حكاية مكان زاخرة بعبق الإيمان والمحبة والتاخي... "عنكاوا كوم" تزور دير مار متى

بدء بواسطة برطلي دوت نت, سبتمبر 17, 2012, 08:39:16 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

حكاية مكان زاخرة بعبق الإيمان والمحبة والتاخي...

"عنكاوا كوم" تزور دير مار متى الرابض على جبل الفاف




عنكاوا كوم – الموصل - سامر الياس سعيد

يحتفل مسيحيو الموصل بعيد القديس مار متى في الثامن عشر من ايلول من كل عام، حيث يحرصون ضمن تقاليد سنوية على زيارة الدير الذي يحمل اسم هذا القديس  والذي يقع على مسافة 35 كم شمالي شرقي مدينة الموصل.

ويعتبر الدير من الأماكن الأثارية التاريخية في ربوع العراق ومن المزارات الدينية المقدّسة العائدة للسريان الأرثوذكس. حيث يحظى الدير بشهرة واسعة لحرص السياح على زيارته، فضلا عن حرص العراقيين ومن كل محافظاته على زيارة الدير الذي يعود تاريخ تأسيسه  للقرن الرابع الميلادي وتعيين  الناسك مار متى الراهب كأول رئيس عليه.

وانضوى إليه بضعة آلاف من الرهبان والمتوحّدين من كورة نينوى وغيرها من بلاد العراق وفارس حتى سمي الجبل الذي يضم الدير بجبل الفاف كونه احتضن الالاف الرهبان ممن أقاموا مغاور فيه، ليتنسكوا ويبتعدوا عن العالم  لكن الكوارث والأحداث الدامية لم تبتعد عن هذا المكان الذي زخر تاريخه بالكثير من الغزوات والكوارث التي ألمّت به فأثرت على تصميمه الأول والآثار الفنية، فضلا عن اندثار النقوش والزخارف.

لكن مع ذلك، فالدير حافظ على معظم تلك البقايا من الأجزاء الجميلة فكان منها  المذبح وبيت القديسين (وهما جزء من الكنيسة) وقلاية القديس مار متى و الصهاريج بالإضافة إلى  بعض الكهوف والصوامع. اما سيرة القديس مار متى شفيع الدير فتشير إلى ولادته  في ديار بكرفي تركيا في الربع الأول من القرن الرابع، حيث ترهّب في صباه واختار طريق التنسك، ولما أثار يوليانس الجاحد قيصر رومية اضطهاده للكنيسة المسيحية عام 361م، غادر مار متى  مسقط رأسه إلى المشرق، يرافقه أكثر من عشرين راهباً أشهرهم مار زكاي، مار إبراهيم ومار دانيال و أنفرد مار متى أولاً في صومعة صخرية في جبل مقلوب لا تزال مائلة إلى اليوم. ثم ترأس الدير الذي شيده بعدئذ كما مر.

وإشتهر بتقواه وقداسته، وممارسة أعمال التقشف.كما حفلت سيرة القديس بالعديد من المعجزات التي صنعها ببركة  روحية  توفي في أواخر القرن الرابع أو أوائل القرن الخامس وهو شيخ طاعن في السن.

بعد مرور مائة عام تقريباً من تأسيس الدير، أصيب بحريق هائل عام 480، وإثر ذلك قضي عليه، وتأثرت معالم الدير كثيرا بالحدث الذي أصابه ففضل الرهبان تركه حتى  نهاية القرن الخامس، حيث عاد إليه بعض الرهبان وإستأنفوا الحياة النسكية ورمموا الدير المحترق حتى برز أسمه من جديد في عام ،544 فواصل مسيرته التاريخية بصورة منتظمة سيما في العهود العربية التي عقبت العهد الساساني. وفي عام 1171 هجر بسبب اعتداءات الدخلاء المجاورين.

وظل مهجوراً حتى عام 1187 ثم أستؤنفت فيه النشاطات الكنسية في شتى المجالات. ولما جاء ياقوت الحموي الجغرافي العربي الشهير لزيارة الموصل في مطلع القرن الثالث عشر حيث كانت قد اشتهرت بمدارسها وعلمائها وعمرانها على عهد بدر الدين لؤلؤ. زار الدير وقال فيه (دير مار متى بشرقي الموصل على جبل شامخ يقال له جبل متى. من أستشرفه نظر إلى رستاق نينوى والمرج.وهو حسن البناء وأكثر بيوته منقورة في الصخر. وفيه نحو مائة راهب. لا يأكلون الطعام إلا جميعاً في بيت الشتاء أو بيت الصيف وهما منقوران في صخرة. كل بيت منهما يسع جميع الرهبان، وفي كل بيت عشرون مائدة منقورة من الصخر).

كما شهد الدير عام 1260 معاناة كبيرة من رهبان الدير  من غارات المغول والتتر. ومر بظروف قاسية جداً، وصبر على اعتداءات الأعداء والعصابات طويلاً. وفي العقد الأخير من المئة الرابعة عشرة ظهر تيمورلنك. فتذبذبت أحوال الدير في عهده وإنتهى به الأمر إلى أن أمسى مأوى لبعض المجرمين الذين إستوطنوه مدة من الزمن.

ونتيجة لذلك تشرّد الرهبان وظل الدير مهجوراً منسياً مدة تنيف على المائة وخمسين سنة. ثم أخذ يلمع ذكره مرة أخرى بشكل خافت ضئيل في نهاية القرن السادس عشر وأوائل السابع عشر،ثم يتوهج بعد عام 1660 أي في العهد العثماني الثاني. فتتسلسل أخباره من ثمّ حتى يومنا هذا ويسير سيراً طبيعياً خلال الفترة الواقعة ما بين عام 1833-1846 إذ تولاه الخراب على إثر غارة محمد باشا (ميراكور) وخلا من السكان إثنتي عشرة سنة. وفي عام 1970- 1973 تجدد الدير تجدداً متيناً بكامل أجزائه.

وأنعمت عليه الحكومة العراقية بإيصال القوة الكهربائية وتبليط الطريق المؤدي إليه من مفرق عقرة والبالغ 10كم، كما بلّط طريق آخر يربط الدير بالطريق العام. حيث سهل ذلك على العديد من الوافدين زيارته والتبرك باثاره الباقية  لتتحدث عن عهود مختلفة عاشها الدير تباينت بين الفارسية والساسانية والعربية والمغولية ممثلة بتيمورلنك حتى عهده الذي عاشه تحت الاحتلال العثماني.

وكان موقع الدير قد حمل الكثير من الخصوصية والشهرة  ومنها ان موقع الدير في صدر جبل الفاف بارتفاع 2100 قدم عن سطح البحر.وغالبا ما يختار القاصد للدير سبيل التسلق للوصول إليه فيما يختار الطاعنون في العمر ركوب السيارة للوصول إليه اما المتسلق فيقصده من خلال طريق مرصوف بالحجارة تم إحصاؤه باثنتين وثلاثين استدارة يتلوى كشكل الأفعى ويقدر بكيلومتر تقريباً، أطلق عليه أسم (الطبكي) وهي كلمة سريانية من طبويو أو طبيوثو ومعناها المرتقى. اماالدير فيتألف من ثلاثة طوابق تشكل مائة غرفة تقريباً.

ويحوي أيضا ضمن محتوياته ً كنيستان. تعرف إحداهما باسم القديس مار متى. والأخرى باسم السيدة العذراء. اما الأولى التي تحمل اسم شفيع الدير فقد  شيدت على الطراز المألوف في إنشاء كنائس المشرق وتشتمل على ،المذبح،ومدفن الآباء القديسين،والهيكل،ومدفن الرهبان ويعود تاريخ مذبح الدير إلى زمان قديم  ينطق بقدمه بناؤه وقبته الشاهقة البالغة ارتفاعها عشرة أمتار.وفي جانبه الأيسر يقع  مدفن الآباء القديسين و هو المعروف ببيت القديسين،  تعلوه قبة يبلغ ارتفاعها سبعة أمتار. تشبه ريازتها ريازة قبة المذبح المشار إليه.

ويشمل على عدة أضرحة منها ضريح القديس مار متى مؤسس الدير وضريح العلامة أبن العبري المتوفي عام 1286 اما الهيكل فيعود تاريخ انشاؤه الى  عام 1858م وهنالك كتابة سريانية في واجهة المذبح تنطق بتاريخ بنائه. بيد أن جداره الشمالي وضع على أساس قديم.اما الكنيسة الأخرى التي تحمل كنيسة السيدة العذراء فهي  كنيسة قديمة جددت عام 1762 وهي بسيطة في شكلها. تحوي مذبحاً صغيراً  تعلوه قبة صغيرة وبسيطة. وهيكل مستطيل صغير. وشهد الدير الكثير من أعمال التأهيل والترميمات سواء في حقبة الثمانينات او عبر الأعوام السابقة وتشكل زيارته برنامجا رئيسيا لكل من يقصد محافظة نينوى لذلك فقد شهد الدير زيارة العديد من الشخصيات السياسية والاجتماعية المهمة وشكلت أبرشيته التي تشرف أيضا على مناطق برطلة وبعشيقة نهضة روحية من خلال الكثير من الفعاليات الروحية كما يضم الدير معهد كهنوتيا.