قيامة المسيح من بين الأموات وقيامتنا معه / للأب متى المسكين

بدء بواسطة الاكليريكي بشار الشمني, يناير 26, 2011, 08:06:39 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 2 الضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

الاكليريكي بشار الشمني



قيامة المسيح من بين الأموات وقيامتنا معه
للأب متى المسكين


     بادئ ذي بدء نقول إنه لولا الموت ما كانت القيامة، فما هو الموت؟


         كيف دخل الموت طبيعة الإنسان؟

    خلق الله آدم على صورته: » فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكراً وأنثى خلقهم. وباركهم الله، وقال لهم: أثمروا واكثروا واملأوا الأرض «(تك 27:1و28)، وعاش آدم مع الله في الفردوس ينعم بحبه ويستمد منه المعرفة والحياة. هكذا خلق الله آدم على صورته بإرادة حرَّة ومعرفة خيِّرة وحياة دائمة لا يعوزه شيء. وكانت الأرض بكل مخلوقاتها تخضع له وتطيعه وبلا جهد تخرج له أثمارها. وبدأ الله يمتحن الإنسان بإعطائه وصية في شبه أمر ليختبر حرية إرادته نحو الطاعة ليجازيه عِوَض الطاعة مزيداً من نمو ورقي. فقال له الله أن يأكل من كل شجر الفردوس إلاَّ شجرة معرفة الخير والشر: » من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت «(تك 16:2و17). وواضح من هذه الوصية أنه لو خالف وأكل سيجلب على نفسه عقوبة الموت؛ أولاً بسبب المخالفة، وثانياً بسبب أن نوع الأكل من هذه الشجرة سيجلب عليه معرفة الشر، وهي غريبة عن طبيعته وسينقسم بين معرفة الخير والشر وتنقسم إرادته، فإن سقط لا يستطيع أن يقوم. وقد أكَّد الله عليه هو وامرأته معاً: «فقال الله لا تأكلا منه ولا تمسَّاه لئلا تموتا. فقالت الحية للمرأة: لن تموتا بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفَيْن الخير والشر» (تك 3:3-5). وهكذا خالفا، وهكذا أخطآ، وهكذا وقع عليهما حكم الموت. من هذا يتبيَّن أن فعل الموت وعقوبته كحكم كان دخيلاً على طبيعة الإنسان وقد جلبه الإنسان على نفسه بالعصيان.


         كيف يعمل فعل الموت في طبيعة الإنسان؟

    قبل العصيان كان آدم يستمد حياته من الله وكان دوام حياته يتوقف على معرفة الخير ومحبة الله مع دوام طاعته لأوامر الله؛ وهكذا بعصيان آدم لله وتوقُّف طاعته، توقَّفت معرفته للخير والمحبة، فتوقفت الحياة ولم يَعُدْ دوامها إلى مالانهاية!
     وبذلك بدأ فعل الموت يعمل في طبيعته منذ بدأ يعرف الشر وتنقسم إرادته ما بين الخير والشر. وبدأ الشر شيئاً فشيئاً يستوطن في طبيعته، ومن شرٍّ إلى شرٍّ بدأت حركة التناقص إلى أسوأ وأضعف، فابتدأ عامل الفناء يدب في جسده ويسوقه قسراً نحو الموت. أما الأرض من ناحيتها فبدأت تحجز خيرها عنه: يعطيها هو كل عافيته، ولا تعطيه هي إلاَّ قدر كفافه. وبعامل جذبها الشديد بدأ يتثقَّل جسده يوماً بعد يومٍ. وبدأت حركته تزداد صعوبة وإرهاقاً وتمَّ العقاب: «بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، وشوكاً وحسكاً تنبت لك» (تك 17:3و18)، وكأنها تبادله الجهاد بالعداء لأنها أخذت وصية ضده: «ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك... بعرق وجهك تأكل خبزاً حتى تعود إلى الأرض التي أُخِذْتَ منها، لأنك تراب وإلى التراب تعود» (تك 17:3-19). كما أصبحت عداوة الأرض مخفية في جذبها الشديد لثقل جسده مما أضعفه وخاصة في مرضه وشيخوخته. وهكذا أحنت ظهر الإنسان بفعل جذبها الشديد لتردَّ له اللعنة التي أخذتها بسببه!
     وهكذا يسري فعل الموت في جسد الإنسان منذ ولادته ويزداد ويتكشَّف سنة بعد سنة حتى تهبط حركته ويتوقف قلبه ويقع ميتاً على الأرض ليُوارى بالتراب الذي أُخِذَ منه.
والآن يمكن التعبير عن الموت بأنه حركة سلبية للتغيير الدائم نحو الأقل والأردأ والأضعف بفعل الشرور التي اكتسبها الإنسان بمعرفته للشر عِوَض الخير. كما أنه حركة استنزاف تحت تأثير العوامل الطبيعية المؤثِّرة في الجسد وأصعبها الجاذبية الأرضية التي تعاشره منذ يخرج من البطن حتى يسقط على ترابها، ونختصرها في عاملين:
الأول: حركة التغيير السلبي نحو الفناء والزوال.
الثاني: حركة جذب الأرض الشديد حتى يعود التراب إلى التراب.
     هذا هو عنصر الموت الذي دخل طبيعة الإنسان واستوطن فيها، والسبب فيه كانت الخطية وعصيان الله. وهكذا خرج آدم من أمام الله وفي صميم طبيعته فعل الموت، وحركة الفساد، وفي يده حكم الموت المحتَّم. وهذا هو الموت الذي ملك على الإنسان من آدم إلى المسيح.
وهو بعينه الذي من أجله جاء المسيح إلى عالمنا: «لكي لا يهلك كل مَنْ يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية» (يو 16:3). وكانت مسرَّة الابن لبذل نفسه أعظم مظهر لقهر الموت لإعطاء حياة جديدة لا سلطان للموت عليها!!



        الخطوات التي اتخذها المسيح ليرفع الخطية وأثرها من الطبيعة البشرية، ويرفع حكم الموت، ويُقيم الإنسان بشريةً جديدةً مصالحةً مع الله:

أ.    كان يلزم أن يتجسَّد ابن الله - أي يأخذ جسد البشرية، ولكن بدون خطية - حتى يستطيع أن يرفعها، فلزم أن يولد من الروح القدس والعذراء القديسة مريم.
ب.    كان يلزم لكي يرفع الخطية واللعنة وحكم الموت من الطبيعة البشرية، أن يحمل جميع خطايا البشرية في جسده القدوس، حيث يحمل جسده ما هو ليس له كابن الله، على أنه له من أجلنا! بل ويقبل بسبب هذه الخطايا جميعها حكم الموت بمحض إرادته من أجل البشرية التي يحملها ويحمل خطاياها وعارها على جسده، أي يصبح هو الإنسان الخاطئ المحكوم عليه بالموت واللعنة في شخص آدم وكل بنيه: «الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة، لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر» (1بط 24:2)، وأيضاً يقول إشعياء النبي: «والرب وضع عليه إثم جميعنا.» (إش 6:53)
ج.    ولكن إذ أن المسيح في المحاكمة وعلى الصليب كان هو القدوس الحامل جسد البشرية الخاطئة بكل خطاياها واللعنة والعار، ومات بخطايانا التي حمل، وأُنزِل إلى القبر وأكمل قانون الموت إلى ثلاثة أيام؛ أصبح موته من أجلنا موت كفَّارة أبدية، لأنه لم يُمسَك في الموت فتأكَّدت الكفَّارة، وإذ قام تأكَّد أنه القدوس ابن الله، وإذ قام بالجسد الذي مات به هو هو بجروحه في يديه ورجليه وجنبه تبرهنت قيامة البشرية معه وفيه، بشريةً جديدةً أُسقِطَ عنها حكم الموت وأُوقف منها فعل الزوال بل ونالت برَّ ابن الله لتحيا بحياته إلى الأبد.


        ما هو التغيير الذي حدث لجسد المسيح في الموت؟

     يلزمنا أن ندرك أنه لو لم يحمل المسيح خطايانا في جسده على الخشبة ما مات أبداً ولبقِيَ كما هو إلى الأبد. كما يلزمنا أيضاً أن نفهم أن المسيح بأخذه خطايانا في جسده على الخشبة وقبوله الموت كخاطئ من أجلنا يكون قد أكمل لنا في جسده حكم الموت واللعنة الواقع علينا أصلاً من آدم. فبموت جسد المسيح إلى ثلاثة أيام في القبر يكون قد اكتسب للبشرية في جسده البراءة الكلِّية من حكم الموت واللعنة. والدليل الأعظم لذلك هو أن الموت لم يمسك بجسد المسيح إذ لم تبقَ عليه خطية بعد، فداسه المسيح لَمَّا ألغى حكم الموت الذي كان عليه بموته المقدس وقام منتصراً: «الذي أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت، إذ لم يكن ممكناً أن يُمسَك منه.» (أع 24:2)
وعلاقة الخطية بالموت معروفة، إذ مثَّلها بولس الرسول بالعقرب الذي يضرب شوكته التي في نهايه ذيله أيَّ جسدٍ فيسري فيه السُّم ويموت. فالمسيح لَمّا حمل الخطية ومات بها بأن أخذ حكم الموت عليها، أنهى على الخطية التي في جسد بشريته، وأنهى على الموت ذاته، وكأنه عصفور في مخلب صقر! «أين شوكتك يا موت؟ أي غلبتك يا هاوية. أما شوكة الموت فهي الخطية (التي رفعها وألغى وجودها إلى الأبد)، وقوة الخطية هي الناموس (والناموس أبطله بدمه).» (1كو 55:15و56)


        كيف مات؟

     حينما مات المسيح بالجسد لَمَّا شرب كأس خطايا البشرية على الصليب بإرادته كمشيئة الآب، انفصلت نفسه عن جسده، لأن هذه هي عقوبة الموت. فحينما انسكب الدم من الجسد على الصليب ومع شدة الآلام خرجت النفس، حيث النفس في الدم: «لأن نفس الجسد هي في الدم، فأنا أعطيتكم إيَّاه (الدم) على المذبح للتكفير عن نفوسكم، لأن الدم يكفِّر عن النفس» (لا 11:17)، أي أن انسكاب الدم من الجسد على الصليب كان هو الكفَّارة العُظمى. أما النفس فنزلت إلى الهاوية للكرازة في السجن (الجحيم): «فإن المسيح أيضاً تألم مرة واحدة من أجل الخطايا، البار من أجل الأثمة، لكي يقرِّبنا إلى الله، مُماتاً في الجسد ولكن مُحْيىً في الروح (النفس) الذي فيه (التي فيها أي في النفس) أيضاً ذهب فكرز للأرواح التي في السجن» (1بط 18:3و19). وفي نهاية الثلاثة أيام: "أتت نفسه (من الهاوية) واتحدت بجسده (الذي في القبر)" (القسمة السريانية)، فقام من بين الأموات، على أن لاهوته لم ينفصل قط لا عن نفسه ولا عن جسده، لحظة واحدة ولا طرفة عين. علماً بأن الدم حينما انسفك من الجسد وسقط على الأرض كفَّر عن خطايا الجسد (البشرية)، وشفى لعنة الأرض التي تزلزلت عند استقباله: » انسحقت الأرض انسحاقاً، تشققت الأرض تشقُّقاً، تزعزعت الأرض تزعزعاً. «(إش 19:24)

         ولكن، كيف قام؟

    سبق أن أوضحنا أن الموت بالنسبة لجسد الإنسان هو عملية تغيير سلبي للأضعف نحو الزوال، حيث يتم الموت حينما يتوقف القلب ويقع الجسد على التراب. هنا نريد أن نوضِّح أن عملية التغيير السلبي نحو الزوال مع عملية جذب الأرض لا تسري إلاَّ في المادة. فالمعروف أن المادة هي المستهدفة للتغيير نحو الزوال والمتأثِّرة بجاذبية الأرض.
لذلك حينما أكمل المسيح حكم الموت الذي كان على الجسد، رُفعت منه العوامل التي كانت تعمل للموت وهي الخطية. هذا معناه أن مادة الجسد أو جسد المسيح المادي توقفت عنه في الحال عوامل التغيير نحو الزوال. وهذا واضح جداً في عدم تسرُّب عوامل الفساد للجسد، كما توقفت قوة الجاذبية الأرضية عن تأثيرها على الجسد، التي هي أصلاً ضمن عقوبة الموت ولعنة الأرض، لذلك قيل إنه: » لم يكن ممكناً أن يُمسَك منه (أي من الموت) «(أع 24:2). وبهذا قام جسد المسيح حيًّا، متحدِّياً الفساد ومتحدِّياً جاذبية الأرض وكل القيود الطبيعية المؤثِّرة في الجسد المادي من زمان ومكان.
هنا يلزم أن نعرف أن المسيح بالقيامة لم يفقد شيئاً مما كان له على الأرض، فناسوته بَقِيَ كما هو متحداً بلاهوته إنما في وضعه الروحاني الأسمى. فكل ما حدث لجسد المسيح المادي هو أن المادة التي فيه تحوَّلت من منظورة ومحسوسة إلى غير منظورة ولا محسوسة، ومن ثقلها وخضوعها لجاذبية الأرض إلى اللاكثافة واللاوزن واللاعتامة؛ لأن الذي أورث الجسد البشري في آدم عناصر الزوال والخضوع للجاذبية الأرضية هو حكم الموت. فلما رفع المسيح هذه العوامل المادية والمتحكمة في المادة جميعاً بتكميله حكم الموت الكفَّاري، تحرَّر الجسد! على أن لاهوته بقِيَ ملازماً للجسد ومتَّحداً به في كل أوضاعه، فهو جسد الإله أو الجسد الإلهي محسوساً أو غير محسوس.

         شكل الجسد القائم من بين الأموات:

     بفقدان الخواص المادية للجسد يختفي منه تجسيد ملامحه الأولى المادية فلا يعود يُرى إطلاقاً، ولكن يظل » الجسد الروحاني «(1كو 44:15) محتفظاً بكل سمات وهيئة الجسد الأول حتى إلى ملامحه الدقيقة ومميزاته الظاهرة مثل: جمال الصورة، وشكل العين وبريقها، وهيبة الوجه، ورهبة الروح التي تشرق في الوجه إشراقاً، والوداعة، واللطف، والعطف، والمحبة المنسكبة في وضعها الروحي الفائق. لأن هذه تُعتبر أصلاً الصفات الأساسية التي للروح التي على صورة الله وليس من تراب الأرض - وكانت المادة تلبسها كقناع - فلما تحوَّلت المادة فيه إلى الروح، احتفظ الجسد بهيكله الروحي كما كان، ولكن دون أن تراه أو تحسَّه الحواس البشرية العادية.
     ولكن كما رأينا في حالة جسد المسيح الروحي القائم من بين الأموات، كان قادراً - بحسب إرادته - أن يظهر للتلاميذ والخواص بهيئته الأولى تماماً، وذلك بتكثيف الجسد الروحاني إلى شكله الجسدي المادي تحت الضرورة إلى الدرجة التي أقنع بها حواسهم من رؤية ولمس وحديث أنه هو هو المسيح المصلوب بجروحه:
+ «وفيما هم يتكلَّمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم، وقال لهم: سلامٌ لكم! فجزعوا وخافوا، وظنوا أنهم نظروا روحاً. فقال لهم: ما بالكم مضطربين، ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم؟ انظروا يديَّ ورجليَّ: إني أنا هو. جسُّوني وانظروا، فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي. وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه.» (لو 36:24-40)
وهكذا يُعتبر إيماننا نحن الآن بالقيامة معتمداً على تحقيق مادي للرؤيا واللمس أجراه التلاميذ، وكذلك رؤية القبر الفارغ:
+ «ثم جاء سمعان بطرس يتبعه، ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة، والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان، بل ملفوفاً في موضع وحده. فحينئذ دخل أيضاً التلميذ الآخر الذي جاء أولاً إلى القبر، ورأى فآمن.» (يو 6:20-8)
وبهذا برهن المسيح أنه قام بنفس الجسد الذي صُلب به، ولم يحدث له أي شيء إلاَّ كونه تحوَّل من شكله المادي إلى شكله وكيانه الروحاني الذي يستطيع أن يرفع شفافيته فلا يراه أحد، أو يخفِّض من شفافيته ليُرى بشكله المادي كما يريد هو وبقدر انفتاح وعي الرائي إلى إدراك وتصديق الوضع الجديد للقيامة. وقد تنازل المسيح القائم من بين الأموات إلى توما لدرجة أنه قال له: «هات إصبعك إلى هنا وأبصر يديَّ، وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمنٍ بل مؤمناً» (يو 27:20)، والكلام كلهُّ تسجَّل لنا من شاهد عيان:
+ «الذي رأيناه (جسد المسيح القائم من بين الأموات) بعيوننا، الذي شاهدناه، ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة (المسيح). فإن الحياة (الأبدية) أُظْهِرَتْ (في الجسد المُقام)، وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظْهِرَتْ لنا (في المسيح). الذي رأيناه وسمعناه نُخبركم به، لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا. وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح.» (1يو 1:1-3)


         جسد القيامة في وضعه الجديد:

         في اليوم الثالث أي باكتمال عقوبة الموت كان الجسد المادي الذي تقبَّل العقوبة قد استوفى حكم اللعنة على الصليب، وآلام الموت حتى النهاية، وكمال حالة الموت. وبهذا يكون قد استوفى التكفير اللازم حتى إلى درجة الموت، وبهذا يكون قد أُبطِلَ عنه تأثير الموت وخضوعه لسلطان الفساد والجاذبية الأرضية وكل التأثيرات الأرضية والطبيعة المادية. بمعنى أن الجسد قد تحرَّر نهائياً من قيود القبر والعالم المادي، وارتفع قائماً من بين الأموات. ولكن كما سبق وقلنا دون أن تكون له هيئته المادية الأولى، بل في وضعه الروحاني الجديد  الذي ظهرت فيه في الحال قوة الحياة الأبدية وسلطان الروح القدس ومجد الآب، لذلك قيل إنه: "قام بمجد الآب" بعد أن استوفى الجسد عقوبة آدم: » إلهي إلهي لماذا تركتني «(مت 46:27). بمعنى أن المسيح قام والبشرية الجديدة فيه مبرَّأةً من الخطية، مفديةً من الموت، معتوقةً من تراب الأرض والعالم، صاعداً بها إلى الآب: «اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم» (يو 17:20). وهكذا أصبح كل ما له لنا، وسلَّمنا مكانه من الآب: «وأقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويَّات في المسيح يسوع، ليُظْهِرَ في الدهور الآتية غِنَى نعمته الفائق، باللطف علينا في المسيح يسوع.» (أف 6:2و7)
         ماذا تمَّ لنا في قيامة المسيح من بين الأموات؟

1. المسيح رفع عن الطبيعة البشرية التي فيه والتي لنا الخطية بموته الكفَّاري وسَفْك دمه على الصليب.
2. ألغى من الطبيعة البشرية التي فيه والتي لنا فعل الموت الأبدي وقوته كحكم سابق وعقاب ولعنة.
3. حرَّر الطبيعة البشرية التي فيه (تمهيداً لما سيعمله فينا) من قوى الجاذبية الأرضية والفناء وكل القيود المادية.
4. اكتسب المسيح لنا ببرِّه الشخصي وقدُّوسيته وعلاقته الأزلية بأبيه، بشريةً جديدةً فيه غالبةً الموت ولها روح القيامة وشركة المجد!
هذه هي قوة القيامة ومكاسبها العُظمى التي أكملها المسيح في جسده، توطئة لتسليمها للإنسان بالإيمان! وقد سلَّمنا منذ الآن روح قيامته بالإيمان ليعمل فينا من الآن وعند الموت:
+ «وإن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكناً فيكم، فالذي أقام المسيح من الأموات سيُحيي أجسادكم المائتة أيضاً بروحه الساكن فيكم.» (رو 11:8)
وهكذا بشركتنا مع المسيح في موته الذي ماته بالجسد من أجلنا، نأخذ نفس الشركة في قيامته:
+ «لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشِبه موته، نصير أيضاً بقيامته.» (رو 5:6)
وأيضاً إن كنَّا قد متنا مع المسيح بإيماننا، فسنحيا معه بنفس الإيمان:
+ «فإن كنَّا قد متنا مع المسيح، نؤمن أننا سنحيا أيضاً معه.» (رو 8:6)
نفهم من هذا أننا أخذنا منذ الآن عربون الأجساد الروحانية التي سنقوم بها مع المسيح غالبين الخطية والموت والهاوية. وأما أجسادنا المادية فسوف تفنى في التراب:
+ «فأقول هذا أيها الإخوة: إن لحماً ودماً لا يقدران أن يرثا ملكوت الله، ولا يرث الفساد عدم الفساد.» (1كو 50:15)
بل حتماً سنلبس ثوب العُرس المجيد:
+ «وكما لبسنا صورة الترابي (هيئة الجسد المادي كقناع بالميلاد الجسدي)، سنلبس أيضاً صورة السماوي (بالقيامة من بين الأموات).» (1كو 49:15)
+ «يُزرع جسماً حيوانياً (في الرَّحم) ويُقام جسماً روحانياً (في المعمودية). يوجد جسم حيواني (مادي) ويوجد جسم روحاني (سماوي).» (1كو 44:15)
أما الآن:
+ «فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق، حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا بما على الأرض، لأنكم قد متُّم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله. متى أُظْهِرَ المسيحُ حياتُنا، فحينئذ تُظْهَرون أنتم أيضاً معه في المجد.» (كو 1:3-4)
تأملات يوم الجمعة الحزينة سنة 1996

         قيامة المسيح فعل إلهي

+ نحن الآن بالإيمان نرفع قلوبنا إلى فوق حيث المسيح جالس عن يمين العظمة في الأعالي، فنحس بعلاقتنا الوثيقة بالمسيح، ونرتبط بمصيرنا الأبدي، ونستوطن عنده. فالقيامة هي مصدر حياتنا الجديدة ونور إيماننا.
+ يا إخوة تيقظوا معي! القيامة كفعل إلهي مسئولية عظمى، ولن يعمل فينا هذا السر الإلهي إلاَّ إذا فهمنا أن القيامة فعل حياة ورسالة نتقبَّلها الآن لنحيا بها ونبشِّر، ولا ننتظرها في اليوم الأخير كمريم ومرثا!!
+ فالقيامة في وضعها الروحي فعل قوة لغفران الخطايا للخلاص والمجد وتجديد الحياة وبشارة. كما ينبغي أن لا يغيب عن ذهننا قط أن المسيح وهو الإله، وهو القيامة والحياة، تألَّم وجُلد وشُتم وضُرب! ونحن مدعوون بالمثل أن نعيش قوة القيامة تحت الآلام! وأن نذوق مجد القيامة تحت ثقل كل ضروب المعاناة. حينئذ فقط تُستعلن القيامة فينا ويتمجَّد المسيح!! وهل يمكن أن نبشِّر بالقيامة دون أن نبشِّر بالآلام ونشترك فيها؟
+ المسيح لم يستكره الظلم بل التصق بالآلام، وجعلها كأنها شيءٌ قريبٌ إلى نفسه ومحبب، بل ومكمِّلٌ لحياته: « لأجل هذا أتيتُ إلى هذه الساعة. »(يو 27:12)
+ لذلك كلما ازدادت الآلام للسائرين في طريق الملكوت، كلما استُعلنت قيامة المسيح لهم وفيهم وصاروا شهود صدقٍ للمصلوب المُقام.
(كتاب: "القيامة والصعود"، للأب متى المسكين، الطبعة الثانية 1992، ص 299 و303 و304)







matoka

                      شكرا الاخ  الاكليريكي بشار الشمني  على الموضوع
Matty AL Mache