نصف قرن من المآسي العراق بين نظام قومي شمولي ونظام محاصصة طائفية/ ج2 د. يوسف شيت

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أبريل 18, 2013, 07:43:15 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

 
نصف قرن من المآسي                               
العراق بين نظام قومي شمولي ونظام محاصصة طائفية

الجزء الثاني
                                                                 
د. يوسف شيت 

برطلي . نت / بريد الموقع



أصبحت عسكرة المجتمع الشغل الشاغل لصدام بإستحداث تشكيلات عسكرية وصناعة عسكرية وزجّ المواطنين قسرا فيها . وفكرة عسكرة المجتمع جاءت من إقتداء عفلق بفكر الحزب النازي الألماني الذي يتزعمه هتلر ويقول :"هكذا رأينا الأمة الألمانية التي كانت في مطلع القرن الماضي في وضع من التجزئة المفروضة، والانقسام المصطنع الى ممالك وإمارات، يشبه وضع الأمة العربية في هذا العصر. كذلك رأينا هذه الأمة نفسها عندما خرجت مقهورة من الحرب العالمية الاولى . ولكن الأمة الألمانية عرفت كيف تجعل من قوى الامن الداخلي المحدودة العدد جيشاً جراراً، وكيف تحوِّل الصناعات المدنية الى معامل للسلاح وأدوات للحرب" . إلاّ أن عفلق يتغاضى الإشارة الى أن الجيش النازي أسسه هتلر لزجّه في حروب عدوانية توسعية لتحقيق أحلامه المريضة كما فعل صدّام لاحقا . أخذت وتيرة العداء للفرس قبل الحرب مع إيران بإزدياد , مثلا كان السيئ السمعة خير الله طلفاح يروج للكراهية تجاه القوميات الأخرى , وكان يردد مقولته "ما كان على الله أن يخلق الفرس والذباب واليهود ", أي أنه ينتقد سبحانه وتعالى على خلق ما لا يحلو للبعث ومن على شاكلته .
قرأت المخابرات الأمريكية أفكار صدّام وقلقه من الثورة الإيرانية بسهولة ,لأنه كان أحد صباياها وخادم أمريكا في العراق (بلد النفط) (16) . وتمّت اللقاءات بين الطرفين الأمريكي والعراقي والتي كان عرابها ملك الأردن حسين بن طلال , ووضعت اللمسات الأخيرة للحرب بين إيران والعراق بعد أن وعدت دول الخليج تقديم مساعدات مالية الى العراق في حالة إستمرار الحرب التي دامت ثمان سنوات خسر فيها البلدان الغالي والنفيس , بسبب سياسات الدكتاتور الفاشي وتعنّت القيادة الدينية الإيرانية الحالمة ب" تحرير كربلاء المقدسة " . وكان المستفيد الوحيد من الحرب المدمرّة هو إسرائيل وأمريكا . وقبل إنتهاء الحرب بعدة أشهر بدأ النظام أنفاله بضرب مدينة حلبجة الكردية بالسلاح الكيمياوي والتي إستشهد فيها أكثر من 5000 نسمة من سكانها المسالمين . وكان النظام قد إستخدم هذا السلاح ضدّ قواعد فصائل الأنصار الشيوعيين  (قاطع بهدنان) في أيار 1987 .
لم يستفق العراق من حربه مع إيران حتى أستدرج صدام  مرة أخرى , من قبل نفس الجهات  التي إستدرجته للحرب مع إيران , للدخول الى الكويت لتبدأ حرب الخليج الثانية التي كانت نتائجها أسوأ من الأولى . بسبب السياسات الرعناء لصدام والخسارات الهائلة في الأرواح وتدمير الإقتصاد ,مما جعل الشعب العراقي يثور على الأوضاع المزرية في آذار 1991 بدءا من مدينة البصرة حتى زاخو. إلاّ أن النظام سارع لتقديم التنازلات للأمريكان مقابل إستخدام الحرس الجمهوري وفدائيي صدام الذين كانت غالبيتهم من محافظات الجنوب للقضاء على الإنتفاضة . إستجاب الأمريكان للطلب خوفا من خروج الأوضاع من تحت سيطرتهم ,  وخاصة أنّ إيران لم تخف أطماعها في العراق وأرسلت قوات بدر الى هناك والتي تشكلت في إيران من عراقيين تحت قيادة ضباط إيرانيين مما أسال لعاب قيادة إيران الدينية في إمكانية قيام نظام طائفي في العراق , وكان هذا أحد أسباب فشل الإنتفاضة التي قمعت بأبشع الأساليب وقتل مئات الألوف , والمقابر الجماعية شاهد على ذلك .
هذا ما جناه الشعب العراقي خلال فترتي حكم البعث و الأخوين عارف من سجون ودفن القتلى في مئات المقابر الجماعية وتعذيب واغتصاب الأعراض وسرقة الأموال وحروب داخلية وخارجية وتشريد الملايين ونشر الفساد بأشكاله وتفتيت النسيج الإجتماعي للشعب بزرع الفوارق القومية والدينية والطائفية وتدمير الإقتصاد الوطني . وكانت فترة البعث الثانية 1968 – 2003 هي الأبشع في تاريخ الشعب العراقي , كونها فترة تجسيد أفكار البعث العفلقي على يد تلميذه صدّام . ولم تمرّ مناسبة حتى  يزفّ فيها عفلق إطراءه اللا محدود لتلميذه , وهذا نموذج لرسالة تهنئة بمناسبة مرور سنة على مذبحة تسلم صدام مقاليد الحكم من البكر : "واستطيع القول دون تردد ان حزبنا وشعبنا في العراق بقيادتك الحكيمة الفذة وفكرك العلمي الحديث وخلقك العربي الصافي قد جسد الصورة الصادقة للبعث ولفكرته القومية ذات المضمون العلمي والافق الحضاري والبعد الروحي النابع من رسالة الإسلام العظمى " . لقد ذهبتم إلى مزبلة التأريخ , ولا أحدا يأسف على مصيركم هذا, كمصير غيركم من الذين زرعوا الرعب والدمار في بلاد الرافدين , وليكون هذا درسا لكل من يسلك طريقكم .
3
عملت معظم أحزاب المعارضة للنظام السابق خارج العراق , أما الأحزاب الكردية والحزب الشيوعي العراقي كانت تنشط في كردستان وتقوم بعمليات عسكرية ضد تشكيلات النظام العسكرية المتنوعة ومخابراته حتى إخراجها من كردستان بعد إنتفاضة آذار 1991 . أمّا الأحزاب الأخرى كان تواجدها في كردستان رمزيا , فأحزاب الإسلام الشيعي كانت في إيران , وإنّ قسما منها تأسس هناك . وبقية الأحزاب والشخصيات المعارضة كانت متوزعة بين سوريا وأوروبا وأمريكا . أما في الداخل كان هناك تنظيمات قليلة للحزب الشيوعي وحزب الدعوة الإسلامية وتعمل تحت ظلّ ظروف في غاية الخطورة . وكانت كل هذه الأحزاب والشخصيات تعمل على إسقاط النظام , ولكن لكل منها نظرتها الى الأسلوب الذي يمكن إستخدامه لإسقاط النظام . من هذه الأحزاب والشخصيات من يرى بأن النظام لايزال قويا يستحيل تغييره من الداخل بقوى المعارضة الحالية , ولا بدّ لتدخل خارجي , والمقصود تدخل عسكري . ورأت هذه المجموعة بأنّ قانون تحرير العراق الذي أصدره الكونغرس الأميركي عام 1998 هو مناسب لها, حيث يشير الى مساعدات عسكرية ومالية وإعلامية مشروطة . ومن الذين تبنوا هذا الرأي مجموعة أحزاب وشخصيات إلتأمت في لندن يوم 15 كانون أول 2002 تحت مسمى "مؤتمر المعارضة العراقية في لندن", ونالت المجموعة ثقة الحكومة الأمريكية , ومنها الوفاق برئاسة أياد علاوي والمؤتم الوطني برئاسة أحمد الجلبي والحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة البرزاني والإتحاد الوطني الكردستاني برئاسة الطالباني والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بحضور عبدالعزيز الحكيم . وكانت اللجنة التحضيرية للمؤتمر قد شكّلت بإشراف أميركي . وكان هناك عدة أحزاب إسلامية كردية لم تنف المشاركة في المؤتمر ,لكنها طلبت تأجيله لفترة محددة .
والقسم الآخر من المعارضة العراقية يرى بأن إسقاط النظام هو من مهام العراقيين بدون تدخل خارجي , ويمكن أن يكون العامل الخارجي مساعدا , أي ثانويا بعيدا من أي تدخل عسكري . ورفضت ستة أحزاب حضور المؤتمر لتشكيكها بنتائجه كون المؤتمر ولجنته التحضيرية تدار بإشراف أميركي .وجاء الرفض بعد أجتماع الأحزاب الستة مع اللجنة التحضيرية للمؤتمر. وهذا ملخص موقفها : الحزب الشيوعي العراقي , قال ممثله :
صبحي الجميلي «في اللقاء الوحيد مع اللجنة التحضيرية لمؤتمر لندن قدمنا مجموعة من التساؤلات ذات العلاقة بالمؤتمر المزمع عقده ومنها: كيف تم تشكيل «اللجنة التحضيرية»؟ ومن اين استمدت شرعيتها؟ ولماذا استثنيت من عملية التحضير قوى اساسية معروفة بتضحياتها ونضالها؟ ما هي الاهداف المتوخاة من عقد المؤتمر؟ ما صلاحيات المؤتمر وتركيبته؟ ما الاجندة والوثائق التي سيناقشها؟ ما دور المعارضة العراقية في عملية التغيير؟ ما الموقف من الحرب والغزو والاحتلال وما يخطط له من تنصيب حاكم عسكري؟ ما البدائل المطروحة والموقف منها؟ ماذا عن استقلالية القرار الوطني العراقي؟ توقيت هذا التحرك وعلاقته بالمشروع الاميركي المطروح للتعامل مع الملف العراقي؟ وغير ذلك من الاسئلة والاستفسارات التي لم نحصل على اجابات بصددها. وكخلاصة لم نجد في المؤتمر المزمع عقده، ما ينسجم مع تصوراتنا ورؤانا لمؤتمر يجسد الهوية الوطنية العراقية المستقلة ويتبنى برنامجا وطنيا للتغيير . أمّا حزب الدعوة الإسلامية , قال رئيسه د.إبراهيم الجعفري : «نحن ومنذ فكرة انعقاد المؤتمر حددنا المنطلقات والافكار التي بموجبها سنشارك فيه، وحاورنا الاطراف المعنية واكدنا على اهمية استقلال القرار السياسي العراقي، وتأمين هيئة اشراف على المؤتمر على ان تكون عراقية وذات طابع مفصلي معروف، ونحن بصراحة لم نر اية حالة من الجدية بترتيب الاثر المطلوب من قبل اللجنة التحضيرية، ولهذا كان من الطبيعي جدا ان لا نستطيع التعامل مع هكذا مؤتمر . وقال رئيس الحزب الإشتراكي العربي د . مبدر الويس : «هذا المؤتمر يضم اطرافا مختلفة من المعارضة العراقية، وان مما سأقوله لا يشمل الاخوة الاكراد , كون ظروفهم مختلفة ولهم وضع خاص في كردستان. ان عقد هذا المؤتمر لم يتم برغبة ذاتية ووطنية من قوى المعارضة العراقية، انما تم تحضيره وتمويله وإعداده بناء على رغبة اميركية لهذا سوف يفقد مصداقيته في اتخاذ القرارات التي تخدم الشعب العراقي والامة العربية". والحزب الإسلامي العراقي (حزب سنّي) : "اتهم ممثله اياد السامرائي  المجلس الاعلى للثورة الاسلامية (تنظيم شيعي) بالعمل من اجل الهيمنة على مجريات مؤتمر المعارضة ومصادرة آراء بقية الاطراف , وإن التمثيل السني العربي في المؤتمر محدود وضعيف".
إنّ الخلاف الأساسي بين الأحزاب والشخصيات الحاضرة والمقاطعة  والرافضة لمؤتمر لندن هو طبيعة نظام الحكم القادم بعد السقوط وطريقة إدارته . وكان لمعظم أحزاب المعارضة  إرتباطات إقليمية ودولية , مثل السعودية وإيران وتركيا وأمريكا وبريطانيا وغيرها , وتحصل على دعم مالي وسياسي وإعلامي منها , لذلك فهي تحمل أجندات هذه الدول , وتتعامل فيما بينها على هذا الأساس . لذلك كان من الصعب أن تتفق أحزاب المعارضة على برنامج وطني موحّد يصلح لإدارة البلد بعد سقوط النظام . والعلاقة بين قوى المعارضة العراقية ليست وليدة مؤتمر لندن , بل على الأقل , منذ المجيئ الثاني للبعث في 1968 . وهذه الخلافات كانت السبب الأساسي لإستمرار نظام البعث , خاصة بعد فرض الحصار على العراق عام 1991. لذلك لم تقتنع أكثرية أحزاب المعارضة بقواها الذاتية لإسقاط النظام , رغم أنّ النظام أصبح معزولا داخليا وخارجيا , وأصبحت "نظرية التدخل الخارجي" هي السائدة وفرضت على العراقيين , وأصبح التدخل العسكري الخارجي قاب قوسين , رغم الإحتجاجات والمظاهرات الكثيرة المطالبة بالعدول عن هذا التدخل , والتي إجتاحت مئات عواصم ومدن العالم , شارك وساهم في تنظيمها آلاف العراقيين من أحزاب ومنظمات المجتمع المدني ومواطني الدول المعنية من عمّال وطلبة وأكاديميين ورجال دين من مختلف الأديان ورجال سياسة وأحزاب من مختلف التوجهات . وأكثر الأحزاب معارضة للتدخل العسكري في العراق هو الحزب الشيوعي , الذي كان يرى بأنّ قوة النظام تكمن في الخلافات الواسعة بين المعارضة العراقية , ومنها السياسية والفكرية- العقائدية وأساليب النضال . وضعف النظام يأتي من عزلته الداخلية والخارجية , رغم إستمرار علاقاته الدولية , لأنّ وضعه الداخلي أصبح هشّا لكره أغلبية الجماهير له وعدم قناعتها بإستمراره بسبب الإرهاب المسلط عليها وصعوبة إيجاد لقمة العيش اليومية بسبب الحصار الإقتصادي المفروض على الشعب , مما سبب بوفات مئات الألوف , معظمهم من الأطفال . 
لتبرير إحتلالهما للعراق إستطاع الرئيس الأمريكي بوش ورئيس وزراء بريطانيا توني بلير  خداع شعبيهما قبل خداع شعوب العالم لتبرير إجتياح العراق . ثمّ كرّس الإحتلال بصدور قرار الأمم المتحدة رقم 1483 لسنة 2003 وأصبح أمرا واقعا وخلق وضعا في غاية الخطورة . إجتاحت الفوضى بكلّ أشكالها كافة مرافق الدولة , خاصة بعد قرار الحاكم الأمريكي بريمر بحلّ الجيش والشرطة . وبدأت سرقات مؤسسات الدولة , وأخطرها سرقة البنوك والمتحف الوطني العراقي أمام أنظار قوّات الإحتلال التي تولّت حراسة وزارة النفط وتركت بقية المرافق , رغم كثرة أعداد قواتها التي لم تتلق أية مقاومة في البداية , أي حين بدأت السرقات ولم تمنعها, لماذا!!!ربما لاتريد هذه السلطة منع الأحزاب التي ساهمت بهذه السرقات من أجل "التمويل الذاتي!" والوصول الى السلطة بكل الطرق!
قررت سلطة الإحتلال تشكيل مجلس حكم ومنحه بعض الصلاحيات تحت إشراف الحاكم بريمر . وشكلّ المجلس يوم 12 تمّوز 2003 من 25 شخصاعلى أساس عرقي وطائفي , أعطي للطائفة الشيعية 13 مقعدا ولكل من الأكراد والطائفة السنية 5 مقاعد ومقعد واحد لكل من التركمان والمسيحيين . وبعض أعضاء المجلس لم يشاركوا كممثلين لطائفة أو قومية ,  السيد حميد مجيد موسى سكرتير الحزب الشيوعي بيّن لبريمر بأنه لا يشارك كشيعي بل كممثل للحزب الشيوعي الذي يدافع عن العمّال والفلاحين وسائر الكادحين , ولكن هذا لم يغير من خطط سلطة الإحتلال في محاولة لتأسيس نظام يعتمد المحاصصة الطائفية والإثنية . وقد جاءت تشكيلة مجلس الحكم لتعكس عمليا روح البيان الختامي لمؤتمر لندن , الذي تطرق الى مظلومية الطائفة الشيعية والأكراد , وأكدّ على أهمية إشراك القوميات والطوائف في إتخاذ القرارات السياسية , أي إعتماد التقسيم الطائفي ولإثني . ولهذا لم تتم الإشارة في مواد البيان ال22 الى أي ذكر للعمال والفلاحين والكسبة وحقوقهم ,لا من قريب ولا بعيد , وكأنّ العراق خالي من القوى المنتجة التي هي عصب حياة أي مجتمع , أي تغاضى البيان عن وجود طبقات تربطها علاقات إنتاج وتفاوت في مدخولاتها .
تشكلّت الحكومة المؤقتة في 28 حزيران 2004 لتحل محل المجلس الوطني برئاسة أياد علاّوي الذي أختير من قبل ممثل الأمم المتحدة , ولكن برغبة بريمر. وجاء ت تشكيلة الحكومة على أساس محاصصة أكثر من كونها حكومة تكنوقراط . وساندة حكومة علاّوي هجوم القوات الأمريكية , على ما سمي بالمقاومة , في مدينة الفلوجة , والتي تكونت في الغالب من القاعدة وحزب البعث , ولاقت دعما من رجال الدين السنّة وبعض دول الإقليمية , مثل السعودية. كما حاولت حكومة علاّوي الهجوم على جيش المهدي , في مدينة النجف , الذي تزعّمه السيد مقتدى الصدر , ولكن فشلت المحاولة بسبب تدخل إيران وبعض الأحزاب الشيعية . ولكن الحكومة مهّدت لإنتخابات برلمانية التي جرت في 30 كانون الثاني 2005 وجاءت بالجمعية الوطنية العراقية , التي إنتخبت إبراهيم الجعفري رئيسا للوزراء وأعدّت مسودة الدستور العراقي الذي صوت عليه في حزيران 2005. وشكلّ الجعفري وزارته في 28 نيسان 2005 من 32 وزيرا وثلاث نوّاب للرئيس على أساس توافق طائفي وقومي , ونالت الأحزاب الشيعية حصة الأسد والأكراد حوالي ربع المقاعد ووزيرة مسيحية وتركمان , وكان تمثيل الطائفة السنية محدودا بسبب دعوة ما سمي بالمقاومة وبعض رجال الدين السنّة الى مقاطعة الإنتخابات , بعكس رجال الدين الشيعة الذين حشدّوا  للإنتخابات , وإستغلت الأحزاب الشيعية المراجع العليا , كرفع صورها وأحاديثها , في دعاياتها الإنتخابية , بالإضافة الى تقديم مبالغ نقدية وعينية لشراء أصوات الناخبين . والأكثر من هذا تمّ حجب صناديق الإقتراع في عدة مناطق من العراق , مثلا حجبت صناديق الإقتراع في منطقة سهل نينوى من قبل أحزاب متنفذّة لأنها تفتقر الى شعبية لصعود مرشحيها الى المجلس الوطني , وحرّم أكثر من ربع مليون ناخب من الإدلاء بأصواتهم التي كان من المحتمل أن تذهب الى أحزاب أخرى , مثل الحزب الشيوعي والحركة الآشورية . كان التزوير لأول إنتخابات نيابية بداية لحملات تزوير أبشع شهدتها الإنتخابات التي تلتها , حيث وصل الأمر الى فتح سوق مزايدة في بيع الأصوات للكتل الكبيرة الناهبة للمال العام في السرّ والعلن , وحث الناخبين الشيعة للتصويت للأحزاب الشيعية وتخويفهم من السنة بحجة إضطهادهم للشيعة في حالة مجيئهم الى السلطة . أمّا الأحزاب السنية تحث الناخبين السنة لإسترجاع سلطتهم من الشيعة
كانت فترة حكومة الجعفري فترة إنتعاش الميليشيات الطائفية. وكان أبرزها جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر الذي ساهم في الحرب ضدّ الميليشيات السنية التي كانت أبرزها من القاعدة وبقايا حزب البعث . بالإضافة الى الإقتتال بينها قامت هذه الميليشيات بقتل المواطنين بحجة تطبيق الشريعة الإسلامية على أثر إطلاق فتاوي مخجلة من قبل رجال دين مشبوهين . ولعل أبشع جريمة مدبرة لقيام حرب طائفية كانت جريمة تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء . وكانت ردود فعل الطئفة الشيعية قوية , حيث قامت مجموعات بالإعتداء على أكثر من 150 مسجدا سنيا وقتل مايزيد على عشرة أئمة في الجوامع وإختطاف آخرين . إلاّ أنّ المراجع الدينية الشيعية تداركت الفتنة ومنعت من إنتشارها بإصدارها دعوات للهدوء وقطع الطريق على مخطط إشعال حرب طائفية . ولكن الأوضاع أصبحت مزرية من كل النواحي السياسية والإقتصادية والإجتماعية لعدم تمكن حكومة الجعفري من السيطرة عليها . وأصبح الجعفري غير مرغوب في تزعمه للحكومة المقبلة التي أفرزتها الإنتخبات النيابية في كانون الثاني 2006  رغم محاولة تشبثه بها , وإستبدلته الأحزاب الشيعية الفائزة بالسيّد نوري المالكي . شكّل المالكي حكومته على أساس محاصصة بين الشيعة والسنة والأكراد , وكذلك مجلس النواب , رغم إعطاء بعض الوزارات الغير السيادية الى الأقليات الأخرى ووزارة للشيوعيين , وسميت "حكومة شراكة وطنية" وديمقراطيتها ب"الديمقراطية التوافقية". وادعت الكتل الفائزة بأن حكومة المحاصصة تفرضها ظروف البلد , وإنّ الإنتخابات المقبلة ستفرز حكومة ذات أغلبية سياسية !!!
تخفّى الفساد المالي والإداري وأصبح أكثر شراسة تحت خيمة الإرهاب والإقتتال الطائفي عامي 2006 و 2007 , وأصبح القتل على الهوية الطائفية والدينية معروفا في بقية بلدان العالم . إستطاعت حكومة المالكي من الحدّ من الإرهاب بإرسال قوات من الجيش والشرطة الى مختلف محافظات العراق التي أطلق عليها "صولة الفرسان" منذ آذار 2008, وكذلك الإتفاق بين القوات الأمريكية ورؤساء عشائر الأنبار لمحاربة الفصائل السنية التكفيرية . وفي عام 2008 أعلن المالكي بأنّه سيكون عام القضاء على الفساد . ولكن لم يستطع المالكي من القضاء لا على الإرهاب ولا على الفساد , لأنّهما يستمدان حيويتهما من سياسة المحاصصة الطائفية والقومية . فالإرهاب غيّر أساليبه لأنّ المؤسسات الأمنية والجيش مخترقة من قبل الإرهابيين . أمّا الفاسدين يقومون بتحويل  قسم من سرقاتهم الى خارج العراق لإستثمارها في مشاريعهم وشراء قصور فاخرة ويخوت وسيارات لأفراد عوائلهم , والقسم الآخر لتمويل حملاتهم الإنتخابية وشراء الذمم والضمائر. هكذا تتم عملية إعادة الإرهاب والفساد . لم يستطع المالكي ولن يستطيع أن يقضي على الإرهاب والفساد , لأن نوع من الغرور إنتابه بعد تخفيف موجة الإرهاب . وقد حذّرت الأحزاب الوطنية بأن الإرهاب لايمكن القضاء عليه بدون قلع جذوره وموارده وتحت ظلّ حكومة محاصصة وتهميش الفرقاء السياسيين والضغط على الحريّات العامة , وهذا ما حصل وما يحصل خلال فترتي ترأس المالكي للحكومة . وأخيرا تحولت الحكومة الحالية من حكومة إنتخبها الشعب لحلّ الأزمات وتوفير الخدمات الى حكومة إفتعال الأزمات مع فقدان "المواطن" العراقي هويته الوطنية ليتسبث بالهوية القومية والطائفية والعشائرية أي تمزيق النسيج الإجتماعي العراقي الذي يسعى إليه الإرهابيون والفاسدون .
إذا طرحنا السؤال التالي : هل أن الإرهاب والفساد جاءا نتيجة المحاصصة , أم أنّ المحاصصة جاءت نتيجة الإرهاب والفساد , وكيف نتخلّص من هذه الآفات؟؟؟ للإجابة علينا الرجوع الى ماقبل الإحتلال عام 2003 ومن هي القوى التي نادت بالتدخل العسكري الأجنبي وأصبحت بين ليلة وضحاها قوى مناضلة ضدّ النظام في الداخل , ومن هي القوى التي نادت بتوحيد كافة أطراف المعارضة لإسقاط النظام  , لأنّ التدخل العسكري والحرب لا يجلبان غير الفوضى .
لم تستطع الحكومات التي تشكلت منذ عام 2004 لحدّ الآن من حلّ المشاكل السياسية والإقتصادية والإجتماعية لأنّها وجميع الكتل السياسية واقعة تحت ضغط خارجي , سواءا من قبل الدول المحيطة أو من أمريكا وبريطانيا وغيرها .
والآن نوجه السؤال التالي الى الناخب العراقي : من تنتخب ووطنك تعمّه الفوضى منذ نصف قرن والمسببين معروفون لديك والبلد يحصد المآسي والويلات منذ نصف قرن؟؟؟
المصادر :
1- في سبيل البعث,ميشيل عفلق- القسم الأول,الباب الثالث
2- المضدر السابق,الباب الأول
3- يوسف سلمان يوسف(فهد), المختارات ص327-354
4- المصدر السابق
5- في سبيل البعث, ميشيل عفلق, حول الوحدةبين سوريا ومصر
6- المصدر السابق
7- الحكّام العرب في مذكرات زعماء ورجال مخابرات العالم ص327
8- المصدر السابق ص316
9- في سبيل البعث ميشيل عفلق,الجزء الأول,الباب الثالث
10- كفاحي,أدولف هتلر,دار الأنوار-بيروت ص56
11- في سبيل البعث,ميشيل عفلق,الجزء الأول,الباب الثالث
12- كفاحي,أدولف هتلر,دار الأنوار ص93
13- قراءة في شهادة وزير عراقي,القاضي زهير كاظم عبّود,الحوار المتمدن,11/7/2007
14- في سبيل البعث,ميشيل عفلق,الجزء الأول,الباب الثالث
15- المصدر السابق
16- الحكّام العرب في مذكّرات زعماء ورجال مخابرات العالم,مجدي كامل,ص327-329