت اجوبة مفصلة وواضحة ، لم تعُدِ المرأة تعي لما تقول ، فأتت أغلبُ أجوبتِها متناقضةً ، فكانت تكتفي بالقول :  العنوان الفلاني هو قرب مدينة المنصور أوبجوار معسكر الرشيد ، الى ان رأت نفسها في ورطة واصابتها حالة هستريا وقالت : لماذا تمنعون عني التأشيرة ، زوجي عراقي وليس لديكم حقّ في رفض طلبي او التحقيق معي ، واني قدمت الى هنا بعد ان حصل زوجي على الاقامة.
كتب المستشار تقريره الى وزارة الخارجية . بعد هذا بفترة قصيرة ، زار السفارةَ زوجُ المرأة المخولة بتغيير جنسياتها ، وقال بانه قادم ليصطحب زوجته الى حيث يقيم . بعد تقديم اوراقه الثبوتيه ، تم ابلاغ المستشار بالموضوع ، وهذا رآها فرصة مناسبة لاخضاع الزوج ايضا للمقابلة . دعاني للدخول معه لـتامين الترجمة ، خاصة واني عراقي وسأكتشف الكثير من الامور . لبّيتُ طلب المستشار مرغماً لمعرفتي التامة بحساسية الموضوع ، ولكنه لم يكن لي أيّ خيار في عدم القبول لاني كنت  المترجم الوحيد .
بدأ الزوج المقيم يتكلم بلهجة شبه عراقية ، كان قد اعتاد على اللهجة بحكم عمله لمدة طويلة في الكويت . إدّعي بان أباه كان عسكريا مهما يحتل مسؤولية في الجيش العراقي وبانه تمّ أعدامه مع الشخصية الفلانية ، وعندما قلت له بان فلان لازال على قيد الحياة ، إعتذر وذكر اسما آخر غير معروف .
بدأ المستشار يُمطره بالاسئلة ، فاستفسر عن مدرستة الابتدائية والمتوسطة وسأله عن موقع محطة الاذاعة والتلفزيون ، وعنوان الوزارة الفلانية وموقع المستشفى الفلاني والبريد المركزي والحيّ الذي يضمّ بعض الدوائر الاخرى ، كان صاحبنا قد وسّع دائرة معلوماته ولكنه اضطر كزوجته تكرار نفس الاجوبة المتناقضة وفي النهاية التزم الصمت رافضا الاجابة على اي سؤال  ، متوعّدا بتقديم شكوى لدى عودته .
بعد أن ناقش معي بعض الامور، كتب المستشار تقريره الذي كان يؤكد في صفحاته الاربع  ويكرر بان الزوج هذا ، على الاقل ، ليس عراقيا كما يدّعي . توقّع المستشار بان تقوم الوزارة بالغاء لجوئه او إعادة دراسة موضوعه ، غير ان الجواب وَرَدَ للسفارة بسرعة البرق وكان مفاده : لقد تمّ مقابلة اللاجئ هذا ثلاث مرات قبل الان وحصل على صفة لاجئ ولا سبيل للتراجع ، إمنحوا زوجته التأشيرة .

هذه احدى قصص اللجوء الغريبة . انها حالات نادرة ولكن هناك اشخاص استغلوا ظروف العراق واستطاعوا ان يخدعوا نزاهة المحققين .
لم يكن لي موضوع آخر افكر به فاكتفيت بسرد هذه القصة .


 
Matty AL Mache