العدالة الاجتماعية بين الواقع و معوقات إرساءها نظرة عامة و ملاحظات

بدء بواسطة حكمت عبوش, أبريل 16, 2013, 04:14:30 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

حكمت عبوش

العدالة الاجتماعية بين الواقع و معوقات إرساءها
نظرة عامة و ملاحظات
                                                                                       حكمت عبوش
رغم مرور أكثر من شهر ونصف على يوم(العدالة الاجتماعية) في 20/2/2013 و الذي أقرت الأمم المتحدة تكريسه منذ عام 2008 يوما عالميا بهذه المناسبة فانه مر عندنا في العراق مرورا عابرا و كأنه يوم عادي و هذا ما لا ينسجم مع الخلل الذي يعانيه ميزان العدالة الاجتماعية في وطننا وما للعدالة من أهمية بالغة في حياة البشر منذ أزمان بعيدة و لذلك أوجبتها و أوصت بها الأديان السماوية و كل الحركات الثورية الاجتماعية و الوطنية و خاصة الحديثة حيث دعت إلى  تطبيق العدالة التي تحقق الإنصاف و المساواة و نبذ الظلم في كل مجتمع و محاسبة القائمين به حسب نوع الظلم و الظروف المحيطة به و نحن في العراق بأشد الحاجة لتطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية حيث يعلم الجميع إنه لازالت الهوة عميقة بين نسبة عالية من العراقيين وتطبيق المادة 30 للدستور التي نصت على أن ( تكفل الدولة للفرد و الأسرة والطفل والمرأة الضمان الاجتماعي والصحي والمقومات الأساسية للعيش في حياة حرة كريمة تضمن لهم الدخل المناسب والسكن الملائم ) و يظهر التباين الشاسع بين دخل الأثرياء و دخل الفقراء حيث لازال مستمرا و يشكل ابرز سمات الواقع الاقتصادي و الاجتماعي الراهن و نعيدها للمرة الألف إن الإمام علي هو الذي قال(ما اتخم غني إلا و جاع فقير) إن الخطة التي وضعتها الحكومة لتخفيف نسبة الفقر في العراق للفترة من 2010 – 2013 رغم إنها جاءت متأخرة فهي عجزت عن إحداث تغيير نوعي في أحوال الفقراء نحو الأحسن فلازالت نسبة 23% من العراقيين الذين يعيشون دون مستوى الفقر و نسبة الـ 42% منهم يعيشون على حافة الفقر هي الأصح و لازالت الفروق في دخول المواطنين واضحة كالفرق بين الأرض و السماء و فعلا مواطنون و هم أقلية يقبضون رواتب تبلغ تسع ملايين دينار أو أكثر أو اقل قليلا في الرئاسات الثلاثة و العاملين في هيئاتها و نواب البرلمان و الوزراء و وكلاء الوزارات و كبار القضاة و الموظفين و المستشارين و الدرجات الخاصة ما عدا المخصصات الضخمة و ملايين اقل لأعضاء مجالس المحافظات و غيرها من الوظائف الكبيرة أما باقي العراقيين و هم الأكثرية فملايين منهم لا يحصلون على ما يسد رمقهم و نعيد هنا ما قاله ساخرا النائب و الوزير السابق القاضي وائل عبد اللطيف: الدستور يقول إن العراقيين كلهم متساوون في امتلاك ثروات البلد و لكن هل أنا يتساوى دخلي مع دخل رجل الشارع الذي يبلغ 1000 دينار في اليوم إن وفرة المال العراقي أصبحت حقيقة واضحة يعرفها عموم المواطنين فالمليارات من الدولارات التي تزخر بها علانية ميزانيات العراق كل سنة لهي كافية لمعالجة مشاكل شعب تعداده ليس 32 مليون إنسان فقط بل معالجة مشاكل شعب تعداده ضعف هذا العدد و نعيد ثانية ما قاله الدكتور علي الشكري وزير التخطيط من أن ما دخل ميزانية العراق منذ 2003 حتى 2012 هو 700 مليار دولار و لكن أهدر منها 80% عبثا و هنا يسأل المراقب العادي و المواطن البسيط: لماذا إذن يستمر هذا التباين الشاسع بين قلة متخمة بالمال و الامتيازات الوفيرة في مختلف جوانب الحياة و أكثرية فقيرة في مختلف المحافظات العراقية من الشمال إلى الجنوب و من الشرق إلى الغرب تعكسها صور العاطلين و المهمشين سكنة الأكواخ والبيوت الآيلة للسقوط وصور الأطفال المتسربين من المدارس الذين يتسكعون في الشوارع متسولين و تائهين أو يعملون في أعمال لا تتناسب و أعمارهم الغضة و النساء الفقيرات من الأرامل و المطلقات و الفتيات الصغيرات و المدفوعات دفعا للعمل المنهك في معامل الطابوق و مصافي الملح و غيرها من مواقع العمل السالبة لإرادتهن و كأننا في عصور ما قبل التاريخ و لا تنسى النقص في المستشفيات و المراكز الصحية و الأجهزة الطبية و الأدوية و التلكؤ في بناء المدارس و انجاز مشاريع الكهرباء و مياه الشرب و الصرف الصحي و الأمطار و التي جعلت آخرها من بغداد مدينة طافية و كأنها  فينيسيا الايطالية بالماء و الماء فقط .
أهم معوقات تطبيق العدالة الاجتماعية:
إن معرقلات ترسيخ أسس العدالة الاجتماعية هي نفسها مصدات تحقيق النمو و التطور الشامل و الاستراتيجي الذي يحتاجه العراق في مثل هذه الظروف الصعبة باستثمار إمكانياته الطبيعية الهائلة و البشرية المتمكنة للوصول إلى المستقبل الوضاء. إن الكوابح التي تمنع وضع العراق في مساره الحضاري السليم الذي سيحقق بامتياز خطوات تقدم نوعي أكيد إلى أفاق مشرقة هي نفسها الموانع التي تقطع الطريق أمام توفير و تعزيز مستلزمات العدالة الاجتماعية. و هنا نشير إلى حقيقة بديهية يعرفها الكثيرون وهي أن مشاركة الجماهير العريضة في عملية البناء الاستراتيجي تزداد حيوية و إبداعا كلما شعرت وعرفت هذه الجماهير أن العدالة الاجتماعية متحققة بشكل متميز وأن مكاسبها السياسية والاجتماعية المشروعة قد تم تأمينها بدون مصاعب أو معوقات فتجتهد عندها في استنباط وخلق أساليب جديدة في عملها فيزداد ويتطور كما ونوعا. 
و بالعكس عندما يتقاعس و يتلكأ المسؤولون في تلبية مصالح الجماهير عموما فان مساهمتها هذه في عملية البناء و الاعمار ستضعف و تكون فاترة و بعيدة عن الإبداع في مختلف المجالات إن أهم المعوقات التي تقف حائلا أمام نشر أسس و مفاهيم العدالة الاجتماعية و تطبيق مفرداتها عمليا تأتي المحاصصة في أولها و هذا ما أقرته أغلبية الكتل و منها المتنفذة و الشخصيات البارزة في السياسة و الإعلام و الصحافة و منظمات المجتمع المدني و المحاصصة بأنواعها(المذهبية و الطائفية و الاثنية و الدينية) التي فرضت على العملية السياسية منذ بدء التغيير عام 2003 ويقول النائب بهاء الاعرجي من كتلة الأحرار الصدرية رئيس لجنة النزاهة البرلمانية في لقاء مع قناة البغدادية يوم 4/4/2013 إن حتى القضاء يتعرض لضغوط من اجل إفشال عملية مكافحة الفساد حيث عند إحالة متهم به إلى القضاء فان مسؤولين في الكتلة السياسية يقوم احدهم بمخابرة القاضي من اجل مراعاة المتهم ورفع الاتهام عنه فيخاف القاضي من التهديد أو المحاسبة وهذه مع غيرها هي التي جلبت البلاء إلى العراق لأنها لم تلد سوى توائم الفساد السياسي و الإداري و المالي . و أسألكم: الذي يسرق أموال الأرامل و اليتامى و المعوقين و المشردين ألا يمارس بهذا فسادا أخلاقيا؟ إن المحاصصة هي التي أوجبت الفساد الذي كان السبب مثلاً في تعيين 30 ألفا بشهادات مزورة و هي التي أوجبت أيضاً تعيين(ألفان) كمسؤولين كبار مثل وكيل وزارة أو مستشارا أو عضو برلمان أو مجلس المحافظة و غيرها من المواقع. إن هؤلاء لم يتعينوا بمواقعهم الرفيعة بشهاداتهم و لا بكفاءاتهم و لا نزاهتهم بل تعينوا بتوصيات كتلهم و أحزابهم أو إحدى الشخصيات المتنفذة فيها و لذلك جاءت النتيجة مخيبة للآمال من خلال فشل و تلكؤ انجاز الأعمال و المشاريع التي تولوا العمل بها و إدارتها أو الإشراف عليها و انتشر الفساد حتى أصبح سرطانا يأكل في الجسم العراقي و هذا ما يوجب امتلاك إرادة قوية من اجل استئصاله و القضاء عليه ونضطر هنا لإعادة ما قاله الدكتور( هادي المالكي ) – في ندوة على قناة الحرة عراق مؤخرا ــ رئيس الحزب الليبرالي العراقي والأستاذ الجامعي من أن رئيس الوزراء نوري المالكي بإمكانه القضاء على الفساد بحدود سنة أو سنة ونصف إذا امتلك الإرادة من اجل ذلك  و لذلك يجب أن تترفع كل الكتل و الأحزاب و الشخصيات النافذة عن التوصية و الأمر بتكليف أمثال هؤلاء الفاسدين بتولي أي موقع صغيرا كان أم كبيرا لان نتيجته معروفة سلفا و هي إيقاع الضرر بالمصلحة العامة أولا و الأذى بسمعة الكتلة أو الحزب أو الشخص الذي أوصى بتعيينه. و من هنا نقول الآن إن كل الأحزاب و الكتل السياسية عليها أن تحرص اشد الحرص في أن يتوفر بمرشحيها إلى عضوية مجالس المحافظات قبل كل شئ الكفاءة و النزاهة و هي الأهم من أية صفة أخرى. و بذلك نخطو الخطوة الجادة الأولى في مكافحة الفساد و إرساء الأساس لتحقيق مفاهيم العدالة الاجتماعية و كل مفاهيم المواطنة و الديمقراطية و السلام و احترام الآخر و كيانه الإنساني المنصوص عليها في القوانين الوطنية و الدولية. 






* كتب هذا المقال يوم 8/4/2013

ماهر سعيد متي

هزني الشوق للتوزيع العادل ولمباديء الاشتراكية الحقة ونحن تلج ازمانا ملؤها التخبط والفساد
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة