قصص من المناطق السنية- مظلومون بحاجة للمساعدة أم أشرار كذابون؟

بدء بواسطة صائب خليل, فبراير 04, 2013, 10:53:38 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

قصص من المناطق السنية- مظلومون بحاجة للمساعدة أم أشرار كذابون؟


ماهو مقدار الحقيقة وما مقدار الإختلاق في قصص المظالم السنية؟ هل حقاً أنها أوهام و اختلاقات خلقها البعث وأؤلئك الذين "لا يستطيعون الحياة دون أن يحكموا" ومن عجز عن إسقاط المالكي إنتخابياً من الكتل، فبحث عن طرق غير شرعية ليحقق ما عجز عنه؟ هل يمكن تصديق النواب السنة، ومن قدم نفسه كممثل للسنة وتظاهراتها في ادعاءاتهم، رغم أننا نعرف أنهم جميعاً منافسون للمالكي ونعلم أنهم لا يتورعون عن قول أي شيء يسهم في تشويه سمعته؟ هل يتكلمون بحيادية رغم أن أي منهم لم يمتدح الحكومة يوماً في أي شيء فعلته، ورغم أن البعض منهم متهم بالإرهاب وربما يبحث عن منفذ للهرب من الحساب؟ هل نستطيع تصديق أشخاص مازالوا لا يأنفون أن يتحلقوا حول أمثال أياد علاوي رغم كل ما كشف عنه من حقائق قبيحة، ورغم أنه لم يهتم أبداً بأية مطالب لناخبيه ولم يظهر في البرلمان إلا للدفاع عن المفوضية العليا للإنتخابات، تلك المؤسسة التي تزكم رائحة سمعتها الأنوف؟

أية مصداقية لشكاوى الجانب السني من العراق؟ هذا السؤال كنت اطرحه بنفسي على نفسي متردداً، فكيف يراه الجانب الآخر إذن؟ لقد كنت حين استمع إلى احدهم يتكلم بعصبية ونفاذ صبر وغضب، ربما لحساسية الأمر بالنسة له، لكن في النهاية كان يعجز عن إقناعي بوجود أدلة قاطعة على علاقة الحكومة بالموضوع رغم تأكيداته عليه، خاصة ما يتعلق بالإعتقالات والإغتيالات، وحتى لو كانت بسيارات حكومية الشكل، وأن "السيطرات" لم تكن توقفهم، فأعتبر الموضوع مبهما ً وألقي به على "الإرهاب" الذي لا أراه إلا نتاجاً إسرائيلياً أمريكياً، لا علاقة له لا بالسنة ولا بالشيعة ولا بالحكومة أو المعارضة، حتى إن اشترك في تنفيذه أي من هؤلاء، فأنا أعتبر أن الإحتلال قد اخترق كل المؤسسات العراقية وخاصة الأمنية منها بشكل مخيف.

لقد كان من سوء حظ السنة أو سوء تصرفهم أو كلاهما معاً أن تتجمع ظروف عديدة لتخلط الحقيقة بالقصص المختلقة، وتضع فيتو على شكواهم تمنعها من الوصول، ليس فقط إلى الحكومة، وإنما إلى الجانب الشيعي من البلاد، الجزء الأكثر نفوذا وقربا إلى السلطة. وحسب تقديري فأن ما كان يمنع وصول شكوى السنة إلى الشيعة، ليس الشعور الطائفي الشيعي، بل خشية الشيعة من الطائفية السنية وأن تلك الطائفية هي التي تدفع السنة إلى الشكوى، ففسروا تلك الشكاوي على أنها أكاذيب تستهدف النيل من "حكومتهم" ورموزهم السياسية.

وساعد على ذلك الفيتو أن الإعلام الذي كان يتبنى تلك الشكاوى، كان كله إعلام مشبوه، ويكاد العراق يخلو من أي إعلام غير مشبوه! لكن المحطات القريبة من الحكومة كانت ترفض تلك القصص، وتتبنى القصص التي تفندها. بل كان هناك مخطط إعلامي كبير يستهدف فصل السنة عن الشيعة إعلاميا وتقديم قصتين مختلفتين لكل حادث أو موضوع، قصة للسنة وأخرى تناقضها للشيعة. وعندها تصبح كل قصة عند الطرف المقابل غير قابلة للتصديق لأنه لم يستمع إلى التفاصيل التي دافعت عنها وثبتتها لدى الطرف الأخر وجعلته يصدقها ومن هذه القصص قصة جريمة عروس الدجيل وقصة حمايات الهاشمي وغيرها، ولكل من هذه القصص، بنسختيها الشيعية والسنية ما يدعم مصداقيتها ويشكك بالنسخة الأخرى، ولم يكلف أي من الطرفين نفسه أن يتفحص "نسخة الطرف الآخر" ليتفهم كيف يفكر هذا، ولماذا يصر على عدم تصديق نسخته.
كان رد فعل الشيعة على شكاوى السنة مختصراً سهلاً أعفاهم من تعب التمحيص والشك. البعض من بسطاء الشيعة قبل بسرعة فكرة أن السنة إرهابيين بطبيعتهم، وأنهم يريدون إعادة البعث وأنهم تربوا على كره الشيعة، رغم توفر الكثير من المؤشرات والأدلة على ان هذه التفسيرات ليست صحيحة، وأن بعض الظواهر ربما لها تفسيرات أخرى أكثر منطقية. الأكثر ثقافة من الشيعة، والذين لا يسهل إقناعهم أن مجموعة اثنية ما "تحب الإرهاب" ببساطة، وفي نفس الوقت لم يجدوا تفسيراً لهذه الشكاوى "غير المعقولة"، فقد أفترضوا أن السنة "قد أدمنوا الحكم"! وهو افتراض لا يقل كثيراً في غرابته عن فكرة أن السنة إرهابيين بطبيعتهم. فليس من المنطقي أن "تدمن" ملايين الناس "الحكم"، فماذا كان هؤلاء وقت صدام ولأية فترة زمنية حتى أعتادوا الحكم فلم يعودوا يطيقون الحياة بدونه؟

إن الإنسان المتعب المهدد لا يطرح الكثير من هذه الأسئلة الصعبة على نفسه، لكن دعونا نتحمل هذا التعب لدقائق فقط، ولننظر إلى اشد مظاهر هؤلاء "المدمنين على الحكم" حدة، وهي تظاهراتهم، وفي أجزائها التي تعدت حدود اللياقة ايضاً. لنعد إلى أفلام التظاهرات ولنسأل: هل يدل مظهر وعمر وتصرفات هؤلاء على انهم أناس أدمنوا الحكم؟ وأنهم يتظاهرون كذباً بأن مظالم وقعت لهم من اجل استعادة ذلك الحكم؟ إن الإصرار على اتخاذ موقف متفهم رغم أن الآخر يشتمك ليس أمراً هيناً، لكن لنفعل ذلك لأجلنا وليس لأجلهم، اي لاجل أن نعرف الحقيقة لكي يمكننا أن نتخذ موقفاً صحيحاً. لننظر ونتأمل، هل هذا جمع خائفين وحانقين أم جمع ممثلين يتظاهرون بالغضب أم جمع أناس يتعرضون للظلم الشديد وصمتوا لمدة طويلة، و يئسوا من أن يوصلوا شكاواهم لأحد؟ أم هو خليط من كل هؤلاء؟ لننسى طه الدليمي وعلي السلمان ولننظر إلى الجموع ونحاول أن نقرأ في عيونهم وحركاتهم ما يفضح لنا حقيقة دوافعهم، فإن توصلنا إلى تفسير وتصور لتلك الدوافع، لنسأل أنفسنا: هل يفسر هذا التصور كل أو معظم الحركات والحقائق التي نعرفها عنهم؟ ماهي دوافع هؤلاء الذين يتراكضون في كل اتجاه ويهتفون مرة للمجنون علي حاتم ومرة للعاقل عبد الملك السعدي، يرفعون مرة شعارات ترحيب وأخوة، وأخرى شعارات شتائم، مرة "علم صدام" ومرة اخرى "علم حكومة المالكي". ولنستاءل هل تفسيرنا المريح معقول ويستطيع تفسير كل ذلك؟ يعني هل يمكن أن يطمح هذا الشاب الراكض بالحجارة إلى أن يصبح وزيراً أو مدير عام؟ هل يمكن أن يكون قد أدمن ذلك في أي وقت من حياته؟ أم أن الأقرب إلى التصديق أنه كان يكبت شعوراً بالإهانة والخوف فأطلق العنان لنفسه عندما وجد الفرصة للتعبير عن احتجاجه؟

إنها محاولة لابد منها للوصول إلى الآخر لفهم حقيقته، لكن هذا قلا لا يكون سهلاً، فالذين عملوا على فصل العراق ووصلوا إلى هذه المرحلة المتقدمة، لن يتركوا إنجازهم يهدر بسهولة، وأتوقع أن نرى المزيد من المحاولات لتخريب أي اتصال بين الطرفين، وأعطاء الحجة لمتطرفيهم والداعين إلى الإنفصال للحركة. أتمنى أن يتمكن الخيرين من إفشالها وعبور المنعطف الخطر... لنقرأ القصص.

الموصل:
زميلي في الجامعة وصديقي القديم، الخجول الهادئ المثالي الأخلاق والذي كنت أراه أسطورة في الأمانة حين شرح لي كيف أنه رسب في الخامس الإعدادي حين رفض أن يمتحن لأنه علم ان أهله رتبوا له "واسطة" للنجاح مع مدرس الإنكليزي في الدور الثاني، وصار اليوم أستاذا في جامعة الموصل، تحدثت معه مرتين، حول ما يجري في الموصل. هذا ملخص ما تحدثنا به:

قلت له ألم تنتخبوا ممثلين سيئين لكم؟ هذا النجيفي سارع لبيع أراضي الموصل ومحاولة الإتفاق مع كردستان وأكسون موبيل في أول فرصة؟.. قال، لم يكن هناك خيارات. هذا ما كان موجود، وأنتخبنا النجيفي على أساس أنه وعد بتخليصنا من البيشمركه. كنا نشعر وكأنهم في سيطراتهم جيش احتلال... الآن الجيش العراقي أسوأ من البيشمركه! نحاول أن نكون في منتهى الدقة في التعامل معهم فأي خطأ قد يكلفك الكثير. كنت مع أهلي في السيارة ، من المعتاد أن ينظر الجندي في السيارة ويؤشر بالمسير، جاء الجندي فأشر لي أن افتح نافذة السيارة ففعلت فقال لي لماذا لم تفتح النافذة بنفسك؟ هل "تستنكف"؟ أجبته أن المعتاد أن نفتحها فقط عندما يطلب منا، فبدأ يهدد ويتوعد ويقول كلام بذيء وسألني – "تريد هسه ابسطك كدام عائلتك؟ إحنا ندري إنتو تكرهونه يا..."
قال لي، أحداث الموصل الأخيرة اثارتها قضية اغتصاب فتاة من قبل ضابط في الفرقة الثانية، لا بد أنك سمعت بها. سألته لماذا ربط الأمر بالقضايا الطائفية، هل الضابط شيعي؟ هل كل الضباط والجنود شيعة؟ قال لا، ابداً، السنة منهم ربما اسوأ من الشيعة. القائد السابق شاكر الغنام، سني، سحبوه لكثرة مساوئه، الذي حل محله لا أعرفه ولا اعرف أنه شيعي أو سني، لكنه ليس أفضل من الأول.
عن القاعدة أخبرني أنه لم يمر بتجربة شخصية، لكنه سمع كثيراً عن أصحاب محلات يجبرون على دفع "جزية" للقاعدة ، والحكومة لا تحميهم أو لا تستطيع أن تحميهم. وأخبرني عن صاحب صيدلية رفض الدفع فقتلوه.
قال لي أنه يعتبر أن القاعدة تدار من قبل أميركا، وسألني إن كنت أتفق معه، فقلت بالتأكيد. قال أن لا أحد يجرؤ هنا على الحديث علنا بذلك. وقال "خطيب الجامع ومدرس اللغة العربية شاكر المولى، أعرفه إنسان رائع، قال في خطبة له أن القاعدة يقودها الأمريكان قبل ثلاث اسابيع، تعرض قبل بضعة أيام لمحاولة أغتيال، لكنه لم يمت، وهو يرقد في المستشفى والرصاص مازال في جسمه"
وأكمل "الإرهاب زاد بشكل كبير في الآونة الأخيرة".
ثم عاد للحديث عن الجيش والسيطرات، وكان التعب والألم ينضح من صوته: "الجنود في السيطرات على أبسط شيء، يهددك بـ 4 إرهاب"، وأضاف: "أنت تعلم كم كنت أكره صدام حسين ودفعت ثمناً غالياً لذلك، وكنت أتمنى أن اقطعه بأسناني، لكني اقول اليوم هؤلاء أسوأ: كل واحد منهم صار صدام حسين"!
هدأ قليلاً، ثم أكمل: "الوصول إلى الجامعة يتطلب ساعات عديدة" قال أن زميل له ذكر اسمه أستاذ بالجامعة تأخر أمس 4 ساعات لكي يدخل الجامعة وكان يفور غضباً". وأكمل: "يتعمدون التأخير واستعراض عضلاتهم أمام الطالبات. الجيش في داخل الجامعة ويتحرشون بالطالبات، وإذا شافوا طالب وطالبة معاً يتمشون.... قضية اغتصاب الضابط للفتاة لم تكن القضية الأولى لكنها أفتضحت، وأنت تعلم الموصل مدينة محافظة ومثل هذه القضية ليست سهلة. الناس تشعر مهددة.
وما الذي تأمله حالياً؟ قال : سحب الجيش! قلت له لكنك تحدثت عن قوة القاعدة في الموصل فكيف إن سحبوا الجيش؟ قال هناك الشرطة، إن لم تكفي يجب أن يجندوا المزيد، يجب أن يجدوا حلاً، الوضع لا يمكن ان يستمر بهذا الشكل!

كان صديقي في منتهى الإحباط ويتحدث عن البحث عن اي حل. لم يثر قلقه إن احتل الإقليم لواء الموصل أو ضمّه إليه أو ضمته تركيا إليها! قال أنه يريد اية طريقة للتخلص من هذا الوضع، إن لم يكن كبلد، فبشكل شخصي، وهو يفكر بمغادرة البلد نهائياً، قائلاً، أريد ان اعيش السنوات القليلة الباقية من عمري بكرامة..هذا كل ما أطمح له.
أنا أعرف الرجل جيداً، واعلم أنه لن يستطيع العيش خارج العراق، ولن يقبل بتقسيمه أبداً، ولن يشعر بالكرامة إلا فيه، لكنه الوضع الصعب الذي اتمنى أن ينتهي قريباً.

ومن الأنبار هذا الحديث مع أحد المعارف القريبين مني:
كيف ترى تداعيات الأحداث أخي العزيز؟ قال أراها إيجابية! استغربت وسألت كيف؟ قال ما حدث كان يجب أن يحدث من زمن طويل، لقد استهتروا بشكل كبير!
وماذا عن الخربطة؟ قال: بالعكس كل شيء مرتب بشكل ممتاز
وماذا عن الشعارات الطائفية وأعلام صدام والهتافات غير المعقولة؟ قال: حدثت في البداية فقط، وإن لاحظت أنه لم يسمح بأي منها فيما بعد.
طيب في أي شيء "استهتروا"؟ أعطيني مثالاً من فضلك...
خال زوجة إبني مسجون منذ 6 سنوات بدون تهمة ولم يحاكم. أتهموه في البداية بأنه قاتل طبيبة وبدأوا بتعذيبه ليعترف. تبين أن الطبيبة من أقرباءه، فذهبت الطبيبة إلى القاضي وقدمت اوراقها وقالت أنها مازالت حية ترزق ولم يقتلها أحد، ومع ذلك لم يطلقوا سراحه حتى الآن!
- معقولة؟  قال "خذ مثال آخر: قبل أكثر من سنتنين حدث انفجار عبوه في مصفى بيجي، اعتقلوا مجموعة وصاروا يعذبوهم إلى أن اعترفوا على أنفسهم. لكنهم فشلوا في "كشف الدلالة" لأنهم اعترفوا كذباً للتخلص من التعذيب. تركوهم في السجن وقبضوا على مجموعة أخرى وتكرر نفس الشيء، وفي المجموعة الثالثة، نجح "كشف الدلالة"، لكنهم لم يطلقوا سراح المجموعات السابقة حتى الآن!
وهناك اعتقالات كثيرة لا تعد، أوامر إلقاء القبض جاهزة في السيطرات العسكرية وموقعة من قضاة على بياض. يأخذ الإنضباط هويات المسافرين اثناء التفتيش ويقول لهم أنه سيفحصها في النقطة، ليرى إن كان أحدهم عليه إلقاء قبض. وعندما يعجبه أن يلقي القبض على احدهم يقوم بكتابة إسمه على إحد تلك الأوامر الموقعة ويقبض عليه!
طيب وماذا يستفيدون من ذلك؟ قال، ليس لدينا تفسير سوى أنهم يريدون ابتزازنا مادياً. عندما يعتقل لك شخص، فزيارته يجب أن تدفع رشوة، وأن تأتي إليه بطعام ، رشوة، وأن ترسل له ملابس، رشوة، وأحياناً تستطيع أن تخرجه من الموقف برشوة كبيرة! إنهم لا يشعرون أن أحداً يحاسبهم فلا يجدون سبباً لإطلاق سراح الناس ماداموا مورد مالي كبير لهم.
هل هناك شيء آخر أو مثال آخر؟ قال: قامت الحكومة بحملة اعتقالات استباقية بشكل كبير جداً سبقت القمة العربية، الكثير منهم مازالوا معتقلين بدون أي تهمة منذ ذلك الوقت..

من بغداد أنقل حادثتين من صديق ...

الحادثة الأولى لقريب له يقول أنه تم اعتقاله في احدى السيطرات داخل بغداد و هو عائد بصحبة أولاده من زيارة لخطبة فتاة لابنه الكبير.   وجهوا له تهمة انه "ابو سعد" المطلوب بتهم الارهاب  واخذوه الى معتقل مطار وقاموا بتعذيبه حتى اعترف على نفسه وتم تسجيل إعترافه بالكاميرات بانه هوَ ابو سعد المطلوب للتخلص من التعذيب. و بعد ايام اعتقلوا ابو سعد الاصلي فعادوا الى تعذيبه ليعترف مرة ثانية بانه "ابو عمر البغدادي" فاعترف وايضاً تم التسجيل بالكاميرات! وأثناء انتظاره امر الإحالة، شاءت الصدف ان يجدوا ابو عمر البغدادي الحقيقي! وهنا بدأوا حفلات تعذيب جديدة  بسبب كذبه عليهم و اعترافاته. وبقي في السجن، وأخيراً و بعد ان قضى في الاحتجاز حوالي سنة وبصدفة مثيرة للضحك والآسى، يتعرف أحد أولاده على أحد القضاة، ويخبره بالقصة فوعده خيراً، وبالفعل تم اطلاق سراحه (بدون فلوس) وهذا كله حدث قبل اكثر من سنتين  ومازال الرجل لحد الان يعاني من مشاكل كلوية من جراء التعذيب!

القصة الأخرى لزميل من ايام الدراسة، مهندس من جامعة بغداد، والمعلومات هنا من زوجته وأحد اصدقاءنا.
تم اعتقال الرجل فجر يوم 5 شباط 2006، وضمن حملة لواء الذيب على منطقتهم " المختلطة" ، مع مجموعة من حوالي 14 شخص و كان هو الكبير الوحيد بينهم و الباقي من الشباب و قد تم اطلاق سراح احد الشباب في اليوم الثاني لانه تبين انهم اخذوا 2 أخوان من بيت واحد (وكأن المطلوب في حينه عزيز واحد من كل بيت فقط)..وعانت زوجته كثيراً لتعرف مكانه خاصة وأن تفجير سامراء حصل في تلك الفترة فعقد الأمور. ثم توصلت الى مكان اعتقاله واستطاعت مواجهته و لمدة وجيزة مرتين. الأولى في حزيران و الثانية في تموز من ذلك العام. لم يستطع ان يبلغها بالكثير, وطلب منها ان تبذل جهودها لاخراجه من هناك حتى لو تطلب ذلك دفع اي مبالغ و مهما كانت وفهمت انه كان يحس بنية تغييبه. وعندما جاء الموعد الثالث ابلغوها مع مجموعة من العوائل بانهم غير مشمولين بالزيارة لهذا الشهر وتكرر هذا في الاشهر التالية الى ان يأست من مواجهته فبدأت العمل على محاولة معرفة مصيره. واخيراً قابلت القاضي بطلب رسمي فأبلغها بانه سبق ان اصدر قراره بالافراج عنه لعدم وجود ادلة وأراها قرار الافراج الصادر في ايلول من نفس السنة.
فذهبت الى المعتقل فانكروا وجود اي شيء يشير الى وجوده عندهم سابقاً بحجة تبدل الجهة التي تدير المعتقل.وبدأت سلسلة البحث والمقابلات لكبار الضباط عسى ان تعرف مصيره و لكن دون جدوى. ثم تمكنت من الإتصال باحد الذين كانوا معه في المعتقل و تم الافراج عنهم، فقال لها بان ضابط اسمه علي جاء في مساء احد الايام و اخذ 3 من المعتقلين و كان زوجها من بينهم و لم يرجعهم الى التوقيف فظنوا انه تم الافراج عنهم.
تكمل زوجته قائلة: "قبل اكثر من سنه استدعتني وزاره حقوق الانسان وابلغتني بانه صدر حكم قضائي في قضيه زوجي وسلموني نسخه منه موقع من احد قضاة النزاهه(؟؟) لوزاره الداخليه وفيها بعد التحقيق ثبت انه تم اختطافه من قبل مليشيات مسلحه اقتحمت السجن في حينها فأمر القاضي باصدار شهاده وفاة له."
وتقول: " تصور اني استلمت الكتاب والاوليات ورحت للداخليه وقابلت القاضي المسؤول عن السجن الذي كان مودع فيه فضحك عندما قرأ الكتاب وقال كيف يصدر قاضي مثل هلخريط تصور الاوليات كلها اخطاء قضائيه منها الافراج عن اشخاص بعد ثبوت مسؤؤليتهم واخرها أنه لايمكن لاي قاضي اصدار امر قضائي لاصدار شهاده وفاة الا بعد ان ترفع الى محكمه الأحوال الشخصيه وتثبيت الفقدان وبعد اربع سنوات مع مجموعه من الاجراءت القانونيه اللازمة لإصدار شهاده الوفاة."

***

أنتهت القصص، وعلينا أن نتساءل: هل نصدق هؤلاء أم لا؟ هل نستنتج من تظاهراتهم أننا أمام "رس" خبيث و مجموعة "أشرار" يجب أن نخاف منها ونبتعد عنها، أم مجموعة خائفة يائسة لا تعرف كيف تعبر عن مطالبها،  يستغلها البعض استغلالاً سيئاً لتمرير أجندته بخلطها بمطالبهم، وأنهم قبلوا بهم بعد أن يئسوا من إيجاد من يستمع إليهم من الآخرين؟ إنه سؤال على كل منا أن يجيب عليه بما يراه مناسباً.

المؤرخ الأمريكي الإنساني الكبير، الذي رحل عن عالمنا قبل فترة وجيزة، هاوارد زن، والذي خلد اسمه في سجل الشرف بدفاعه عن الفئات الضعيفة في بلاده مثل السود والفقراء وذوي الأصول الأجنبية، وكتب "التاريخ الشعبي للولايات المتحدة"، يكتب في مقدمة كتابه: "لا يصرخ الفقراء عن حق دائماً، لكن مالم تستمع إلى صراخهم، فلن تعرف معنى الحق ابداً"!

صحيح أن الذين امامنا في هذه  الأمثلة لا يصرخون من الفقر، لكنهم يدّعون ظلماً آخر. أنا نفسي لا أعرف كم من هذا الكلام صحيح ودقيق، رغم اني أعرف وأثق بكل من حدثتهم، ولدي أوليات سابقة عن بعض تلك القصص. مع ذلك فيمكن أن تخطئ بعض التفاصيل هنا وهناك، وربما لم يكن جميع هؤلاء الضحايا أبرياء، لكن من واجبنا أن نستمع ونتحقق، ونحاول أن نميز الحق من الباطل من ذلك الصراخ... لعلنا نعرف معنى الحق، وعندها سوف نعرف دربنا ونثق بقرارنا، ونصل إلى حل حقيقي وثابت لما يمر به العراق من أزمة خطيرة!