منظمات شعبنا المدنية * ودورها في صناعة الرأي العام / جورج هسدو

بدء بواسطة matoka, أبريل 12, 2013, 03:46:27 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

منظمات شعبنا المدنية *
ودورها في صناعة الرأي العام




جورج هسدو
g_hasado@yahoo.com
برطلي . نت / بريد الموقع

لجأ المجتمع العراقي عموماً بعد نيسان 2003 أي بعد زوال النظام السابق إلى تبني واستخدام العديد من المفاهيم العصرية التي كانت مغيبة وممنوعة إبان حقبة الحكم السابق الذي إمتد لـ 35 عاماً، حيث تجمد تعامله مع المفاهيم المدنية عند النصوص الفلسفية والمناهج الدراسية دون أي تطبيق عملي لها.. لكن بعد التخلص من سطوة ذلك النظام القمعي سارع العراقيون إلى تبني وتأسيس منظومة مدنية كبيرة لم تقف عند حد التعددية السياسية بل تجاوزتها لتصل إلى بناء مؤسسات مجتمع مدني في المجالات الثلاثة "السياسة، الثقافة، الإقتصاد" وما يدخل في إطارها من إختصاصات وأقسام متنوعة.. ولم يختلف شعبنا (الكلدوآشوري) عن باقي مكونات الشعب العراقي في المبادرة لتأسيس منظمات مدنية أخذت على عاتقها مسؤولية المساهمة في تنوير وتثقيف أبناء شعبنا بحقوقهم المدنية العامة، كما سعت إلى إقامة وإحياء مختلف النشاطات والفعاليات ذات الخصوصية الأثنية والدينية لشعبنا.

ماهو المجتمع المدني وماهو الرأي العام؟؟
لكن قبل أن نخوض في مسألة تقييم منظمات شعبنا المدنية ومدى نجاحها أو فشلها في صناعة رأي عام خاص بشعبنا بخصوص قضاياه الأساسية، نرى ضرورة تناول بعض التعريفات العامة لكل من مفهومي "المجتمع المدني والرأي العام" مثار بحث مقالنا هذا وذلك للمقارنة بينها وبين ما يتعامل معه شعبنا من مؤسسات غير حكومية وكيفية تأثيرها على التوجه العام لغالبية الجماهير.
يشير مصطلح المجتمع المدني إلى أنه ((كل أنواع الأنشطة التطوعية التي تنظمها الجماعة حول مصالح وقيم وأهداف مشتركة. وتشمل هذه الأنشطة المتنوعة الغاية التي ينخرط فيها المجتمع المدني مثل تقديم الخدمات، أو دعم التعليم المستقل، أو التأثير على السياسات العامة. ففي إطار هذا النشاط الأخير مثلا، يجوز أن يجتمع مواطنون خارج دائرة العمل الحكومي لنشر المعلومات حول السياسات، أو ممارسة الضغوط بشأنها)).. ومن الناحية النظرية يعتبر المجتمع المدني ((الإطار الذي تنتظم فيه العلاقات بين الأفراد والجماعات على أسس ديمقراطية، أي ذلك المجتمع الذي تحترم فيه حقوق المواطن السياسية والإقتصادية والثقافية في حدها الأدنى، إنه ذلك المجتمع الذي تقوم فيه دولة المؤسسات)).. كما أن المجتمع المدني يضم ((مجموعة واسعة النطاق من المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية التي لها وجود في الحياة العامة وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استناداً إلى اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية، ويطلق على هذه المنظمات مصطلح "منظمات المجتمع المدني")).. ومنظمات المجتمع المدني يتم تعريفها بأنها ((مؤسسات سلمية ينشأنها مواطنون هدفها مساعدة كل من الدولة والمواطن، وتعتبر قطاع ثالث معاون بجانب القطاع الخاص والقطاع العام. وليس من أهدافها الحصول على سلطة أو منصب، بل هي خدمة للمجتمع، ولا تتدخل الدولة في مهامها وطرق عملها أي لابد أن تكون الجمعية مستقلة)).
أما الرأي العام فهو ((تكوين فكرة أو حكم على موضوع أو شخص ما أو مجموعة من المعتقدات القابلة للنقاش وبذلك تكون صحيحة أو خاطئة، وتخص أعضاء في جماعة أو أمة تشترك في الرأي رغم تباينهم الطبقي أو الثقافي أو الاجتماعي، فيعترض ذلك مع الرأي الخاص الذي يشير إلى أمور ومسائل شخصية تتعلق بفرد واحد)).. كما أنه ((ذلك التعبير العلني والصريح الذي يعكس وجهة نظر أغلبية الجماعة تجاه قضية معينة في وقت معين)).. وتشير العديد من تعريفات الرأي العام إلى أنه ((مجموعة اتجاهات الناس الأعضاء في نفس المجموعة الاجتماعية نحو مسألة من المسائل التي تقابلهم)).. وبأنه ((فهمٌ معين للمصالح العامة الأساسية يتكون لدى كافة أعضاء الجماعة)).. أو هو ((الناتج عن عملية تفاعل الأشخاص في أي شكل من أشكال الجماعة نحو موضوع معين يكون محل مناقشة في جماعة ما)).. وهو ((تعبير أعضاء الجماهير عن الموضوعات المختلف عليها فيما بينهم)).. أو ((هو مجموعة الاتجاهات التي تسيطر على الجماعة إزاء مشكلة ما وتعبر عن رأي الأغلبية)).. وأخيراً فأن الرأي العام هو ((الحكم الاجتماعي لجماعة ذات وعي ذاتي على موضوع ذي أهمية عامة بعد مناقشة عامة مقبولة)).

واقع المنظمات المدنية قبل وبعد 2003
وإذا ما قارنّا بين منظمات المجتمع المدني الخاصة بشعبنا في المرحلة التي سبقت زوال النظام السابق ومرحلة ما بعد عام 2003، سنرى مدى البون الشاسع في العدد الكمي وهامش حرية العمل الميداني بينهما، إضافة إلى الفروقات المادية كالدعم المالي وإستقلالية القرار وحرية الإنتماء ومساحة التحرك وغيرها.. فقبل 2003 لم يكن شعبنا يمتلك في المحافظات الواقعة خارج منطقة الحماية الدولية (كردستان العراق) مثل بغداد والموصل وكركوك إلا عدد قليل (لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة) من المؤسسات المدنية التي اقتصرت على المجالات الأدبية والثقافية والرياضية، هذا إذا إستثنينا المؤسسات الكنسية التي إنحصر دورها على التثقيف الديني وإحياء التراث الكنسي وبعض النشاطات الترفيهية العامة.. بينما شهدت نفس المناطق بعد عدة سنوات من سقوط النظام ولادة العشرات من منظمات المجتمع المدني الخاصة بشعبنا، وهي لم تقتصر على المجالات الأدبية والثقافية فحسب بل تشكلت مؤسسات مدنية تعنى بمختلف الشؤون الاجتماعية التي تهم المواطن بصورة عامة وأبناء شعبنا خصوصاً.. كما أن ذلك العدد القليل من المؤسسات المدنية الذي كان موجوداً إبان حكم حزب البعث لم يسلم من تدخلات وضغوطات السلطة التي لم تكن أجهزتها الأمنية تتوانى عن فرض أجنداتها القومية والسياسية والحزبية عليها، لكن ورغم ذلك الواقع الصعب والظرف الحرج استطاع قسم من تلك المؤسسات الإفلات من الرقابة السلطوية ونجحت في تمرير قناعاتها المتعلقة بخصوصية شعبنا القومية والتثقيف بإتجاه ذلك، وهو ما يُشهد به لكل من جمعية آشور بانيبال الثقافية في بغداد واتحاد الأدباء والكتاب السريان والنادي الأثوري الرياضي في كركوك.. لكن بعد عام 2003 أصبح عمل منظمات المجتمع المدني أكثر إنفتاحاً وسلاسة من ناحية تدخلات السلطة التي وصلت إلى درجة إهمال المؤسسات المدنية وعدم إعارة أي إهتمام لنشاطها الجماهيري، إلا أن جميع منظمات المجتمع المدني شأنها شأن بقية المؤسسات عانت من فقدان الأمن وتعرضت للإستهداف من قبل الإرهاب والأصولية الدينية.
أما فيما يتعلق بمنظمات المجتمع المدني التابعة لشعبنا في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام (إقليم كردستان) لما قبل 2003 في كل من محافظات أربيل ودهوك والسليمانية، فأن أكبر ما يمكن أن يؤشر له هو تواصلها ومحافظتها على استقلالية خصوصيتها في ظل الظروف الاقتصادية القاسية والظرف الأمني القلق.. إلا أنها خلال السنوات الأخيرة شهدت هي أيضاً تزايداً كمياً وتوسعاً نوعياً وخاصة في الجانب الثقافي الذي ربما زاد عن الحد المطلوب في بعض المناطق (عنكاوا مثلاً)، كما أن هامش الحرية المتاح لها إزداد طردياً مع تزايد معايير الديمقراطية والتعددية السياسية في الإقليم وتحديداً مع ظهور مؤسسات إعلامية مستقلة إلى جانب معارضة نشطة.

تأثيرها على الرأي العام
والآن بعد أن عرفنا خواص المجتمع المدني وصفات منظماته، وبعد أن ألقينا نظرة على ماهية الرأي العام وتعريفاته بحسب مختلف المدارس الفكرية، وبعد أن إطلعنا على واقع مؤسسات شعبنا المدنية قبل وبعد زوال النظام عام 2003.. لابد لنا من تقييم أداء منظمات المجتمع المدني العاملة على الساحة القومية لشعبنا وتحديداً دورها في التأثير على الرأي العام من خلال صناعة توجه مشترك وموحد بين عامة الجماهير، والذي يعتبر من أولويات ومهام عمل منظمات المجتمع المدني أو ما يطلق عليها بالمنظمات غير الحكومية.. ولكي لا نظلم مؤسسات شعبنا المدنية وخصوصاً تلك النشطة في الجانب القومي، لابد من الإشارة إلى أن العامل الموضوعي شكل في أحيان كثيرة حجر عثرة أمام عملها وأثر سلباً على أدائها الميداني الساعي لتأسيس مجتمع تحترم فيه حقوق المواطن الأساسية من خلال بناء دولة المؤسسات.. فالإرهاب المسلح والتطرف الديني والجريمة المنظمة والإستحواذ السياسي والتكالب على المناصب والمحاصصة الطائفية وإستشراء الفساد المالي والإداري وفقدان الحس الوطني والإستقطابات الفؤية، كلها عوامل وصعاب خارجية أدت إلى إنحسار دور المؤسسات المدنية في التأثير على رأي العامة.. لكن في المقابل فأن جملة من العوامل الذاتية (الداخلية) غلفت آليات عمل منظمات شعبنا المدنية وساهمت بشكل سلبي في التقليل من تأثيرها على قناعات الجماهير، بحيث صعب على منظمات المجتمع المدني تجاوز تأثير تلك العوامل عليها واستسلمت لتداعياتها التي غيرت طبيعتها المدنية شكلاً ومضموناً.

يمكن إختصار العوامل الذاتية في:
تبعيتها للأحزاب السياسية: تأسست الكثير من المؤسسات المدنية كأذرع جماهيرية تابعة لأحزاب سياسية، ما أدى إلى فقدانها لإستقلاليتها المهنية وتحولت إلى أداة بيد الحزب الذي إستغلها في عملية التبشير ببرنامجه والدعوة لطروحاته في عملية التنافس للوصول إلى السلطة، حيث تداخلت هوية المنظمة المدنية مع شخصية الحزب السياسية.
رضوخها لضغوطات السلطة: بسبب خسارة المنظمات المدنية صراعها التعبوي مع السلطة التي سعت دائماً لتجيير كل الفعل المؤسساتي لصالح أجنداتها، أهملت منظمات المجتمع المدني مهمتها الأساسية في "ممارسة الضغوط للتأثير على السياسات العامة" ما أدى بالنتيجة إلى رضوخها لضغوطات السلطة والإنصياع لرغباتها.
إنسياقها خلف رجال الدين: إنساقت العديد من منظمات المجتمع المدني الخاصة بشعبنا خلف آراء قسم من رجال الدين الذين نشطوا مؤخراً في تأجيج الصراع الطائفي عن طريق الخوض في إشكالية التسمية، بحيث أهملت تلك المنظمات دورها التقليدي في "عكس وجهة نظر أغلبية الجماعة" وإلتهت بفكرة تغيير رأي عام محايد إلى آخر منحاز للخصوصية الكنسية.
سعيها للحصول على مناصب: وقعت أغلب المنظمات المدنية في تناقض الجوهر مع المسعى وأصبحت ضحية طموحات مؤسسيها وبعض أعضائها المتنفذين، وتحولت شيئاً فشيئاً إلى وسيلة لإيصال البعض إلى مناصب إدارية ومواقع في السلطة ضاربة بذلك أحد أهم أسس تشكيل منظمات المجتمع المدني ألا وهو "ليس من أهدافها الحصول على سلطة أو منصب".
حصر عضويتها بفئة معينة: تقوقعت أغلب المنظمات على نفسها وإنحصرت إنتماءاتها بين فئة معينة دون غيرها معطية بذلك إنطباعاً شاذاً عن هيكلة المؤسسة المدنية القائم على التعددية والإختلاف، بل أن قسم منها تحول إلى ملكية عائلية لا يتداول رئاستها وإدارتها إلا أشخاص من نفس العائلة.
تنافسها بدلاً من تكاملها: أصيبت أغلب منظمات شعبنا المدنية بداء التنافس والتنابز الكتلوي في تكرار لتجربة الأحزاب السياسية الساعية للتشبث بالزعامة الجماهيرية، وبدلاً من توحيد حراكها وبناء علاقة تكاملية فيما بينها لمعالجة واقع المواطنة الناقصة التي يعاني منها شعبنا راحت تتصارع وتتسابق على المكاسب الخاصة مهدرة بذلك المزيد من الطاقات ومحرقة الكثير من الجهود في غير محلها.

الخلاصة
ربما سنبتعد عن الموضوعية إذا أنكرنا وجود تباين في الأداء العملي بين منظمات شعبنا المدنية من ناحية ماتقدمه من خدمات ورؤى لأبناء شعبنا، ففي الوقت الذي نجحت بعضها في التصدي (وفق الإمكانيات المتاحة) لقضايا تهم الجماعة فشلت أخرى حتى في تحقيق أبسط أهدافها المعلنة.. لكن جميعها شاركت بشكل أو بآخر في عكس صورة قاتمة للمجتمع المدني الذي تمنى شعبنا إمتلاكه خصوصاً بعد تغيير النظام، حيث تميزت منظماته بكثرة العناوين المطروحة مع تشابه البرامج المتبنية إلى جانب إلتقائها في النظرية العلمية مقابل إختلافها على منهج وآلية التطبيق.
ومن كل ما سبق يتبين لنا أن دور مؤسسات شعبنا المدنية في صناعة رأي عام يتصدى لمفردات قضيتنا القومية بالتزامن مع الحقوق الوطنية ليس في حدوده المقنعة أو هو دون مستوى الطموح، كما أن مكانتها الإعتبارية ناقصة وأن هويتها التخصصية تحتاج إلى تعزيزها بمزيد من الحرفية.. لذا فالمطلوب منها هو التركيز أكثر على أداء دورها الإجتماعي والسعي لبناء إطار مدني يحتضن العمل الرقابي القائم على المؤسساتية، وذلك من خلال تطبيقها للمفهوم القائل بأن المجتمع المدني هو "ناتج عملية تفاعل الأشخاص في شكل جماعة نحو موضوع معين يكون محل مناقشة".. ناهيك عن أهمية تحملها لمسؤولياتها الخاصة بهموم وحقوق شعبنا المدنية التي إستمر فقدانه لها حتى بعد زوال النظام السابق، وليس عيباً أو منقصة أن تبلور منظمات شعبنا المدنية فكرها بأتجاه التصدي لقضايا عامة كالمطالبة بأستحداث محافظة سهل نينوى أو رفع التجاوزات عن أراضي شعبنا ومحاربة التغيير الديمغرافي الذي تتعرض له، فبالنتيجة عليها أن تفكر بمصلحة المواطن وليس بمكاسب أعضائها.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في مجلة "سبروثا" الصادرة عن اتحاد الأدباء والكتاب السريان العدد 1 في 30/ 12/ 2012.





Matty AL Mache

ماهر سعيد متي

فعلا .. يضاف الى مهام منظمات المجتمع المدني مهمة اخرى تتمثل بالعمل الرقابي على السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية .. لذا انا ارى ضررورة استقلالية هذه المنظمات والجمعيات والمؤسسات ليكون لها متسع من المجال للرقابة التي باتت من الامور الملزمة في ظل الوضع المتردي في البلد .. تقبل مروري .. تحياتي
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة